شبكة النبأ: في جميع المجتمعات والدول
المتقدمة او سواها، تتصدى النُخَب الفاعلة لعمليات التغيير والتطوير
فيما يخص مؤسسات الدولة كافة، فضلا عن مكونات المجتمع وطبقاته
المختلفة، والمعني بالنخب هنا، جميع الشخصيات والمنظمات والاتحادات
والنقابات الجامعة للعقول والمواهب الفكرية والعملية المتميزة،
والقادرة على تقديم جهد متميز، قادر بدوره على المساهمة في عمليات
التطوير والتغيير، وهو شرط حياتي مهم، يبقى المجتمع والدولة بحاجة
دائمة إليه، من اجل مواكبة ما يستجد ويحدث من تطورات في العالم أجمع.
العقل السياسي كما هو متفق عليه، يمثل انعكاسا للحاضنة التي تفرزه،
بمعنى لا يمكن الحصول على عقل سياسي متميز من حاضنة اجتماعية راكدة،
ويصح العكس بطبيعة الحال، هذا يعني أن المجتمعات المتخلفة، لا يمكن لها
أن تحصل على طبقة سياسية متطورة، ولكن تبقى هناك فرصة لمن يجدّ ويسعى
نحو التغيير الافضل، ففي كل مجتمعات العالم، حتى المتخلفة منه، هناك
نخب تتميز بالقدرة على التحليل، والتفوق في التخطيط، والتعامل السليم
فيما يتعلق بخطوات التنفيذ وما شابه، لذلك تبقى فرصة الدول والمجتمعات
الراكدة، موجودة وقائمة بخصوص التقدم، لاسيما ان العالم اليوم اصبح
يتحرك ويعمل ويفكر وينتج في فضاء واحد، وأن إمكانية الاستفادة من تجارب
الدول المتطورة متاحة لمن يخطط ويسعى إليها، كذلك فرص التطور ملقاة على
قارعة الطريق لمن يسعى إليها ويصر على استثمارها.
وهذا هو دور النخب بالضبط، وطالما أننا نتحدث عن أهمية تطوير العقل
السياسي، فإن النخب كافة معنية بهذا الامر، وليس النخبة المتخصصة
بالسياسة فحسب، فعندما نتكلم مثلا، عن دور المؤسسات الاعلامية في هذا
المجال، فإننا لا تشك مطلقا بأهمية هذا الدور في تطوير الطبقة
السياسية، من حيث التفكير والتخطيط والادارة، وصنع القرار وآليات
وخطوات تنفيذه، بمعنى ثمة مسؤولية كبيرة تقع على الاعلاميين ومؤسساتهم
كافة، تتمثل هذه المسؤولية بحتمية تقديم المشورة والخطوات التي تدعم
التخطيط السياسي، بغض النظر عن عائدية هذه المؤسسات، أو معارضتها
للحكومة، فالعائدية الأهم تتعلق بالوطن، وبناء الدولة ومساعدة الطبقة
السياسية على صنع القرار السليم وتنفيذه بالطرق الصحيحة.
ولا تُعفى جميع النخب من القيام بهذا الدور، خاصة أننا نتحدث عن
الطبقة السياسية في العراق، لأننا نتفق جميعا، على أن العقل السياسي
العراقي وليد الحاضنة الاجتماعية، وهذه بدورها تعرضت الى ظروف خارجية
وداخلية، قديما وحديثا، جعلتها تحت رحمة الحرمان والقمع والتجهيل، من
اجل السيطرة عليها ونهب ثرواتها بشتى الطرق، وهذا الامر قلل كثيرا من
فرص تطورها، وبالتالي فهي تؤثر في الطبقات القيادية المهمة، وتحد من
قدرتها على الاداء الامثل، لذلك هناك مشكلات حقيقية تعاني منها الطبقة
السياسية، وهذا يجعلنا قادرين على ملاحظة ظاهرة التلكؤ في صنع القرار
السياسي الملائم، فضلا عن الفوضى في التنفيذ، وانتشار ظواهر كثيرة تزرع
التناقضات الحادة بين التيارات السياسية المتنوعة، وتعمّق الخلافات
بينها، وتجعلها غير متجانسة، ولا تفهم قواعد اللعبة الديمقراطية، وحتى
لو فهمتها بحدود معينة، فإنها غير قادرة على الالتزام بهذه القواعد،
بسبب التدخلات الدولية والاقليمية.
ولهذه الاسباب مجتمعةً، مطلوب من النخب كافة، ومنها المؤسسات
الاعلامية الرصينة، أن تدعم العقل السياسي العراقي، وأن تقف الى جانبه
من خلال طرح الرؤى ذات المنحى الايجابي، وأن يتم العمل في هذا المسار
بصبر ورويّة وتأن كبير، فالنتائج الجيدة لا تظهر بصورة آنية لمثل هذه
الجهود، إنما هي رهن الآفاق البعيدة، كون مثل هذه الجهود الكبيرة تدخل
في إطار العمل الاستراتيجي للدولة والمجتمع، ولا يُعفى المفكرون
والمثقفون والفنانون وعموم النخب من دورهم في دعم العقل السياسي
والوقوف الى جانبه، حتى يتسنى لنا الانتقال من الفوضى وفقدان الثقة، في
العمل السياسي، الى مسار عملي آخر متطور، يُسهم في إدارة البلد سياسيا،
وفق رؤية حديثة متطورة، تأخذ قدراتها وتميزها، من حالة الاستقرار
والانسجام بين مكونات الطبقة السياسية نفسها. |