الاقتصاد المصري.. تعديلات تشريعية لتجنب انتكاسة اقتصادية

 

شبكة النبأ: إجراءات وخطط نوعية تتبعها الحكومة المصرية الجديدة، الهدف منها انقاذ الاقتصاد المصري، الذي تعرض الى جملة من المشكلات والازمات الخطيرة التي اعقبت عقبت ثورة 25يناير وما بعدها من فشل ادارة الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثر بشكل سلبي على اقتصاد مصر واسهم بازدياد معاناة الشعب، الذي اصبح يعاني من غياب الخدمات وارتفاع معدلات البطالة وازدياد نسب الفقر وارتفاع الاسعار.

الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية اعتبرها الكثير من خبراء الاقتصاد امر مهم وضروري لدعم واصلاح المسار الاقتصادي وضبط الانفاق العام، من خلال فرض بعض الضرائب الاضافية وتخفيض الدعم عن بعض السلع والخدمات الاساسية ومنها البنزين والكهرباء وغيرها من الامور الاخرى وهو ما قد يزيد في حالة السخط الشعبي تجاه بعض القرارات التي تخص بعض المواد والخدمات الاساسية.

وقد أقر الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، تعديلات تشريعية جديدة تتضمن فرض ضرائب إضافية على فئات من المصريين، ضمن مساعي الحكومة لإنقاذ الاقتصاد المصري، الذي يعاني موجة تراجعات حادة منذ مطلع عام 2011. وأكدت رئاسة الجمهورية، في بيان أن القرار بقانون، الذي أصدره السيسي، بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل، يأتي "استجابة لما يمر به الاقتصاد المصري من تحديات بالغة، تتطلب تضافر كافة الجهود لحمايته، وإعادة الثقة فيه."

وبينما لفت البيان إلى أن تعديل قانون الضرائب على الدخل يهدف إلى "توزيع أعباء الإصلاح المالي والاقتصادي على أوسع قاعدة ضريبية ممكنة"، فقد شدد على أن هذه التعديلات لن تتطرق إلى "محدودي الدخل"، والذين يمثلون شريحة واسعة من المصريين. كما أكد البيان الرئاسي أن التعديل القانوني، الذي أصدره السيسي، يأتي "اتباعاً للنظم العالمية المعمول بها في مجال الإصلاح والمراجعة الضريبية الدورية، بما يتناسب مع التطورات المتلاحقة في الأسواق." وأضاف أن القرار يستهدف أيضاً "توسيع القاعدة الضريبية للمولين، لتحقيق العدالة الضريبية.. والبعد الاجتماعي، من خلال رفع الحد الأقصى للإعفاء الضريبي، بشأن الاشتراكات في الصناديق الخاصة، وأقساط التأمين على الحياة، أو التأمين الصحي.. وتشجيع الاستثمار في الأوراق المالية".

ويرى بعض المحللين ان هذه التعديلات التشريعية الجديدة تأتي كمحاولة لتجنب الانتكاسة الاقتصادية ولاستعادة الثقة في اقتصاد البلاد، ومن شأن تسوية تلك التعديلات أن تساعد على جلب استثمار صعبة للبلاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية وأن يطمئن المستثمرين الراغبين في ضخ استثمارات جديدة في مصر.

مصر وإجراءات الإصلاح

الى جانب ذلك يجمع محللون على أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لخفض العجز في الميزانية وإصلاح منظومة الدعم التي تحمي الفقراء كانت ضرورية لدعم الاقتصاد لكنهم يرون أنها لا تكفي بمفردها لإقالة الاقتصاد من عثرته. ويبدو أن إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تبرعه بنصف ممتلكاته وراتبه للدولة كان هو ساعة الصفر للحكومة لاستغلال شعبيته الواسعة لدى قطاع عريض من الشعب خاصة الفقراء للبدء في تنفيذ عدد من إجراءات الاصلاح لم تجرؤ حكومات عديدة سابقة على تطبيقها.

