الإخلاص سر التطور البشري

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبـأ: يحكي لنا تأريخنا القريب والبعيد أيضا، أن مجتمع الجزيرة العربية قبل الاسلام، كان عبارة عن مجاميع قبلية متفرقة، تتناحر فيما بينها، ويغزو بعضها بعضا، وتسودها قيم وتقاليد واعراف، تبيح الظلم، وتحث على التجاوز المتبادَل، أما الجانب الايجابي فهو ضئيل قياسا للجوانب السلبية الكثيرة، لذلك لم يكن هناك مجتمعا متوحدا قويا، ولم تكن لديهم اهداف واضحة المعالم، باستثناء ما يتعلق بسد الحاجيات الآنية.

حتى هبطت الرسالة النبوية على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبدأت التعاليم الاسلامية بالانتشار بين الناس، فتحولت تلك المجاميع القبلية المتناحرة بصورة متدرجة، الى مجتمع آخر، يأمل بالكثير، ويسعى نحو التغيير والتطور، وكان السر في ذلك بزوغ قيم متقدمة، وبدأت تحتل مكان القيم والاعراف المتخلفة، ومن تلك القيم المتقدمة، قيمة عليا تتمثل بالاخلاص في مجالات الحياة كافة.

هكذا بدأ الناس عموما، يعرفون قيمة الاخلاص، ويتمسكون بها، بعد أن قطفوا ثمارها، فقد قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: (من أخلص بلغ الآمال). وهذا يؤكد أن الانسان الفرد والمجتمع، إذا تمسّك بالاخلاص في اعماله وأفعاله، وحتى أفكاره، فإنه سيحصل على نتائج باهرة.

ويكفي دليلا على ذلك، الفرق الشاسع بين الانسان المخلص المجتهد وبين غيره، ممن لا يعطون أهمية تذكر للاخلاص، فيمضون أوقاتهم باللهو، واختراع الاعذار التي تسمح لهم بتبديد الوقت، وعدم اعطاء الاهمية المطلوبة للاخلاص في العمل المطلوب منهم، فينتهون الى نتائج بائسة وفاشلة، لذلك جميع الذين حققوا تقدما في حياتهم، هم اولئك الذين تمسكوا بالاخلاص كشرط في انجاز الاعمال وتحقيق الآمال.

ولهذا السبب ايضا، نقرأ في الكتاب القيّم الموسوم بـ (الاخلاص سر التقدم)، لمؤلفه الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في هذا المجال: ان (الإخلاص هو طريق إلى التقدم الإنساني، وهو سرُّ كل تطور تشهده البشرية). من هنا فإن تقدم الافراد مقرون والمجتمعات بمدى تمسكم بالاخلاص في العمل المطلوب انجازه.

نجاح منقطع النظير

عندما يبتغي الانسان نتيجة طيبة عن أفعاله التي يؤديها في هذا المجال او ذاك، فإنه حتما يتمنى أن تكون النتائج محصورة بالنجاح والتفوق، وهي أمنية يتمناها الجميع، ولكن لا يدرك الانسان ما يتمناه دائما، فهناك شروط ينبغي الالتزام بها بدقة من اجل الوصول الى النجاح والتفوق الكبيرين، ويتقدم ذلك الاخلاص، بمعنى اذا أراد الانسان أن يحقق نجاحا منقطع النظير في هذا المجال او ذاك، عليه أولا أن يقرن هذا العمل والسعي بالاخلاص التام، ولا ينحصر النجاح في العمل الدنيوي، بل حتى العمل الاخروي يشترط اخلاص الانسان لدينه، فالاخلاص في الدين، يعد طريقا سالكا الى مرضاة الله تعالى.

والعمل هنا ليس المقصود به، العمل العضلي فقط، أو العمل الذي يؤديه الانسان بقواه الجسدية، بل جميع الاعمال التجارية والفكرية والعلمية، ينبغي أن يتوافر لها ويلازمها الاخلاص والارادة القوية الصادقة، ومن دون توافر هذا الشرط فإن تحقيق النجاح في أي مجال كان، سيبقى أمرا مشكوكا به.

