عن الحروب والقتل والوحشية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الطيب رجب اردوغان يلعن العقلية الاسرائيلية العنصرية التي تجاوزت فظائع هتلر من خلال عملياتها في غرة.

الطيب التركي، لم نسمع له لعنا للعقلية الاسلاموية التي تنتشر خلف حدوده الجنوبية، في العراق وسوريا وعبر العديد من التسميات، الابرز فيها (النصرة) و(داعش).

ماذا عن عمليات القتل التي يمارسها الوليد الاشرس لاخوة الجهاد في هاتين الدولتين؟

لم نسمع له تصريحا بهذه الحدة، ربما لاغراض انتخابية او سياسية او اقتصادية، يراها تشتبك مع الواقع التركي، لقرب داعش من حدوده، ولبعد اسرائيل عن تلك الحدود.

لكن فعل حسنا بتذكيرنا بهتلر، والذي لو لا الحرب العالمية الثانية وفظائعها، لم يخلد اسمه في خانة اللعنة الدائمة.

ما الذي يختلف فيه هتلر عن الاخرين، والزمن هو نفسه زمن حروب واقتتال على الارض والثروات، وان كان هذه المرة بين حكومات وحركات (جهادية)، هل يبرر لنا ذلك السكوت عن فظائع ما ترتكبه تلك الحركات، وتكون حقوق الانسان اغلى لو قامت بانتهاكها حكومة ما، وتكون شديدة الرخص لو قامت بها حركة ما، تدعي تمثيل هؤلاء المنتهكين في وقت تتماهى مع الحكومة، اي حكومة، في انتهاك تلك الحقوق وربما اكثر؟.

الحرب واحدة في كل الجبهات، وفظائعها مدانة من قبل الجميع، والوقفة تجاهها متساوية، او هكذا يجب ان تكون.

هل يمكن تبرير الحرب وفظائعها؟

نعم، فكثيرا ما حدث ذلك.

قال فيلسوف الحرب كلاوسفتز كلاما شهيرا: (كل عمل مهما كان بربريا ومتوحشا ممكن تبريره بالضرورات الاستراتيجية).

السطور القادمة، محاولة للتذكير ببشاعة الحروب وفظائع القتل التي يرتكبها الجميع، جميع المتحاربين، دولا وجماعات، وافرادا، فالبقاء على قيد الحياة اثناء الحروب، هو مدى القدرة على البقاء على هذا القيد، ولايهم كيف تفعل ذلك، فلا قانون هنا، ولا ضابط للوحشية او العنف السادي اذا انطلق من عقاله ومخبوء النفس الانسانية.

المختارات من هنا وهناك، اصوات متعددة تصرخ رعبا وتهجس بالفضيحة، فضيحة الصمت، صمت السنتنا وذواتنا.

المجازر الفظيعة هي من طبيعة الحروب، كل الحروب. العبرانيون احرقوا الكنعانيين. سيبيون الافريقي ذبح سكان نومانس، احرق مدينة قرطاجة بما ومن فيها. باربروس قطع 200 انف و200 شفة ودزينات من الاذرع. سمل العيون وصلم الاذان. الحرب لم تتورع عن قتل المرضى في المستشفيات، او اطلاق النار على الرهائن والاسرى. المجازر في القرنين الاخيرين فاقت التصور، بلغت حدود ممارسة الابادات الجماعية (ارمن – يهود – عراقيون – روانديون - سوريون) والباب مفتوح على اكثر من ذلك.

الحرب لا تقتل بأدب بل بعنف. لاتقتل بلياقة او تهذيب. لاتقتل نصف قتل.

الحرب هي فظاعاتها، لم يحسسنا احد بها كي نتعلم منها.

كتب طبيب فرنسي شاهد حرب السودان: (الجنود وقد سكروا من الدماء، قطعوا اوصال الجرحى، فقأوا عيونهم، سحقوا وجوههم، نشروا بسيوفهم العتيقة اثداء النساء وبقروا بطونهن، وطافوا بالمصارين رقصا حول بناتهم).

وذلك الجندي الفرنسي الذي كتب الى اهله مآثره في الجزائر: (ان هذا الجزائري كان عليه ان يشكرني، لاني عندما اطلقت عليه النار، سقط ووجهه الى مكة).

عمليات الذبح التي يرتكبها المقاتلون، تهدف الى التسلية احيانا، فالذبح من الوريد الى الوريد، لم يكن الا لرسم ابتسامة على وجه القتيل وبالدم.

