مستقبل العراق.. مصير الحكومة أم مصير الدولة؟

 

شبكة النبأ: يبدو ان العراق يتجه إلى خيارين لا ثالث لهما.. إما تقرير مصير الحكومة (السلطة التنفيذية)، أو تقرير مصير الدولة بكل مؤسساتها ومرافقها الحيوية وشعبها المتعدد الطوائف والقوميات. هكذا موقف ربما يمكن السيطرة عليه، إذا كنا في بلد آخر لا يشكو "مشكلة دولة" بالاساس، مثل ايران ومصر وتركيا، فمهما تعصف بها الازمات السياسية، من انقلابات عسكرية وتحولات سياسية وثورية، يبقى شيء واحد يمثل القاسم المشترك الذي يلتقي عنده الجميع، وهو "الوطن"، وعلى اساسه تقام هيكلية الدولة ويتوفر الاستقرار للحياة السياسية. لان الجميع يعلم اذا انفرط عقد الوطن، يكون الجميع خاسرون.

بينما في حالة العراق، نجد ثمة صعوبة في ايجاد هذا القاسم المشترك، وإن بذلت المساعي والجهود، وأسهم العلماء والحكماء والجماهير في صنع مركب واحد، ربما يكون "الإرهاب"، احد عوامل الإجماع الوطني، كما كانت "ديكتاتورية صدام" أهم عامل للإجماع المعارضات في الخارج. بيد أن هذا ليس كل شيء، اذا لابد من التخطيط للمستقبل، فالبلد بحاجة إلى برامج ومشاريع في مجالات شتى.. فهل  يمكن لمكون سياسي واحد، وضع برامج ومشاريع وخطط من مركبه الخاص، وترك المكونات السياسية والاجتماعية في مركب آخر ينتظرون ويتفرجون؟!.

ان حديث الكُرد عن الانفصال ليس بالجديد، بل ان الشخصيات السياسية الكردية كانت تلمح وتبعث الرسائل بمختلف الاشكال بانها لن تكون يوماً ضمن اطار دولة عراقية، واتذكر أن جلال الطالباني قال في مقابلة صحفية عام 1989، يوم كان احد رجالات المعارضة العراقية، بان "في العراق، هناك شعب كردي وآخر عربي..". حتى حصولهم على المساعدات ومختلف انواع الدعم المعنوي والمادي والخبرات والتجارب من الخارج، لم يكن مما يحرج الرموز الكردية طيلة السنوات بل العقود الماضية، وذلك لاسباب اهمها وابرزها ما تجلّى اليوم من حقيقة مرّة في العراق، عندما لا يعطى الوطن والدولة أية أهمية في التخطيط والبرمجة والهوية الثقافية، في مقابل الاهتمام بالعمل السياسي أو ما يسمى "العملية السياسية" في مرحلة ما بعد "ديكتاتورية صدام"، وهذا تحديداً ما دفع مسعود البارزاني لأن يصرح لصحيفة "بيلد أم زونتاج" المانية مؤخراً بان العراق هو الذي يعاني المشكلة وليس الكُرد، لأن "لدينا هوية كردية وأخرى سنية ، وثالثة شيعية ورابعة مسيحية، لكن ليس لدينا هوية عراقية".

ويرى المراقبون والمحللون أن الكُرد كانوا ينتظرون هكذا مآل وإسقاطات سياسية في بغداد منذ اليوم الأول الذي أقحموا في الدستور العراقي عبارات "الاتحادي – الفيدرالي – التعددي" كهوية سياسية للعراق. بمعنى؛ لا دولة قوية ومتماسكة، ولا فرصة لظهور حكومة قوية ايضاً، عندما يكون النظام برلمانياً تتجاذبه الاحزاب السياسية بمصالح وتوجهات وانتماءات متباعدة بل ومتضاربة إلى حد الاحتراب. لذا نجده يتحدث صراحة عن قرب "تفكك العراق"، فهو يريد ان يكون اول المستفيدين من مرحلة "ما بعد 10- 6-2014" كما يقول هو والعديد من الساسة المعارضين للحكومة.

واذا استجلينا الموقف الإقليمي والدولي، فانه بالرغم من التأثيرات العميقة لهما في الوضع العراقي، من غير الممكن تغيير واقع يصنعه العراقيون بأنفسهم، و"هل يصلح العطار ما أفسده الدهر"؟!. لذا يمكن وصف التصريحات الرافضة للتقسيم بانها للاستهلاك الدعائي وعدم تبني هذا المشروع الخطير بشكل رسمي، لمعرفة الجميع ان ثمة آثار مترتبة عليه – لا سامح الله طبعاً- لن يكونوا مستعدين لتحملها، نعم؛ ربما يكون العراقيون أول من يدفع الضريبة، كما يفعلون لقضايا وملفات عديدة، بدمائهم وثرواتهم وقدراتهم.

فالقضية اليوم، ليست في مصداقية المواقف الإقليمية والدولية إزاء تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث، وما اذا كان وجود "الدولة الكردية" المفترضة يؤثر على الكُرد الموجودين في إيران وتركيا تحديداً، بقدر ما ان التفكير منصبٌ حالياً على كيفية تحقيق المصالح مع الاحتفاظ بعراق موحد.

المراقبون والمتابعون في العراق وخارجه، يؤشرون على قصور كبير – للأسف- في تحديد هذه النقطة الجوهرية والمصيرية، فالقائمون على الأمر ببغداد يفكرون كما لو ان كل شيء يجري وفق ما تشتهي سفنهم.. ولا داعي للقلق، إنما المهم هو الحزم والصمود في الموقف فيما يتعلق بتشكيل الحكومة التي تساوي في عمر الدولة والوطن، اربع سنوات فقط، حتى وإن تكررت لمرة او مرتين او ثلاث. فهي متغيرة ومتبدلة من شخص لآخر ومن حكومة لأخرى بأساليب وبرامج وخطط جديدة، بينما الوطن والدولة هي الباقية بأبنائها ومؤسساتها وقدراتها وكل مقومات وجودها.

يبقى السؤال؛ إلى اين يتجه العراق حقاً؟، وأي مصير يختار؟، الحكومة ذات الاربع سنوات، أم الدولة والوطن الباقي الذي من شأنه ان يوفر الامن والاستقرار وأرضية التطور والتقدم؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/تموز/2014 - 8/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م