فتوالت في غضون أيام قليلة سلسلة من القرارات التي رفعت أسعار الطاقة على المواطنين والقطاع الصناعي وزادت ضريبة المبيعات على السجائر المحلية والأجنبية والخمور وفرضت ضريبة على أرباح البورصة والتوزيعات النقدية ووحدت الحد الأقصى للأجور لجميع العاملين بالدولة عند 42 ألف جنيه. ورغم حالة السخط التي تجتاح الطبقة الوسطى والفقيرة من زيادات الأسعار رحب عدد من المحللين بخطوات الحكومة لتقليص دعم الطاقة.

وقال سيمون وليامز كبير المحللين الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك اتش اس بي سي "إنها خطوة أولى ايجابية للغاية وبيان واضح للنوايا. هذه الاجراءات يتم التحدث عنها منذ نحو عشر سنوات." وأضاف وليامز "لن تحل (الاجراءات) بمفردها العجز في الميزانية لكن من المشجع أن نرى نظاما جديدا يضعها موضع التنفيذ في نهاية المطاف."

ورغم أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن ضرورة اصلاح منظومة الدعم خاصة دعم الطاقة الذي يلتهم 20 في المئة من الموازنة العامة فإن أيا منها لم يجرؤ على زيادة الأسعار خوفا من رد فعل الشارع. غير أن السيسي دفع الحكومة لاتخاذ هذه القرارات برفض التصديق على موازنة الدولة للسنة المالية التي بدأت في أول يوليو تموز وإصراره على ضرورة خفض نسبة العجز. وعدلت الحكومة الميزانية بخفض العجز إلى عشرة في المئة بدلا من 12 في المئة بسلسلة من قرارات خفض الدعم وتعديلات ضريبية أدت إلى زيادة الأسعار.

وقال نادر إبراهيم من آرشر للاستشارات "الإجراءات كلها تقشفية وصائبة جدا وكنا في حاجة لها من فترة ولكن كان من الأفضل أن تتم تدريجيا وليس مرة واحدة. "لا شك أن الاجراءات ستخفض عجز الموازنة والمصروفات وستزيد من التدفقات النقدية ولكنها في نفس الوقت ستزيد أسعار السلع والخدمات وستزيد من التضخم والبطالة." وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 بالمئة على أساس سنوي وفقا لأرقام حكومية في مايو ايار.

وتنعكس أسعار الوقود على جميع مناحي الحياة تقريبا في مصر حيث يعيش نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر وتتوقع الحكومة أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم فوق حاجز العشرة في المئة. وقال السيسي إن قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود هو "خطوة مهمة تأخرت لأكثر من 50 عاما" وإن الهدف منه تحقيق الاستقرار والتنمية.

وقال وائل زيادة رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرميس أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط "الاجراءات خطوة ايجابية ستضيف للاقتصاد. ما يحدث الآن هو إعادة اصلاح المنظومة التمويلية للدولة بالكامل." لكن عددا من المحللين أشار إلى ضرورة استكمال هذه الاجراءات بوضع خطط لحماية الفقراء من الاثار السلبية المحتملة لزيادات الأسعار ورسم خطة شاملة تحقق للاقتصاد الاستفادة من هذه القرارات في الأجل الطويل.

وقال زيادة "لابد من الانتباه أن الإسراع في الاصلاح بدون غطاء لشبكة أمان اجتماعي سيسبب في تآكل في رأس المال السياسي للحكومة. المواطن قد يشعر بالاصلاحات التي تتم الآن بين عام إلى عام ونصف." وقال فخري الفقي مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقا "الاقتصاد المصري سيستفيد من الاجراءات في حالة وضع الحكومة لبرنامج وطني شامل لاصلاح الاقتصاد خلال العشر سنوات المقبلة بحيث يتم وضع الاجراءات اللازمة لتعافي الاقتصاد خلال أول 4 سنوات من البرنامج للوصول لمعدل نمو بين 4-5 بالمئة. "وأن يكون ثاني أربع سنوات لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي بين 8-10 بالمئة سنويا وآخر عامين لتجهيز الاقتصاد للانطلاق بقوة تجاه النمو الاقتصادي."

