استدعت وزاره الخارجية الألمانية يوم 4 تموز 2014 السفير الاميركي
في برلين جون ايمرسون بعد القاء القبض علي جاسوس محتمل لصالح الولايات
المتحدة داخل جهاز الاستخبارات الألمانية. وكانت السلطات الألمانية قد
القت القبض على موظف في الاستخبارات الخارجية الالمانية BND بتورطه
بعملية تجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية. وقالت صحيفة "بيلد"
الالمانية ان الرجل عميل مزدوج منذ عامين وسرق 218 وثيقة سرية وباع
الوثائق ومن بينها ثلاثة لها علاقه بعمل اللجنة البرلمانية مقابل 25
الف يورو. العميل الألماني أقر بأنه نقل لضابط اتصال أميركي ـ ممثل
وكالة الاستخبارات المركزية لدى برلين، تفاصيل لجنة برلمانية تشكلت
للتحقيق في كشف الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد
سنودن عن عمليات التجسس الأميركية.
ذكرت تقارير صحفية في ألمانيا أن السفارة الأمريكية في فيينا وليس
في برلين هي التي كانت تشرف على عمل موظف الاستخبارات الألمانية (BND)
المتهم بالتجسس لصالح الاستخبارات الأمريكية. وقالت التقارير
الاستخبارية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التقت العميل عدة
مرات منذ عام 2012 في مدينة سالزبورغ وحصلت منه على وثائق سرية وأعطوه
مالا. يرجح بأن العميل تم تجنيده من قبل ممثل الاستخبارات المركزية في
برلين وتم تحويل ملفه الى محطة المخابرات المركزية في النمسا، هذه
الخطوة ممكن وصفها بأنها اجراء احترازي من الوكالة الاميركية لتجنب
الكشف عن عميلها وابعاد وكالتها وممثلها من خرق اتفاقيات العمل
الاستخباري مع برلين، لكنها اخفقت بذلك. البيت الأبيض فقد اعلن أن
مسؤولين أمنيين ودبلوماسيين من الولايات المتحدة وألمانيا يتواصلون
بشأن قضية بيع وثائق من عميل ألماني مزدوج لجواسيس أمريكيين.
ردود فعل المانية
تمثلت ردود فعل الالمانية بتصريح وزير الخارجية الألماني فرانك
شتاينماير بقوله "سيكون من المقلق لأقصى درجة إذا كان هناك استمرار
للتجسس بلا مبالاة، بينما نحن نحقق في الأنشطة التجسسية لوكالة الأمن
القومي الأمريكية NASA وشكلنا لهذا الغرض لجنة تحقيق في البرلمان
الألماني بوندستاغ". وتجري تحقيقات عن حالة تجسس ثانية الثانية تتعلق
بتورط عسكري الماني يعمل في محيط وزارة الدفاع. الحكومة الألمانية
اعلنت يوم 10 يوليو 204 طرد ممثل الاستخبارات المركزية ضمن الاجرائات
التي تمثل ردود فعل الغاضبة للحكومة والبرلمان الالماني. وقال كليمينس
بينينغر، رئيس لجنة البرلمان الألماني لمراقبة عمل المخابرات الألمانية،
إن موظف اتصالات السفارة الأمريكية في برلين، كان يشرف على الجاسوسيين
المحتملين الأمريكيين اللذين تم الكشف عنهما مؤخرا، ويشتبه بأنهما
تجسسا على وزارة الدفاع وعلى المخابرات الألمانية. يذكر أن جهاز
الاستخبارات العسكرية الألماني بموظفيه الذين يبلغ عددهم نحو 1200 موظف
يعتبر أصغر جهاز استخباراتي ألماني بجانب هيئة حماية الدستور (الاستخبارات
الداخلية BfV)) ووكالة الاستخبارات الألمانية ـ الاستخبارات الخارجية (BND)
وتختص الاستخبارات العسكرية الألمانية (MAD) بمكافحة التجسس في المجال
العسكري.
