تبدو المؤامرة على وحدة العراق وشعبه أكثر وضوحا اليوم، فآخر
مشاهدها هو الطلب الذي قدمه شيمون بيريز للرئيس الأمريكي عند زيارته له
في القصر الأبيض " أن يدعم قيام دولة كردية في العراق ". وفي خطاب
القاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في معهد أبحاث الأمن القومي في تل
أبيب حول التطورات الاقليمية، قال: "علينا أن ندعم الجهود الدولية لدعم
طموح الأكراد للاستقلال". كل ذلك يحدث الآن وكأن غزوة الدواعش للعراق
قد جاءت ايذانا بإعلان دولتين في آن واحد، دولة الخلافة الاسلامية في
العراق والشام ودولة اقليم كردستان في شمال العراق. وإلا كيف حدث أن
تقوم شخصيتين كشيمون بيريز ونتنياهو بالمناداة باستقلال كردستان في وقت
لا توجد على بساط البحث في العراق مسألة استقلال كردستان كما لا توجد
حرب بين الكرد والحكومة العراقية حول موضوع استقلال كردستان حتى تقف
اسرائيل مع حق الكرد في الاستقلال.
السؤال المهم هنا هو: هل الموقف الاسرائيلي يأتي انسجاما مع حق
الشعوب في تقرير المصير، وفي هذه الحالة كان الأولى بها منح الشعب
الفلسطيني حقه في تقرير مصيره الذي يرزح تحت احتلالها الغاشم منذ 66
عاما وترفض حتى تحديد موعد لانعتاقه ونيل حقوقه..؟
أم الغرض منه تفتيت العراق بفصل مكوناته المتآخية عن بعضها البعض،
وهو لعمري الهدف الأساس من وراء الموقف الاسرائيلي وليس حبا أو لسواد
عيون السيد البرزاني. فما عساهما يقولان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته
أمام ازدواجية المواقف لحليفهم الاستراتيجي والدولة الديمقراطية
الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط.
ليس من المعقول أن يحدث كل هذا صدفة ودون علم وتنسيق مسبقين مع
الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ولمن اطلع على تصريحات الرئيس
مسعود البرزاني بعد احتلاله كركوك تزامنا مع احتلال داعش للموصل يستطيع
الجزم بأن ما جرى ويجري بعد العاشر من حزيران الماضي لم يحدث في يوم
وليلة، بل كان نتيجة لجهود وخطط تم رسمها وتنفيذها بتوقيت يجعل الترابط
بينها ليس لغزا. وما قاله الرئيس برزاني نصا هو، " أن المادة رقم 140
من الدستور قد تم تنفيذها والمناطق المختلف عليها قد استعيدت وان
واقعا جديدا قد حل ولا عودة الى الوراء". قال السيد البرزاني ذلك في
حين فرضت على الشعب العراقي بما فيه الكرد خوض حرب ضد عصابات غازية
تحترف القتل والنهب واغتصاب النساء وهي حرب لا يمكن ان يقف البرزاني
منها موقف الحياد. لكن السيد مسعود البرزاني كان محايدا تماما وليس ذلك
فحسب بل اغتنم انشغال العراق بتضميد جراحه ليعلن ما أعلنه وان لا تراجع
عنه.
الشعب العراقي لم يؤيد أبدا عدوانا على الشعب الكردي خلال كل تاريخ
الدولة العراقية منذ تأسيسها في عشرينات القرن الماضي لا في العهد
الملكي ولا في العهد القاسمي ولا في العهد الصدامي. ولهذا فليس من
المناسب ولا المتوقع أن يقول البرزاني ماقاله فالخلافات كانت وستظل
موجودة بين الفرقاء في العملية السياسية مع حكومة تأتي وأخرى ترحل، لكن
لا يجب أن ينصرف هذا على الشعب العراقي فللشعب مآخذه على الحكومة
العراقية وللبرزاني مآخذه عليها أيضا والطريق الصحيح لمعالجة المشاكل
العقدية هو الحوار الديمقراطي المسئول لا الانقلاب أو الحرب. وكأشقاء
للكرد لن نقبل بتنصل البرزاني كزعيم للشعب الكردي عن مسئوليته الوطنية
ووقوفه موقف المتفرج من حرب الابادة التي يتعرض لها شعبنا بكافة
مكوناته من قبل مرتزقة داعش وأخواتها.
ويحزننا ان نرى البرزاني يقود شعبه دون موافقته نحو حلفاء ليس لهم
صديق واحد في منطقتنا العربية والشرق أوسطية وهو خيار سيجلب لكردستان
المتاعب. ليس لإسرائيل أصدقاء في منطقتنا العربية حتى مصر التي لها
علاقات دبلوماسية لم تحتمل وجود سفارة لها على أرض مصر. وليس الحال
أفضل مع تركيا فأطماع تركيا في العراق لا حبها للكرد هو الذي مد يد
الصداقة للبرزاني في حين يقبع في جزيرة نائية زعيم كردي من تركيا هو
المناضل عبدالله أوجلان. ان الشعب العراقي سينتصر في النهاية لأن
الطاقات الكامنة في جماهيره التي تفجرت ضد بهائم داعش ومرتزقة النظام
السابق سوف تدمر فلولهم ولن يستطيعوا اعادة عجلة التاريخ الى الوراء.