وقال وزير المالية المصري هاني قدري دميان إن بلاده تستهدف نمو اقتصادها المتداعي بين أربعة و5.8 بالمئة خلال الثلاث سنوات المقبلة مع إبقاء نسبة العجز عند عشرة بالمئة. وقال أشرف الشرقاوي رئيس الرقابة المالية الأسبق في مصر "الاجراءات جيدة جدا في حالة إعادة تخطيط الموارد للصحة والتعليم حتى يشعر الناس بطفرة في العلاج والأدوية. لازم يكون فيه أمل وتفاؤل بالمستقبل وأن يكون هناك خطة واضحة للاقتصاد."

ورفعت الحكومة الإنفاق على الصحة في الموازنة الحالية بنحو 22.7 بالمئة ليصل إلى 51.653 مليار جنيه. كما رفعت الإنفاق على التعليم 13.3 بالمئة إلى 105.349 مليار جنيه والإنفاق على البحث العلمي 17.5 بالمئة إلى 2.200 مليار جنيه. وقال إبراهيم "لابد للحكومة أن تتوسع سريعا في المشروعات الاستثمارية للحد من زيادة البطالة المتوقعة. حتى الآن الحكومة تبرر فقط الاجراءات ولم تكشف عن خطط مستقبلية لاستغلال وفورات أسعار الطاقة."

وترى علياء المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة سيكون لها "تأثير إيجابي على الاقتصاد على المدى الطويل لأن الميزانية لن تكون محملة بأعباء الدعم ولكن على الأجل القصير سيكون له تأثير سلبي على الدخول وعلى الفقراء وعلى تحول جزء من الطبقة الوسطى القريبة من الفقيرة في مصر إلى الطبقة الفقيرة." وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو حوالي خمس ميزانيتها على دعم الطاقة في السنة المالية المنتهية في الثلاثين من يونيو حزيران.

وأكد رئيس الوزراء إبراهيم محلب أن رفع أسعار المواد البترولية والكهرباء سيوفر للدولة نحو 51 مليار جنيه (7.13 مليار دولار) على أن يتم توجيه الوفورات إلى قطاع الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي. ولم يفسر محلب كيف يتقلص عجز الميزانية إذا وجهت الحكومة الوفورات إلى دعم قطاعات أخرى. بحسب رويترز.

ويعرب بعض الاقتصاديين عن قلقهم من ألا تمتلك الحكومة المصرية دراسات وخطة واضحة لمستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة. وبرهنوا على ذلك بتخفيض الحكومة للموازنة الحالية بنحو 52 مليار جنيه خلال يومين بعد رفض السيسي التوقيع على الموازنة الأولى. وستكشف الايام ما إن كانت الحكومة ستنجح في الاستفادة من القرارات الأخيرة في تطوير الأداء الاقتصادي أم أن هذه القرارات ستؤدي إلى تآكل الشعبية الواسعة التي يحظى بها السيسي.

120 مليار دولار

في السياق ذاته قال مسؤولون كبار إن مستشارين غربين يساعدون مصر في إعداد خطة للإصلاح الاقتصادي يقولون إنها بحاجة إلى استثمارات لا تقل عن 60 مليار دولار لرفع متوسط نمو الناتج المحلي الاجمالي الي 5 بالمئة بحلول العام 2018 و60 مليار دولار اخرى لتعزيز احتياطياتها الأجنبية. وقال المسؤولون المصريون إن الدولة ستسعى خلال مؤتمر للمانحين من المنتظر عقده في نهاية العام في مصر للحصول على استثمارات وقروض بالعملة الامريكية من مستثمرين محليين وأجانب وحكومات أجنبية وجهات إقراض دولية لسد الفجوة التمويلية.

