شبكة النبأ: عندما تتحول الإشاعة الى
ظاهرة في المجتمع، فإنها ستؤدي الى مخاطر جسيمة تتعلق بمعنويات الجيش
وقاعدته الداعمة ونعني بها الشعب، وهذا بالضبط ما يهدف إليه مصدر
الاشاعة، وهو الطرف الاخر المعادي غالبا، ولكن لماذا تنتشر الاشاعة
باصنافها المتنوعة وأين؟.. في الحقيقة اثبتت التجارب أن الشعوب المثقفة
الواعية هي أقل الشعوب والجماعات التي تزدهر فيها الاشاعات وتؤثر في
تفكيرها ونشاطها ومعنوياتها، كونها لا تتعامل مع الاخبار والمعلومات
والشائعات كأمر واقع ودقيق بل، تتعامل الشعوب المتقدمة مع الشائعة
بذكاء، لاسيما ما يتعلق بصدقية المصدر الذي يطلقها ويروّج لها، هذا
يؤكد العلاقة العكسية بين ظاهرة الشائعة وبين قوة وعي المجتمع، فكلما
كان الشعب مثقفا واعيا كلما كان تأثير الشائعات عليه أقل ورواجها او
انتشارها بنسبة قليلة.
وغالبا ما تكون لبث الإشاعات أهداف ومآرب, تتنوع هذه الأهداف تماشياً
مع مبتغيات الاطراف التي تثيرها, فمنها ما هو ربحي مادي كما حصل في عام
2009 عندما تفجرت إشاعة مدوية في السعودية باحتواء مكائن الخياطة سنجر
على مادة الزئبق الأحمر, مما أدى إلى وصول أسعار هذه الخُرد إلى مئات
الآلاف من الريالات، ومن الإشاعات أيضاً ما يكون خلفه أهداف سياسية
وعادةً ما تحصل هذه الإشاعات في الحروب أو في الحالات الأمنية غير
الاعتيادية, وتهدف هذه الاشاعات إلى إرباك الطرف المعني بالإشاعة،
وهناك شائعات يصنعها المجتمع بنفسه خصوصاً للأمور المزمع أو المترقب
حدوثها وذلك بكثرة ترديدها و السؤال عنها حيث تنمو وتنتشر تلك الشائعات
شيئاً فشيئا.
أسباب انتشار الشائعات
أما الاسباب التي تؤدي الى انتشار الشائعات، فيمكن ان تتمثل بانعدام
المعلومات، وندرة الأخبار بالنسبة للشعب، ومن هنا ينادون بضرورة تزويد
الشعب بجميع الأخبار التفصيلية والدقيقة الممكنة حتى يكون على بينة مما
يدور حوله من أحداث وأعمال تؤثر على حياته ومستقبله، كما أن الشائعات
تنتشر بصورة أكبر في المجتمعات غير المتعلمة أو غير الواعية، وذلك
لسهولة انطلاء الأكاذيب عليهم, و قلما يُسأل عن مصدر لتوثيق ما يُتداول
من معلومات, فالمجتمع الجاهل يكون بيئة خصبة ومناسبة لإراجة الشائعات.
هنا تتبيَّن لنا بوضوح أهمية أن يكون الشعب مثقفا واعيا ومحصّنا ضد
التخلف، فهذا الاشتراط المهم بل الاساسي، يحمي الشعب من التأثيرات
الخطيرة للاشاعات، بمعنى كلما كان الشعب واعيا، كلما كان اقل عرضة
لانتشار هذه الظاهرة لسبب واضح، أن الجميع يتعاملون بدراية و وعي وذكاء
مع جميع الاخبار والمعلومات التي تصل إليه، خاصة اذا كانت تتعلق
بحياتهم حاضرهم ومستقبلهم ومجمل حياتهم، هنا لا يمكن أن يتحول الشعب
الذكي الى لقمة سائغة لظاهرة الشائعات التي غالبا ما تنتشر كاسلوب يدخل
ضمن الحرب النفسية التي تؤثر بشكل كبير على معنويات الافراد والجماعات،
مقاتلين او غيرهم، الامر الذي يجعل لهذه الحرب النفسية، حصة كبيرة من
تحديد النتائج النهائية للحرب، بمعنى تُسهم هذه الحروب بقوة في هزيمة
او انتصار الجيوش.
وهناك سبب آخر مهم لانتشار الشائعات بسرعة، يتمثل بعدم وجود الطرف
المخول بالرد على شائعة معينة يزيد لهيبها ويبعد عنها الشكوك والأقاويل،
وفي السياق نفسه نجد أن انتشار وسائل الاتصالات الحديثة تمثل سببا
كبيرا في انتشار الشائعات، فهذه الوسائل المتنوعة والمنتشؤة في مكان،
هي التي تقوم بنشر كم هائل جداً من المعلومات في وقت يسير وبكل يسر
وسهولة.
أصناف الشائعات
ويصنّف المعنيون الشائعات الى عدة أصناف، حيث قامت محاولات كثيرة من
جانب عدد من الباحثين لتصنيف الشائعات، واختلفوا حول الأسس التي يبنى
عليها التقسيم، فالعلاقات الاجتماعية بين الناس متشابكة، والدوافع
الذاتية متباينة من مجتمع لآخر، ومن هنا نرى أن من الصعب اقتراح تصنيف
عام للشائعات بحيث يمكن تطبيقه على أي مجتمع، أو ليكون قاعدة عملية
يعول عليها حتى وإن أعطى للباحث أو الدارس الخيوط التي تساعده في تفهم
الموضوع.
