اردوغان وكرسي الرئاسة.. خطوات لتكريس السلطة

 

شبكة النبأ: اردوغان الذي قرر دخول السباق الانتخابي نحو الرئاسة التركية، بعد ان استنفذ عدد المرات المتاحة له في رئاسة الوزراء، والمتوقع ان يفوز في الانتخابات (التي لم يتبقى منها سوى شهر وبضعة أيام) بسهولة على منافسيه، كما اشارت استطلاعات الراي، وقد سعى اردوغان وحزبه الى تغيير صلاحيات الرئيس التشريفية نحو المزيد من الصلاحيات التنفيذية، من اجل منح هذا المنصب المزيد من الصلاحيات ودور اقوى في الحكومة التركية المقبلة. 

وما زال اردوغان يحظى بشعبية كبيرة بين معجبيه وأنصاره، حيث يتوقع ان يحصد أصوات تؤهله الفوز بسهولة في الانتخابات القادمة، سيما وان المعارضة التركية تمر بأضعف فتراتها السياسية، وها ما او صحته الانتخابات الأخيرة للمجالس المحلية والتي فاز بها حزب العدالة والتنمية فوز كبير امام الأحزاب المعارضة، خصوصا العلمانية، مثلما حصد العديد من المقاعد البلدية من مناطق تعتبر معقلاً للمعارضة.

وتأتي الانتخابات الرئاسية التركية في أوضاع داخلية وخارجية مربكة، فالمظاهرات القوية في تركيا ضد سياسية اردوغان الداخلية، وحملة المحاكمات والاقصاء من المناصب الحكومية التي تشنها الحكومة، والخلافات الكبيرة مع القضاء، إضافة الى الصراع الخفي والدائر بين اردوغان وكولن، والازمة مع الاكراد، كلها عوامل أربكت سير الحكومة نحو اجراء انتخابات طبيعية.

فيما جاءت الازمة العراقية الأخيرة في سلم أولويات الحكومة التركية، فضلاً عن الازمة السورية، اذ ان تركيا تتخوف من سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق حدودية تربطها مع العراق، والذي يؤدي الى حدوث خروقات امنية وانهيار التعاملات الاقتصادية الكبيرة مع العراق (التي انحسرت أساسا بعد سيطرة داعش على الموصل بشكل كبير الامر الذي اثار قلق تركيا)، إضافة الى تغير الأوضاع السياسية بعد مطالبة الاكراد بالاستقلال.      

الدين والسياسة

في سياق متصل شدد مرشح المعارضة الرئيسي لانتخابات الرئاسة في تركيا على ضرورة إبقاء الدين بعيدا عن السياسة ودعا للوحدة الوطنية في تحد واضح لرئيس الوزراء طيب اردوغان الذي يبدو أنه الأوفر حظا للفوز نظرا لشعبيته الكبيرة رغم ما يثيره من انقسام، ومن المتوقع أن يعلن اردوغان مؤسس حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية ترشحه، وتشير استطلاعات الراي إلى أن اردوغان سيفوز بالرئاسة من الجولة الأولى للانتخابات المقرر إجراؤها في العاشر من أغسطس آب عندما يختار الأتراك رئيسهم بشكل مباشر للمرة الأولى.

وكان حزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب الحركة القومية قد رشحا أكمل الدين احسان أوغلو لخوض انتخابات الرئاسة على أمل توحيد صفوف المعارضة ضد اردوغان الذي مازال يحظى بشعبية رغم أنه أغضب قطاعات من المجتمع بسياساته المحافظة وأسلوبه التصادمي، وقال احسان أوغلو للصحفيين في أنقرة في أول تصريحات علنية له منذ إعلان ترشيحه "نحن لا نسعى من أجل تركيا تعاني من الاستقطاب والمواجهة بل من أجل تركيا تنعم بالسلام"، واحسان أوغلو أكاديمي ودبلوماسي سابق يبلغ من العمر 70 عاما، واضاف "نريد أن نشدد على أن الجميع الذين عاشوا هنا معا على مدى قرون وأن كل القيم التي جعلتنا على ما نحن عليه، تمثل إرثنا الثقافي العام".