وشكك وزير المالية المصري هاني قدري دميان في فكرة ان مصر ستكون في حاجة الي المبلغ الذي ذكره المسؤولون الثلاثة والذي أكده مصدر رابع اطلع على تقرير المستشارين. لكن دميان لم يقدم ارقاما بديلة. وقال الوزير في تصريحات صحفية دون ان يذكر تفاصيل "ما نسب لمكتب لازارد غير صحيح... اجتمعوا معنا ونحن من عرضنا عليهم احتياجات الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة." وصرح مسؤول مصري بأن من المتوقع أن يشارك صندوق النقد الدولي في المؤتمر وأن الصندوق ناقش احتمال تقديم قرض لمصر.

وقال مسؤول آخر "الوصفة التي قدمها لازارد لا تختلف كثيرا عن وصفات صندوق النقد الدولي التي توصي بخفض دعم الطاقة وزيادة الايرادات الضريبية لخفض العجز" وهو ما يشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق سريعا.. وذكرت في تقارير اخبارية سابقة أن بنك لازارد وهو بنك استثمار دولي وشركة استراتيجي آند الاستشارية الأمريكية تعدان خططا لإصلاح الاقتصاد المصري يمكن استخدامها كأساس لإعادة فتح المحادثات بشأن اتفاق لقرض من صندوق النقد الدولي.

ويمكن لمثل هذا الاتفاق أن يساهم في تجديد الثقة بين المستثمرين الأجانب الذين استبد بهم القلق بسبب ثلاث سنوات من الاضطراب إلى جانب مجموعة من المشكلات الأخرى منها تكاليف دعم الطاقة الباهظة وغياب الشفافية في إدارة الاقتصاد. وبعد نحو شهر فقط من توليها السلطة فرضت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي سلسلة من التخفيضات في الدعم وزيادات ضريبية وهي إجراءات من نوع إجراءات التقشف التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والتي قال المسؤولون إنها جزء من خطة المستشارين.

وامتنع صندوق النقد عن التعقيب على احتمال التوصل لاتفاق بشان قرض لمصر. وكان الصندوق قال في السابق إنه مستعد وراغب في استئناف المفاوضات بشأن القرض التي لم تكملها حكومة الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي التي لم تكن مستعدة لفرض إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي. وقال رجل أعمال مصري بارز مطلع على الوضع إن صندوق النقد الدولي ناقش القرض مع مسؤولين من الامارات العربية المتحدة. ووصف كريستوفر جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الي مصر ان الاجراءات التي اتخذت لخفض الدعم وزيادة الايرادات بانها "خطة محلية المنبت وخطوة مهمة للامام."

وقال رجل الاعمال المصري ان الامارات -وهي القوة المحركة وراء المشروع الاستشاري- طلبت المشورة بشأن خطة الاصلاح الاقتصادي من محمد العريان الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة بيمكو والذي قام بزيارة البلدين في الآونة الأخيرة. ورفض العريان التعليق. وردا على سؤال بشأن دور العريان قال مصدر مطلع في الامارات "هو واحد من بين كثير من الخبراء والمنظمات يقدمون المشورة بشأن عدد من الأفكار وأفضل التطبيقات قيد البحث."

وقبل انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر ثمانية مليارات دولار سنويا. وجذبت مصر في العام المالي 2012-2013 استثمارات أجنبية قيمتها ثلاثة مليارات دولار فقط. وقال البنك الدولي إن الناتج المحلي الاجمالي لمصر بلغ 273 مليار دولار في 2013. وتريد الإمارات ضمان إنفاق المساعدات والاستثمارات بكفاءة في بلد كثيرا ما أساء فيه الزعماء السابقون من ذوي الخلفية العسكرية إدارة الاقتصاد.

وقدمت الامارات والسعودية والكويت مساعدات تتجاوز قيمتها 12 مليار دولار في صورة أموال نقدية ومنتجات بترولية لمساعدة مصر في تفادي انهيار اقتصادي منذ عزل مرسي في يوليو تموز الماضي.

