اردوغان... يقبض السلطة بتبادل الأدوار والمناصب

 

شبكة النبأ: اردوغان الذي ما زال يواصلا مشواره السياسي في تركيا بحثا عن اعلى المناصب واهمها، وبعد ان استنفذ خياراته المتاحة في تسنم منصب رئيس الوزراء، يتجه نحو منصب رئيس الجمهورية، ليبدأ مشواراً سياسيا جديدا حافلا بتحطيم الأرقام القياسية في تركيا، فالمنصب الرئاسي الجديد (والذي يطمح اليه اردوغان) سيتم التعديل لا عطاءه المزيد من الصلاحيات التنفيذية (سيما وانه منصب تشريفي بصلاحيات محدودة أكثر منه تنفيذي)، كما ان منصب الرئيس سيصار انتخابه بصورة مباشرة عن طريق الاستفتاء الشعبي، مما سيعطي دفعة شعبية كبيرة لمنصب الرئيس ولا وردغان (في حال فوزة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في اب القادم وهو المتوقع).

وقد غير اردوغان منذ توليه منصب رئاسة الوزراء منذ عقد من الزمن، الكثير في تركيا العلمانية، واستطاع امتصاص وتحجيم العديد من القوى الفاعلة في تركيا، كالجيش والأحزاب العلمانية، إضافة الى الشخصيات النافذة كعبد الله كولن، كما استطاع اردوغان من خلال عاملين مهمين كسب قاعدة جماهيرية كبيرة داخل تركيا المسلمة، أولهما العامل الاقتصادي، والثاني العامل الديني.

فقد استطاع اردوغان تحسين المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة المسلمة، من خلال الاستثمار وتحفيز الصناعة في تركيا، والتي أدت الى انتعاش اقتصادي ونمو سنوي ممتاز.

فيما ساهم العامل الديني، خصوصا وان حزب العدالة والتنمية (الذي ينتهج فكرا قريبا من الاخوان المسلمين) الذي يترأسه اردوغان، قد ساهم بشكل كبير في إعطاء المزيد من الحريات الدينية للمسلمين اللذين عانو كثيرا في بلد يقدس العلمانية وفصل الدين عن السياسية.

وقد اشارت توقعات الخبراء والمتابعين، فوزا سهلا لاردوغان امام منافسيه، كما أشار استطلاعان للرأي أجريا الشهر الماضي إلى أن إردوغان سيحقق فوزا مريحا في الجولة الأولى من الانتخابات التي ستجري في العاشر من أغسطس آب، وأظهر الاستطلاعان أن إردوغان سيفوز بنسبة 55 و56 في المئة على التوالي من الأصوات أي متقدما بعشرين نقطة عن إحسان أوغلو أقرب منافسيه، وإذا لم يحصل أي مرشح على نسبة 50 بالمئة زائد واحد من الأصوات ستجرى جولة ثانية يوم 24 أغسطس آب. 

وقد تخوف المعارضين من استمرار سيطرة اردوغان وتمسكه المفرط بالسلطة، سيما وان الأحزاب العلمانية متخوفة من سياسة اسلمة المجتمع التركي التي يتبعها الأخير منذ سنين، كما ان انفراد اردوغان بالسلطة بعد الإطاحة بأغلب معارضيه، وقمع جميع المظاهرات التي جرت في تركيا بالقوة، ونبرة التحدي الواضحة التي يبديها امام خصومة ومنتقديه، استدعت المزيد من القلق والخوف على مستقبل تركيا من وجه نضر المناهضين لاستمرار حكم اردوغان.    

اردوغان وتركيا جديدة رائدة

في سياق متصل حدد رجب طيب اردوغان ملامح رؤيته "لتركيا جديدة رائدة" متعهدا بتعديل الدستور ولعب دور أكثر حضورا على المسرح العالمي وتعميق الديمقراطية إذا أصبح أول رئيس لتركيا يأتي من خلال انتخابات شعبية مباشرة، ويصور الرجل الذي هيمن على السياسة التركية لأكثر من عشر سنوات ترشحه للرئاسة كجزء من مسار تاريخي للتغيير يحطم قيود الوضع الراهن التي قال إنها أخرت تركيا لعشرات السنين، وألقى إردوغان (60 عاما) كلمة استمرت ما يقرب من ساعتين أمام عدة آلاف من أنصاره في قاعة المؤتمرات في اسطنبول في بداية حملته للانتخابات الرئاسية التي من شبه المؤكد أن يفوز فيها والتي تجرى في أغسطس آب.