وترك احسان أوغلو منصبه كأمين عام لمنظمة التعاون الاسلامي في ديسمبر كانون الأول وينظر إلى ترشيحه على أنه محاولة لاستمالة المحافظين المتدينين الذين يمثلون القاعدة الانتخابية الرئيسية لاردوغان، وسعى احسان أوغلو لطمأنه ملايين من العلمانيين الأتراك الذين يتهمون اردوغان بالسعي الحثيث لصبغ الدولة بصبغة إسلامية، وقال احسان أوغلو "يتعين الابقاء على الدين والسياسة منفصلين، إحدى القضايا المعقدة في العالم الاسلامي تتمثل في الخلط بين الدين والسياسة". بحسب رويترز.

ورغم ذلك فإن قدرة احسان أوغلو على هزيمة اردوغان تبقى مسألة أخرى، وأظهر استطلاعان للرأي ان رئيس الوزراء يتقدم بفارق 20 نقطة في حالة ما إذا قرر خوض السباق، وتكهن استطلاع أجراه مركز جينار ان اردوغان سيفوز بنسبة 55.2 في المئة من الأصوات في حين سيحصل احسان أوغلو على 35.8 في المئة، وقالت صحيفة صباح اليومية الموالية للحكومة ان استطلاعا ثانيا أجراه مركز إم.إيه.كيه. للاستشارات أظهر أن اردوغان سيفوز بنسبة 56.1 في المئة وسيحصل منافسه على 34.2 في المئة.

وقال الاستطلاعان إن صلاح الدين دميرطاش المرشح المتوقع للحزب الرئيسي الموالي للأكراد في تركيا سيحصل على أقل من عشرة في المئة من الأصوات، ولم يخف اردوغان الذي هيمن على الحياة السياسية التركية لأكثر من عشر سنوات طموحه لخوض السباق لممارسة سلطات رئاسية أوسع نطاقا من الرئيس المنتهية ولايته عبد الله جول الذي كان دوره على مدى السنوات السبع الماضية شرفيا إلى حد كبير.

وقال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج إن من شبه المؤكد أن يتم إعلان رئيس الوزراء طيب اردوغان مرشحا لحزب العدالة والتنمية الحاكم لخوض انتخابات الرئاسة المزمعة في أغسطس آب، وستكون هذه المرة الأولى التي يصوت فيها الأتراك مباشرة لانتخاب رئيسهم، ولم يخف اردوغان الذي هيمن على الحياة السياسية التركية لأكثر من عشر سنوات طموحه لخوض السباق من أجل ما قال إنها ستكون رئاسة أقوى، وقال أرينج لوسائل الإعلام التركية في تصريحات أكدها مكتبه "نعرف إلى حد كبير من سيكون مرشحنا للرئاسة، في حالة عدم وجود أي عوائق سيتم على الأرجح في الأول من يوليو تسمية رئيس وزرائنا (لخوض الرئاسة)".

ويتوقع مساعدو اردوغان فوزه من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العاشر من أغسطس آب مدفوعا بالآداء القوي لحزبه ذي الجذور الاسلامية في الانتخابات البلدية والتي حصل فيها على 43 في المئة على المستوى الوطني على الرغم من تفجر فضيحة فساد واندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة الصيف الماضي، وقال ارينج إن اردوغان لم يواجه أي معارضة أثناء المشاورات الخاصة باحتمال ترشحه، وأضاف "كل مجموعة أجرى معها محادثات أبدت وجهة نظر مؤيدة لترشيحه، ما تبقى هو تقييمه الشخصي".