الولايات المتحدة ما زالت تملك قاعدة اميركية قرب فرانكفورت ـ فيسن
بادن ولا يستبعد استخدامها لأغراض التجسس وسط أوربا. وبدون شك فأن
الاستخبارات الخارجية الالمانية والداخلية ـ حماية الدستور ـ سوف تخضع
السفارة الأميركية للمراقبة والرصد الفني اكثر، فلا يستبعد أن تكون
السفارات الأميركية في العالم أن تمثل محطات تواصل مع وكالة NASA فنيا،
تجدر الاشارة الى ان سفارات الولايات المتحدة عبر العالم يكون فيها
شعبة اتصالات خاصة، غير الاتصالات الروتينية، وهذه الشعبة لايمكن
الدخول لها من قبل الدبلوماسيين الا العاملين فيها وتكون في طابق معزول.
وكالة الامن القومي
هي وكالة أمريكية فيدرالية مختصة بشؤون جمع المعلومات المرسلة عن
طريق أنظمة الاتصالات المختلفة، وتحليلها بواسطة تقنية متقدمة. أنشأت
في 4 تشرين الثاني 1954 بغرض جمع المعلومات عن الاتصالات الدولية
وتحليلها. ومقرها الرئيس في" فورت ميادي" بولاية ماريلاند الأميركية.
تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين، إن الحكومة الإتحادية سبق ان
سمحت للحلفاء مثلا بحق القيام بعمليات إستخبارية واسعة النطاق على
اراضيها. وكان برنامج التجسس الأميركي قد بدأ العمل به في عهد ريتشارد
نيكسون عام 1969. اعترفت واشنطن بالتنصت على المستشارة الالمانية الى
جانب نحو 35 من قادة العالم. وفي أعقاب هذه العملية، الغت المانيا في 3
آب 2013 اتفاقا للتجسس كان يربطها مع الولايات المتحدة وبريطانيا منذ
الحرب الباردة ردا على التسريبات المتعلقة ببرنامج مراقبة الأنترنت
الذي تديره واشنطن والذي يعود الى 1968-1969، وقال مسؤول الماني إن
الاتفاق لم يفعل منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1990.
برلين شهدت اوسع عملية استخبارية
خلال الحرب الباردة، مطلع الخمسينيات، بدأت الـCIA التنصت على خطوط
الهاتف الرئيسة التي تربط مركز قيادة الـ"كي جي بي" في برلين مع موسكو،
بواسطة حفر نفق من داخل برلين الغربية ليصل الى نقطة وضع أجهزة التنصت
على الأسلاك في برلين الشرقية. لقد تم اختراق أسلاك مئات الهواتف
الخاصة في حينها، وبدأت الأسرار السوفيتية تتدفق عبر نفق برلين. وسبق
ذلك ان الـ"كي جي بي" استطاعت تجنيد احد ضابط الاستخبارات البريطانية
وهو "جورج بلاك" الذي يعتبر واحداً من اشهر الجواسيس في العالم من خلال
ولائه المطلق الى "الكي جي بي". في كانون الثاني عام 1954 زود بلاك
معلومات تتعلق بمحاضر الاجتماعات السرية التي جرت بين الـ"إس أي اس"،
وفي خطوة مبيتة تركت موسكو عملية حفر النفق. بعد ذلك كشفت موسكو عن
النفق واستثمرته اعلاميا ضد الغرب. برغم ان هنالك روايات مختلفة، تقول
تم الكشف عن النفق خلال فترة سقوط الثلوج، وبسبب وجود محركات تدفئة في
النفق أذابت الجليد من على سطح النفق مما أثار فضول موسكو. هذه الحادثة
اصبحت درسا في المعاهد الإستخبارية.