وقال مسؤولون مصريون إن السعودية والإمارات تعدان للمؤتمر منذ ابريل نيسان على الأقل. وأضافوا أن مصر تتوقع من حلفائها الخليجيين -الذين يعتبرونها خط المواجهة في المعركة ضد جماعة الاخوان المسلمين المحظورة التي ينتمي إليها مرسي- أن يعرضوا استثمارات ومنتجات نفطية وليس تحويلات نقدية. وقال أحد المسؤولين إن السعودية والامارات وعدتا بتقديم "مساعدة بلا سقف لمصر ولكن في صورة استثمارات ومساعدات بترولية".

وساهمت التحويلات النقدية من دول الخليج في دعم الاحتياطيات النقدية الأجنبية المصرية في الشهور الماضية والتي وصلت الي 16.687 مليار دولار في يونيو حزيران. لكن الاحتياطيات لا تزال قرب نصف مستواها قبل انتفاضة 2011 حيث أضرت الاضطرابات السياسية بالسياحة والاستثمار الأجنبي. بحسب رويترز.

ورفض المسؤولون التعليق بشأن فرص الاستثمار التي تعرضها مصر على المانحين المحتملين لكنهم قالوا إن المستشارين من استراتيجي آند - التي كانت تعرف في السابق باسم بوز آند كومباني- قد أعدوا خططا لإعادة هيكلة قطاعي الاعلام والمنسوجات اللذين تديرهما الدولة. وامتنعت استراتيجي آند -المملوكة لبرايس ووترهاوس كوبرز - ولازارد عن الادلاء بتعقيب. وامتنع البنك المركزي المصري الذي يدير الاحتياطيات النقدية الأجنبية وشارك في صياغة خطة الاصلاح الاقتصادي عن التعقيب أيضا.

الخدمات الاجتماعية

على صعيد متصل قال مدير مكتب البنك الدولي في القاهرة إن مشاورات لصياغة الاستراتيجية الخمسية الجديدة للبنك في مصر بين 2015 و2019 كشفت عن أن توصيل الخدمات الاجتماعية للمواطنين وخاصة خدمات الصحة والتعليم يتصدر قائمة الأولويات. وقال هارتفيج شافر مدير الإدارة القطرية لشؤون مصر وجيبوتي واليمن إن إعداد الاستراتيجية الجديدة التي ستمثل الأساس لمساعدة البنك لمصر على مدى السنوات الخمس المقبلة يتضمن مشاورات مع الحكومة والمجتمع المدني والأكاديميين ومراكز البحث والقطاع الخاص لتحديد الأولويات.

وقال شافر "الجميع يقولون لنا إن النظام التعليمي لا يجهز الخريجين للانضمام لقوة العمل. الأمر لا يتعلق ببناء المدارس وإنما تحسين مستوى التعليم. "النظام التعليمي السليم أمر حيوي لأي بلد حقق تقدم في العالم." وجاء بعد ذلك في ترتيب الأولويات دعم شبكة الضمان الاجتماعي للتخفيف على الفقراء والفئات المهمشة. وبرز أيضا الاهتمام بخلق فرص عمل لدى قطاع خاص قادر على المنافسة.

وقال شافر الذي أشرف على مشاركات للبنك في مجالات التغير المناخي والبنية التحتية والأمن الزراعي والغذائي إن أولويات القطاع الخاص تركزت على مجالين هما الاستثمار في الطاقة التقليدية والمتجددة وتحسين البنية الأساسية في مجال النقل. وأضاف "لن يحدث استثمار في القطاع الخاص إذا لم تكن إمدادات الطاقة مضمونة." وامتدت استراتيجية البنك السابقة لمساعدة مصر ثلاث سنوات بين 2011 و2013 وركزت على المشاريع في مجال الكهرباء.

