قوة المنح النقدية ومحاولة كسر دائرة الفقر

 

شبكة النبأ: يمكن لدفعة نقدية قليلة قيمتها 12 دولاراً في الشهر تقدم لأسرة فقيرة أن تحدد ما إذا كان الطفل يأكل بصورة لائقة أو يذهب إلى المدرسة أم لا. ونظراً للأثر العميق الذي تتركه برامج التحويلات النقدية حول العالم الآن على حياة الفقراء، فقد أصبح النقاش يدور حول كيفية تنفيذ تلك البرامج وليس حول ما إذا كان ينبغي تنفيذها.

ويعد توزيع الأموال النقدية بدلاً من الغذاء أو لوازم الحياة الأساسية على الأسر المحتاجة ظاهرة حديثة نسبياً بدأت في العديد من دول أمريكا اللاتينية بما فيها البرازيل والمكسيك في تسعينيات القرن الماضي. وفي عام 1998، قامت جنوب أفريقيا أيضاً بتقديم النموذج الخاص بها- وهو منحة دعم الأطفال. ويشجع النجاح الواسع النطاق لتلك البرامج العديد من الدول الأخرى في أفريقيا وآسيا على اتباع النموذج ذاته. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وقد أثبت تحويل الأموال النقدية إلى هؤلاء الذين هم في أمس الحاجة إليها أن له تأثيرات مبهرة وطويلة الأمد أكثر من مجرد العيش بما يسد رمق أفقر الفقراء. وفي هذا الإطار، قالت ميشيل أداتو، التي قامت بدراسة تأثير التحويلات النقدية لسنوات عديدة، أن توزيع الأموال كإجراء فيه تبذير وغير مستدام مفهوم يفقد مصداقيته بشكل متزايد. وينظر إلى المنح النقدية كجزء من استراتيجية انمائية شاملة بدلاً من مجرد شبكة أمان. وبسبب تأثير تلك المنح على رأس المال البشري فإنها تساهم في التنمية المستدامة.

وقالت أداتو: "عندما يفقد الأطفال نافذة الفرص الخاصة بوضعهم الغذائي من بداية ولادتهم وحتى سن عامين أو يواجهون التأخر في بدء الدراسة أو معدلات مبكرة للتسرب من الدراسة، فإن التأثيرات المتراكمة تترك عواقب طويلة الأمد على رفاههم الاقتصادي في فترة شبابهم"، مضيفة أن البحوث قد أظهرت علاقة مباشرة بين الاستثمار المبكر في الأطفال وحلقات الفقر المستمرة بين الأجيال. وأضافت أن "هذا أقوى تبرير لبرامج التحويلات النقدية وهو يتعدى منظور حقوق الإنسان الأساسية".

وقالت كارولين هنريك، أستاذة الشؤون العامة والاقتصاد في جامعة تكساس: "لا أستطيع القول بأننا سمعنا حججاً مضادة. نقوم بالبرامج التي تحد تدريجياً من الفقر [عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي] منذ فترة طويلة قبل البدء في التحويلات النقدية ولم نشاهد أبداً هذا النوع من التأثير الذي شاهدناه مع التحويلات النقدية". وتشمل تلك التأثيرات تعزيز الصحة والتغذية وتحسين معدل الانتظام في الدراسة وممارسة سلوك جنسي أقل خطورة.

وتدير 20 دولة أفريقية برامج حماية اجتماعية مماثلة، كما أن هناك تزايداً في أعداد الدول وحجم البرامج حيث تقوم كل من كينيا وزامبيا وليسوتو وموريتانيا ومالاوي ومالي والنيجر وزيمبابوي والسنغال بالتوسع في برامجها. بالإضافة إلى ذلك، هناك توسع في منحة دعم الأطفال في جنوب أفريقيا حالياً لكي تشمل الأطفال الذين يبلغ عمرهم 17 عاماً ليصبح إجمالي الأطفال المستفيدين 11 مليون طفل.

وقد أظهر مشروع التحويلات- وهو دراسة حول تأثير المنح في العديد من الدول الأفريقية بقيادة اليونيسيف- أن نوعية الحياة التي يعيشها الناس الذين يتلقون التحويلات النقدية قد تحسنت بصورة كبيرة. وقد ذكر كل من شملتهم الدراسة في زامبيا وغانا ومالاوي أنهم كانوا أكثر سعادة بحياتهم على سبيل المثال، كما أظهرت البحوث أن المستفيدين في تلك الدول كانوا يأكلون أيضاً بصورة أفضل.