لهذا ينصح الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (إذا شرع الإنسان في عمله وعلمه بإخلاص وإيمان نجح نجاحاً منقطع النظير). علما أن الاخلاص لا ينحصر في المجالات العملية فحسب، بل يشمل جميع الاهداف التي يسعى الناس الى تحقيقها، ومنها على سبيل المثال الاهداف التربوية.

فعندما نقوم بتأسيس أسرة، يشترك فيها الرجل والمرأة، فإن أهم ما يسعى إليه الطرفان هو تربية الابناء تربية جيدة، تضمن لهم النجاح والتميز، وهو امر تسعى إليه المجتمعات الراقية المتطورة، فعندما يتم التخطيط السليم للتربية الصحيحة ويكون مقرونا بالاخلاص، عند ذاك يتم تحقيق الهدف المطلوب للفرد وللعائلة وللمجتمع في وقت واحد.

لذلك ورد في الكتاب المذكور اعلاه للامام الراحل: ان (الإخلاص في تربية الأبناء يبني مجتمعاً متماسكاً، وقادراً على البقاء والتقدم والرقي والإخلاص في التعليم والتعلُّم، يسمو بالمجتمعات إلى مراتب عالية في الحضارة والعلم). وقد تأكد هذا لدى الامم والشعوب التي عرفت وتأكدت من قوة الاخلاص وتأثيره في تحقيق النتائج الكبيرة، فتمسكت به بقوة، ووصلت من خلاله الى ما وصلت اليه الآن من تقدم وتطور ورقي، حتى بلغت قيادة الركب العالمي أجمع، في التقدم والارتقاء.

الاخلاص والاهداف المنشودة

يؤكد الامام الشيرازي كثيرا على أهمية أن تُقرَن الاعمال بالاخلاص، ويرى سماحته، أن أكثر الطرق استقامة وقربا وضمانا لتحقيق النجاح في الاهداف المنشودة للفرد والمجتمع، هو الالتزام بشرط الاخلاص مع الفعل والعمل والعلم والفكر، وكل ما يخطط الانسان للسعي نحوه وتحقيقه، فإذا غاب شرط الاخلاص غابت الرؤية الدقيقة والتنفيذ السليم، وعمّ الارتباك والفوضى، فتكون النتائج واضحة مسبقا، أي أن غياب الاخلاص سوف يؤدي الى الفشل من دون أدنى شك، وعلى العكس من ذلك، إذا كانت الاعمال والافكار مقرونة بهذا الشرط الاساس، فإن النتيجة الحتمية هي التوفيق والتقدم.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على: (إن الإخلاص في العمل ـ أيّ عمل كان ــ سيؤدي إلى الوصول إلى الأهداف المرجوة من ذلك العمل، بل هو أقرب الطرق وأكثرها استقامة إلى تلك الأهداف). من هنا سوف يضمن الفرد والجماعة، نجاحا مسبقا ونتيجة مؤكدة لتحقيق الاهداف المنشودة، عندما يكون الاخلاص حاضرا بقوة وفاعلية اكيدة.

وهكذا تتأكد لنا القيمة العالية للاخلاص، عندما يروم الانسان أن يحقق عملا أو هدفا معينا، ولابد أن الافراد الذين حققوا نجاحا في مشاريعهم واعمالهم الدنيوية والاخروية معا، قد تمسكوا بالاخلاص، كسبيل مؤكد، يقودهم بصورة لا تقبل الشك، الى ما يبتغونه من نتائج مرموقة، وبهذا يصبح الاخلاص من ضرورات حياة الانسان.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح بهذا الشأن: (لو لم يكن الإخلاص من الضرورات في حياة الإنسان، لما ورد هذا التأكيد على الإخلاص في آيات كثيرة) من القرآن الكريم. وعندما نتطلع في الآيات القرآنية المباركة الكثيرة، التي تدعو الانسان الى الاخلاص، فإننا نستطيع أن نعرف مدى التأثير الحتمي له، في مساعدة الانسان، الفرد والمجتمع، على تحقيق أسمى درجات النجاح والتطور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تموز/2014 - 22/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م