أقلية

إعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يشير هذا المصطلح بأوسع معانيه الى جماعة تابعة او هامشية، تتحدد هويتها على اسس عرقية او اثنية، او على اساس بعض السمات الخاصة لهذه الجماعات او وصمة معينة. وبهذا المعنى فان جماعات الاقلية ليس من الضرورة ان تكون اقليات من حيث عدد السكان، لان معيار الاقلية يتحدد في ضوء المكانة التابعة او الهامشية وليس عن طريق العدد، بل ان جماعة الاقلية قد تكون اكثر عددا من الاغلبية. فهذا الاستخدام لمصطلح الاقلية قد يؤدي الى الخلط، وخاصة عندما نجد ان الجماعات التابعة او الهامشية تكون الغالبية العددية.

ويعني مفهوم الاقلية وجود انقسام داخل المجتمع، وتفرعه على الاقل الى فرعين احدهما اكبر من الاخر، او اكبر من الفروع الاخرى (حال وجود اقليات). ويمكن وصف الاقلية الكبرى بانها الاكثر عددا وقوة ايضا (حال الانظمة الديمقراطية الصحيحة)، كما يمكن ان تكون الاقلية الاقل عددا هي الاقوى والانفذ (حال النظم الارستقراطية او المجتمعات ذات التوجه النخبوي او الطائفي، لبنان مثلا).

والأقلية مجموعة تضم أقل من نصف مجموع أعضاء مجموعة أكبر منها. وفي التصويت تكون الأقلية هي المصوتون أو الأصوات التي تكون اقل من 50% من الأصوات التي يدلى بها. وفي المجتمع يصف المصطلح مجموعة عرقية أو إقليمية أو دينية أو غيرها تمتلك هوية مميزة، ويتفوق عليها كثيرا في العدد بقيمة السكان. هي جماعة فرعية تعيش بين جماعة أكبر، وتكون مجتمعاً تربطة ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله، وتعتبر نفسها مجتمعاً يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعية أعلى وامتيازات أعظم تهدف إلى حرمان الأقلية من ممارسة كاملة لمختلف صنوف الأنشطة الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية، بل تجعل لهم دوراً محدوداً في مجتمع الأغلبية، وتختلف الأقليات من حيث العدد والمنزلة الاجتماعية، ومدي تأثيرها في مجتمع الأكثرية، ومهما كانت هذه المنزلة، فمجتمع الأكثرية، ينظر إليهم على أنهم (غرباء) عنه، أو شائبة تشكل عضو شاذ في كيانه، وقد بلغ الامر إلى حد العزل الكلي لجماعات الأقلية، حيث نجد أن لجماعات الأقلية أحياء خاصة بهم بل ومؤسسات خدمية مختلفة كما في جنوب أفريقيا.

وتعرف الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية الأقلية بأنها "جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقيا أو قوميا أو دينيا أو لغويا، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية".

وتعرفها الموسوعة الأميركية بأنها "جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدرا أقل من القوة والنفوذ وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع، وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى".

وتصفها مسودة الاتفاقية الأوروبية لحماية الأقليات بأنها "جماعة عددها أقل من تعداد بقية سكان الدولة، ويتميز أبناؤها عرقيا أو لغويا أو دينيا عن بقية أعضاء المجتمع، ويحرصون على استمرار ثقافتهم أو تقاليدهم أو ديانتهم أو لغتهم".

أما اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فتعرف الأقليات بأنها "جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها".

محور قضية الأقلية بني على صفات خاصة نتج عنها عدم التفاعل الاجتماعي مع مجتمع الأكثرية، وهذه الصفات قد تكون عرقية، وهي سمات واضحة في مجتمع جنوب أفريقيا والأمريكتين، أو تكون لغوية مثل جماعات الوالون في بلجيكا، أو تبني على فوارق ثقافية كحال جماعات اللاب في إسكندنافية، و أبرزها الملمح الديني، وهذا شأن الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم وبصفة خاصة في شعوب جنوب شرقي آسيا، فالأقليات المسلمة تنتمي إلى أصول عرقية واحدة تربطها بالأغلبية، لكن التفرقة هنا تأتت من الفوارق الدينية، والقضية هنا (عقائدية).

ومن هذه التعريفات المتقاربة في تحديدها والمتشابهة في صياغاتها تبرز عناصر أربعة ينبني عليها مفهوم الأقلية وهي:

العنصر الكمي (البعد الديموغرافي)

تميز الأقلية لغويا أو دينيا (البعد الثقافي)

اختلال ميزان القوى بين الأقلية والأكثرية وما ينتج عنه من حرمان وإقصاء.. (البعد الاجتماعي)

حرص الأقلية على بقاء خصوصيتها (البعد السياسي)

يتفق الدارسون في مجال القانون الدولي بأن أولى مظاهر بداية الحماية الدولية للأقليات قد ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر بشأن حماية الاقليات الدينية، وتكرست هذه الفكرة حينما فرضت بعض الدول الغربية قيوداً على الامبراطورية العثمانية بقصد حماية المسيحيين الموجودين تحت سلطان الدولة العثمانية. وبرزت هذه الفكرة بوضوح في معاهدة برلين عام (1878) والتي قبلت بمقتضاها الدول الاوربية الجديدة (بلغاريا – صربيا – الجبل الاسود – ورومانيا) وكذلك تركيا الالتزامات المنصوص عليها فيها والمتعلقة بحماية الحريات الدينية والمساواة لمصلحة الأشخاص المنتمين للاقليات.