وقد أظهرت المنح النقدية فوائد واضحة تتجاوز الصحة والتعليم. فقد كان للمنح النقدية تأثير ملحوظ على سلوك المراهقين حيث أدت إلى الحد من الممارسات الجنسية الشديدة الخطورة. كما أظهر تقييم واسع النطاق لمنحة دعم الأطفال في جنوب أفريقيا أن المراهقين الذين حصلوا على منحة كانوا أقل عرضة بنسبة 63 بالمائة للانخراط في سلوك جنسي محفوف بالخطر مثل ممارسة الجنس مع رجال أكبر في السن وبهذه الطريقة تقل فرص حدوث الحمل لدى المراهقات ونسب التسرب من الدراسة والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. وقد أظهرت الدراسة أيضاً انخفاضاً في تعاطي المخدرات والكحوليات بين المراهقين من الفتيان والفتيات. وتصف هنريك تلك النتائج بأنها "مثيرة جداً" وأن هناك حججاً قوية من أجل تمديد المنح لكي تغطي المراهقين في الدول الأخرى أينما كان ذلك ممكناً.

ولكن هناك انتقادين رئيسيين لبرامج التحويلات النقدية وهما أن تلك البرامج لا تخلق فرص عمل وأنه قد يحدث سوء استخدام من قبل المستفيدين منها. وقال جون هودينوت، نائب مدير وحدة بحوث سياسات الغذاء الدولية، ومقرها واشنطن، أنه على الرغم من أن التحويلات النقدية ليست عصاً سحرية إلا أنها بالتأكيد عنصر حيوي لأي استراتيجية للتخفيف من حدة الفقر. وأضاف هودينوت: "نحن لا نقول أن هذه التحويلات سوف تحل جميع المشكلات في العالم ولكنها جزء ذو قيمة من مجموعة من الأنشطة الرامية إلى الحد من الفقر". فهذه التحويلات لا تقدم للناس الوسيلة لشراء الغذاء والملابس فحسب ولكنها "تعطي المستفيدين منها قاعدة يمكن من خلالها إجراء تحسينات طويلة الأجل".

البيانات تشير إلى أن الفقراء يقومون باتخاذ القرارات الصحيحة. ينبغي علينا أن نكف عن محاولة تربيتهم

وبالنسبة للاتهام بأن التحويلات النقدية قد يتم تبديدها في الإنفاق على الكحوليات والمخدرات والسجائر أو قد تؤدي إلى توقف من يتلقوها عن العمل، فقد أشارت الأدلة عكس ذلك. وقال هودينوت أن "البحوث أظهرت أنه في الغالبية العظمى من الحالات يستخدم الفقراء أموالهم بصورة جيدة- الأدلة لا لبس فيها". ففي الغالب يقومون باستخدام الأموال لشراء الطعام والملابس وإلحاق أبنائهم بالمدارس وأحياناً يقومون بادخار بعض المال. وأضاف هودينوت قائلاً: "سوف تجد دائماً روايات عن بعض الناس الذين يستخدمون مواردهم بشكل سيء ولكن الحكايات ليست بيانات". ويشترك الخبراء الآخرون الذين جرت مقابلتهم في نفس الرأي.

وعلى الرغم من أن مجموعات أطفال الشوارع الذين يكدحون في العيش في شوارع جوهانسبرج كانوا موجدين في كل مكان من المشهد الحضري في الثمانينات والتسعينات، إلا أن المشهد أقل شيوعاً بكثير في الوقت الحاضر بفضل تأثير منحة دعم الأطفال، حسبما ذكر دوجان فريزر الذي عمل مع معهد بحوث السياسات الاقتصادية في تقييم منحة دعم الأطفال في جنوب أفريقيا. وتساعد الأموال الزائدة العائلات على إطعام أطفالهم والإبقاء عليهم في المدارس وإبعادهم عن الشوارع. وقد يفترض المنتقدون أن انفاق الأموال على أغراض مثل الهاتف النقال أو صالونات الشعر يبدو تبديداً ولكن "غالباً ما يكون هناك منطق عقلاني وراء هذه القرارات". فهذه المشتريات قد تكون مهمة عندما تحاول العثور على عمل وجعل نفسك أكثر أناقة لسوق الوظائف على سبيل المثال. وأضاف فريزر أن "البيانات تشير إلى أن الفقراء يقومون باتخاذ القرارات الصحيحة. ينبغي علينا أن نكف عن محاولة تربيتهم".

ولكن الشيء المطروح للنقاش هو كيفية توزيع الأموال النقدية وما إذا كان ينبغي فرض شروط على المنح أم لا. ويميل نموذج أمريكا اللاتينية إلى اتباع النهج "المشروط" في حين تميل الدول، التي لديها قدرات أقل على مراقبة ما إذا كان الناس يلتزمون بالشروط، إلى اختيار المنح غير المشروطة أو المنح ذات الشروط اللينة التي تحاول تحفيز المتلقين لها على استخدامها بحكمة. فعلى سبيل المثال، تعتمد المنح في المكسيك والبرازيل على الحد الأدنى لعدد أيام الانتظام في الدراسة أو على اصطحاب والد الطفل أو والدته له لإجراء فحوصات السلامة. وقالت هنريك أن "المشكلة تنشأ إذا تم فرض شروط دون توفر القدرة على التحقق منها".