وأوضح اردوغان أن الطبيعة المباشرة لانتخابات أغسطس اب ستمكنه من ممارسة سلطات أقوى من الرئيس المنتهية ولايته عبد الله جول الذي كان دوره على مدى السنوات السبع الماضية شرفيا الى حد كبير، وتتزايد التكهنات حول من سيخلف اردوغان رئيسا للحكومة حيث ينظر الى وزير الخارجية أحمد داود أوغلو كخليفة محتمل لكن أرينج قال إن من المبكر للغاية بحث هذا الأمر، وأضاف "سنعلن مرشحنا في الأول من يوليو (أما) من سيصبح رئيسا للوزراء حتى بعد هذا اليوم ولو مؤقتا إنما هي أمور خاصة لا تناقش الآن".

تبديلات ومحاكمات

من جهتها اجرت الحكومة التركية سلسلة جديدة من التبديلات شملت اكثر من الفي قاض في اطار مكافحتها لحلفائها السابقين في جماعة الداعية فتح الله غولن، كما اجرت تغييرات في ادارة المصرف المركزي، وفي بيان نشر مؤخرا، اصدر المجلس الاعلى للقضاة والمدعين لائحة بأسماء 2224 قاضيا سيغيرون وظائفهم، وهذه السلسلة الجديدة من التبديلات هي الاوسع التي تأمر بها الحكومة منذ اندلاع فضيحة فساد لا سابق لها كشفت في منتصف كانون الاول/ديسمبر وهزت كل النظام الاسلامي المحافظ الحاكم منذ 2002 بما في ذلك رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان.

واتهم اردوغان جماعة غولن التي اعتمد عليها ليصل الى السلطة بانها تقف وراء الاتهامات التي طالته وتحدث عن "مؤامرة" تهدف الى اسقاطه، ومنذ نهاية العام الماضي، امر رئيس الحكومة بحملة تطهير لا سابق لها في الشرطة حيث اقيل او نقل ستة آلاف موظف، وفي الجهاز القضائي حيث يتمتع اتباع غولن بنفوذ كبير، وفي الخطاب أكد اردوغان الذي يستعد لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية التي تجري في 10 و24 آب/اغسطس، من جديد ارادته في مكافحة "الدولة الموازية" التي شكلها انصار غولن، وقال "اعتبارا من الآن يجب الا يلقوا اي دعم من جانبنا". بحسب فرانس برس.

من جهة اخرى، ذكرت وسائل الاعلام التركية ان الجمعية العامة للبنك المركزي في تركيا قامت بتغيير خمسة من كوادرها الكبار بمن فيهم مدير مكتب حاكم البنك ايرديم باسجي، وتأتي هذه التغييرات في اوج مواجهة مبطنة بين باسجي واردوغان حول السياسة النقدية للمؤسسة، ورفع المصرف المركزي التركي في نهاية كانون الثاني/يناير معدلات الفائدة من اجل الحد من تراجع سعر الليرة التركية ضحية التوتر السياسي المستمر في البلاد والقلق حول النمو الاقتصادي، واعترض اردوغان علنا على هذا القرار وطالب بخفض معدلات الفائدة من اجل تجنب اي تأثير سلبي على النمو، لكن باسجي رفض الامتثال لأوامره طالما بقي التضخم الذي تبلغ نسبته حوالى 10 بالمئة على مدى عام، مرتفعا.

فيما بدأت محاكمة 26 من "قادة" حركة الاحتجاجات غير المسبوقة التي استهدفت رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قبل سنة امام احدى محاكم اسطنبول، ويلاحق المتهمون الاعضاء في جمعية "تقسيم تضامن" وبينهم مهندسون واطباء بتهمة تنظيم تظاهرات والمشاركة فيها وهم يواجهون عقوبات بالسجن تصل الى ثلاثين عاما، وتجمع حوالى مئة من اعضاء الجمعية التي تضم منظمات غير حكومية ونقابات وشخصيات من المجتمع الاهلي امام قصر العدل الذي احيط بتدابير امنية خافتة للأدلاء بتصريح للصحافيين قبل الدخول الى قاعة المحكمة.