وقال "تركيا القديمة أصبحت ماضيا الآن، بوابات تركيا القديمة مغلقة، وهناك صوت يعبر عن إرادة الناس للتغيير"، وأضاف بصوت مدو "تركيا الجديدة ناضجة ومتطورة وقوية، تركيا الجديدة ستخدم السلام الدولي بشكل أفضل، تركيا الجديدة ستكون كبيرة ورائدة"، وخلال الأشهر القليلة الماضية واجه رئيس الوزراء أكثر الفترات صعوبة في حياته السياسية وواجه احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة وفضيحة فساد في حين تواجه بلاده تهديدا أمنيا متزايدا ناجما عن الفوضى في العراق وسوريا المجاورتين، وأثار صعوده شبه المؤكد إلى سدة الرئاسة التي يقول إنها ستكون مصحوبة بصلاحيات أكبر نظرا للطابع المباشر للانتخابات مخاوف بين خصومه من تزايد ميوله الاستبدادية، وكان البرلمان هو الذي ينتخب الرؤساء السابقين في تركيا.

وقال أكمل الدين إحسان أوغلو (70 عاما) منافس اردوغان الرئيسي عند الإعلان عن استراتيجيته في احتفال أكثر تحفظا على نحو ملحوظ "الرئيس رب أسرة ولا يجب أن يكون رجل معه عصا غليظة يضرب بها كل فرد على رأسه"، وقال إحسان أوغلو الذي شغل منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي "نحن في القرن الحادي والعشرين، عصور الجلد على القدمين ولت منذ زمن طويل"، وإحسان أوغلو هو المرشح التوافقي لكل من حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة العلمانية وحزب الحركة القومية. بحسب رويترز.

إعادة تشكيل الساحة السياسية

الى ذلك وعند إلقاء لمحة سريعة على من ظهروا من المرشحين لأول انتخابات رئاسية مباشرة تجريها تركيا يتضح التغير الجذري الذي أحدثه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي يشغل المنصب منذ 11 عاما، فنخبة علمانية قديمة تركت الساحة لرجلين من خلفية إسلامية وثالث من الأقلية الكردية التي قمعت لفترة طويلة، وقال سولي أوزيل استاذ العلوم السياسية بجامعة قدير في اسطنبول "من المؤكد أنها سابقة، جمهورية جديدة"، وأضاف "نحن حقا في مياه مجهولة"، ولم تتأثر شعبية رئيس الوزراء رغم موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وفضيحة فساد.

ويرى كثيرون أن انتصاره حتمي، ومنذ تولى حزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان سدة الحكم عام 2002 بنى قاعدة تأييد ضخمة بين المسلمين المحافظين وبينهم الكثير من الفقراء الذين كانوا يشعرون بأنهم يعاملون معاملة مواطنين من الدرجة الثانية في دولة علمانية فعلى سبيل المثال كان هناك حظر على ارتداء الحجاب في المباني الحكومية، اما اردوغان نفسه فقضى حكما قصيرا بالسجن عام 1999 بسبب نشاطه السياسي، وتولى مقاليد الحكم بعد ذلك بأربعة أعوام فقط فروض الجيش الذي كان يعتبر نفسه حائط الصد الأخير في مواجهة التيار الإسلامي وعزل أربع حكومات خلال أربعة عقود.

ولم يعد الدين من المحرمات بل أصبح الآن قضية سياسية محورية، ويرفض الكثير من الأتراك البالغ عددهم 77 مليون نسمة فكرة الرئيس العلماني، ووصل هذا الرفض الى حد أن حزب الشعب الجمهوري وهو حزب مؤسس الدولة العلمانية كمال أتاتورك واكثر الأحزاب التركية علمانية وحزب الشعب الوطني اختارا مرشحا مشتركا هو اكمل الدين احسان اوغلو الدبلوماسي والاكاديمي الذي يقود منظمة التعاون الإسلامي منذ تسعة اعوام وحتى العام الحالي، وأثار اختيار احسان اوغلو المولود بالقاهرة والذي كرس جزءا كبيرا من حياته من أجل قضية الإسلام انتقادات شرسة من علمانيين أشداء داخل حزب الشعب الجمهوري اذ رفض عدد كبير التوقيع على ترشيحه رسميا. بحسب رويترز.

وفي اول تصريحات له بعد اقتراح ترشيحه سارع احسان اوغلو الى تأكيد أهمية فصل الدين علن الدولة، وقال إن العالم الإسلامي أصبح "مضطربا" بسبب هذه القضية، ولا ترتدي زوجته الحجاب على عكس زوجة اردوغان، كما اشاد احسان اوغلو بأتاتورك في تناقض واضح مع رئيس الوزراء الذي أغضب الكثير من الأتراك من محبي أتاتورك حين أشار على ما يبدو الى المؤسس بأنه سكير خلال كلمة ألقاها في مايو ايار عام 2013، وبعد حوالي عشر سنوات على رأس ثاني اكبر منظمة دولية في العالم تمثل 1.5 مليار شخص في العالم الإسلامي يصعب التشكيك في مؤهلات احسان أوغلو (70 عاما) الدبلوماسية والدينية، ويؤكد ايكان اردمير نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أن احسان اوغلو ليس نسخة باهتة من أردوغان الذي اشتهر بتصريحاته النارية لكنه بديل محل ثقة لدى ملايين الأتراك المتدينين.