وقالت أداتو أنه لم يتم بعد اتخاذ القرار بشأن فرض شروط على المنح النقدية. ومن الناحية السياسية من المهم أحياناً أن تكون هناك شروط ملحقة بالمنح. وأضافت: "غالباً ما يمكنك الحصول على المزيد من الدعم لتلك البرامج إذا لم يعتقد الناخبون أن الفقراء يحصلون على شيء مقابل لا شيء". ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أي نهج يمكنه تحقيق نتائج أفضل؟ فقد أظهرت أمثلة أمريكا اللاتينية أن الشروط تضيف قيمة للعديد من البرامج. فعلى سبيل المثال، يمكن للمنحة المشروطة بمواظبة الطفل على الدراسة أن تقوي مكانة المرأة في الأسرة التي يفضل الأب فيها بقاء الطفل في المنزل.

والاتجاه في أفريقيا، حيث عادة ما تكون قدرة الدولة على التحقق ضعيفة، هو نحو البرامج غير المشروطة. وقد أظهرت دراسة جرت في مالاوي بعض الآثار السلبية للمنح المشروطة. فعلى الرغم من أن المنحة المشروطة بالمواظبة على الدراسة قد أدت إلى تحسن الانتظام في الذهاب إلى المدرسة بين الفتيات الصغيرات إلا أن الفتيات اللائي تسربن من التعليم ولم يحصلن بالتالي على المنحة كن أكثر عرضة للحمل بصورة مبكرة عن الفتيات اللائي تسربن من التعليم وحصلن على المنح النقدية غير المشروطة.

ولا يوجد مخطط للمنح ولكن لا بد من تصميم كل برنامج طبقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية المحلية، كما أفاد الخبراء. ويكاد الجدل حول المنح المشروطة لا يذكر الآن، حسبما ذكر هودينوت حيث ينظر صانعو السياسات إلى شروط المنح من منظور ما إذا كانت ستساعد على تحقيق أهدافهم أم لا بدلاً من التحقيق إن كانت "صحيحة" أو "خاطئة".

وبسبب الشكوك الأولية حول فاعلية وقيمة برامج التحويلات النقدية، فقد تم اخضاعها إلى التدقيق المكثف أكثر من أي برامج تنموية أخرى، كما ذكر هودينوت. وقد ثبت أن لذلك قيمة لا تقدر بثمن لتعزيز البرامج وتحسينها، مضيفاً أنه "يوجد قاعدة أدلة جيدة الآن بشأن الأماكن التي تنجح فيها تلك البرامج والأماكن التي يكون فيها نجاحها محدوداً".

وقد وردت تقارير عن أن برامج التحويلات النقدية أقل عرضة للفساد من أنظمة توزيع البضائع. وقال هودينوت أن "انطباعي العام هو أنه يوجد فساد قليل نسبياً في تلك الأنواع من البرامج. ففي الدول التي يكون فيها الفساد متوطناً ستجد الفساد في التحويلات الاجتماعية أيضاً بالطبع". وتشمل الأمثلة على الفساد المستفيدين الوهميين ورشوة المسؤولين في الأماكن التي يتم فيها إعطاء المنح المشروطة. وأحياناً ما يحدث الفساد في الواجهة حيث تتنقل الأموال بين الأيدي. وفي بعض الأمثلة في أمريكا اللاتينية يبدأ المرابون والمبتزون في الظهور في المستودعات حيث يذهب الناس للمطالبة بأموالهم النقدية. ويمكن للمستفيدين الآن من نظام بولزا فاميليا في البرازيل- وهو أكبر برنامج للتحويلات النقدية في العالم يدعم 12 مليون أسرة أي ما يعادل ربع السكان بشرط مواظبة أبنائهم على الدراسة والحصول على اللقاحات- أن يسحبوا أموالهم النقدية من ماكينات الصراف الآلي حول البلاد وهي خطوة قللت من الفساد.

وفي جنوب أفريقيا تناقش المحكمة قضية تشمل شركة نت وان وهي شركة أمريكية قابضة تدير المدفوعات الإلكترونية لمنحة دعم الأطفال. وكان بعض المتلقين للمنحة ضحايا لشركات قامت بتقديم أنفسها زوراً على أنها وكيل شرعي لهيئة الضمان الاجتماعي في جنوب أفريقيا وقامت بخصم أموال من تحويلاتهم. وتخضع شركة نت وان أيضاً لدعوى قضائية جماعية في الولايات المتحدة لتقديمها معلومات مضللة عن ممارساتها المالية في جنوب أفريقيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تموز/2014 - 20/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م