شبكة النبأ: الشاشة الصغيرة، أو
التلفاز، جهاز صغير يتواجد في بيوت الناس جميعا، حتى الفقراء منهم،
ويقدم على مدار الساعة، عبر مئات القنوات الفضائية، برامج مختلفة
ومتنوعة، تبث للعائلات مشاهدَ وأفكارا لا حدود لها، وطالما أننا في
عالم اليوم لا نستطيع كبح جماح هذا السيل الاعلامي التلفازي المتواصل
وسواه، وليس لنا قدرة على حجب القنوات الفضائية، كون هذا الامر يثير
موجة من الاعتراضات المكفولة بحرية الاعلام والرأي وما شابه، فإننا
لابد أن نبحث عن سبل جديدة وطرق سهلة، تحقق لنا الاستثمار الثقافي
الافضل للشاشة الصغيرة.
يتعلق الامر هنا بالنوع، تماما مثلما تُعرض لنا كتب قيمة واخرى
هزيلة، فلا شك أن الناس سيختارون ما يفيدهم أكثر، خاصة اذا تم الترويج
والعرض للمعروض، بالطريقة التي تتفق والمستوى العقلي والثقافي للناس،
إن هذا الامر لا يختلف كثيرا عن التعامل مع الشاشة الصغيرة، فعندما
تقدم برامج واعمالا درامية وحلقات فكرية تنويرية، تضع أمام المُشاهد
حزمة من الافكار الجديدة المتطورة التي تتناسب مع عقليته، وتهدف الى
تحسين حياته، عند ذاك سوف يهمل المُشاهد تلك القنوات التي تقوم برامجها
وموادها الخبرية او الفنية، على التزييف والتفاهة والتسطيح في معظم
الاحيان.
ودليلنا على المستوى المتدني لعدد من القنوات الفضائية التي تنسب
نفسها الى الشعب العراقي من خلال التسمية التي تحملها، وكادر التقديم،
واللهجة المستخدمة، يكمن دليلنا في عدد ليس قليل من البرامج السطحية
الباهتة التي تُعرض على انها أعمال كوميدية ترفيهية، بحجة ان الملأ
الاوسع من الناس، يحتاجون (في رمضان بصورة خاصة) الى برامج وافكار تميل
الى الترفيه اكثر من سواه، وهو امر قد يكون صحيحا، ولكن هذا لا يلغي
أهمية تقديم الافكار الجادة والمفيدة للمُشاهد، فالترفيه لا يلغي شرط
الفائدة، بل على العكس من ذلك تماما، لأن الاعمال الترفيهية اذا امتزجت
بالجدية والفائدة، سوف تكون متميزة على غيرها، كما نلاحظ ذلك في اسلوب
الكوميديا الجادة، فحتى المرح والشعور بالارتياح يأتي ممزوجا بالفكرة
التي تفيد المتابع، وتضيف له معلومة جديدة، تزيد من وعيه وثقافته
ورصيده الذهني.
ولكن ما يثير الاستغراب حقا، ذلك الاصرار العجيب على الاعمال
الهابطة التي تقدمها عدد من القنوات الفضائية المنسوبة للمجتمع
العراقي، وهذا للاسف يتكرر في كل رمضان من كل عام فضلا عن الشهور
الاخرى، فمن يتابع تلك البرامج السطحية، يصل الى قناعة تامة تؤكد عدم
الاستفادة من الشاشة الصغيرة والفشل في استثمارها ثقافيا، بل غالبا ما
تتسبب بإلحاق الضرر الاكيد بالفرد والمجتمع، على العكس مما يحدث في
مجتمعات اخرى، تبذل كل ما في وسعها من اجل تقديم الاعمال الجادة
المتميزة التي تزيد من ثقافة الفرد والمجتمع، عبر برامج متنوعة، يتميز
فيها عنصر الجدية والتثقيف، والتعامل مع الشاشة الصغيرة بما يحقق أكبر
وافضل نسبة من الفائدة، والتطوير الفكري وحتى العملي، الذي يستهدف
الفئات العمرية المختلفة للمجتمع.
كذلك لاحظنا في ما تقدمه الشاشة الصغيرة محليا، غياب المنهج العلمي
الذي يهدف الى رفع مستوى تفكير الفرد والمجمع، وفهم ما يدور من حوله،
وما يستجد في مجال الابتكار والاكتشافات، فضلا عن السلوك والتفكير الذي
يرفع من شأن الانسان، ويضاعف من قوة المجتمع وقدرته على مواجهة المحن،
لاسيما أن العراقيين يواجهون اليوم مرحلة خطيرة تهدد وجودهم بالفناء،
وأعني بذلك تمزيق البلد وتقسيمه الى دويلات متحاربة، تحقيقا لمخططات
تآمرية وضعتها دول كبرى، كي تضمن أمن وسلامة اسرائيل من جهة، وتحقق
هدفها الاستراتيجي في منع وحدة الشعوب المنكوبة متمثلة بالمسلمين، حتى
لا تهدد امنها ومصالحها، فالدول الكبرى ونعني ساستهم، لا يتورعون من
استخدام كل الوسائل المتاحة لهم، حتى القذرة منها لتحقيق مآرب ارباب
الشركات والباحثين عن المال والربح الكبير.. على حساب الشعوب الفقيرة.
مثل هذه الاهداف الشريرة وغيرها، لا يمكن مواجهتها بالتسطيح المتعمد
الذي تقوم به فضائيات معروفة، ولو اننا قمنا بتوظيف الشاشة الصغيرة بما
يتناسب مع ما نواجهه من اخطار جسيمة، مع استثمار المجالات والوسائل
الاخرى ثقافيا وفكريا، لأصبحنا جميعا، حتى البسطاء منا، اكثر فهما لما
يدور حولنا، ويُحاك ضدنا، وعندما يتم فهم ما يهدف إليه المعادون لنا،
نستطيع أن نضع الحلول الصحيحة لمواجهة ذلك، وعندما تتواجد الشاشة
الصغيرة في كل بيت وعائلة، ولا يمكن الاستغناء عنها حتى مع التطور
الهائل لوسائل الاعلام المختلفة عبر الانترنيت ومواقع التواصل، يبقى
التلفاز هو الوسيلة الاعلامية الثقافية الاكثر تأثيرا في المجتمع، ومن
هنا تحديدا تتأتى الاهمية القصوى لاستثمار التلفاز ثقافيا وفكريا.
وهذا الكلام موجَّه بطبيعة الحال الى المعنيين في الدولة العراقية،
المسؤولين عن الفضائيات وعن الثقافة والوعي المجتمعي، ومن ثم الى النخب
والمنظمات المعنية كافة، والى اصحاب ومؤسسي ومدراء الفضائيات من القطاع
الخاص ايضا، لأنهم جميعا مسؤولون اليوم عن التدني في الوعي والثقافة
لأوساط كبيرة من المجتمع. |