سيرة الجلاد في رواية الاخدود لعبد الرحمن منيف، جديرة ان تروى: (تقدم الجلاد. نظر بسرعة خارقة الى الجهتين، لكنه لم ير احدا او شيئا. وفي تلك اللحظة، لا قبلها ولا بعدها، أصبح وراء الرجلين. هز سيفه كما يهز عصا. تقدم خطوة بقدمه اليسرى. اصبح فوق الرجل المسن. نخزه بسيفه في مؤخرة الظهر عند العجز. كانت النخزة قوية موجعة. ارتفع جذع الرجل، بدا منتصبا قويا، وامتدت رقبته اكثر مما كانت، وفي لحظة، هي لحظة الجنون والخوف ذاتها، ومع ارتفاع العنق وبطريقة ماكرة خالية من الاتقان هوت ضربة السيف، كانت الرقبة صلبة، قوية، فقيرة، مليئة بالعروق. واذا كان السيف قد حزها، فلانه لم يقطعها. بدت شامخة، ثقيلة، قوية، وبدا الجلاد حانقا مستثارا. وبدون ان ينتظر هوى بالضربة الثانية على الرقبة، فطار الراس وتدحرج. ابتعد ثلاثة امتار عن الجسد. وبتدحرجه انقلب. كانت العينان واللحية نحو السماء، نحو الاخرين. كانت ترتجف، تتحرك، تتحرك، وكان الجسد يتلوى، يستطيل، يعلو، يهبط، يتحرك، يتلوى مرة اخرى، اما الدماء التي نفرت كينبوع، كنافورة، فقد خضبت العباءة وثياب الجلاد).

بنهاية الحروب، اي حروب او عمليات قتل متبادلة بين المتحاربين، كان لابد ان يحدث مايلي، لكنه لم يحدث: لم يخرج احد ما وقد امتلأ بالدم والمال والارصدة ليقول: استعيدوني، خذوني، اغسلوني من القتل، جردوني من ضميري، اعيدوا الي الروح في عذابها الصافي، لاصير انسانا مغسولا بالندم وتقريع الضمير، لاصير في مرتبة الانسان.

في احد الافلام للممثل الامريكي ميل جيبسون، يسأل القاتل طبيبه وهو يفحص عينيه: هل ترى روحا فيها؟ هل كل القتلة يعرفون ان روحهم غير موجودة، وانها قد هربت الى مكان اخر، ولايمكن استعادتها؟.

المقتولون ذهبوا. تيبسوا في النسيان، استقالوا من الجدران. اغتربوا عن صورهم. ماعادوا برعاية احد. من تبقى من الضحايا على قيد الحياة، نسي البكاء، وسرّح عينيه في التناسي.

عاد الناس الى جلاديهم، احبوهم وداوموا على التقرب من قبضاتهم، ولما لوّح هؤلاء بها، وحددوا باصابع رغباتهم المسيرة الى...... تدافعت الجموع بالملايين المرصعة، لتنهال على جلاديها بالتاييد المؤبد.

كيف كان المجرمون ينظرون الى انفسهم عندما يقتلون؟ القاتل عادة، يرتكب جريمته بالسر. يحتاط ويفصح عن براءة. يعرف ان فعلته شنيعة تستحق العقاب. لماذا يتصرف المحجرمون القتلة كانهم مرسلون، او كانهم ورثة رسالة انسانية؟ او كانهم رسل حياة جديدة؟.

الصيد غير القتل. القتل شيء آخر مختلف كل الإختلاف. كفاني أول صيد اصطدته لأنزل القتل هذه المنزلة.

امتدت يمناي الى وسطي واستلت الكولت ذا المعدن الرصاصي، حدقت بالمسدس لا بالرجل المكتّف أمامي. طلقة واحدة فجّرت جمجمته فتهاوى.

كالمجنون عدت الى المركز وتابعنا انا ورينجو تصفية المخطوفين. ممددين ارضا في بركة دم كانت تأوهاتهم وحشرجاتهم تخبو شيئا فشيئا. غادرت المكان الذي ران عليه وعلى جواره صمت ثقيل... يوم ذاك عدنا لا نشبه البشر في شيء. يوم ذلك اين منا ومن توحشنا الذئاب الكواسر.

كنا نكدس الجثث في شاحنة مغطاة يتولى امر قيادتها ثم افراغ حمولتها من اعلى احد الجسور شبان اخرون.

أنا إنسان مؤمن جداً، لا تناقض بين إيماني العميق وبين انتقامي. أعيش في بلد لا جيش فيه ولا شرطة ولا حكومة تحمي أبنائي، لا حسابات عندي ولا دَين علي أؤديه للبشر. قصتي أعالجها لاحقاً بيني وبين الله.

 لم أشعر بالندم يوماً، ولا حتى خلال تلك الليالي التي كنت أحسّني فيها منهاراً. ولو لزم الأمر أن أكرر ما فعلته لفعلته ثانية بتفنن أكبر.

النصوص المختارة من كتاب (القاتل ان حكى.. سيرة الاغتيالات الجماعية) لنصري الصايغ، وكتاب (أنا الضحية والجلاد أنا) لجوزيف سعادة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/تموز/2014 - 23/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م