ازمة الدراما الرمضانية..

صناعة لإنتاج المال والترفيه على حساب الموارد الثقافية والفكرية والدينية

 

شبكة النبأ: الاحداث السياسية المتقلبة وتردي الاوضاع الامنية التي تشهدها العديد من الدول العربية، اثرت وبشكل سلبي على جميع النواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومنها الدراما العربية التي اصبحت تعاني الكثير من المشكلات والازمات، فهذه هي الدراما السورية التي حققت وبحسب بعض المراقبين في السنوات السابقة جملة من الانجازات والاعمال المهمة، وحظيت بمتابعة جماهيرية كبيرة وحصدت جوائز كثيرة في العديد من المهرجانات، تعاني اليوم من انتكاسات خطيرة بسبب الأزمة الحالية والحرب المتواصلة التي تسببت بانخفاض إنتاجها وتراجع دورها نتيجة التكاليف المضاعفة وعدم توفر البيئة الآمنة ومغادرة الكثير من نجومها إلى خارج البلاد.

ويرى بعض المحللين ان الدراما السورية وعلى الرغم من كل الاحداث والازمات والمشاكل المتواصلة، لاتزال تصارع لأجل البقاء والاستمرار وقد أثبتت قدرتها على تجاوز الأزمات والصعوبات فكما تجاوزت في الماضي محاولات الإسقاط لصالح الدراما الخليجية، ها هي اليوم تتجاوز صعوبات الإنتاج والعقوبات الاقتصادية لتحضر هذا العام بشكل قوي على ساحة الانتاج الدرامي العربي، حيث قدمت العديد من المسلسلات في مشاهدها الكثير من الصور الحقيقية التي يعيشها المواطن السوري وفق رؤية عميقة لما يحدث على الأرض معيدة الرونق للديمغرافيا الوطنية التي تتكون منها سورية.

ولعل هذا الزخم من المسلسلات والبرامج عبر الشاشة الصغيرة؛ فارغة المضمون؛ وكأنها جاءت لتملأ فراغ الصراع السياسي الذي يعاني منه غالبية العرب، فاليوم أصبحت الدراما التليفزيونية صناعة ضخمة لا تقل عن السينما، فمن عام إلى آخر تشهد الدراما التليفزيونية العربية تطورا كبيرا في الإنتاج والتصوير والنصوص واستقطاب النجوم وقنوات العرض، حتى أصبحت صناعة ضخمة للموارد المالية متجاهل انتاج الموارد الثقافية الفكرية الدينية.

صراع لأجل البقاء

وفي هذا الشأن وبعد ما يزيد على ثلاث سنوات من أزمة سورية يومية تطال الحجر والبشر لا تزال الدراما التلفزيونية تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة وعلى الرغم من كل التحديات التي ولدتها الحرب. فالأوضاع الأمنية وندرة توفر مواقع التصوير الآمنة وتدني الأجور وهجرة العديد من النجوم وأسباب أخرى عديدة جعلت من إنتاج المسلسلات السورية أكثر صعوبة.

وكما معظم المسلسلات السورية في السنوات الثلاث الماضية فان مسلسل (الحقائب/ضبوا الشناتي) هو عبارة عن سلسلة من الأحداث التي تحصل في حياة عائلة سورية خلال الحرب في إطار الكوميديا السوداء التي تبدو أقدر على محاكاة الألم بشكل أكثر عمقا. ويقول مخرج المسلسل الليث حجو أنه كان من المفترض أن يتم تصوير حلقات المسلسل خلال مدة خمسين يوما ولكن مدة التصوير تجاوزت حتى الآن 64 يوما ولم ينته العمل على الرغم من بدء عرض حلقات المسلسل على شاشات التلفزيون.

وجاء هذا التأخير في التصوير بسبب العديد من الهجمات بقذائف المورتر التي إستهدفت دمشق القديمة حيث يتم تصوير المسلسل. وتحدث الممثل السوري المخضرم أيمن رضا عن الظروف الصعبة التي يواجهها مع زملائه في المجموعة. وقال "بالنسبة للأعمال التي تحتوي على مجاميع والأعمال التاريخية والبدوية أصبح هناك خطورة أن نخرج إلى الصحراء للتصوير من دون أن يكون معنا أمن. فموقع التصوير عندما يكون بعيدا عن دمشق مثل الأرياف يكون هناك مشكلة." وأضاف "كذلك الأجور التي نتقاضاها انخفضت مع ارتفاع الدولار."

ومضى يقول "حتى نحن في هذا البيت نزل علينا مرتين قذائف. المنطقة التي نصور فيها مستهدفة ... وفي اليوم الذي نزلت فيه القذيفة احترق شادر السقف ونزل علي زجاج وعلى (الممثلة السورية) أمل عرفة والحمد لله نجينا... نظفنا وأكملنا التصوير. وأضاف "يوجد الكثير من الصعوبات في التنقل والحواجز. اختلفت الحياة كثيرا وصار كل شيء له صعوباته."

