الشريك المر.. عن السنّة في العراق الشيعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: التاريخ هو 28 شباط 2005، المكان: مدينة الحلة العراقية، رائد منصور البنا، بطل وشهيد، احتفت به مدينة السلط الأردنية من خلال عزاء كبير حظي بتغطية صحفية واسعة، بطولته واستشهاده استحقهما بعد ان فجر نفسه في طابور من المتطوعين الجدد، وكان المبنى الحكومي الذي استهدفه البطل الشهيد رائد، يجاور سوقا شعبيا، فيه نساء واطفال، البطل والشهيد رائد، قتل 125 شيعيا وجرح 150 اخرين، كل ذنبهم انهم شيعة.

خلال زيارة قام بها الى الولايات المتحدة في أيلول 2005 وبنبرة تنم عن خيبة وفظاظة غير معهودتين، اخبر وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، محدثيه الاميركيين عن احتمال تفكك العراق وان ذلك يشكل امكانية حقيقية فعلا، وهذا ما (سيجر بلدانا اخرى في المنطقة الى حومة الصراع). ومن دون ان يدع اي مجال للشك فيمن تعتبره المملكة العربية السعودية اكبر غريم لها في هذا الصراع، انحى الامير سعود باللائمة على الولايات المتحدة قائلا: (اننا خضنا الحرب سويا لابقاء ايران خارج العراق بعد دحر العراق من الكويت. وها نحن الان نسلم البلد باكمله الى الايرانيين بلا داع).

وما لبثت عبارة الامير هذه ان اصبحت لازمة تتردد على ألسنة الزعماء من لبنان الى البحرين: التحذير من تعاظم النفوذ الايراني كسبا للدعم الدولي من اجل قطع الطريق على تمكين الشيعة من امتلاك زمام الامور.

في العام 2005 اتخذ العرب السنة قرارا بمقاطعة الانتخابات، ظنا منهم ان المشاركة الاجمالية سوف لن تصل الى حدود الـ60% اللازمة لنجاح الانتخابات، وهم الذين توهموا بعد التغيير في العام 2003 بانهم سيتمكنون من العودة ثانية الى القمة، التي تدحرجوا منها، وصعد اليها الشيعة.

وهو نفس الاعتقاد الذي توهمه العرب السنة، حول أكثريتهم العددية حين رفض الاعضاء السنة في اللجنة المكلفة وضع مسودة الدستور الجديد، صيغة المسودة النهائية في صيف 2005 ولم يوافقوا على طرحها على التصويت الا بعد حصولهم على ضمانات بان المواد الرئيسية ستكون قابلة للتفاوض مجددا في وقت لاحق.

مقاطعة الانتخابات، والمشاركة الهزيلة في التصويت على الدستور، اظهر الحجم الحقيقي للسنة في العراق.

الفائز الرئيسي في تلك الانتخابات كان الشيعة والاكراد.

ما الذي سبق تلك الانتخابات؟

الحديث عن غالبية شيعية في العراق، هو ترويج لاسطورة امريكية، رددها ملك الاردن عبد الله الثاني، ومحسن عبد الحميد رئيس الحزب الاسلامي وقتها قبل ان ينسحب من تلك الرئاسة لصالح طارق الهاشمي، وحازم الشعلان وزير الدفاع العراقي في حكومة علاوي المؤقتة، والذي صرح وقتها بان الايرانيين يعبرون الحدود الى داخل العراق بغية تضخيم اعداد الشيعة.

لماذا اخترت تلك السنوات تحديدا بعد العام 2003؟

لجملة اسباب:

الوجود الامريكي الفاعل على الارض العراقية.

انتشار التمرد السني ضد الامريكان، والذي عصف بطريقه بالالاف من الضحايا الشيعة نتيجة العمليات الانتحارية والتي كان احد ابطالها رائد منصور البنا الاردني.

عدم وجود المالكي على سدة الحكم في العراق، والذي يعتقد السنة انه سبب كل البلاء الذي حاق بالعراقيين.

وجود ابو مصعب الزرقاوي وتنظيم التوحيد والجهاد قبل ان يتحول الى القاعدة في بلاد الرافدين.

ولعل ابرز سبب لتلك الاحداث، وهي ايضا السبب الرئيسي لما وصلنا اليه حاليا يمكن صياغته بالشكل التالي:

لم يكن سقوط صدام حسين في العام 2003 الا تحولا كبيرا سيمتد بموجاته الارتدادية الى جميع المنطقة العربية، وهو ايضا ايذان واشارة الى نهاية التسلط السني في العراق، وهو ما اخل بميزان القوى بين الشيعة والسنة.

وحتى امريكا في العام 2003 وبعد اسقاطها لنظام صدام حسين، قد سمته نظام الهيمنة السنية.

في كتابه (صحوة الشيعة.. الصراعات داخل الاسلام وكيف سترسم مستقبل الشرق الاوسط) لولي نصر، أستاذ سياسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في دائرة الدراسات العليا التابعة للأكاديمية البحرية، وزميل قديم مساعد في مجلس العلاقات الخارجية، يصل الى نتيجة مفادها: ان اخطر نتائج الحرب في العراق هي ان واحدا من ثلاثة بلدان ذات غالبية عربية أضحى رسميا الدولة الاولى في العالم العربي التي تحكمها غالبية شيعية انيطت بها السلطة بصورة ديمقراطية.

اختم ببعض الأفكار التي يطرحها هاني نقشبندي في مقال له حمل عنوان (أوكازيون.. الكذبة بكذبتين!) في مناقشته للازمة الحالية في العراق، حيث يقول: (لن تلبث الخارجية الروسية ان تتخبط أمام داعش إن توقف دورها على مطالبة المالكي بمشاركة السنة في الحكم معه. وهو مطلب تنادي به كل الدول، دون أن نعلم ما إذا كان اشتراك السنة في الحكم سيدفع بالأمور باتجاه افضل، وهو ما أشك فيه كثيرا. ذلك أن المتطرفين سيطالبون بحصة الأسد في الحكم، وإلا رفضوا أي حكم. وهو ما رأيناه في سوريا تماما. ذلك ان التطرف ليس في المعتقد الديني فقط، بل وحتى في النظرة الى السلطة. ويعني هذا، إما ان نقبل بحكومة سنية متطرفة، او بحرب طائفية).

ما يحدث في العراق هو ما يحاول السنة قوله ومنذ العام 2003 وسقوط هيمنتهم التي استمرت لأكثر من ثمانين عاما، ما يريدون قوله هو الأتي:

تدمير اي دولة عراقية بقيادة شيعية، بغض النظر عمن يكون رئيسا للوزراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/تموز/2014 - 8/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م