شبكة النبأ: هناك أطر لغوية عديدة،
حاولت أن تحصر (عقدة التطرف) ضمن تعريف محدد، ومع ذلك تباينت محاولات
حصر التطرف ضمن مفهوم معين، إلا أن الجميع يرى أن هذه الظاهرة تسببت في
صناعة أزمات نفسية وأخلاقية وتعصبية، بلغت من الخطورة بمكان، أن تؤجج
حالات العنف، وأن تؤدي الى الارهاب المنظّم طوال عقود متتابعة، ويرى
المختصون أن التطرف، هو مصطلح يُستخدم للدلالة على كل ما يناقض
الإعتدال، فيما يؤكد بعض الدارسين والمهتمين، أن التطرف هو الخروج على
القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيما ومعايير
مخالفة لها، ويعني التطرف اتخاذ الفرد أو الجماعة، موقفاً متشدداً إزاء
فكر، أو أيديولوجيا أو قضية معينة.
وغالبا ما يأخذ التطرف اتجاها واضحا محددا لا يحيد عنه، أي أنه يمضي
في خط بياني تصاعدي، وعندما يبلغ الذروة، يتحول الى إرهاب، وقد يكون
التطرف (مع أو بالضد)، وفي كلا الحالتين يتم اللجوء إلى العنف بشكل
فردي أو جماعي، من لدن الجهة المتطرفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو
بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه، وفرض الرأي
بالقوة، وهذا الأمر يعد أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم.
من أسباب التطرف، الانغلاق، والانطواء، والبيئة المحافظة المبالغ
بها، وضعف الثقافة، وتهميش الوعي، والتحشيد ضد قبول الرأي الآخر، حتى
الطبيعة كما يؤكد باحثون معنيون، تسهم بإنعاش التطرف، وتحويله الى
ارهاب في نهاية المطاف، ومن الاسباب ايضا، حالة القمع التي تزدهر في
المجتمعات المتطرفة، القمع الذي يبدأ في المحيط الاسري، ثم العنف
المدرسي، ثم التسلط الاداري في العمل، وصولا الى القمع السياسي بأعلى
مستوياته.
هذه الأسباب مجتمعة وسواها، هي التي تحيل الفرد والجماعة الى
التطرف، وتقودهم الى التعصب الأعمى، لذلك يقول الدارسون لعقدة التطرف
بوضوح تام: إن القول بأن التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى
الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية خاصة بعد أن ثبت أن 95% من حالات
الإرهاب، والإرهاب المنظم، التي اجتاحت العالم العربي خلال الخمسين
عاماً الماضية كانت نتاجاً للتطرف.
ويؤكد الباحثون المعنيون أيضا، بأن التطرف يرتبط بالتعصب والإنغلاق
الفكري، فحين يفقد الفرد أو الجماعة القدرة على تقبل الآخر أو الرأي
الذي لا يتفق مع رأيه، فإن هذا يعطي مؤشراً على التعصب والانغلاق للفرد
أو الجماعة، ويتضح هذا بجلاء عندما يظن الفرد أو الجماعة، بأن رأيهم هو
الأصح دائما، وأن قضية (صحته) أمر مفروغ منه، وهو أمر وشأن غير قابل
للمناقشة قط، وقد أسهم عدد من الباحثين المختصين بالتطرف، في محاولة
جادة لوضع صياغة مفهوم التطرف جاء فيه: يرتبط التطرف بالعديد من
المصطلحات، منها الدوجماطيقية والتعصب، إن التطرف وفقاً للتعريفات
العلمية يرتبط بالكلمة الإنجليزية Dogmatism أي الجمود والانغلاق
العقلي، والتطرف بهذا المعنى هو أسلوب مُغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة
على تقبل أية آراء تختلف عن آراء الشخص أو الجماعة أو على التسامح
معها.
ومن النتائج الكارثية للتطرف، الدخول في منعرج العنف الخطير الذي
يأخذ أشكالا متعددة من الارهاب، حيث التصادم والقتال حد الموت، دفاعا
عن الفكر او الرأي بقناعة لا تقبل الترويض، وبهذا يصبح المجتمع كله في
أزمة حياة، نتيجة للتعصب الذي يدفع بالفرد والجماعة الى اتخاذ الارهاب
وسيلة للتعبير عن آرائهم، وهذه تشكل قمة الخطورة على الفرد والمجتمع،
لذلك اينما يوجد التطرف ستوجد الارض الخصبة للارهاب، وهذا ما تعانيه
فعلا مجتمعات الجهل والانغلاق الفكري التام، لذلك يقول باحثون في
المرصد العربي للتطرف، نستطيع جلياً رصد أغلب (إن لم يكن جميع) مظاهر
التطرف لدى الجماعات الدينية المتطرفة التي تحاول فرض معتقداتها على
باقي أفراد المجتمع أدعاءً منها أنها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه
وهذا يعد من أشد أنواع التطرف خطورة حيث تُجيز هذه الجماعات لنفسها
تكفير فئة أخرى (أو مذهب أو طائفة) ومصادرة حق أبنائها في الحياة من
خلال أطلاق فتاوي التكفير واهدار الدماء والقتل عليها. وقد انتشرت هذه
الجماعات بكثرة في الدول العربية، خاصة في الجزائر ومصر والسعودية
واليمن وسوريا، وبعد “الربيع العربي” بدأت بالظهور في كل من تونس
وليبيا.
من هنا يتضح للمعنيين ولنا جميعا، أن الحاجة الى الحلول، وتحييد
التطرف، والكفاح ضد التعصب، بات أمرا لا سبيل الى تجاهله، او التغاضي
عنه، كونه السبيل الوحيد للتخفيف ومن ثم الحد من الارهاب بكل أشكاله،
لهذا لابد من السعي المنظم والجاد، لمكافحة التطرف والتعصب والارهاب في
المجتمعات العربية من خلال، انتهاج اساليب علمية لوضع المعالجات
الكفيلة بتحقيق هذا الهدف الجوهري، منها العمل على مدار الساعة على بث
الوعي، ونشر روح التسامح، والتثقيف المتواصل والارتفاع بالتعليم،
وتحسين الاداء السياسي، وتوفير البيئة الصالحة للتسامح، وحماية
الحريات، يتقدمها حرية الرأي، واحترام الرأي الاخر بغض النظر عن
التطابق او التوافق او التناقض مع آرائنا، وهذا الامر يستدعي جهدا
عمليا علميا هائلا ومنظما ومستديما، حتى يعطي نتائج مضمونة، تصب في
معالجة التطرف وتوابعه، وتصنع مجتمعا مؤهلا للاندماج مع المجتمعات
المعاصرة، مع الاحتفاظ بالهوية، التي لا تشترط خوض الحروب الفكرية مع
الاخر، إلا في حدود الدفاع عن النفس، متمثلا هنا بالدفاع عن منظومة
الاعراف والقيم والعقائد التي تمنح الفرد والمجتمع هويته المتميزة. |