وقال "بالنسبة لي هو العكس تماما لاردوغان، تعددي مقابل شخص يعتمد على الأكثرية، شخص يميل الى المصالحة مقابل متعصب شعبوي، لدينا خيار حقيقي بين رئيس ليبرالي وآخر استبدادي"، ويقول محللون إن احسان اوغلو يمثل عودة الى القيم السياسية العلمانية والليبرالية وسط خلفية دينية وهو النهج الذي كان يعتمده حزب العدالة والتنمية عندما تولى الحكم للمرة الأولى، لهذا فإنه قد يتمكن من استقطاب أنصار اردوغان الغاضبين القلقين من نزعاته السلطوية المتزايدة ولغته الحادة، وفي ذروة فضيحة فساد في وقت سابق من العام الحالي تمس وزراء بحكومته وصف اردوغان معارضيه السياسيين بأنهم إرهابيون وخونة، وتوقف تحقيق تجريه الشرطة حين قام بتطهير الشرطة والقضاء.

ويقول مراد يتكين من صحيفة راديكال الليبرالية إن قرار حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الوطني أن يكون احسان اوغلو مرشحهما المشترك يعني أنهما يدخلان "الفناء الخلفي" لأردوغان، وسمعة احسان اوغلو التي لا يمكن التشكيك فيها قد تجعل من الصعب على اردوغان وأنصاره استهدافه بالهجوم السياسي، وقال يتكين "اي حملة تشويه محتملة ضد احسان اوغلو المعروف بشخصيته الراقية قد لا تجد مؤيدين حتى بين قواعد حزب العدالة والتنمية"، لكن حتى اذا كفلت مؤهلات احسان اوغلو الاسلامية له بعض الحماية فإن مساعدي اردوغان قد يصوبون نيرانهم على ما يعتبرونه فشلا من احسان اوغلو في التنديد بعزل الجيش الرئيس المصري المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.

ولن تفيد خبرة احسان اوغلو في الشؤون الدولية وشؤون العالم العربي كثيرا بين الجماهير التركية فالكثير منهم لم يكن يعلم بوجوده حتى، ولن تحميه من الصحافة الموالية الحكومية فقد وصفه أحد الكتاب بأنه أداة للمصالح الأجنبية، واذا لم يحصل اردوغان على نسبة الخمسين في المئة المطلوبة لتجنب جولة إعادة فإن الأقلية الكردية وتقدر بما بين 15 و20 في المئة من السكان يمكن أن تقرر مصيره.

ولعبت جهود إنهاء عقود من الصراع بين الحكومة والمتمردين الأكراد دورا مهما خلال رئاسة اردوغان للوزراء وقادت الى وقف لإطلاق النار العام الماضي الى جانب تخفيف للقوانين العنيفة على اللغة والثقافة الكرديتين، وخاض اردوغان مجازفة سياسية كبيرة خاصة مع الجيش عندما بدأ محادثات مع حزب العمال الكردستاني، ويقول محللون إن نحو نصف الأكراد يصوتون لحزب العدالة والتنمية وإن كثيرين منهم سيسيرون على نفس النهج اعتقادا منهم بأن اردوغان هو املهم في تسوية دائمة للسلام، وأحالت حكومته مشروع قانون للبرلمان يحدد إطار العمل القانوني لمحادثات السلام مما سيعطيها دفعة.

مرشح الاكراد

فيما اعلن صلاح الدين دمرتاش أحد رئيسي ابرز قوة سياسية كردية في تركيا حزب السلام والديموقراطية انه سيكون مرشح الاكراد الى الانتخابات الرئاسية في تركيا في اب/اغسطس حيث يرجح فوز رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وقال دمرتاش وهو نائب ومحام يبلغ من العمر 41 عاما، للصحافيين "نحن مرشحون الى الانتخابات مع شعبنا ومبادئنا"، واعلن حزبه من جهته ان دمرتاش "سيحمل شعلة النضال من اجل السلام" بين الاتراك والاكراد في تركيا، وسيعين حزب العدالة والتنمية (الاسلامي المحافظ) الحاكم منذ 2002، مرشحه الى هذه الانتخابات والذي سيكون بالتأكيد رئيس الوزراء. بحسب فرانس برس.

والانتخابات الرئاسية ستكون الاولى بالاقتراع المباشر في تركيا حيث كان يتم انتخاب الرئيس من قبل البرلمان حتى الان، وبحسب كل استطلاعات الراي، فان اردوغان سيفوز ما لم تحصل اي مفاجأة، في هذه الانتخابات من الدورة الاولى في العاشر من اب/أغسطس، ولجذب اصوات الاكراد المقدر عددهم ب15 مليون نسمة من اصل 76 مليونا، طرح اردوغان على البرلمان مشروع اصلاح يرمي الى احياء عملية السلام مع المتمردين الاكراد والمتوقفة حاليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تموز/2014 - 20/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م