شبكة النبأ: الإنسان عبر رحلته الشاقة
في الحياة، لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخرين، ولابد له من إبداء
التعاون معهم، والتبدل مع الآخرين خبراتهم وقدراتهم، فغالبا ما يحتاج
الإنسان الفرد الى غيره من الناس، لقضاء احتياج معين لا يتمكن هو من
تحقيقه، لأسباب ربما تتعلق بقلة الموارد المالية للإنسان، أو قد يتعلق
الامر بالخبرة او المهنة وما شابه، ويحدث هذا الاحتياج لجميع الافراد،
فلا يمكن للفرد أن يعيش في عالم اليوم المعقد ويستمر في الحياة بعيدا
عن الآخرين، أو بمعزل عنهم وعما يقدمونه من تسهيلات تجعل حياة الفرد
أكثر لطفا وأقل مشقة، ولا تدخل الخدمات مدفوعة الاجر ضمن التكافل،
بمعنى أن مبدأ التكافل قائم على معاونة الآخر من دون مقابل، لاسيما اذا
كان محتاجا فقيرا او مريضا او عاجزا او مصابا بعاهة مستديمة.
وهناك ركائز يمكن أن يستند إليها المتكافلون، فثمة نصوص قرآنية
كريمة وأحاديث نبوية شريفة باركت هذا المفهوم، وحثّت الناس على اعتماده
في حياتهم لتذليل المصاعب والمصائب والمفاجآت التي تواجههم بصورة
مباغتة، كالحوادث المميتة او تدمير الممتلكات، نتيجة للأخطار التي
تفرزها الطبيعة مثل الزلازل والعواصف والفيضانات وما شابه، فضلا عن
الاحتياجات الاعتيادية التي لا يمكن للإنسان ان يواصل حياته من دونها،
خاصة اذا كان معدوم الدخل لأي سبب كان.
وثمة أسس تكافلية تستند كما ذكرنا الى آيات قرآنية مباركة، منها كما
ورد قي سورة المائدة، إذ يقول الله تعالى: (تعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). فالتعاون والتكافل قريبان من بعضهما
الى حد التشابه والتداخل، ونقرأ ايضا في الحديث النبوي الشريف: (مثل
المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
إن هذين النصين الإلهي والنبوي المباركيْن، يؤكدان الأهمية القصوى
للتكافل، وطالما أن التأكيد واضحا وكبيرا في هذا الجانب، فإن المكافأة
الإلهية سوف تكون موازية لفعل التكافل، خاصة اذا عرفنا أن مبدأ التكافل
يدخل ضمن منهج قضاء الحاجات الإنسانية، وهو امر تؤكد على أهميته أحاديث
مباركة وروايات موثوقة كثيرة، بالاضافة الى ذلك، هناك ثمار آنية يقطفها
المتكافلون، أو المجتمعات التي تهتم وتلتزم بمبدأ التكافل.
فمعظم الشعوب ادركت الاهمية القصوى للتكافل، والقدرة الكبيرة لهذا
المنهج العملي على تحسين حياة الفرد والمجتمع معا، من خلال تقويض
العوز، وتذليل انعكاساته المؤذية على الشعب، لاسيما أصحاب الدخل
المحدود وأولئك الذين لا دخل لهم، خاصة اذا عرفنا أن أنظمتنا الحكومة
في مجال التكافل الاجتماعي، معدومة، او ضعيفة في افضل الحالات، أي ان
الحكومة حتى لو بادرت وتكفلت بعض المحتاجين، فإن ما تقدمه لهم لا يكفي
تماما ولا يسد حاجات الانسان المتنوعة، لهذا كان ولا يزال مبدأ التكافل
مطلوبا كمنهج حياة، يعتمده المسلمون لتحسين حياتهم وتطويرها.
وهناك انواع كثيرة للتكافل المتبادل، يتم تنفيذه وفق اسس وخطوات
يتخذها المعنيون من اجل تذلل مصاعب الحياة، ومن انواع التكافل او
الكفالات كما يؤكد على ذلك الاسلام، كفالة اليتيم، فالمعروف أن اليتيم
يفقد غالبا مصدر الرزق الذي يقيم أوده، ويقيه من الجوع والحر والبرد،
ويمنحه فرص التعليم والحقوق الاخرى التي يستحقها مثل الاخرين، ولكن
اليتيم لا يقوى على ذلك بسبب فقدانه للاب، واحيانا يفقد كلا الوالدين،
الاب والام، من هنا يصبح اليتيم عاجزا بصورة كلية عن ادامة حياته بصورة
تحفظ كرامته وتصون مشاعره، بعيدا عن الاستغلال والتربص من لدن بعض
المتجاوزين على الايتام وعلى اموالهم قلّت أو كثرت.
علما ان شهر رمضان المبارك، يعد فرصة ثمينة ومناسبة جليلة لدخول
الناس في التكافل، والترويج له واعتماده، لما له من فوائد غير محدودة،
أهمها كما ذكرنا تذليل المصاعب المادية والحياتية التي يتعرض لها
الانسان، وكذلك تعميق العلاقات الانسانية النقية بين افراد المجتمع،
فالتكافل يزيد من لحمة المسلمين وغيرهم، ويجعلهم اقرب الى بعضهم، لأنهم
يكسبون رضى بعضهم البعض من خلال اعتماد هذا المبدأ في حياتهم، فضلا عن
الفوائد الكثيرة غير المباشرة للتكافل والتي تنعكس على امور مثل خفض
الجريمة وتحقيق الاستقرار، وانتشار العدالة الاجتماعية وما شابه من
امور جيدة، تتميز بها المجتمعات المتقدمة، وتنعم بها الشعوب التي عرفت
قيمة التكافل بالتجربة والبرهان. |