في غزة.. كارثة إنسانية وحرب إبادة جماعية

 

شبكة النبأ: لاتزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل عدوانها السافر على قطاع غزة التي دمرتها صواريخ الاحتلال وسط صمت دولي عربي خطير كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان ما يقوم به جيش الاحتلال اليوم ضد المواطنين العزل في قطاع عزة هو حرب إبادة جماعية استخدم فيها اكثر من (11الف طن من المتفجرات) والاسلحة المحرمة دولياً، حيث ارتفعت حصيلة الهجوم الإسرائيلي الذي بدأ في 8 يوليو تموز إلى أكثر من ألف شهيد فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين مع انتشال أكثر من مئة جثة من تحت أنقاض المباني المدمرة، هذا بالإضافة الى إصابة اكثر من 5900 مواطنا بجروح مختلفة، بحسب المصادر الطبية الفلسطينية.

وهو ما اسهم بازدياد مخاوف بعض المنظمات الانسانية الدولية العاملة في القطاع التي تخشى من تفاقم المعاناة الانسانية وتشير معظم التقارير الواردة من القطاع الى أن الوضع الإنساني الحالي غاية في السوء، وان معظم الضحايا والمصابين هم من الأطفال والنساء، فضلا عن النقص الواضح في الأدوية والمعدات الطبية التي كانت معدومة أصلا بسبب الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الثامن، وهو مستمر بترك أثره المدمر حيث أن سبل الوصول للأسواق وحركة الأشخاص من وإلى قطاع غزة لا تزال ممنوعة.

وعجز الاقتصاد المحلي على خلق وظائف إذ أصبح غالبية السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية. وارتفع عدد لاجئي فلسطين الذين يعتمدون على منظمة الأونروا في الحصول على المعونة الغذائية من أقل من 80,000 شخص في عام 2000 ليصل إلى 830,000 شخص حاليا. وأفادت مصادر تابعة لمنظمات إنسانية دولية أنه من الصعب جدا إدخال مواد أو تدخل الأطقم الطبية وقد أفادت هذه المصادر بحاجة  القطاع الماسة إلى الوقود وذلك لتوفير الكهرباء بعدما تم قصف نحو 7 خطوط للكهرباء مما يؤثر بشكل كبير على عمل المستشفيات، تم أيضا قصف 8 شبكات للصرف الصحي وآبار مياه ، هذا بالإضافة الى ان القصف الإسرائيلي قد استهدف عدة مستشفيات ومؤسسات صحية في قطاع غزة من بينها مستشفى الأقصى حيث أصيب عدد من المرضي ومقدمي خدمات الرعاية الصحية.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الصراعات العربية المستمرة قد اسهمت وبشكل فاعل في تصعيد العدوان الاسرائيلي الذي يسعى الى الاستفادة من بعض الاحداث والمتغيرات الإقليمية والعالمية من اجل تغير الواقع الحالي، فالخلافات والدعم المتواصل من قبل بعض الانظمة العربية للمجاميع المسلحة في العديد من الدول من اجل ادامة الحرب في تلك المناطق، كانت هدف مهم لأبعاد القضية الفلسطينية عن الاهتمام العربي والعالمي.

وهو ما دفع اسرائيل الى تكثيف حملاتها العسكرية في فلسطين المحتلة في سبيل التخلص من كابوس المقاومة الفلسطينية، خصوصا وان إسرائيل قد اعلنت وبشكل صريح ان ما تقوم به اليوم جاء من اجل تدمير ترسانة حماس وحليفتها حركة الجهاد الإسلامي. أمّا الهدف الثاني، فهو الانفاق التي تستخدمها حماس لشنّ هجمات في العمق الإسرائيلي. وكانت الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة أعلنت رفضها لاقتراح قدّمه كيري حول هدنة من سبعة أيّام، تسمح بالدخول في مفاوضات غير مباشرة بين الأطراف المعنية.