اخفاقات الاستخبارات المركزية
كشف الكرملين في 15 ايار 2013 من محاولة دبلوماسي أميركي هو "ريان
فوغل" تجنيد ممثل لأجهزة الاستخبارات الروسية. وضبط وبحوزته وثائق
وأموال، يعمل سرا تحت غطاء وظيفته سكرتيرا ثالثا في السفارة الأميركية
في موسكو. ولايستبعد ان تكون خطة روسية مبيتة، اي بدفع "كي جي بي"
المسؤول الروسي، والتي توصف إستخباريا بالخطوة التعرضية. يشار ان عقوبة
التجسس تصل الى 60 عاما كما حدث مع عقوبة الحكم على الجندي الأميركي
"براديلي". وقامت موسكو بنشر صوره في وسائل الاعلام، وهي خطوة ممكن
وصفها بالخرق للاتفاق الاستخباري بين واشنطن وموسكو.
وسبق ان أدانت محكمة عسكرية روسية في آذار 2012 أحد المهندسين
العسكريين في الجيش الروسي في قضية تزويد وكالة الاستخبارات المركزية
الأميركية CIA بمعلومات عن تجارب تتعلق بصواريخ حربية حديثة، وأصدرت
حكمها عليه بالسجن 13 عاما. كما قامت موسكو وواشنطن في حزيران 2010
بإجراء عملية تبادل سلمت الولايات المتحدة بموجبها عشرة أشخاص اتهمتهم
بالقيام بأعمال تجسس لصالح روسيا التي قامت من جانبها بإطلاق سراح
أربعة متهمين بالتجسس لحساب واشنطن، تمت الصفقة عبر فينا. وكانت
الجاسوسة الروسية "آنا شابمان" من بينهم. وأفادت وسائل إعلام أميركية
في 4 تشرين الاول 2012 أن وثائق محكمة في بروكلين في نيويورك تشير الى
أنه منذ العام 2008، عمل رجل الأعمال الكزاخي المولد "الكسندر فيشينكو"
كعميل غير مسجل للحكومة الروسية مع عشرة أشخاص آخرين لتصدير الكترونيات
خفيفة من شركة في هيوستن بغية توفير قطع حاسوب خاصة بالجيش الروسي.
فيشينكو الذي وصل الولايات المتحدة عام 1994، حصل على الجنسية
الأميركية عام 2003. ومنذ 1996، كان يتنقل بشكل مستمر بين روسيا
والولايات المتحدة. وترتبط موسكو وواشنطن باتفاقية عدم كشف او فضح
مسؤولي مخابراتهم في البلدين، والمقصود ممثلي المخابرات عند البلدين
وليس الجواسيس. لكن موسكو خرقت هذا الاتفاق مطلع 2013 لتكشف تورط ممثل
المخابرات المركزية فوغل لدى موسكو، وقامت بتسريبه الى وسائل الاعلام،
وهي خطوة ممكن إعتبارها استفزازية من قبل موسكو الى واشنطن.
اميركا وواشنطن نشاط استخباري مشترك
التجسس هو نشاط الحكومة الخفية لأي دولة تعنى بحماية أمنها القومي،
ومهما وصلت العلاقات ما بين بلدين لايمكن الغاء أو اهمال نشاط
المخابرات. فما تعجز عنه الحكومات تحصل عليه أجهزة مخابراتها عبر شبكة
عملائها في العالم، ويكاد أن يكون التجسس مشروعا. وهذا ماجاء في حديث
وشهادة "كليبر" امام الكونغرس الأميركي بقوله "التجسس ـ التنصت ـ ركيزة
عملنا" أي عمل وكالة الأمن القومي. وفقا لتقرير الديلي تلغراف بنسختها
ـ الإنكليزية في 30 تشرين الاول 2013 والواشنطن بوست المقربة من
البنتاغون ذكرت بأن وكالة NASA لديها برنامج MUSCULAR يتم تشغيله
بالاشتراك مع نظيرتها وكالة GCHQ البريطانية. بالدخول بشكل طبيعي على
حزم الالياف الزجاجية وبشكل مستمر. الاستخبارات الالمانية سبق ان كشفت
خلال عام 2013 ضمن تداعيات تسريبات سنودن، وجود منظومة فنية في السفارة
البريطانية تقوم عادة بالتجسس لحساب وكالة الامن القومي الاميركية
وبداخلها وكالة NASA. التعاون البريطاني الاميركي استخباريا في المنطقة
كان واضحا في منطقة الشرق الاوسط ويبدو الان اكثر وضوحا في اوربا وهذا
مايثير الكثير من المشاكل بين المانيا وبريطانيا والولايات المتحدة
بسبب فقدان الثقة، التي يجب ان تكون اساس للعلاقة بين الشركاء ودول
الناتو.