وعبر أيمن الذي ينحدر من أصول عراقية عن رفضه مغادرة دمشق في ظل الظروف الراهنة قائلا "أحسست أنه لا يجوز أن نترك دمشق وهي مريضة." وأشار الى إقبال الناس في البلدان العربية على مشاهدة مسلسلات قد تكون سخيفة للخروج من الحالة الراهنة قائلا عن مسلسل الحقائب انه "قد لا يستهويهم.. لا يعجبهم لانه ضمن الحالة".

وقال "أخطر شيء في القرن الواحد والعشرين ونهاية القرن العشرين أن الفن كان يسبق السياسة أما الآن فإن السياسة تجاوزت الفن بمراحل وسيطرت عليها وعلى أدواتها وعلى كل ممتلكاتها والسبب هو راس المال الذي يتحكم بهذه القصة." ولكن ليست الأوضاع الأمنية وحدها هي التي أثرت على الدراما السورية ولكن أيضا العقوبات التكنولوجية التي فرضت على البلاد وأثرت على نوعية التصوير. بالإضافة إلى ذلك هناك شركات الإنتاج القليلة التي تعمل الآن في البلاد.

ولكن الممثل السوري أيمن عبد السلام قال أن الدراما السورية لا تزال لها خصوصيتها كونها تتمسك بالهوية السورية وتستهدف أساسا الجمهور السوري. وقال "سوريا لا يهمها كثيرا الأحداث التي تحصل في الخارج إنما يهمها ما يجري عندنا لهذا فان المسلسل العربي لا يأخذ ضجة عندنا أو رواجا أو رهجة كبيرة كما في باقي البلدان العربية."

أضاف "مثلا الحقائب عامل ضجة كبيرة بالشارع السوري لأن هذه مشكلتنا.. هذا يمسنا.. هذا وجعنا. في الدراما العربية نجد خليطا. نحن لسنا في دبي. في دبي نجد الخليط نجد الهندي والباكستاني والمصري والسوري والامريكي وكل الجنسيات لا يوجد هوية. عندنا يوجد هوية." وفي عام 2008 عرض نحو 36 مسلسلا سوريا على التلفزيونات تتحدث عن مواضيع مختلفة. أما في عام 2014 فقد تم تصوير عشرين مسلسلا معظمهم يتناول الحرب وآثارها على المجتمع السوري. بحسب رويترز.

وصناعة التلفزيون السوري هي احد أفضل الإنتاجات رواجا في بلاد الشام. لكن الحرب التي بدأت عام 2011 أثرت سلبا على هذا الانتاج في البلاد. وأدت الحرب إلى مقتل 162 ألفا على الأقل خلال ثلاث سنوات وآلاف آخرين في عداد المفقودين واضطر الملايين إلى النزوح عن ديارهم واللجوء إلى البلدان المجاورة.

البحث عن الحب وسط الحرب

في السياق ذاته ورغم سخونة الأحداث المتسارعة على الساحة العربية بوجه عام واحتدام الحرب في سوريا تحديدا يبحث الكاتب السوري رافي وهبي جاهدا عن الحب والحالات الانسانية بين ثنايا الأزمة السورية في أول مسلسل عربي مشترك تحت اسم "حلاوة الروح". المسلسل من إخراج التونسي شوقي الماجري ويجري تصويره في بيروت على ان ينتقل لاحقا الى القاهرة ودبي. ويشارك في بطولته من سوريا غسان مسعود ومكسيم خليل ورافي وهبي ونسرين طافش ومن مصر خالد صالح إلى جانب اللبنانية رولا حمادة والفلسطينية فرح بسيسو وممثلين عرب آخرين.

وتجري وقائع احداث المسلسل على هامش الأزمة المستمرة منذ اكثر من ثلاث سنوات في سوريا والتي تحولت الى حرب طاحنة لكن القصة الاساسية للمسلسل هي قصة حب. وقال وهبي "نحن محايدون. ليس الحياد السلبي بمعنى الصمت إنما الحياد الإيجابي. ما يحدث أليم ومعقد جدا وهو تداخل محلي إقليمي دولي لسنا معنيين أن نفسره أو نحلله أو نجاوب عليه. قصتنا الإجتماعية هي قصة الحب وعلاقات الشخصيات مع بعضها تسير ضمن هذه البيئة. نحن معنيون أن لا نكون محرضين."

وأضاف الكاتب وهبي "هو عمل عربي لأول مرة يتناول مجمل الاحداث على مستوى الشخصيات لكن المحور الاساسي هو الموضوع السوري." ومضى يقول "أول مرة سمعت عبارة حلاوة الروح كانت من والدتي ... أشعر أن البلد يعيش حالة مشابهة تحتاج إلى إرادة قوية وعزم وشيء من الله كي يستطيع ان يخرج من الأزمة."

ويتشابه أسم المسلسل مع فيلم هيفاء وهبي لكن رافي وهبي قال "بالنسبة لي العنوان يعنيني كثيرا لانه جزء من الحكاية." أما المنتجة رولا تلج فوصفت أول انتاج لها بأنه "تجربة فريدة وصعبة وحلوة وتجمع الكثير من العناصر المميزة." وعرض في المؤتمر الصحفي ملخص عن المشاهد التي تم تصويرها حتى الان وهي ثلث المسلسل تقريبا كما قال الماجري حيث تم استقدام ديكوارات ضخمة عوضا عن التصوير في سوريا.