فقد حاول بيساو - كما جاء في دراسة نشرتها الويكيبديا- أن يستخدم
معيار الوقت في تصنيفه للشائعات وقسمها إلى ثلاثة أنواع:
الشائعة الزاحفة
وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همساً وبطريقة سرية تنتهي في
آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع، أن هذا النوع من الشائعات يتضمن تلك
القصص العدائية التي توجه في مجتمعنا ضد رجال الحكومة والمسئولين
لمحاولة تلطيخ سمعتهم، وكذلك تلك القصص الزائفة التي تروج لعرقلة أي
تقدم: اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي، ويدخل في ذلك ما يقوم به
المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة تمس هذه الموضوعات. ويقوم
مروجو هذا النوع من الشائعات بنسخ سلسلة لا تنتهي من القصص ويستمرون في
العمل على تغذيتها واستمرار نشرها.
شائعات العنف
وهي تتصف بالعنف، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، وهذا النوع من
الشائعات يغطي جماعة كبيرة جداً في وقت بالغ القصر، ومن نمط هذا النوع
تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الباهرة أو
الهزيمة في زمن الحرب، ولأن هذه الشائعة تبدأ بشحنة كبيرة فانها تثير
العمل الفوري لأنها تستند إلى العواطف الجياشة من: الذعر، والغضب،
والسرور المفاجئ.
الشائعات الغائصة
وهي التي تروج في أول الأمر ثم تغوص تحت السطح لتظهر مرة أخرى عندما
تتهيأ لها الظروف بالظهور، ويكثر هذا النوع من الشائعات في القصص
المماثلة التي تعاود الظهور في كل حرب والتي تصف وحشية العدو وقسوته
مع الأطفال والنساء.
أما فيما يتعلق بالمخاطر الكبيرة للشائعات، فهي تتوزع بين آثار
نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مجتمعات كاملة خاصة اذا لم
تواجه من لدن الأطراف الواعية، وتزداد خطورتها إذا كانت هناك جهة ما
تزيد من نار الشائعة طلباً لمبتغيات خاصة, فالشائعة ببساطة تجعل من
الصواب خطأ ومن الخطأ صواب وقد يدعمها أحياناً بعض الوجهاء, وبانتشارها
وسيطرتها على عقول المجتمع قد تغير في السلوكيات وفي التعاطي مع أمور
معينة بالنسبة للأفراد, وقد يصعب إبطالها أحياناً لتفشيها في المجتمع
وتشرب المجتمع لها.
ومن اخطر نتائج الشائعات، تأثيرها الكبير على الروح المعنوية،
فالشائعة في مضمونها تلعب دوراً كبيراً في التأثير على معنويات الشعب،
وإن اختلفت درجة تأثيرها تبعاً لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها.
علاج الشائعات
أما فيما يتعلق بمعالجة فإن للحكومة والأفراد حلول لمواجهة خطر
الشائعات سواء النفسية أو الحسية منها، فهناك معايير الذكاء والتمحيص
والبحث في دلائل منطقية الأخبار، والتأكد من المصدر خصوصاً مع الأخبار
الحساسة و المهمة، ويدخل عامل التوعية بقوة في هذا الاطار، ومحاربة
الصفحات و المنتديات التي تنشر وتنسخ وتلصق أخبارا بلا مصادر.
ويؤكد احد الخبراء والباحثين في الحرب النفسية، أن هناك قواعد تسهم
بصورة فعالة في مقارعة الشائعات، إذ تقوم هذه القواعد في الواقع على
ملاحظات فنية يمكن الاسترشاد بها في السيطرة على الشائعات، وسيجد
الجهات التي تحارب الشائعات فائدة كبيرة في اتباعها كما يؤكد ذلك
الباحث نفسه، وتلك القواعد هي:
- الإيمان والثقة بالبلاغات الرسمية، إذ انه لو فقدت الجماهير الثقة
في هذه البلاغات فإن الشائعات تأخذ في الإنتشار.
- عرض الحقائق على أوسع مدى، ويجب أن تستغل الصحافة، والإذاعة
والتليفزيون في تقديم أكثر ما يمكن من الأنباء، مع حذف التفاصيل التي
قد ينتفع منها العدو، إن الناس تريد الحقائق فإذا لم يستطيعوا الحصول
عليها فإنهم يتقبلون الشائعات.
- الثقة في القادة والزعماء أمر جوهري في مقاومة الشائعات، فقد
يتحمل الناس الرقابة على النشر أو نقص المعلومات، بل قد يحسون أن ما
يسمعونه ليس إلا أكاذيب غير صحيحة إذا ما كانت لديهم ثقة بقادتهم، وفي
مثل هذه لأحوال يكون لدى الناس الوعي الكافي لإدراك أسباب نقص
المعلومات التي لو نشرت قد تفيد العدو.
- إن الملل والخمول ميدان خصب لخلق الشائعات وترويجها، فالعقول
الفارغة يمكن أن تمتلئ بالأكاذيب، والأيدي المتعطلة تخلق ألسنة لاذعة،
لذا فإن العمل والإنتاج وشغل الناس بما يعود عليهم بالنفع يساعد إلى حد
كبير في مقاومة الشائعات.
- غالباً ما تكون الشائعات الهجومية المسمومة نتيجة دعاية العدو،
أما من يقوم بترويجها فهم أولئك الذين يُعتبرون أعداء للوطن، ولذا فإن
النجاح في كشف دعاية العدو بطريقة سهلة واضحة، ومحاربة مروج الشائعات
بكل وسيلة لهما دعامتان أساسيتان يرتكز عليها تخطيط مقاومة الشائعات. |