ونقلت الإذاعتان الإسرائيليتان العامة والعسكرية عن مسؤولين قولهم إنّ بنود الهدنة التي قدمها كيري تميل لمصلحة حماس. ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون جنوده إلى أن يكونوا جاهزين "لتوسيع كبير في العمليات البرّية". وهو ما قد يطيل امد الحرب ويسهم بارتفاع اعداد الضحايا خصوصا مع تمسك الطرف الاخر بحق المقاومة والدفاع المشروع، حيث أعلن الجناح المسلح لحركة "حماس" كتائب القسام، أنه أطلق اكثر من 1700 صاروخ باتجاه إسرائيل منذ بدء هجومها العسكري على قطاع غزة.

وأضافت كتائب القسام أنها رفعت متوسط إطلاق الصواريخ اليومي بعد بدء العملية البرية للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 120 صاروخا، مقابل 90 صاروخا قبل بدء العملية البرية، وذكرت الكتائب أنها أطلقت 15 صاروخا باتجاه مطارات عسكرية للجيش الإسرائيلي، وسيرت "طائرة أبابيل1" بأنواعها الثلاث الاستطلاعية، والهجومية إلقاء، والهجومية انتحارية في أجواء إسرائيل.

وقالت إن مقاتليها قتلوا 59 جنديا إسرائيليا وأصابوا أكثر من 300 آخرين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي البري على قطاع غزة، وخاض 15 عملية اشتباك مباشر بالأسلحة الرشاشة والعبوات، وأسر جندي إسرائيلي، وتبنت كتائب القسام استهداف ما لا يقل عن 44 دبابة وناقلة جند للجيش الإسرائيلي بالعبوات والصواريخ المضادة للدروع، واستهداف 26 حالة تسلل للقوات الخاصة الإسرائيلية على أطراف قطاع غزة.

الى ذلك يرى مراقبون آخرون ان خطورة وحساسية الوضع الامني والحقوقي في هذا البلد الاسلامي تنذر بحدوث كارثة إنسانية خصوصا مع تصاعد مشاعر الكراهية وازدياد اعمال القتل على نحو مضطرد، في حين تقدم بعض الدول جهود مساعدات إنسانية لا ترتقي لردع هذه الكارثة الإنسانية المتصاعدة، حيث ان هذه الجهود من خلال المساعدة الانسانية لا تتناسب مع حجم الكارثة المتصاعدة.

ما من مكان آمن

وفي هذا الشأن قالت الامم المتحدة إن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المكتظ بالسكان ليس أمامهم أي مكان للاختباء من الهجوم العسكري الاسرائيلي وإن الاطفال يدفعون أفدح ثمن لذلك. وقصفت إسرائيل أهدافا في قطاع غزة واستبعدت وقف اطلاق النار في وقت قريب في حين واصل دبلوماسيون كبار من الولايات المتحدة والأمم المتحدة محادثات لإنهاء القتال الذي أودي بحياة المئات من الاشخاص.

وقال ينس لايركه المتحدث باسم مكتب الامم المتحدة للمساعدات الانسانية للصحفيين في جنيف "لا يوجد فعليا أي مكان آمن للمدنيين." وقال لايركه إن عدد القتلى يتصاعد في القطاع الذي تقدر الكثافة السكانية فيه بنحو 4500 شخص في الكيلومتر المربع. وتعطي وكالات الاغاثة الأولوية لحماية المدنيين واخلاء الجرحى ومعالجتهم.

وأضاف أن ما يقرب من 500 منزل دمرت في الغارات الجوية الاسرائيلية وأن 100 ألف شخص لجأوا إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) حيث يحتاجون للغذاء والمياه والحشايا. وقالت اونروا في بيان "هذا العدد مستمر في الزيادة كل ساعة" ورفعت مناشدتها للحصول على تمويل طارئ إلى 115 مليون دولار من 60 مليون دولار.