وتختص مشروعات الطاقة بنسبة 40 بالمئة من حافظة البنك وتهدف للوفاء بالطلب المتزايد على الكهرباء في مصر على نحو يتسم بالاستدامة. وقال شافر "ندعم مصر ليس بمجرد توفير أموال لمشروعات محطات الكهرباء وإنما ندعم الحكومة أيضا في تحسين البيئة العامة للقطاع .. لتكون الكهرباء أكثر كفاءة .. يجب أن تكون هناك خطة استراتيجية تعني بانتاج الكهرباء وتوزيعها والتسعير وما يمكن عمله بخصوص الطلب لتوفير الكهرباء."

وذكر أن حجم تمويل البنك حاليا لمشروعات تنفذها الحكومة المصرية يصل الى خمسة مليارات دولار لكن منها حوالي ثلاثة مليارات دولار غير مستغلة بسبب التأخر في الانجاز. وأضاف "لدينا 24 مشروعا تحت التنفيذ حجمها أكثر من خمسة مليارات دولار في الطاقة والنقل والري والمياه .. وأكثر من ثلاثة مليارات لم تستغل .. كثير من تلك المشروعات متأخر عن الجدول." ودعا الى التخلص من البيروقراطية وتبسيط الإجراءات لدعم تنافسية القطاع الخاص. وقال "القطاع الخاص سيخلق وظائف وهو مصدر للنمو الاقتصادي ويجب أن يكون جاذبا للاستثمار في مصر." وأضاف أن السياحة تعتبر القطاع الأقرب لمعاودة النهوض في الاقتصاد المصري.

وقال إن السياحة هي القطاع الذي لديه أكبر قدرة على النهوض والتعافي. وقال "القدرة موجودة .. لا تحتاج لبناء فنادق جديدة .. والمنتجعات والمزارات الثقافية .. وأول ما يحتاجه القطاع هو الأمن والحكومة تعطي أولوية كبيرة لضمان الأمن .. والإعلام عليه دور الآن لتقديم الصورة الصحيحة." لكن شافر الذي عمل لأكثر من 23 عاما مع المفوضية الأوروبية والبنك الدولي حذر من أن التكلفة الاقتصادية لأزمة المرور في القاهرة تفوق الدخل السنوي لقناة السويس التي تمثل إلى جانب السياحة وتحويلات المصريين بالخارج أهم مصادر العملة الصعبة لمصر.

وأظهرت دراسة لمشكلة الاختناق المروري في القاهرة أن التكلفة الاقتصادية لها تصل إلى ثمانية مليارات دولار سنويا تشمل الفاقد من وقت الإنتاج والوقود بالإضافة إلى تلوث الهواء. وأضاف أن البنك يعمل حاليا على المرحلة الأخيرة من تصميم مشروع لتخصيص ممرات في القاهرة للحافلات العامة فقط كوسيلة مهمة للنقل الجماعي. بحسب رويترز.

ويجري حاليا تحديد تلك الممرات ودراسة إعادة تنظيم الطرق. وقال "الحكومة مهتمة جدا .. ستكون هناك حافلات جديدة وتلوث أقل لأنها ستعمل بالغاز الطبيعي." ومن المنتظر اكتمال تصميم المشروع وإعداد دراسة الجدوى في غضون ستة إلى تسعة أشهر يعرض بعدها على مجلس إدارة البنك لإقراره. سيستغرق التنفيذ ما بين ثلاث وأربع سنوات.

النمو السكاني وشح المياه

الى جانب ذلك وفي الركن الشمالي الغربي من دلتا النيل يقوم إبراهيم شرف الدين بتشغيل مضخته التي تعمل بالسولار بجوار قناة موحلة.. لكن لا يخرج منها إلا فقاعات صفراء. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية تسببت أنظمة الري العتيقة وحملة حكومية لترشيد استهلاك المياه في حرمان الفلاحين من الاستفادة بمياه النيل الغنية بالمواد المغذية للتربة الأمر الذي دفعهم إلى استغلال قنوات صرف المياه رغم قربهم من أطول نهر في العالم. وقال شرف الدين (50 عاما) عن القناة "هذا الماء يدمر مضخاتنا ويعطب آلاتنا ويضر بإنتاجنا."

