شبكة النبأ: الصدق من أكثر القيم
المتقدمة التي تمنح الفرد والمجتمع، قوة وحصانة وحماية من الانحراف
والفشل، والتصدّق مفردة تمّ اشتقاقها من الصدقة وهذه بدورها مشتقّة من
الصدق، وكلمة (تصدّق) فعل يدل على الانتماء الى الصدق والصدقة، وهو
بهذا يعد من القيم المهمة التي تساعد الفرد على بناء شخصية مثالية،
ناجحة في المحيط او الوسط والمجتمع ككل، وبالتالي يعد التصدّق من القيم
المهمة التي يحتاجها الفرد والمجتمع، لكي ينحو الى التقدم، ويمضي الى
الامام في البناء والتطور والاستقرار.
التصدّق لا يعني منح مبلغ من المال الى الإنسان الذي يحتاجه فحسب،
ولا يعني ايضا تقديم الطعام للجائع الذي يكون غير قادر على توفير
الطعام لنفسه أو لعائلته، وليس التصدّق محصورا بتقديم اللباس وإكساء
الآخرين من الفقراء، ولا يتعلق فقط بقضاء الاحتياجات المادية المتنوعة
للإنسان، لأن التصدق فعل مادي يدخل في عمق القيم الروحية، بمعنى عندما
يتصدّق الإنسان بالمال او الطعام او اللباس، فهو لا ينتظر مقابل معين
ممن منحهم هذه الصدقة، وهذا بحد ذاته يعمّق حالة الإيثار في المجتمع،
ويطوّر العلاقات الإنسانية المتبادَلة بين الناس، لذلك يمتد هذا الفعل
(التصدّق) الى أعماق الروح الإنسانية، فيشمل بذلك تعميق القيم
الانسانية في شخصيات ونفوس أعضاء المجتمع ككل.
وهذا أمر يساعد كثيرا، على تغيير الجوانب والافكار والسلوكيات
الرديئة للافراد، لتتحول الى افعال وافكار تصب في المسار الانساني
المتقدم، لأن الانسان بطبعه يتأثر بأفعال الآخرين، ويحاول أن يتشبّه
بما يفعلون، لذلك سوف يندفع في هذا المسار الجيد متأثرا بغيره، وهكذا
نستطيع أن نصل الى مجتمع متعاون وإنسان متطور، لا يسمح للفقر والاحتياج
المادي او المعنوي، أن يؤذي أبناء جلدته، ومن يتعايشون معه في المحيط
نفسه.
وكما ذكرنا سابقا الصدقة، أو فعل التصدّق المشتق منها والمنتسب
إليها، لا ينحصر بتقديم الاحتياجات المادية لمن يبحث عنها، أو يحتاجها،
فقد ورد في الحديث النبوي الشريف: أن (الكلمة الطيبة صدقة)، وهذا
الحديث يؤكد أن من يتحدث مع الناس بلغة تراعي مشاعرهم وما يؤمنون به،
فإنه كمن يقوم بفعل التصدّق، فالانسان هنا لا يقدم اللباس والطعام ولا
المال ولا الحاجات العينية الاخرى، إنه لا يقوم بأكثر من الكلام
الطيّبة، ويمتنع عن التفوّه بكلمات جارحة مع الاخرين، وقديما قيل، إن
الكلمة لها مفعول الرصاصة، ولا مبالغة في هذا القول، فالكلمة لها سلطة
غير قابلة على التراجع، اذا اراد لها صاحبها ان تكون كذلك، أي اذا
تمسّك بقيمتها وعرف مقدارها قبل أن يطلقها من بين شفتيه، وقد ورد في
قول احد النقاد: (إحرصوا على الكلمات قبل نطقها، فهي لا تملك حق
التراجع).
وهكذا يمكن للجميع أن يتصدقوا بعضهم على بعض بالكلمة الطيبة، وعندما
يسود مثل هذا الاسلوب المتبادَل بين الناس، عند ذاك يمكننا أن نعرف
ونفهم الحالة المتطورة والمتقدمة التي سيعيشها المجتمع كله، وبهذا يصبح
فعل التصدّق قيمة تدفع المجتمع نحو التغيير الافضل، وتحثه ليس على
تعويض الفقراء وتغيير حالة العوز التي يعانون منها فقط، وإنما تسعى هذه
القيمة الى نشر الخطاب السليم بين افراد المجتمع ومكوناته كافة، ولا
يُخفى عن الجميع مدى تأثير اسلوب الكلام في الاخرين، لأن الكلام وطريقة
نطقه هو التعبير الصادق والدقيق عن المشاعر التي يعيشها الانسان فعلا،
باستثناء المرائين والمنافقين وهؤلاء يمكن كشفهم بقليل من الذكاء
والحنكة والتجربة.
وهكذا تُسهم هذه القيمة في مساعدة المجتمع على النهوض واللحاق
بالركب العالمي المتقدم، من خلال سد وملء ما يحتاجه الناس من نواقص،
تتعلق بالجانبين المادي والمعنوي، فعندما تقوم بتقديم الطعام لأحد
المحتاجين له، فإنك بهذا الفعل، تعمق حالة التآزر الانساني بين افرد
المجتمع، وعندما تخاطب الآخرين من دون تعصب، وبعيدا عن الصراخ وعدم
اطلاق الكلمات النابية عليهم، وتعمد الى مخاطبة الاخرين بالكلمة
الطيبة، (وهي نوع من التصدّق)، فإنك بهذا الفعل، تجسد حالة التمسك بهذه
القيمة المهمة، وتُسهم بقوة وإيثار في بناء شبكة من العلاقات الانسانية
المتينة التي ستفضي حتما، الى بناء مجتمع متقدم متماسك. |