وبدأت اسرائيل غاراتها الجوية على القطاع في الثامن من يوليو تموز وقالت إنها تريد وقف اطلاق الصواريخ على أراضيها ثم بدأت هجوما بريا ودكت اسرائيل أهدافا في غزة لتحطم الآمال في وقف القتال. ورفضت حركة حماس الاسلامية اقتراحا مصريا لوقف اطلاق النار الاسبوع الماضي. وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان "التوغل البري المستمر والذي بدأ في 18 يوليو زاد معدل الاصابات البشرية بشكل كبير خلال اليومين الماضيين فضلا عن عدد العائلات النازحة."

وقتل في الاشتباكات العديد من الإسرائيليين. وقالت جوليت توما من صندوق الأمم المتحدة للطفولة إن من بين القتلى الفلسطينيين 121 طفلا تحت سن 18 عاما. وقال الصندوق إن أكثر من 900 طفل فلسطيني أصيبوا بجروح أيضا. وقال لايركه "وفقا لتقدير عمال الاغاثة على الطبيعة يحتاج ما لا يقل عن 107 الاف طفل لدعم نفسي واجتماعي بسبب المأساة التي يعانون منها." وأضاف أن أكثر من 1.2 مليون شخص في القطاع ليس لديهم مياه أو لا يصل إليهم منها سوى كميات بسيطة لأن شبكات الكهرباء أصيبت بأضرار أو لا يوجد وقود يكفي لتشغيلها. وقال "بالاضافة إلى ذلك تلقينا تقارير عن انتشار مياه المجاري التي تمثل خطرا على الصحة العامة."

وقالت اليزابيث بيرز المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي إن البرنامج وزع حصصا غذائية طارئة وقسائم غذائية على أكثر من 90 ألفا حتى الان خلال الصراع. وأضافت "مخزونات الأغذية الجاهزة انخفضت في غزة في ضوء استمرار الصراع والاحتياجات تتزايد." وسيتم شراء امدادات محليا ونقل كميات أخرى جوا من دبي. بحسب رويترز.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن 18 منشأة طبية في غزة أصيبت بأضرار بما في ذلك ثلاثة مستشفيات. وقالت فاضلة شايب المتحدثة باسم المنظمة "هناك مخاوف كبيرة فيما يتعلق بمستلزمات المستشفيات لان الأدوية والأدوات الطبية ذات الاستخدام لمرة واحدة ناقصة بشكل خطير سواء في وزارة الصحة وفي المستشفيات الأهلية بسبب ضخامة عدد الإصابات ونقص خطير حتى قبل تصاعد العنف."

الموت أو النزوح

في السياق ذاته نزح آلاف الفلسطينيين المصابين بالهلع إلى شوارع مدينة غزة فرارا من قذائف إسرائيلية أمطرت الرعب والموت على ضاحيتهم التي تحفها الأشجار. وتشبثت الأمهات الباكيات بأطفالهن الملفوفين بأغطية وسار صبية صغار حفاة وحمل الآباء القلقون أطفالهم الصغار في حي الشجاعية. وركبت بعض الأسر عربات تجرها الحمير وتكدسوا في سيارات. وجلس سبعة أشخاص في شوكة جرافة ضخمة تسير بهم ببطء خروجا من الدخان والدماء المراقة.