لكن حتى في ظل ما تعانيه مصر من تناقص ما يصل اليها من مياه النيل تحث الدولة الفلاحين على زيادة زراعتهم لإمداد البلاد بما يكفي برنامج الأغذية المدعمة. ويقول مزارعون وخبراء إن الأمرين يتناقضان مع بعضهما البعض. وتعرقلت جهود رامية لاستغلال معظم الرقعة الزراعية النفيسة في البلاد بسبب الزحف العمراني الذي استمر عقودا وتسارع منذ عام 2011 حين أثارت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك حالة من "الانفلات" الأمني.

وتتطلع الحكومة إلى تحفيز الانتعاش الاقتصادي بعد اضطرابات سياسية استمرت سنوات وترغب في خفض فاتورة وارداتها الغذائية التي تبلغ 4.5 مليار دولار. وتذهب معظم هذه الفاتورة إلى الدعم الحكومي الذي يكفل شراء رغيف الخبز بخمسة قروش مصرية (أقل من سنت أمريكي). ويدفع ذلك مصر -أكبر مستورد للقمح في العالم- إلى شراء نحو عشرة ملايين طن سنويا من القمح.

وقال نيكولاس لودج الشريك المنتدب للإدارة في شركة كلاريتي للاستثمار الزراعي التي مقرها الخليج "مشكلة الاعتماد على الواردات ستزداد سوءا. "لديك نمو سكاني يفوق قدرة القطاع الزراعي على تحسين الإنتاج الذي يقيده نقص الأراضي والمياه." وتنتج مصر بالفعل محصولا كبيرا بما في ذلك سبعة ملايين طن من القمح سنويا وفقا لبعض التجار وهو ما يرجع إلى حد كبير للأسعار التي تعرضها الحكومة من أجل تحفيز الإنتاج والتي تتجاوز أسعار السوق.

ويشجع دعم الخبز المصريين على زيادة استهلاك الفرد من القمح أكثر من أي دولة أخرى تقريبا وسيزيد الطلب مع نمو السكان البالغ عددهم 87 مليون نسمة. ويقول كتاب حقائق العالم الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) إن معدل النمو السكاني في مصر يبلغ 1.6 مليون نسمة سنويا.

وتدين مصر بالكثير لنهر النيل الذي سمح لها ببناء حضارة قديمة قامت على ثروتها الزراعية. لكن الأراضي الزراعية تلتهم 85 بالمئة من مياه البلاد وهي نسبة تتجاوز المعدلات العالمية وفقا للمجلس العالمي للمياه. وقال جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة إن تحسين المحصول وتخصيص المزيد من الأراضي للمزارعين قد يزيد الإنتاج لكن هذه الإجراءات لن تكفي لتلبية الطلب المتنامي.

ويأتي محصول القمح المصري بالفعل بين أكبر المحاصيل العالمية لكن التنافس المتزايد بين مزارع مصر ومدنها على الموارد المحدودة من الأراضي والمياه يحد من زيادة الإنتاج. ووادي النيل هو الأرض الوحيدة تقريبا الصالحة للزراعة في مصر ويضم 95 بالمئة من سكان البلاد رغم أنه يشكل 5 بالمئة من مساحتها.

والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الوزراء الرئيسيين ي لوضع خطط لاستصلاح أربعة ملايين فدان في الصحراء. وقال صيام إن هذه الخطة "غير الواقعية" ستحتاج إلى 80 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهو ما يفوق بكثير إجمالي حصة مصر من مياه النيل. وتوقفت خطط أكثر تواضعا في جنوب مصر وعلى ساحلها الشمالي لسنوات بسبب نقص المياه.

