شبكة النبأ: نتساءل عن سبب ما نحن فيه
الآن؟، وهو سؤال طرحه ويطرحه الكثيرون منذ لحظة الوعي الأولى بتخلفنا
وتراجع دورنا الحضاري في هذا العالم، بعد ان كنا صناع الحضارة وصناع
الحياة، لنصبح في قروننا الأخيرة صناع الجهل والتخلف وصناع القتل
والموت.
هذا السؤال وما دارت حوله من أجوبة، لم يمكننا من تحديد الطريق
للخروج مما نحن فيه، لأننا بالدرجة الأساس لم نجب عن سؤال الغياب لأهم
معلم من معالم الإسلام وهو الحرية.
وهو ما تنبه له الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في
كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام) حين
يطرح مقاربته للموضوع على الشكل التالي: (السؤال الكبير الذي يتردد على
كل الشفاه، ويطرح في كل الأندية هو:
لماذا لم يتمكن المسلمون من النهوض حتى ينقذوا أنفسهم من براثن
الشرق والغرب أولاً وحتى ينقذوا سائر البشر ثانياً مع ما للإسلام من
المناهج الصحيحة والحريات الواسعة، على ما قال سبحانه: (ويضع عنهم
إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
الحرية وانعدامها، بعد ان غابت عن نفوس المسلمين حتى محاولة
اكتشافها، فما بالك بإعادتها الى حياتهم، وهم الذين يتحملون قسطا كبيرا
من سبب الغياب لها.
ويعترف الامام الشيرازي ان جماعات كثيرة من المسلمين حاولوا ذلك فلم
تجد تلك المحاولات، اي حاولوا الاجابة على سؤال عدم القدرة والتمكين،
وهو قدس سره، في جهده المعرفي في هذا الكتاب، يذكر عددا من العوامل
التي قادتنا الى ما نحن عليه الان وهي:
(انحراف الحكومات التي تدعي الإسلام - المؤامرات الاستعمارية –
العنف - الاستبداد الحزبي - الحياة المترفة للقادة - العزلة عن
الجماهير - التعامل مع السلطات الفاسدة - عدم إرضاء الناس - الاستعلاء
على الآخرين - عرض الإسلام بصورة منفرة - التطبيق المعكوس للأفكار
-التنافس السلبي - محاربة العلماء - التجارب الفاشلة).
هذه العوامل مجتمعة او متفرقة، قادرة على إيقاف عجلة التقدم في اي
مجتمع، من خلال تغييب الحرية وعدم الوعي بها، ومحاصرة ومطاردة
المطالبين بها، وبغيابها تتحقق تلك العوامل وتنوجد في اي مجتمع يوفر
لها ما يساعدها الظهور والبروز فيها.
لعل ابرز اثر لتلك العوامل، والتي هي بالدرجة الأساس إفراز ونتيجة
لغياب الحريات بمفهومها الإسلامي الواسع، أقول لعل الأثر الأبرز لذلك
هو تعطيل الطاقات وهدرها في المجتمع، وهي لعلها ابرز سمة من سمات إي
مجتمع متخلف.
هذا التعطيل يتحدث عنه الإمام الراحل في كتابه ممارسة التغيير
لإنقاذ المسلمين، ويرى ان (من سمات المجتمع المتخلف عدم الاستفادة من
الطاقات والتي هي حاصلة الآن بالنسبة إلى المجتمعات الإسلامية)، وسبب
ذلك يعزوه الإمام الراحل الى ان المجتمع المتقدم يتمكن من الاستفادة من
طاقاته وقدراته أما المجتمع المتخلف فطاقاته موزعة على أقسام:
أ - هدر الطاقات: على امور ليست فيها أهمية وهي حاصلة الآن في كل
مجال من مجالات الحياة، لذا ترى مجتمعاتنا لا تتقدم إلى الأمام بل تبقى
في جوع وفقر وعري وتأخر فكري وعملي.
ب - بعثرة الطاقات: ونرى ذلك في الكثير من المشاريع التي لا توجد
خطط لتكاملها واتحادها مع مشاريع أخرى، رغم نفس العناصر التي تتشكل
منها، ورغم توحدها في الاتجاه والهدف، وهذا يؤدي (أما أن تتشتت فيها
الطاقات بمعنى الاستفادة المبعثرة، وفي الجملة من الطاقات وعدم
الاستفادة المركزة منها). ويسميه الإمام الراحل بالتركيز على الهدف
الواحد.
ولذا كان تشتيت الطاقات من سمات المجتمع المتخلف، بينما تركيز
الطاقات من سمات المجتمع المتقدم، فضياع الجهود وذهاب الطاقات هباءً
منثوراً ودفن القدرات بين التشتت والتفرق يوجب تخلف المجتمع كما يوجب
تخلف الفرد أيضاً.
ج - الاستفادة النسبية من الطاقات: وهو له علاقة بصنع الشخصية
المتقدمة في المجتمع والقادرة على تغييره والمساهمة في بنائه، وهي
شخصية لا يمكن صنعها بالاستفادة فقط من جزء صغير من الطاقات، بل لا يتم
صنعها الا من خلال التجميع الكامل للطاقات المبعثرة والمجزأة.. وهي
لبنات لا يمكن الاستفادة منها، والمجتمع المركب من أمثال هذه (اللبنات
لا يأتي بالنتائج المطلوبة وإذا نظر الإنسان إلى العالم الإسلامي رأى
أن كثيراً منهم يشتغلون، لكن الشغل ليس بقدر الإمكانات والطاقات، بل
بقدر جزء بسيط منها ولذا صار المجتمع الإسلامي مجتمعاً متخلفاً بجميع
معنى الكلمة. ثم إن إهمال الطاقات والاقتصار على تفجير بعض منها ينشأ
إما من الجهل وإما من الكبت، وأما من طلب الراحة والدعة).
د - التوجيه الخاطئ للطاقات: وهو الانحراف في توجه الأفكار التي
يحملها العلماء او المفكرون والمثقفون، وهم الذين يعتقد انهم قد بلغوا
مرحلة من الوعي والإدراك قادرين من خلالها على توجيه طاقاتهم تلك الى
ما فيه خير مجتمعاتهم، لكن ما يحصل هو انهم يقومون بتوجيه تلك الطاقات
الى ما فيه الهدم والتخريب، (فإن انحراف الطاقات سواء كانت ناشئة من
أجل تلبية رغبات النفس، والانسياق مع الأهواء والشهوات، أو من أجل
الجهل - حتى ما كان يفسده أكثر مما كان يصلحه - يوجب أن لا تعطي الثمار
الطيبة، بل تعطي الثمار المرة، ولا فرق في الجهل بين أن يكون جهلاً
مطلقاً أو جهلاً يحدوه الغرور، فإن الغرور يسبب أن يكون الإنسان يعرف
ويحرف - كما في المثل).
تلك العوامل والسمات المتأتية عنها في المجتمعات المتخلفة، لم
يتركها الإمام الشيرازي بعد التشخيص في فراغ، بل قدم الكثير من
المعالجات لها، وهو يختم كلامه موجها اياه الى قادة التغيير ورجالاته
قائلا: (على من يريد ممارسة التغيير عدم هدر الطاقات وعدم تشتيتها وعدم
الاكتفاء ببعضها وعدم الانحراف في توجيهها وإنما يلزم تفجير كل الطاقات
والإمكانات في الوجهة الصحيحة، وذلك ليس بالشيء الهين بل هو بحاجة إلى
كثير من العلم وكثير من التواضع وكثير من البحث حتى يظهر الحق كما أنه
بحاجة إلى كثير من التعب والنصب، حتى يتمكن الإنسان من الوصول إلى
الهدف المنشود). |