وملأت جثث مشوهة لرجال ونساء وأطفال المشرحة في المستشفى الرئيسي في غزة بينما أفادت أنباء أن جثثا أخرى ما زالت تحت الأنقاض في منطقة الشجاعية الواقعة على الأطراف الشمالية الشرقية لقطاع غزة. وقال أحمد منصور (27 عاما) وهو ممدد على بطنه بينما كان ظهره وذراعه يقطران دما على محفة المستشفى "لقد قتلوا شعبنا.. بل قصفوا شعبنا وهم يغادرون منازلهم. أي نوع من البشر يمكن أن يفعل ذلك؟"

وقال عامر الصقالي وهو والد لعشرة أطفال يمسك بيد ابنه الصغير "هل رأيت ما تفعله إسرائيل بنا؟ هل ترى كيف تسمح القوى العظمى في العالم لها بمهاجمة المدنيين دونما تمييز والآن لم يعد لدينا شيء... هم يعتقدون أنهم فوق القانون ومسموح لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم." وسار الصقالي صوب وسط غزة أملا في أن يجد الملجأ والهدوء.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه حث جميع أهالي الشجاعية على ترك المنطقة قبل يومين متهما نشطاء حماس بإطلاق 140 صاروخا من تلك المنطقة وباستخدام المدنيين كدروع بشرية. وأظهرت لقطات مصورة مهزوزة قدمها أحد السكان جثثا مقطعة الأوصال بينها جثث لثلاثة أطفال ممددة في عرض الشارع بدا أنها قتلت بفعل القصف. وتصاعد دخان أسود في الهواء في تذكير ماثل بحالة النزوح عن الشجاعية.

وقال سامح حمادة (40 عاما) وهو يسير مع زوجته وأطفاله دون أن يحملوا شيئا " أدركنا أخيرا أنه لا يوجد شيء يمكن فعله سوى الفرار." وقاطعته زوجته وهي تبكي "كانت جثث وأوصال بشرية في الشارع." وتوقفت مجموعة من الشباب عن السير للجلوس على زاوية في شارع حينما انطلق قصف مدفعي أصاب مبنى على بعد مربعين سكنيين ففروا على غير هدى.

وأظهرت صور فوتوغرافية من حي الشجاعية أكواما من الحطام على جانب الطريق بينما واجهات المباني مدمرة والنوافذ مهشمة بفعل قوى الانفجارات. وتقول إسرائيل إنها لا تستهدف إلا المتشددين وإنها وجهت نداءات وتحذيرات إلى نحو نصف سكان غزة البالغ تعدادهم 1.8 مليون شخص تدعوهم لإخلاء أحيائهم المختلفة.

وطالبت حماس الأهالي بالبقاء في بيوتهم ويقول كثير من السكان إنه لا يوجد مكان يذهبون إليه. وحدود القطاع مع غزة ومصر مغلقة مما يعني أن الأهالي لا يمكنهم إلا التحرك في حدود القطاع الضيق. ولاقى مستشفى الشفاء المكتظ بالحالات صعوبات شديدة في التعامل مع هذا السيل الجديد من القتلى والمصابين. وكانت ثمة جثتين لامرأتين محروقتين ممددتين على الأرض إلى جانب طفلين بلا رأس وثالث مشطور إلى نصفين. بحسب رويترز.

وأحضر أسطول من سيارات الإسعاف الضحايا ومنهم جثة صحفي يرتدي الدرع الواقي الأزرق وبدت عليه كلمة "صحافة" بخط كبير. وحمل إلى المستشفى أيضا جثمان مسعف يرتدي الملابس الخضراء المميزة. وفي جناح العلاج من الصدمات لم يكن هناك مكان يضع فيه الأطباء كل المصابين. وقال طبيب امتنع عن ذكر اسمه "لا يمكننا تقديم المساعدة.. هؤلاء المصابون يموتون.. نحن نحاول إجراء عمليات لهم.. ولكن أيا كان ما نفعله.. سيموتون أيضا."

الكابوس المتواصل

على صعيد متصل ومع مغيب الشمس يستعد المسعفون الفلسطينيون لمواجهة ليلة جديدة من الرعب وهم يتنقلون في سياراتهم سعيا لإنقاذ جرحى او انتشال جثث اثر غارات اسرائيلية حصدت مئات القتلى والاف الجرحى. ويعمل المسعفون يدا بيد، وكأنهم عائلة واحدة، بعد ان خاضوا معا تجارب تفوق كل تصور، في منطقة اعتادت على الحروب والقصف.

ويواصل المسعفون جمع الأشلاء، وأجساد الأطفال التي مزقتها القذائف، رغم كل الضغوط وحالة الانهاك، وشظايا القذائف التي تنهمر عليهم من كل حدب وصوب، من البر والجو. وكثيرا ما يجدون انفسهم عالقين بين النيران الاسرائيلية ونيران الفلسطينيين. ويقول جهاد سليم الذي يعمل مسعفا منذ 17 عاما انه مصر على القيام بواجبه كمسعف رغم الحروب التي عاشها. الا ان جهاد يأمل الا يسير اولاده على خطاه. "ما نراه مؤلم جدا. ندخل منزلا ونجد اشلاء. يلتقط أحدهم يدا، ويمدها لنا ويقول: خذوها... ولكننا مع الوقت نعتاد على ذلك".

ويتحدث عادل الزعبوط البالغ من العمر 30 عاما هو الآخر بلهجة حازمة "صراحة، انا اتصرف من دون تفكير. اذا رأيت اشلاء، من مسؤوليتي أن أتعامل مع الأمر، وافعل ذلك بمهنية". وفي هذه الظروف المرعبة، يعيش هؤلاء في حالة خوف دائم من ان يتلقوا نداء استغاثة من منزل اهلهم او اقاربهم. ويقول الزعبوط انه قرر ان يصبح مسعفا خلال الانتفاضة الثانية. "افضل ما يمكن أن يفعله الانسان، هو مساعدة اخيه الانسان، لي الشرف أن اساعد الآخرين".

ولا يتوقف الهاتف خلفه عن الرنين، ويشرح انهم يتلقون باستمرار اتصالات من اطفال يتسلون بطلب نمرة الاسعاف المجانية. ويقول سليم ان "اسوأ ما حصل لنا هو جعل رقمنا مجانيا. والان، كل من يريد ان يتاكد ان هاتفه يعمل، يتصل بنا". ولكن غالبا ما يكون الاتصال للابلاغ عن حالات خطيرة. وتتصل عائلات تعيش قرب الحدود مع اسرائيل لطلب نقلها بسيارة اسعاف، ولكن المسؤول لا يمكنه ارسال سيارة من دون التنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر.

وقتل  المسعف فؤاد جابر في القصف على حي الشجاعية، شرق غزة، حيث قتل 70 فلسطينيا في ذلك اليوم الدامي. ورافق جثمانه موكب من سيارات الاسعاف ورفاقه الباكون حتى منزل عائلته حيث تعيش زوجته وطفلته البالغة من العمر سنتين. وحتى في اوقات الحرب، يضطر المسعفون للتعامل مع حالات عاجلة عادية. وبين ضحايا الغارات، يتوجهون لنجدة ضحايا حادث سير. وفي مرة تلقوا نداء لاسعاف طفلة سقطت عن الطابق الثالث. اهتم المسعفون بتثبيت عنقها واوصلوها مع اهلها الى مستشفى الشفاء في مدينة غزة.

ويقول سليم ان الوضع اسوأ من الحربين الاخيرتين في نهاية 2008 وفي نهاية 2012. ويقول "كل حرب اسوأ من التي سبقتها. لم يشهد اي بلد في العالم ثلاث حروب في ست سنوات". ويعمل المسعفون يدا واحدا ليتمكنوا من الصمود في هذه الظروف الصعبة. "نحن عائلة واحدة" يقول سليم المسؤول عن فريقه الصغير، "نواجه الوضع معا، نتعاون، ننام ونصحو معا". بحسب فرانس برس.

ورغم كل المعاناة، وربما بسببها، يبقي المسعفون الجو في مركزهم خاليا من التوتر، فيتحدثون عن الحلوى التي سيأكلونها بعد الإفطار، او عمن واجه أقسى الظروف في الليلة الفائتة. ويقول الزعبوط "نحاول اشاعة اجواء خفيفة، لاننا نعرف ان الهاتف يمكن ان يرن في اي لحظة، وعندها سنخرج، ولكننا لا نعرف ان كنا سنعود".

الإمدادات الطبية

الى جانب ذلك وبينما تواصل إسرائيل قصف المئات من الأهداف في قطاع غزة، تواجه المستشفيات نقصاً في الإمدادات الطبية. كما تؤدي الاحتياجات المتزايدة وسياسات ضبط الحدود التي تتبعها الحكومة المصرية التي لا تزال تفرض قيوداً على دخول غزة إلى تفاقم النقص الموجود من قبل. وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة حالة الطوارئ لأنها تواجه خطر النقص الحاد في الأدوية الأساسية.

وقال أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة، أن الاحتياجات ستصل حداً حرجاً في القريب العاجل. وأضاف "إننا نواجه بالفعل نقصاً حاداً في الأدوية واللوازم المستهلكة، مما يؤثر على علاج عدد متزايد من المصابين جراء التصعيد الحالي". (ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، نفد 30 بالمائة من الأدوية الأساسية ونصف مخزون المستلزمات الطبية المستهلكة في غزة حتى قبل الأزمة).

وقد وجهت الوزارة ومنظمة الصحة العالمية نداءً لتوفير 60 مليون دولار على وجه السرعة لتغطية نفقات الإمدادات الطبية التي نفدت وللقيام بالتحويلات الطبية من قطاع غزة. وفي مستشفى الشفاء في مدينة غزة، كانت الغرف مكتظة وكان الطاقم الطبي يكافح لتحمل عبء العمل. وتم نقل المصابين بسرعة إلى غرف الجراحة والعناية المركزة وفي بعض الأحيان إلى المشرحة. كما هرع الأقارب الموجودون في مكتب الاستقبال للاستعلام عن أية أخبار عن أحبائهم.

ووصف كريستيان كاردون، رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، الوضع بأنه "غير عادي"، مؤكداً أنه "بالمقارنة مع أعداد القتلى والجرحى في النزاع الأخير في عام 2012، وصلنا بالفعل إلى مستوى عال من الكثافة في عدد القتلى، بمن فيهم النساء والأطفال ... وهناك حاجة إلى المزيد من الأدوية والمستهلكات، كما ستطرأ حاجة إلى اللوازم الطبية في وقت ما". ودعا جميع الأطراف إلى احترام العاملين في المجال الطبي والسماح "للمستشفيات بالعمل ليلاً ونهاراً وتمكين سيارات الإسعاف من التحرك في كل مكان في قطاع غزة ... هذا أمر معقد جداً في الوقت الحاضر بالنظر إلى الوضع الأمني وحدة الصراع".

وتجدر الإشارة إلى أن الطواقم الطبية واجهت صعوبات في الوصول إلى مناطق معينة، في حين أصيب 12 شخصاً بجروح في هجوم على جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في بلدة جباليا، التي تقع في شمال قطاع غزة. من جانبه، دعا عائد ياغي مدير جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية إلى اتخاذ إجراءات دولية فورية لحماية الفلسطينيين وتوفير الإمدادات الطبية. وقال أنه "يجب أن تكون هناك استجابة نشطة لتفادي المزيد من تدهور الوضع في غزة. ليس من المقبول أن نرى الناس يعانون دون اتخاذ أي إجراء لإنقاذ حياتهم".

وقد تفاقم هذا النقص جراء القيود الصارمة على دخول البضائع إلى قطاع غزة، والتي يفرضها الحصار المستمر منذ عدة سنوات على قطاع غزة من قبل مصر وإسرائيل. وفي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، كافح عمال الإغاثة المحبطون للعبور إلى القطاع. وقال أيمن قويدر، ممثل اتحاد الأطباء العرب أن السبل تقطعت به وبعدد من موظفي المؤسسات الخيرية الأخرى بعد منعهم من دخول غزة لتقديم المساعدات الطبية والغذائية.

وأفادت ملينا شاهين مسؤولة الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة أن المعلومات المتوفرة لديهم تشير إلى أن "عدداً محدوداً للغاية" من الناس قد سُمح لهم بعبور الحدود، على الرغم من أنها شددت أن ليس للوكالة أي دور رسمي في رصد الحدود. وأكد مصدر أمني مصري على الحدود أن الحكومة تحد بشدة من عدد الفلسطينيين المسموح لهم بالرحيل، لكنه شدد على أن معظم المصابين يُسمح لهم بالدخول، على الرغم من أن عدداً قليلاً نسبياً منهم قد نجح في الوصول إلى الحدود. وأضاف المصدر أن أحد الأسباب التي أدت إلى فرض تلك الضوابط الصارمة هو الخوف من عبور الجهاديين المتطرفين إلى مصر لتنفيذ هجمات.

ولكن الحصار لا يؤثر فقط على الإمدادات الطبية؛ إذ تشير تقديرات وزارة الصحة إلى أن خدمة الإسعاف في غزة تعمل بنصف طاقتها فقط بسبب نقص الوقود. وكان القطاع يعتمد لفترة طويلة على شبكة من الأنفاق لاستيراد السلع الأساسية، مثل الوقود، ولكن القوات المسلحة المصرية شنت حملة في العام الماضي لإغلاق معظم الأنفاق. وحذر كاردون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن المستشفيات أيضاً يمكن أن تعاني من نفاد الوقود، مضيفاً أن "أحد المخاوف الرئيسية سيكون [ضمان وجود] وقود للتأكد من [تشغيل] المستشفيات على مدار الساعة. ونحن نعلم أن هناك نقصاً في الوقود بالفعل".

وفي سياق متصل، ذكر محمود ضاهر مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة أن وفداً إماراتياً تمكن من جلب معدات طبية ومستشفى ميداني إلى غزة عبر معبر رفح في 13 يوليو. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وصلت 6 شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية التي تبرع بها الجيش المصري إلى وزارة الصحة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بما في ذلك 2,500 صندوق من المستلزمات الطبية، إلى الجانب المصري من معبر رفح في 12 يوليو. كما قدم عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية إمدادات طبية بقيمة تزيد على 800,000 دولار إلى وزارة الصحة، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ومن المقرر أن ترسل منظمة أطباء بلا حدود - فرنسا فريقاً طبياً للعمل في مستشفى الشفاء في وقت لاحق.

بالإضافة إلى ذلك، تعهدت بعض الجهات المانحة بدعم الاحتياجات الطبية في غزة، ووعدت منظمة الصحة العالمية بتوفير الموارد اللازمة لنقل الإمدادات عبر الحدود الإسرائيلية. وحتى الآن، تعهدت حكومة النرويج بتقديم 2.5 مليون دولار وينوي البنك الإسلامي للتنمية أن يحذو حذوها. مع ذلك، فإن شراء اللوازم يستغرق بضعة أيام، كما أفاد ضاهر، "ومن دون مساهمات كبيرة، لا يمكننا تعويض هذا النقص الموجود مسبقاً". بحسب إيرين.

وأضاف ضاهر أن مواد إسعاف المصابين المخزنة مسبقاً من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمة غير الحكومية البريطانية ماب (MAP UK) وغيرها ستسمح لوكالات الإغاثة بالاستجابة للحالات الطارئة طوال العشرة أيام المقبلة أو نحو ذلك، ما لم يحدث مزيد من التدهور، "ولكن المشكلة ستكون التعامل مع الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة والسرطان، وأولئك الذين يفتقرون إلى الرعاية الصحية المناسبة بسبب تراكم الحالات في النظام الصحي لفترة طويلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/تموز/2014 - 29/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م