وصحيح أن البلاد استفادت من سياسات مثل الحد من زراعة الأرز -أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه- والتشجيع على زراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر الشديد الاستهلاك للمياه إلا أن هذه السياسات لا تعالج مشكلة القمح المستهلك الرئيسي للمياه. ويقول خبراء إن من بين الحلول المناسبة إصلاح أنظمة الري أو زراعة محاصيل تدر أرباحا أكبر مثل الفواكه التي تحتاج القليل من المياه لكنها تتطلب خدمات لوجستية معقدة مثل التخزين والنقل المبرد.

ويحذر مراقبو المياه من أن الأمن الغذائي العالمي معرض للخطر بسبب شح المياه مع تأثر مصر بصفة خاصة بالمشروعات المقامة على نهر النيل في دول المنبع والنمو السكاني والتغير المناخي. وقال بينيديتو براجا رئيس المجلس العالمي للمياه "مصر بالأساس دولة تعتمد على مصدر واحد للمياه هو النيل الذي تتشارك فيه 11 دولة." "لذا يمثل النيل من الناحية الاستراتيجية نوعا من قضايا الأمن القومي لمصر."

وتكفل المعاهدات الموقعة بينما كانت جميع دول الجوار -عدا اثيوبيا- تحت الاستعمار لمصر ثلاثة أرباع تدفقات المياه القابلة للاستخدام سنويا والبالغة 74 مليار متر مكعب وهو وضع تسعى القاهرة لحمايته. لكن مع تراجع نفوذ مصر الإقليمي بدأت دول أخرى على طول النهر في استغلال إمكانات النيل لصالحها. وفي عام 2011 حازت اثيوبيا على دعم جيرانها المتعطشين للطاقة وبدأت تنفيذ أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وهو ما أثار انزعاج القاهرة.

وقال الرئيس السابق محمد مرسي عن السد الاثيوبي في يونيو حزيران من العام الماضي "جميع الخيارات أمامنا مفتوحة... إن نقصت قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل." وخففت مصر من حدة موقفها في الآونة الأخيرة حيث يعتزم السيسي زيارة اثيوبيا لإجراء محادثات بخصوص السد الذي اكتمل ربعه. ويقدر صيام أن السد سيحجز عشرة مليارات متر مكعب سنويا على مدى سبع سنوات مع فقدان المزيد من المياه بسبب التبخر.

وتقول مصر إنها تحتاج للاحتفاظ بحقها التاريخي للاعتراض (الفيتو) على المشروعات على نهر النيل لأن دول المنبع تتمتع بأمن مائي أكبر. وقال صيام "تقع مصر تحت خط فقر المياه البالغ ألف متر مكعب سنويا للفرد إذ تصل حصتها إلى 700 متر مكعب." وأضاف قائلا "ومع تزايد عدد السكان تزداد خطورة المشكلة."

وأيا كانت فكرة الفلاحين مثل شرف الدين عن الجدل الدائر حول التغير المناخي تتوقع بعض الوكالات أن أي تغيرات في الاحوال الجوية قد تؤثر على مصر. وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في تقرير في 2013 قائلة "من المرجح بشدة أن تقل الأمطار في شمال أفريقيا بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين." وتوقع التقرير أيضا أن ترتفع درجات الحرارة في مصر درجة أو درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن.

وقال باسكوالي ستيدوتو رئيس مبادرة ندرة المياه الإقليمية بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن ارتفاع درجة الحرارة يعني تبخر المزيد من المياه وسيؤدي تراجع الأمطار إلى نقص إجمالي تدفقات مياه النيل. ومع إضافة ذلك إلى السد الاثيوبي والعوامل الديموغرافية يتضح أن حصول المصريين على غذائهم من أراضيهم سيكون أصعب من أي وقت مضى. بحسب رويترز.

وقال عادل بشاي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة "على مدى آلاف السنين اعتدنا الإفراط في استخدام المياه التي كانت تعتبر مجانية. سيقول لك الفلاح المصري "أنت لا تملك المياه. المياه من عند الله". واضاف "وفي السنوات العشر المقبلة سيتعين علينا أن نتعلم بسرعة شديدة كيفية ترشيد استخدام المياه."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تموز/2014 - 22/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م