وقالت متحدثة باسم الجمعية الطبية التركية ان "هذه المحاكمة ستبقى في التاريخ وصمة على جبين هذا البلد، انها محاكمة العار والاحراج، تكاد تكون فضيحة، ما يحاكم اليوم هو الحرية والديموقراطية والسلام، لكن لا يمكن لاحد ان يمنعنا من مساعدة اصدقائنا في الشارع"، وبدأت حركة الاحتجاج غير المسبوقة منذ وصول الحكومة الاسلامية المحافظة الى السلطة عام 2002، في اواخر ايار/مايو 2013 بتعبئة مجموعة صغيرة من الناشطين المؤيدين للبيئة المعارضين لازالة حديقة غيزي القريبة من ساحة تقسيم في اسطنبول.

وبعد تدخل عنيف لقوات الامن فجر 31 ايار/مايو، تحول التحرك الى موجة من الاحتجاجات الشعبية لا سابق لها ضد تسلط الحكومة الاسلامية برئاسة اردوغان، وطيلة ثلاثة اسابيع شارك اكثر من 3,5 ملايين تركي في مئة مدينة في تظاهرات واجهتها السلطات بقمع عنيف مما اسفر عن ثمانية قتلى على الاقل واكثر من 8 الاف جريح وتوقيف الاف الأشخاص، الا ان الحكومة استعادت السيطرة على الوضع بحزم وعملت على عدم حصول اي احتجاجات اخرى.

الانتخابات والاكراد

الى ذلك ومع دنو موعد الانتخابات الرئاسية اعاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المرشح المرجح فوزه فجأة احياء عملية السلام الكردية المعلقة تحت ضغط المتمردين الواثقين بقدرتهم على انتزاع تنازلات منه، فبعد ان حجبتها الازمة السياسية المستمرة التي تهز انقرة لاشهر طوال عادت المسألة الكردية منذ مده قريبة لتحتل واجهة الاحداث السياسية في تركيا، وقام مئات الشبان خصوصا تحت راية حركة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني بسد طريق بين دياربكر وبنغول للتنديد ببناء منشآت عسكرية.

ووقعت صدامات بين رجال الدرك استخدمت فيها احيانا اسلحة نارية مما اسفر عن سقوط ستة جرحى في صفوف قوات الامن في الايام الأخيرة، وما يزيد من اجواء التوتر ايضا اعتصام عشرات الامهات امام بلدية دياربكر "عاصمة" الاقلية الكردية في تركيا للتنديد ب"خطف" اولادهن من قبل الحركة الكردية المتمردة، وقد دافعت الحكومة عن هؤلاء الامهات من خلال نشر تقرير اشار الى 700 عملية "تجنيد بالقوة" لقاصرين من قبل حزب العمال الكردستاني منذ بداية العام 2013.

حتى ان اردوغان نفسه تدخل للمطالبة بالإفراج عنهم، وقال مهددا "ان لم يفرج عنهم حزب العمال الكردستاني لدينا خطة باء وخطة جيم"، فرد زعيم حزب السلام والديموقراطية الكردي صلاح الدين دميرطاش "انها سياسة ولهجة رئيس الوزراء التي تدفع الاطفال على الانضمام الى المقاومة"، وهكذا تصاعدت اللهجة المتبادلة علنا بين الفريقين بشكل ملحوظ في موازاة المحادثات الجارية بينهما.

وفي اذار/مارس 2013 اعلن الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان من سجنه في جزيرة امرالي (شمال غرب تركيا) وقفا لاطلاق النار من جانب واحد اتبع بعد شهرين من ذلك ببداية انسحاب مقاتليه نحو قواعدهم الخلفية في العراق، لكن المتمردين علقوا هذا التحرك في الخريف التالي متذرعين بوعود لم تف بها انقرة، وبعد ان تباطأت خلال اشهر تشهد عملية السلام وتيرة متسارعة في الوقت الحاضر، وصرح نائب رئيس الوزراء بشير اتالاي المكلف الملف "اننا متفائلون ومصممون، وقد بتنا اقرب من حل"، مشيرا الى "خطة تحرك جديدة" قيد الاعداد بدون مزيد من التفاصيل. بحسب فرانس برس.