فعشرة سنوات ليست فترة طويلة يمكن أن ينسى شعبنا خلالها ما عاناه على
أيدي جزاري النظام السابق.
أما الهوس والزعيق الذي يخدش الآذان عن طائفية الحكومة العراقية وعن
مظلومية السنة فليست وليدة اليوم حيث بدأت منذ تسلم أول رئيس حكومة
عراقية شيعي ابان الاحتلال وهكذا الحال حتى اليوم. ان النحيب على
الطائفية ليس الا نحيبا على عهد النظام السابق ومعادلته اللئيمة حيث
رئيس الدولة سني ورئيس الوزراء سني ووزير الخارجية سني ووزير الدفاع
سني. ففي ذلك العهد البائد كانت الجماهير العراقية تدفع الثمن دماء
وسجونا وتهجيرا وقبورا جماعية وهذا ما دفع لتغيير المعادلة بالاتجاه
الذي يخدم كافة مكونات شعبنا عبر مشروع ديمقراطي ما يزال في بدايته.
وما تقره الأصول الديمقراطية هو ما ينبغي احترامه والمحافظة عليه، وعبر
السبل الديمقراطية ينبغي احداث التغيير لصالح كل الشعب العراقي، وسيأتي
اليوم الذي ينتخب المواطنون فيه الشخص المناسب في المكان المناسب بصرف
النظر عن الانتماء الطائفي. لكن حتى نصل لتلك المرحلة من السلوك لن
يبقى للمذهب والدين والقومية دورا في اختيار رئيس الدولة أو الحكومة
وما سنحتاجه هو بعض الوقت ليقتنع الجميع بالممارسة الديمقراطية ومضار
التعصب بكل أصنافه ومصادره.
الداعشيون يريدون العودة الى الصدامية عبر الانقلاب واذا ما نجحوا
فسيعيدون العراق الى المعادلة الصدامية السابقة، لكن مثل هذا التغيير
لن يزيل الحيف، بل يغير ضحاياه. ومن أجل تغيير المعادلة الحالية خرجت
الى العلن كل شياطين الطائفية وفي هذه المرة في جبهة متراصة بعنوان
واحد يسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام وكأن ما يسود في العراق
والشام الدين الهندوسي. لن يجد الباحث في كوكل عن تبرير واحد منطقي
ومعقول يدفع جماعة من الناس تهرع من شتى قارات العالم قاطعة آلاف
الأميال جوا وبحرا وعبر اليابسة فقط لهدف واحد هو قتل العراقيين
الروافض، لكن هدفا كهذا قام به عراقيون بكفاءة عالية منذ سقوط النظام
الصدامي ولحد اليوم ولا يحتاج الى تجييش بهائم جدد من أنحاء المعمورة.
لكن قتل الروافض ليس هو الهدف الذي حشدت نحوه بهائم العالم، بل اعادة
النظام الصدامي بكل موبقاته ما عدا صدام نفسه.
الخبير السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي أي اند ماغواير
صرح لمجلة نيوز ويك الأمريكية نقلا عن الشيخ علي حاتم زعيم التمرد في
الانبار قوله " اننا ما أن نطيح بالمالكي سنطرد الدواعش كما طردنا
القاعدة في 2007 – 2009." لكن خبيرا سابقا آخر من الوكالة ذاتها وهو
مالكولم نانس يرد على ما ذكره ماغواير بقوله " انه قول سخيف ولا واقع
له. ان داعش هي أقوى بكثير من القاعدة التي طردوها بالفعل في تلك
الفترة، لكن قبول السنة بداعش تحت نفس الحجة السابقة هو بمثابة انتحار
بمواد سامة " The Sunni Tribes Drink Antifreeze " فالسنة لن يرتضوا
شريعة لا يمكنهم العيش في ظلها فالحياة قد تغيرت وان القرآن لا يجد من
يأخذ به بالطريقة التي تفرضها داعش فالمجتمع السني يستهلك من البيرة
أكثر من اي منطقة أخرى في العراق. وعندما حاولت مجموعة من داعش السيطرة
على معبر طريبيل على الحدود العراقية الأردنية تم طردهم منها بعد قتل
30 عنصرا منهم من قبل العشائر السنية في المنطقة ".
اولئك الذين جائوا من الشيشان وطاجيكستان وداغستان وافغانستان
وباكستان والصين وكندا واوستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا
والصومال ومن دول عربية كثيرة اذا لم يكونوا مختلين عقليا فقد خضعوا
لغسيل أدمغة أنستهم آدميتهم وحولتهم الى قتلة متوحشين. ويتوهم من يعتقد
ان الشعب العراقي سيفر هاربا أمام هذا الحشد المتنوع من الوحوش الأدمية
الضارية، بل بالعكس فانه ينتظرهم في كل منعطف ولن يجدوا مفرا غير أن
يجزوا رقابهم بأيديهم ليذهبوا الى الجحيم لا الى جنان النعيم والولدان
المخلدين. وما يجري في عراق اليوم هو فرز حقيقي لقوى الصراع التي سيكون
الخاسر فيها من راهن على المؤامرة واغتنام الفرص.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |