محاولة شطب الأغلبية الشيعية من القاموس السياسي العراقي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: بعد ان كان مصطلح الأغلبية الشيعية يتم تداوله من لدن المعارضة خارج العراق، بات اليوم أمراً واقعاً في الساحة، حتى الاوساط السياسية والاعلامية في الداخل والخارج، تُقر بوجود اغلبية شيعية، مقابل اقلية سنية، من خلال التقسيم الواضح للسلطة في العراق، فالسنّة – مثلاً- لا يتحدثون بتاتاً عن منصب رئيس الوزراء، إنما عن استحقاقهم في رئاسة مجلس النواب وحسب.

هذه الاغلبية موجودة في الوسط والجنوب بشكل خاص، كما هي موجودة في مدن عديدة ضمن المناطق الكردية والسنية، وتحديداً في كركوك والموصل وديالى. بيد أن هذه الاغلبية في تلك المدن ليست مريحة – اذا جاز التعبير- لان هنالك اطراف داخلية وخارجية تأبى وجود آثار للأغلبية الشيعية في مناطق اخرى، بل ان تمتع الشيعة في هذه المحافظات بالاستقرار والأمن والرفاهية، يمثل نقطة قوة كبيرة للأغلبية الحاكمة، مقابل شعور بالضِعة لدى الطرف الآخر، لاسيما اذا عرفنا أن المكون السنّي ما يزال غير مصدق او مستوعب انه بعيد عن الحكم، او ان الذي يوفر له الاستقرار والامن والخدمات والرواتب وغيرها، هي حكومة الأغلبية. من هنا نفهم الاسباب الكامنة وراء تهجير الآلاف من العوائل الشيعية من محافظتي الموصل وكركوك، تحت مظلة الحرب الدائرة بين "داعش" والجيش العراقي. وقد شمل ذلك المنتمين الى طائفة "الشبك" وهي من المذاهب التي تعود بجذورها الى التشيع.

شبح التقسيم والهروب من عقد الاقلية

يبدو للمراقبين أن الطبقة السياسية السنية، راقت لها المحاصصة السياسية، لذا فانهم يرون المرحلة اللاحقة، في المحاصصة الديموغرافية على الارض، مستفيدين من حق تشكيل الاقليم من محافظة او اكثر حسب الدستور، بيد أن هذا الطموح من الصعب تحقيقه مع وجود مناطق ذات كثافة شيعية في الموصل على وجه التحديد. وحسب المراقبين والمتابعين فان يد عناصر "داعش" مفتوحة على التصفيات الدموية والابادة الجماعية في الموصل وكركوك ايضاً ضد الشيعة هناك، وهذا يتسبب بالضرورة الى نزوح الآلاف من العوائل الى المناطق الآمنة. وفي الوقت الحاضر من الصعب تحديد عدد العوائل الشيعية او الشبكية التي تم تهجيرها من مناطق سكناها الى اقليم كردستان ومناطق آمنة اخرى في الوسط والجنوب.

فخلال شهر حزيران الماضي، تم تهجير (200) عائلة شيعية من (الشبك) تحت تهديد التكفير والذبح، وحسب تقرير لوزارة المهجرين فان "داعش" ينوي تصفية الوجود الشيعي في الموصل نهائياً، فمنذ تشرين الأول من العام الماضي، ولغاية شهر آذار للعام الحالي، تم تهجير (10) آلاف عائلة شبكية من محافظة الموصل. أما عن قضاء "تلعفر" فانه بالاساس كان عرضةً للهجمات الوحشية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة التي حصدت المئات من الشهداء والجرحى منذ سقوط نظام حزب البعث في العراق، الامر الذي جعلهم يتخلّون بشكل شبه تام عن مساكنهم وأراضيهم والانتقال الى المحافظات الاكثر أمناً، لاسيما المدن المقدسة، مثل الكاظمية وكربلاء والنجف. وفي حال عدم الانصياع لأوامر "داعش" فان النتيجة هي اقتحام البيوت والاعتداء على المواطنين كما حصل في قرية بشير في كركوك، وحصل ايضاً بالنسبة للسكان الشبك حيث اقتحم عناصر "داعش" منازلهم في قريتي "كوكجلي" و "بازوايا". أصبحوا هدفا سهلا لهذه المجاميع الإرهابية، مؤكدا وقوع عمليات قتل وخطف بحقهم.

وكما اسلفنا في مقال سابق، فان بعض المؤشرات دالة على أن تقسيم العراق امر وارد ومحتمل بناءً على المعطيات الموجودة في الساحة، وابرزها الترهّل الفظيع في الكيان السياسي للدولة، وعجز الساسة عن مجرد الاجتماع وتعيين اسماء المرشحين الثلاثة للمناصب السيادية الاولى في العراق (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان)، حتى وإن كانت دعوات الانفصال، لمجرد الضغط على الحكومة الحالية وتقديم تنازلات اكبر لهم، بيد ان مجرد الحديث عن الانفصال وتشكيل اقليم للسنة في غرب البلاد، يعد فرصة سانحة ربما لا تتكرر في هكذا مآل للحكومة العراقية، لان يحصل السنّة على المزيد من المكاسب، ربما تصل الى تشكيل اقليم خاص بالمنطقة الغربية المشتملة على محافظة الانبار، وكذلك اقليم آخر لمحافظة الموصل وهكذا.. وهنا تحديداً يتحقق حلم السنّة بوجودهم في اقليم يحمل طابعاً طائفياً مقبولاً في الداخل والخارج، فيكونوا أغلبية في منطقتهم.

يدفعون ثمناً بلا مقابل

في الوقت الحاضر، وبالرغم من تغطية بعض وسائل الاعلام لمعاناة المهجرين القادمين من كركوك وتلعفر، إلا انه من الصعب نقل الصورة كاملة عما يعانيه ويلاقيه شيعة تلك المناطق، لاسيما وان المزامنة لم تكن في صالحهم، بل زادت المعاناة والمأساة، حيث الشمس الحارقة هذه الايام في العراق، ثم شهر رمضان المبارك الذي يبدو انه غائب عن المشاعر والأجواء النفسية للمهجرين الشيعة.

اذا كان الرجال والشباب مشغولين بالقتال والدفاع عن قراهم ومناطقهم بعيداً عن الأهل، فان من الطبيعي ان تكون النساء والاطفال هدفاً سهلاً لمدعي الرجولة والدين، عندما يستعرضون قوتهم باقتحام البيوت وقتل النساء والاطفال، كما حصل في مجزرة "بشير"، تلك القرية الصغيرة الوادعة جنوب كركوك، لا لذنب ارتكبوه، إنما لأنهم ينتمون الى التشيع وسط "أغلبية سنية".

أما الحلقة المفقودة، والتي تعد بالحقيقة "حلقة النار" في هذه المعركة، فهي كما يراها مراقبون ومحللون، في استفادة المكون السنّي، متمثلاً بالعشائر او الساسة وغيرهم، من منهج التكفير والإبادة الجماعية ضد الشيعة لتحقيق التغيير الديموغرافي في المنطقة بما يخدم مصالحه على المدى البعيد.

التقارير تتحدث عن حالات وفاة لأطفال ونساء حوامل يومياً جراء الحر القائظ وقلّة المواد الغذائية والدوائية، فيما يتمكن البعض الآخر من ضحايا "الأقلية" من الوصول الى المناطق الآمنة في الوسط والجنوب والحصول على اسباب الحياة الكريمة ولو بشكل بسيط.

ان مجرد القبول من الناحية النفسية – على الأقل- بان افضل مكان للشيعي، في أي مكان بالعراق، هو المناطق ذات الأغلبية الشيعية، يعني القبول بنهاية لـ "الأغلبية الشيعية" في العراق بشكل عام. انه التفاف واضح على الطموحات والآمال الكبيرة التي نسجها علماء الدين ومفكرين اسلاميين ضحوا بانفسهم من اجل ان يستفيد العراقيون باجمعهم، حتى الكُرد وغير المتدينين، من منظومة الاحكام والقوانين والتشريعات البناءة للانسان والوطن في وقت واحد، والتعويض عما دمرته السياسات الطائفية والاقصائية.

وإذن؛ فان اكثر المناطق أمناً لشيعة "تلعفر" و "طوزخورماتو" و "تسعين" و"آمرلي" وغيرها من المدن الشيعية في الشمال، هي نفس هذه المدن والمناطق، عندما يتم نزع فتيل الحرب الطائفية من القنابل التي يحملها "داعش" ويزرعها في كل بقعة من بقاع العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تموز/2014 - 9/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م