حكم الأغلبية وحقوق الأقلية

قد يبدو للناظر أن اثنين من مبادىء الديمقراطية الأساسية، وهما مبدأ حكم الأغلبية ومبدأ حماية حقوق الأقلية، وكأنهما متناقضان. لكن الواقع أنهما عمادان متلازمان يرفعان المؤسسة ذاتها التي نسميها الحكم الديمقراطي، ولا يقف البناء الديمقراطي إلا عليهما معا.

* حكم الأغلبية هو وسيلة لتنظيم عمل الحكومة واتخاذ القرارات الخاصة بالقضايا العامة؛ ولكنه، وهو الأهم، ليس سبيلا آخر إلى اضطهاد الأقلية. وكما أنه ليس من حق أي جماعة تنصّب نفسها في سدة الحكم اضطهاد الآخرين، فإنه ليس من حق أية أغلبية، حتى في ظل الحكم الديمقراطي، أن تسلب الحقوق والحرّيات الأساسية التي تتمتع بها أقلية أو من فرد.

* الأقلّيات -- سواء كانت أقلية إثنية، أو دينية، أو جغرافية، أو أنها أقلية بسبب مستوى دخل أفرادها، أو حتى إذا كانت الجماعة أو الحزب الذي خسر الانتخابات أو النقاش السياسي حول قضية ما- تتمتع بحقوق الإنسان الأساسية المضمونة التي لا يحق لأي أغلبية، سواء كانت منتخبة أو غير منتخبة، سلبها منها.

* الأقلّيات بحاجة إلى ضمان أن الحكومة ستحمي حقوقها ومصالحها المشروعة وهويتها الذاتية. وبتحقيق ذلك فقط، يصبح من الممكن للأقليات المشاركة والمساهمة في الديمقراطية القائمة في بلادها.

* من بين حقوق الإنسان الأساسية التي يتحتم على أية حكومة حمايتها: حرّية الكلام والتعبير والحرّية الدينية وحرية المعتقد؛ والإجراءات القضائية المتبعة والحماية المتساوية بموجب القانون؛ وحرية التنظيم، والتصريح بالرأي، والمعارضة والمشاركة مشاركة كاملة في الحياة العامّة للمجتمع.

* الديمقراطيات تتعامل مع حقوق حماية الهوية الثقافية، والممارسات الاجتماعية، والضمير الفردي، والنشاطات الدينية للأقلّيات، على أنها من المهام الأساسية لها.

* إن قبول الجماعات العرقية والثقافية التي قد تبدو غريبة، أو دخيلة أحيانا، بالنسبة للأغلبية، تمثل أحد التحديات الكبرى التي قد تواجه أية حكومة ديمقراطية. ولكن الديمقراطيات تدرك بأن التنوع يمكن أن يشكل ميزة هائلة للمجتمع. وهي تتعاطى مع هذه الاختلافات في الهوية، والثقافة، والقيم على أنه تحد من شأنه أن يعززها ويثريها، لا على أنها تهديد لها.

في الدولة الديمقراطية هناك ثلاثة توجهات بالنسبة للاعتراف بحقوق الأقليات وهي:

1. التوجه اللبرالي المتطرف – جميع أفراد المجموعة يتمتعون بحقوق الإنسان، ولكنه لا يعترف بحقوق الأقلية.

2. التوجه اللبرالي المعتدل – يشبه التوجه السابق، أي لا يعترف بحقوق الأقلية ولكن خلافا له، لا يمنع مجموعة الأقلية من الحفاظ على مميزاتها الخاصة. أي أنه يُسمح لمجموعة الأقلية بالحفاظ على ثقافتها من دون دعم الدولة أي على حسابها الخاص.

3. توجه يعترف بحقوق المجموعة – تبذل الدولة الديموقراطية جهدا بهدف الحفاظ على خصوصية مجموعة الأقلية. كل دولة تعترف بحقوق المجموعة تحدد سياستها فيما يتعلق بمدى تحقيق هذه الحقوق. يتم ذلك، على سبيل المثال، بواسطة تمويل جهاز تربوي يتمتع بالاستقلالية، الاعتراف بلغة الأقلية وغيرها.

 ثمة وسيلة أخرى يمكن للدولة اتخاذها وهي الحكم الذاتي بإحدى الطرق الرئيسية:

الفدرالية- تقسيم الدول إلى ألوية، حيث يتمتع كل لواء بحكم ذاتي يتبع للحكم المركزي في الدولة (مثلا، كندا).

الحكم الذاتي – منح حكم ذاتي للواء معين توجد فيه أغلبية عرقية مميزة، خلافا لتقسيم كل الدولة إلى ألوية كما في الوضع الفدرالي (مثلا – اسكتلندا هي لواء يتمتع بحكم ذاتي في بريطانيا).

ليست هناك إجابة وحيدة واحدة لكيفية حل اختلافات الأغلبية مع الأقلية في وجهات النظر والقيم وما إلى ذلك - سوى المعرفة الأكيدة أنه فقط عبر العملية الديمقراطية المتثملة في التسامح، والنقاش، والرغبة في التوصل إلى حلول وسط للمشاكل المثيرة للخلاف -- يمكن للمجتمعات الحرّة أن تتوصّل إلى اتفاقات من شأنها تبني العمادين الأساسيين للديمقراطية وهما حكم الأغلبية وحقوق الأقلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تموز/2014 - 27/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م