إن تفاعلات الكشف عن تورط الاستخبارات المركزية في قضايا تجسس على
حليفاتها، يثير الكثر من الازمة بين البلدين، ويعيد العلاقات
والاتفاقات الثنائية مابين البلدين وربما يدفع دول اخرى في الناتو
والاتحاد الاوربي بمراجعة مصادر معلوماتها وتعزيز حصانة اجهزتها
الاستخبارية. هذه التداعيات تعيد الحرب الباردة الى الواجهة في اعقاب
تسريبات سنودن وتسريات ويكليكس. إن كشف تورط الاستخبارات المركزية في
عمليات التجسس يعكس حالة تراجع ال سي اي اية، وان اعتماد الوكالة على
نشاط ممثلي مخابراتها وليس على مديري محطاتها وشبكاتها الاستخبارية في
الخارج يعكس فشل الاخيرة، وهي محاولة من الوكالة تعويض هذا الفشل
بالدفع ب ممثليها بالقيام بعمليات التجسس.
الخطوة الاخيرة تعتبر تناقض كبير وخطأ فاضح يجر بوكالة مثل الوكالة
المركزية ان لاتقع فيه، والاكثر انها لم تكن المرة الاولى، فقد تورط
ممثل المخابرات المركزية في موسكو عام 2013 بعملية مماثلة ووقع بفخ
الاستخبارات الروسية، ليبرهن ان الوكالة المركزية فقدت الكثير من
بريقها ومن مهنيتها امام المخابرات العالمية هذه الاخفاقات ربما تدفع
دول المنطقة بالاعتماد على المخابرات الاوربية اكثر من وكالة
الاستخبارات المركزية في التوسط وحل بعض الملفات الاستخبارية العالقة
في الشرق الاوسط، وهذا كان وراء اعتماد المخابرات الالمانية في ملف
تبادل الاسرى او تبادل رفات قتلى مابين حزب الله واسرائيل في السنوات
الماضية واعتماد قضاة المان بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الاسبق
الحريري. يشار ان الاستخبارات الالمانية تلعب دورا منفردا عن الوكالة
المركزية والمخابرات البريطانية في المنطقة واتسمت سياستها الخفية
بالارتكاز والتوازن على عكس البريطانية MI16 التي باتت تابع للوكالة
الاميركية.
إن احد ابرز تداعيات هذه القضية هو اتخاذ المانيا خطوات سريعة
بتعزيز نشاطاتها الاستخبارية خاصة في مجال مكافحة التجسس اكثر من
التجسس الخارجي، تتركز في تأمين الاتصالات ابرزها احتمالات المراقبة
على الخوادم وشبكات الاتصالات التي ممكن التجسس عليها من خلال NASA.ان
وكالة الأمن القومي الأميركية مازال لديها اتفاقات سرية غير معلنة مع
عدد من الخوادم اي محركات الأنترنت للدخول وتصفح المشاركين في مختلف
دول العالم من خلال برنامجها الاستخباري الفني Prizm بريزم. يذكر أن
أجهزة الاستخبارات الألمانية لا تتجسس عادة على شركائها في حلف الناتو،
في ظرف تحتاج المانيا وحلف الناتو تعزيز مواقفها امام المد الروسي في
اوكرانيا.
* باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |