العراق وأزمتي الأمن والسياسية... حرب قد تحرق الجميع

 

شبكة النبأ: قد يختلف الباحثين والمحللين حول طبيعة التوقيت ومجريات الاحداث وتفاصيلها التي أدت الى تصعيد الازمة الأمنية والسياسية في العراق، الا ان الاغلب يتفق على وجود محاور اقليمية واجندات مختلفة يحاول من يقف خلفها تطبيقها في العراق، سيما وان العراق ما زال يعاني الضعف والعجز في عدم اكتمال مؤسساته السياسية والأمنية والاقتصادية، كما انه لم يخرج معافا بصورة تامة من الاحداث الكبيرة والأزمات المتواصلة (من احتلال أجنبي وإرهاب دولي واستشراء الفساد...الخ) التي مر بها ابتداءً منذ سقوط بغداد عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، ويبدو ان تضعيف العراق وتحويلة الى ساحة او ممر لانتقال الإرهاب عبر الأراضي السورية اليه، هو امر يصب في مصلحة تلك الاجندات.

الحكومة العراقية حذرت دول الجوار والشرق الأوسط، ان أي دعم او تساهل قد يصب في صالح الإرهاب او تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش)، من الممكن ان يأتي بنتائج عكسية على الدول الراعية له او المتساهلة معه، خصوصا وان هذا التنظيم الذي يحاول ان يضع له موطئ قدم داخل الحدود العراقية خلال الهجوم الذي شنة في التاسع من شهر حزيران الماضي، واستطاع فيه احتلال مدينة الموصل واطراف من صلاح الدين وديالى والانبار لدمج هذه الأراضي مع ما يسيطر عليه داخل سوريا في الرقة ودير الزور المحاذية لحدود العراق من الغرب والشمال، لا يعترف بالحدود السياسية للدول، كما لا يقف عند طموح معين، وهو يكفر الجميع (المسلمين السنة والشيعة، إضافة الى الأديان السماوية والأقليات الاخرى)، كما يكفر ويقاتل حتى الفصائل الإسلامية المتطرفة التي لا تسير على نهجة او تدين له بالولاء او تبايع اميرها.

كما طالب بغداد مساعدة المجتمع الدولي لتجنب السيناريوهات الأسوء، وضرورة التعاون الاستخباري والأمني وبالتعاون مع جيران العراق، أصحاب الهم المشترك، الا ان القناعات السياسية تختلف بين دول الجوار في ضرورة تجاوز عقبة الإرهاب، فعلى الرغم من رفض الجميع وخوفهم من انتشار تنظيم داعش وربما عبوره لحدودهم لاحقا، الا ان درجة التعاون الحقيقي مع العراق لا تكاد تذكر عند بعض الدول، كما يرى أغلب محللين.         

التنسيق بين بغداد وطهران

في سياق متصل أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال لقائه امين عام مجلس الامن القومي الايراني علي شمخاني في بغداد على ضرورة ان ينسق البلدان بينهما لمواجهة تحديات المنطقة، وذكر بيان صادر عن رئاسة الوزراء العراقية ان المالكي وشمخاني بحثا "اخر التطورات الامنية والسياسية في العراق والمنطقة"، واكد الجانبان وفقا للبيان "على ضرورة التنسيق والتعاون بين البلدين لمواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة"، ويتعرض العراق منذ أكثر من شهر لهجوم يشنه مسلحون متطرفون يقودهم تنظيم "الدولة الاسلامية".

ودفع هذا الهجوم الواسع إيران الى الاعلان عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في ملف العراق المجاور، وفي موازاة هذا الهجوم، يشهد العراق ازمة سياسية على خلفية تمسك المالكي الذي حظي في العام 2010 بدعم طهران لتولي ولاية ثانية، برئاسة الوزراء لمدة اربع سنوات جديدة رغم الاتهامات الموجهة له باحتكار السلطة وتهميش السنة، وكان نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان اعلن في حزيران/يونيو ان بلاده تدعم ترشح المالكي لولاية ثالثة لكنها لا تمانع وصول اي شخصية اخرى يختارها البرلمان العراقي. بحسب رويترز.

فيما قال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وحول تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بـ"داعش" وتهديده المحتمل لإيران "التشدد والتطرف المذهبي يهدد المنطقة برمتها، بما في ذلك إيران، ونحن لا نحب رؤية جيراننا في حالة غير مستقرة"، وأضاف ظريف، الذي تقول مصادر أمريكية إن بلاده أرسلت قوات تابعة لها إلى العراق لمواجهة "داعش": "إيران، وقبل كل شيء، تريد الحفاظ على وحدة العراق، وقد تحدثت مع كل وزراء الخارجية في المنطقة، وكلهم يريدون أن يحافظ العراق على سلامته ضمن حدوده".

وحول الدعم الإيراني لرئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، ألمح ظريف إلى وجود حدود لكل شيء قائلا: "لسنا بصدد دعم أي شخص، نحن ندعم الشعب العراقي وخياراته، وأي شخص سيختاره الشعب العراقي لمنصب رئاسة الوزراء سيحصل على دعمنا"، وتابع ظريف بالقول: "المشكلة هي التطرف، وهي مشكلة وجود ديماغوجيا تستغل عناصر غضب موروثة تصاعدت على مدار عقود من الظلم في المنطقة، ولكن هذه الديماغوجيا تريد تطبيق أجندة سياسية بالغة الخطورة وقد تصب هذه الأجندة في صالح قوى خارجية، ولكنني لا أريد تبني نظريات المؤامرة".

الأردن وتبرير المواقف

من جانبه قال وزير الخارجية الاردني ناصر جودة ان بلاده لا علاقة لها بمؤتمر قوى المعارضة العراقية الذي عقد في عمان، وقال جودة في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس ان "الاخ السيد (حسين) الشهرستاني (وزير الخارجية العراقي بالوكالة) أتصل بي قبل ثلاثة ايام في اليوم الذي قام الاخوة العراقيون بعقد مؤتمرهم هنا، وكان يستفسر ولا يحتج عن ماهية المؤتمر واذا ما كان صحيحا كما صرح البعض ان المؤتمر برعاية او بدعوة اردنية"، واضاف "أكدت له ان هذا غير صحيح، وتحدثنا لمدة عشرين دقيقة وقلت له ان المؤتمر ليس اردنيا وليس برعاية اردنية".

واوضح جودة ان "الاردن يوفر المكان في أي زمان لأي جهة تطلب عقد اجتماعات او لقاءات هنا في الاردن وهذه ليست المرة الاولى التي يعقد فيها اخوة لنا عراقيون مؤتمرات او لقاءات على الارض الاردنية ولا يوجد استثناء لاحد إلا ما يهدد امن واستقرار الاردن او ما يشكل تدخلا في الشأن الداخلي لأي دولة عربية"، وتابع "لا علاقة لنا بمضمون المؤتمر ولا بمخرجاته سوى ان نستخدم ما لدينا من نفوذ كدولة مضيفة بأن لا تكون مخرجاته تسيء بأي شكل من الاشكال الى المسار السياسي في العراق او المساس لا سامح الله بالدولة او دستورها واعتقد ان البيان لم يتطرق باي طريقة سلبية للدستور او المسار السياسي".

وخلص جودة "نحن نستثمر في أمن واستقرار العراق لان هذا من مصلحتنا، العراق دولة شقيقة وعلاقتنا بها قوية وهي جارة لنا وأمل ان لا يكون هناك اي تفسير غير صحيح او غير دقيق للمؤتمر الذي عقد هنا"، وكانت السلطات العراقية قررت استدعاء سفير العراق من العاصمة الاردنية للتشاور، بحسب ما اعلنت وزارة الخارجية، وجاء هذا القرار بعد يومين من استضافة عمان لمؤتمر دعت في ختامه حوالى 300 شخصية عراقية معارضة للحكومة في بغداد المجتمع الدولي الى وقف دعمه لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، مؤكدين ان ما يشهده العراق اليوم هو "ثورة شعبية" طالبوا بتأييد عربي لها. بحسب فرانس برس.

وشارك في المؤتمر الذي أطلق عليه اسم "المؤتمر التمهيدي لثوار العراق" شخصيات تمثل "هيئة علماء المسلمين" السنة في العراق وحزب البعث المنحل وفصائل من "المقاومة المسلحة" و"المجالس العسكرية لثوار العراق" و"المجالس السياسية لثوار العراق" وشيوخ عشائر، ويتعرض العراق منذ أكثر من شهر لهجوم يشنه مسلحون متطرفون سنة يقودهم تنظيم "الدولة الاسلامية" تمكنوا خلاله من السيطرة على مناطق شاسعة من شمال وشرق وغرب البلاد، مؤكدين نيتهم الزحف نحو بغداد.

وقد اعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، في وقت سابق، في اعلان عام عن فتح باب التجنيد بسبب "النقص العام"، وجاء في اعلان نشر على موقع القيادة الالكتروني "تعلن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، مديرية شؤون الأفراد، المركز العسكري للتجنيد، عن حاجتها لتجنيد عدد من الذكور لحساب النقص العام"، واوضح الاعلان الشروط الواجب توافرها بالمتقدمين بطلب التجنيد وبينها ألا يقل عمر المتقدم عن 23 عاما ولا يتجاوز 27 عاما، واكد مسؤول حكومي ان "هذا اجراء روتيني ضمن سياسة الموارد البشرية للقوات المسلحة، ويأتي في سياق الاحلال مكان حالات التقاعد التي تحدث فيصبح هناك حاجة للتجنيد".

واشار المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، الى ان "هناك اعلانا مشابها نشر منذ فترة وجيزة" تعلق بقوات الأمن، ويقدر عدد افراد القوات المسلحة الاردنية بما بين 150 الى 200 الف، بحسب خبراء عسكريين، ويأتي هذا الاعلان بعد اعلان جهاديين في العراق إقامة "دولة الخلافة الاسلامية" في 29 حزيران/يونيو الماضي، وأثارت سيطرة التنظيم على مناطق واسعة في العراق مخاوف الاردن من تمدد نشاط هذا التنظيم المتطرف الى المملكة التي تعاني امنيا من وجود عدد كبير من السوريين وتنامي اعداد الجهاديين.

واكد قائد قوات حرس الحدود الاردني العميد الركن صابر المهايرة الشهر الماضي ان قوات بلاده قادرة على تأمين حدودها مع العراق من "أي اعتداء"، وعززت المملكة مؤخرا تواجد قواتها على الحدود مع العراق، ودعا الملك الاردني عبد الله الثاني المجتمع الدولي الى الاستمرار في دعم بلاده كي تتمكن من مواجهة التحديات التي تحيط بالمنطقة، بعد اعلان "الدولة الاسلامية".

السعودية تعزز حدودها مع العراق

من جانب اخر اجتاحت الجماعة التي تطلق على نفسها الآن الدولة الإسلامية المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق قبل شهر واعلنت الخلافة في منطقة تمتد من حلب إلى أطراف بغداد، ولكن اذا كان زعيمها أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة على المسلمين يضع نصب اعينه التوسع جنوبا فسيواجه حدودا مع السعودية أشد تحصينا بكثير مما واجهه من قبل، ومنذ أن شنت الجماعة التي كانت تعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام هجومها الخاطف في العراق الشهر الماضي ارسلت الرياض الاف من جنودها للمنطقة الحدودية.

وتسعى السعودية لتحصين الحدود التي تحميها بالفعل سلسلة من السواتر الطبيعية والأسيجة تشكل منطقة منعزلة تمتد عشرة كيلومترات في عمق الأراضي السعودية، وتخضع الحدود التي تمتد لمسافة 850 كيلومترا للمراقبة على مدار الساعة بواسطة رادار وكاميرات فيديو تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وتعهد الملك السعودي عبد الله بأخذ كافة التدابير اللازمة لحماية السعودية من الدولة الاسلامية في العراق والشام التي تصفها السعودية بانها منظمة ارهابية ومن الميليشيات الشيعية التي عبأها العراق للتصدي للمتشددين السنة.

وصرح اللواء فالح السبيعي قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية للصحفيين ان ما لا يقل عن ألف جندي وألف من الحرس الوطني وثلاث وحدات هليكوبتر وصلت لتعزيز الحماية لمنطقة الحدود قرب عرعر، ولم يعلن المسؤولون السعوديون عدد القوات الإضافية التي ارسلت للحدود حتى الآن وامتنعوا عن التعليق على مدى دقة تقرير بثته قناة العربية التلفزيونية قدر حجم التعزيزات عند 30 الفا، ورغم ان تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سبب حالة من الفزع إلا ان المسؤولين في حرس الحدود يصفون الميليشيات الشيعية المتحالفة مع بغداد وإيران بانها تمثل التهديد الأكبر.

وقال السبيعي ان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لا وزن له لأنه جماعة ارهابية لا تمتلك اي قدرات عسكرية مضيفا ان الميليشيات الشيعية منظمة وخلفها من يقوم بالتخطيط، واثار هذه الرأي غضب بغداد التي تتهم الرياض بانها لم تفعل شيئا لوقف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذين يفاخرون بقتلهم المدنيين الشيعة، وتنفي الرياض بشدة تقديم المساعدة للتنظيم وتهاجمه وسائل الاعلام الرسمية ورجال الدين، ولكن السعودية ساندت علنا جماعات سنية مسلحة تقاتل في سوريا ويعتقد ان مئات المواطنين السعوديين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. بحسب رويترز.

ولا توجد طرق للتجارة الدولية على الحدود بين السعودية والعراق على عكس الحدود العراقية السورية التي تعبرها بعض أهم طرق التجارة في الشرق الأوسط. وكانت اخر مرة افتتح فيها المعبر في اكتوبر تشرين الأول الماضي حين عبر 65 ألف حاج عراقي الحدود للسعودية للحج، ومع اغلاق المعبر الحدودي نمت الحشائش في منتصف الطريق المؤدية إلى العراق وغطى التراب مكتب الجمارك، ويصعب اخترق الحواجز والسواتر على الحدود وقال مسؤولون أنه ألقى القبض على 12 شخصا فقط اثناء محاولة عبور الحدود بشكل غير قانوني منذ تعزيز الدفاعات قبل عامين، وازداد عدد الدوريات منذ يونيو حزيران الماضي.

وقال مسؤولون إن ثلاث قذائف مورتر سقطت داخل السعودية قرب الحدود مع العراق حيث سيطر مسلحون إسلاميون على بعض المناطق خلال تقدمهم الخاطف، ولم تسفر القذائف عن حدوث إصابات لكن الواقعة أثارت مخاوف أمنية في السعودية التي تواجه أيضا متشددين على حدودها الجنوبية مع اليمن حيث قتل عشرة أشخاص على الأقل في هجوم لتنظيم القاعدة داخل المملكة، وقالت السلطات السعودية إنها لا تزال تحقق في الأمر لمعرفة من الذي أطلق القذائف التي سقطت قرب منطقة سكنية خارج مدينة عرعر الشمالية.

وأمر الملك عبد الله بن عبد العزيز بتشديد الإجراءات الأمنية بعد المكاسب التي حققها المسلحون في العراق واعلانهم قيام خلافة إسلامية في مناطق على حدود المملكة، وتخشى السلطات السعودية أن تشجع مكاسب تنظيم الدولة الإسلامية على التشدد بين مواطنيها، وإسقاط حكم آل سعود هدف رئيسي لتنظيم القاعدة الذي يريد إقامة خلافة إسلامية عابرة للحدود، وقال اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية إن ستة أعضاء سعوديين بتنظيم القاعدة على قائمة المطلوبين لدى السلطات شنوا هجوما على مدينة شرورة قرب الحدود الجنوبية مع اليمن.

وأضاف أن اثنين من المسلحين اقتادا عشر رهائن إلى مبنى حكومي ثم فجرا نفسيهما، وفي المجمل قتل خمسة من المهاجمين واعتقل واحد خلال اشتباكات مع قوات الأمن، وقال المتحدث إن اربعة من حرس الحدود قتلوا أيضا وكذلك أحد الرهائن، ونشر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية صورا قال إنها للهجوم ويظهر فيها إطلاق صواريخ جراد وتفجير شاحنة ملغومة في منفذ الوديعة الحدودي قرب شرورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تموز/2014 - 24/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م