البطل والبطولة في التيه العربي الابدي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في العام 1967 تنكسر الجيوش العربية امام اسرائيل في حرب سريعة وخاطفة، حملت في الذاكرة العربية تسمية (نكبة) او (نكسة) حزيران، ولم يكن فيها شيء من الاعتراف بمتعلقات الهزيمة او الاندحار، ربما لان العام 1973 سيحمل بعضا من ملامح انتصار ولو طفيف على الاسرائيليين في حرب تشرين والتي تصادف ذكراها هذه الايام.

في عام النكسة او النكبة، خرج الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الى الجماهير المنكسرة في طول البلاد العربية وعرضها، معلنا تنحيه عن الحكم بسبب ما حدث، وكان خطابه المحمل بالانفاس الثورية والقومية، قد هيج كل المشاعر الدفينة للمنكسرين والمنتكسين والمنكوبين، ليخرجوا في تظاهرات مليونية تتوسل بقاءه على سدة حكم اكبر بلد عربي تعرض للهزيمة.

في نفس القارة التي تقع فيها مصر، وهي القارة الافريقية والى اقصى الجنوب فيها، وكانت تعرف تلك الدولة باسم بريتوريا، حيث نظام الفصل العنصري وتسلط الاقلية البيضاء على الاغلبية السوداء، وقبل الانتكاسة العربية، وذلك في العام 1962 حكم على نلسون مانديلا بالسجن مدى الحياة.

حدثان ومصيران وقائدان، في مصر وفيما بات يعرف بجنوب افريقيا.

حدث النكسة في مصر وما مثله من انكسار فادح في ثقة الشعوب العربية بجيوشها، وما شكلته تلك الهزيمة من مفترق طرق للكثير من الاحزاب والحركات السياسية التي كان تاسيسها وظهورها ردا على تلك الهزيمة، وعلامة فارقة على ظهور حركات الاسلام السياسي بتموجاته العنيفة، مع توجهات شعبية كاملة للالتفاف حول القائد والبطل والمنقذ، وتجمعها في صورة زعيم قومي للامة هو جمال عبد الناصر، الخارج من المؤسسة العسكرية، والواصل الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري ضد الملكية المصرية حمل تسمية ثورة الضباط الاحرار، وكان ايذانا بحدوث انقلابات اخرى في اكثر من بلد عربي، تتحول تسميات تلك الانقلابات بقدرة المنقلبين الى ثورات.

حدث الهزيمة، وليس حدث الانتصار يتوج المنهزمين ابطالا وقادة وزعماء لبلدانهم.

لم يكن نيلسون مانديلا في سجنه، وخلف قضبان سجانيه، اكثر من داعية للحرية، وحين سنحت الفرصة له لحكم بلده بعد سبعة وعشرين عاما قضاها في السجون، لم يتمسك بكرسي السلطة رغم الشعبية الطاغية التي حاز عليها، ورغم كل التاييد الدولي، دورة رئاسية واحدة، وهي التي نقلت دولته من خانة الدول التي كانت على شفا حفرة من الحرب الاهلية والاقتتال المستمر بلا هوادة، الى دولة تتقدم على مصر باشواط طويلة، ان على مستوى السياسة او الاقتصاد.

لم يرضخ مانديلا لشعبيته الناهضة في عموم جنوب افريقيا والعالم على وقع انتصار مؤكد وناجز حققه لبلده، ولم يصبح بطلا قوميا كما عبد الناصر، ولينافس الاخرين على الزعامة القومية،. ولم يخرج الافارقة في تظاهرات مليونية لاجباره على البقاء على سدة الحكم. لقد ادى دوره ورحل متقاعدا.

في بلداننا العربية، دائما ما تاخذ البطولات معها حياة الناس وارواحهم الى نوع من جهنم الحروب العبثية، والى تمكين القتلة والمرتزقة من رقاب الناس تحت عدة عناوين.

في الظاهرة الناصرية، تبرز حرب اليمن وحرب العام 1956 وحرب حزيران وسنوات الاستنزاف تحت شعار (كل شيء من اجل المعركة) وهي معركة يدفع العرب والمصريون اثمانها حتى الان.

وفي الظاهرة الصدامية، وهو الذي وضع نصب عينه صورة جمال عبد الناصر وتماهى معها كبطل وزعيم قومي، لم يفقد الكثير من هالة البطولة والزعامة في نظر الكثيرين من العرب، حتى بعد ظهور الكثير من جرائمه بحق شعبه، لان هذا الشعب لاوجود له في الاغاني والكتابات التي كرست صورة البطل والزعيم الاوحد والمنقذ والمخلص والضرورة.

لم تقدم لحظة البطولة العربية المعاصرة لشعوبها اي منجز على صعيد السياسة او الاقتصاد او الثقافة او الاجتماع، فهي بطولات تحولت ونتيجة لهذا الاندفاع الشعبوي خلفها، الى اوهام للقوة المفرطة والتي استدارت نحو المندفعين خلفها لتكبلهم وتقودهم الى مهاوي التخلف والتراجع.

استيهام البطولة حتى دون توفر ولو الادنى من عناصرها، قادنا الى مانحن فيه من بروز لنخبة جديدة من الابطال لايحسنون الا القتل المجنون والهدم المندفع الى الامام دون لحظة تفكير ببناء ثايت او راسخ في اساس المجتمعات والافراد التي تندفع خلف بطولات مثل هذه.

كمثل على ذلك، الذي يعيد رسم اللوحة بدأب وجلد ناسج صبور لايلتفت اليه، في حين ان من يحطم تلك اللوحة، ويحاول ان يعيد لصق اجزائها المتناثرة، يصفق له الجميع ويحملونه على الاكتاف، ويصنعون منه بطلا جدير بالاتباع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/تموز/2014 - 11/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م