شبكة النبأ: انتهى شهر رمضان لهذا
العام، بكل طقوسه وتقاليده التي عاشها الكبار والصغار، الصائمون منهم
والمفطرون.
لم يتخل يوما هذا الشهر عن كرمه الذي اشتهر به، ولم يتخل عن طيبته
او نبله، فهو شهر الله، لكننا نحن الذين تخلينا عن كل شيء، حتى ماعاد
هذا الشهر او غيره، يفعل فعله في نفوسنا وارواحنا وضمائرنا.
ليس هذا المأزق يعيشه المسلمون فقط، دينا وحضارة، حتى المجتمعات
الاخرى تعيش نفس المأزق والاختلالات التي نعيشها على مستوى معتنقي
الاديان التوحيدية الكبرى او الوضعية منها..(مسيحيون – يهود – بوذيون –
هندوس – عقائد أخرى).
قبل شهر رمضان، كانت الحرائق مشتعلة في كل مكان، وفي نفس الشهر
اشتعلت حرائق اخرى، او انها امتدت اليها، فالنار تشتهر بالامتداد، نحو
كل الاشياء اليابسة والجافة.
قبل شهر رمضان، قدمت داعش في العراق فواصل عنفها الدموي والمتوحش،
واردفته في هذا الشهر، بتهديم الجوامع والحسينيات والمواقع الاثارية في
اي مكان توجد فيه، ومارست عمليات القتل والتنكيل والتهجير بابشع صورها
ضد الجميع (شيعة – مسيحيون – سنة – شبك – تركمان)..
في هذا الشهر ايضا تندلع الحرائق في غزة، وتعودنا اننا لا يجب
انتقاد من ساعد على اندلاعها، او من كان السبب، لاننا كما عودنا خطاب
المقاومة والممانعة، اننا سندخل خانة التخوين.. ما الذي يحدث، ولماذا
وصلنا شعوبا وحضارات الى ماوصلنا اليه؟.
الحضارات الحالية، ومما يتبدى من خلال مشاهد الحرائق تلك وغيرها،
هنا وهناك، السابق منها والذي سيلحقه، وهو مؤكد سيلحقه، هذه الحضارات
الجديرة بالتبجيل وصلت الى حدودها، ولم تعد تجلب للعالم الا تشنجاتها
المدمرة، وانها افلست اخلاقيا.
يمكن تسجيل مؤاخذة شديدة الوضوح على عالمنا، العربي والاسلامي،
وكذلك الغربي، وهي ان عالمنا العربي والاسلامي يعيش اليوم فقره
الاخلاقي المدمر، والعالم الغربي يميل في كل تحركاته الى تحويل وعيه
الخلقي الى اداة للسيطرة.
في كتابه (اختلال العالم) يناقش الكاتب اللبناني امين معلوف عددا من
المسائل والاشكاليات الفكرية والحضارية على المستوى العربي والغربي، من
ذلك قوله: (رب سائل يقول اليس هناك مسؤولية اكيدة لامريكا واسرائيل عن
واقع الامور هذا؟ بلى، دون شك، لكن في ذلك عذرا بائسا للعالم العربي.
لنستعد المثال الذي هو تحت انظارنا بصورة دائمة اليوم، اي مثال
العراق. انا مؤمن بان السلوك الخاطيء للمحتل الامريكي قد اسهم في اغراق
البلاد في العنف الطائفي، وربما كنت على استعداد للتسليم بان بعض
المتمرنين على السحر في واشنطن وغيرها قد وجدوا منافع لحمام الدم هذا،
مع ان مثل هذه الوقاحة تبدو لي من فعل مسوخ. لكن، حين يقعد ناشط سني
وراء مقود شاحنته الملغومة ويمضي ليفجر نفسه في سوق شعبي ترتاده عائلات
شيعية، ثم يوصف هذا القاتل ب (المقاوم) و (البطل) و (الشهيد) من قبل
خطباء متزمتين، فلا تعود هناك فائدة من اتهام الاخرين، بل يتوجب على
العالم العربي بالذات ان يقوم بفحص ضميره. اي كفاح يخوض؟ عن اية قيم
يذود؟ اي معنى يعطيه لمعتقده؟.
ينقل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قوله: (خير الناس من نفع
الناس)، هذا شعار سام ينبغي له اليوم ان يثير اسئلة مؤلمة عند الافراد
والقادة والشعوب: ماذا نجلب الان للاخرين ولنا نحن؟ باي شيء نحن نافعون
للناس؟ هل هناك من مرشد لنا غير اليأس الانتحاري، الذي هو ادهى من
الكفر؟).
الكفر موصول وتتعدد صوره واشكاله، لكن المهووسين بالماضي، او
بالخلافة الاسلامية لايمكنهم ان يردوا على مثل هذه التساؤلات.
وبالمقابل المهووسين بمقولات المسيحية الصهيونية لايمكنهم الرد كذلك،
على اعتبار انهم يتحملون جزءا كبيرا من تلك الاختلالات وليس كلها.
الكفر موصول في بلداننا وديارنا، وان لم يكن بمعناه الفقهي فهو
مستشر بمعناه الاخلاقي والانساني كما يتضمن قيمه تلك الحديث الشريف
السابق.
اين سنصل دون امتلاك رؤية واضحة لمساحة الطريق الذي نسير فيه؟.
سوف لن نصل الى اي مكان حتما، لان ما بداخلنا قد تخشب وتيبس، وهو
قابل للاشتعال والاحتراق في كل لحظة، واننا فقدنا انسانيتنا وضميرنا،
ونحن نعيش هذه الايام فقرا اخلاقيا مدمرا. |