وقال الماجري "أنا من أكثر الناس الذين يخافون من الأحداث التي مازالت (مستمرة). مثلا قامت في تونس الأحداث وأنا تونسي وكنت أرفض أن أقوم بعمل عن هذا الموضوع لأن هناك الكثير من الأسرار غير مكتملة." وأضاف الماجري الذي اخرج مسلسلي الاجتياح ونابليون والمحروسة "هذا العمل تجاوزنا فيه قليلا هذه الإشكالية لأنه لا يوجد فيه حكم على مرحلة. يوجد معايشة لحالات إنسانية حاضرة فقط ولا يوجد أي حكم للأسباب الحقيقية للأحداث التي تحصل في الوطن العربي." بحسب رويترز.

وتابع قائلا "نحن قلقون على طاقتنا الإنسانية كحب وأن لا يكسرنا هذا الواقع لدرجة اننا لم نعد نستطيع ان نخلق أبطالا يحبون. نحن ذهبنا الى سوريا لكي نخلق بطلا يحب. هذا المفهوم مثلا يهمني في هذا الظرف العربي." اما الفنان المصري خالد صالح فقال "قد يكون لنا وجهة نظر هنا أو هناك ولكن يوجد وجع عربي وكان العصب الملتهب الذي تم اللعب عليه في سوريا. انما أنا أعمل على هذا العصب لأنه سيمس لبنان ويمس مصر ويمس تونس ويمس ويمس...لا أستطيع أن أنفي طول الوقت أن عملي بعيد عن السياسة. عملي يحتوي على سياسة ولكن تركيزي على القضايا الأنسانية."

مسلسل الخديوي.. أكاذيب مختلقة... ومغالطات تاريخية

الى جانب ذلك وصف أحمد فؤاد الثاني ابن الملك فاروق آخر حكام أسرة محمد علي في بيان المسلسل التلفزيوني "سرايا عابدين" بأنه يتضمن "أكاذيب مختلقة... ومغالطات تاريخية" رآها تشوه تاريخ جد أبيه الخديو إسماعيل الذي حكم مصر بين عامي 1863 و1879. والمسلسل الذي يذاع حاليا كتبته الكويتية هبة مشاري ووصفه أحمد فؤاد بأنه "مهزلة تمس سمعة مصر" مشددا على أن أحفاد إسماعيل لا يقبلون "بهذه الإهانات والاتهامات" ولن يسكتوا عليها.

ولكن البيان لم يشر إلى طبيعة رد الفعل العملي الذي يترجم عدم سكوت الأحفاد. ويسجل المسلسل الذي أخرجه المصري عمرو عرفة في المقدمة أنه "دراما مستوحاة من قصة حقيقية". ويؤدي الممثل السوري قصي خولي شخصية الخديوي إسماعيل التي أداها الممثل المصري حسين رياض في فيلم (ألمظ وعبده الحامولي) عام 1962 ثم أداها ببراعة الممثل المصري محمد وفيق في مسلسل (بوابة الحلواني) الذي كتبه السيناريست المصري البارز محفوظ عبد الرحمن.

وأنجب الخديوي إسماعيل عددا من الأبناء منهم الخديوي توفيق الذي تولى الحكم بعد عزل أبيه عام 1879 والسلطان حسين كامل الذي حكم بعد عزل الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1914 حتى 1917 والملك فؤاد الذي حكم بين عامي 1917 حتى وفاته عام 1936. وأحمد فؤاد الثاني الابن الوحيد للملك فاروق وولد يوم 16 يناير كانون الثاني 1952 ولكن ثورة 23 يوليو تموز 1952 أنهت حكم فاروق فتنازل لابنه الرضيع عن العرش وتشكل مجلس للوصاية على العرش ثم غادرا الملك السابق والملك الصبي مصر يوم 26 يوليو 1952 إلى إيطاليا. وفي 18 يونيو حزيران 1953 أعلنت مصر جمهورية وانتهى الحكم الملكي. بحسب رويترز.

وكانت مصر منذ صعود محمد علي عام 1805 تحكم من القلعة حتى قيام إسماعيل بنقل مقر الحكم إلى قصر عابدين بوسط القاهرة. وقال أحمد فؤاد في بيان إنه تابع "بكل الأسف" مسلسل "سرايا عابدين" ظنا منه أنه سينصف الخديوي إسماعيل ولكن منتجي المسلسل اهتموا "بجانب لا وجود له إلا في خيالهم ولا يمت للواقع بصلة وأبسط ما يقال عنه إنه مهين لذكرى هذا الرجل الوطني العظيم... الأمر الذي ينم عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة وبتاريخ الوطن... كما كال الاتهامات للخديوي ولبعض زوجاته بالقتل والتآمر والفساد وسوء الخلق." ولم يتسن الاتصال بصناع المسلسل لمعرفة الظروف التي أحاطت بإنتاج المسلسل وما إذا كان أحد المؤرخين راجع مادته التاريخية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تموز/2014 - 21/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م