وتوقع نائب حزب الشعب والديموقراطية سري ثريا اوندر من جهته بعد لقاء مع اوجلان ان تفضي هذه المحادثات "الى نتائج"، وفي اواخر العام 2013 اتخذت الحكومة مبادرات تجاه الاكراد مثل منح حق التعليم الخاص باللغة الكردية في المدارس الخاصة، لكن ممثلي هذه الاقلية المقدرة ب15 مليون نسمة اعتبروها خجولة جدا وكرروا مطالبهم خصوصا بالحصول على حكم ذاتي واسع في الجمهورية التركية، واي تكن النتائج يبدو ان هذا التحرك المفاجئ مرتبط مباشرة بالاستحقاق الرئاسي المرتقب في اب/اغسطس المقبل، وينطوي على الكثير من النوايا المبطنة.

ولخص نهاد علي اوزجان خبير الشؤون الامنية في مؤسسة تيباف للأبحاث الاقتصادية السياسية في انقرة ان "متمردي حزب العمال الكردستاني يريدون انتزاع اكبر عدد ممكن من التنازلات من اردوغان الذي هو بحاجة للصوت الكردي لانتخابه رئيسا"، لكن التوصل الى اتفاق محتمل يبدو امرا معقدا، لان العديد من الاتراك ما زالوا معارضين للحوار مع اوجلان الذي لا يزالون يسمونه ب"الارهابي"، وحذر احد المتحدثين باسمهم زعيم حزب الحركة القومية المعارض دولت بهتشلي الحكومة بقوة، وتساءل "بماذا وعدهم؟ وما هو التعهد الذي حصل عليه؟، منددا ب"ضعف" النظام.

لكن المراقبين يرون ان اردوغان لا يبدو مع ذلك مستعدا للقبول بالمطالب الكردية لوضع حد لهذا النزاع الذي اسفر عن سقوط 45 الف قتيل منذ العام 1984، واعتبر اوزجان ان اردوغان "سيسعى جاهدا في البداية الى عدم استفزاز القوميين، اكثر من سعيه الى دعم الناخبين الاكراد"، وقال "اتوقع ان يقوم ببعض التنازلات غير الاستراتيجية التي لن ترضي الاكراد لكن لن تثير ايضا رفضا عنيفا من قبل القوميين".

الاقتصاد التركي

من جانب اخر يقول محللون إن القتال في العراق قد يبطئ العملية التدريجية التي تسعى من خلالها تركيا لإعادة التوازن إلى اقتصادها، فارتفاع أسعار النفط قد يرفع التضخم وانهيار سوق رئيسية للتصدير سيفرض ضغوطا على مساعي تركيا لتقليص العجز المتسع في ميزان المعاملات الجارية، وساهم انخفاض الليرة وارتفاع أسعار الفائدة في تهدئة الطلب المحلي ودعم الصادرات في الأشهر الأخيرة، وقلص هذا بدوره عجز المعاملات الجارية الذي يمثل نقطة الضعف الرئيسية في الاقتصاد التركي وساعد في إعادة التوازن للاقتصاد في أعقاب نمو كبير كان الائتمان هو الأساس الذي تحقق من خلاله.

لكن التقدم الخاطف للمقاتلين الاسلاميين في العراق ينذر بتمزيق أوصال ثاني أكبر أسواق التصدير للمنتجات التركية والمورد الرئيسي للنفط لتركيا، فقد ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى منذ تسعة أشهر متجاوزة 115 دولارا للبرميل بفعل المخاوف من أن يؤدي القتال العنيف إلى خفض امدادات النفط من العراق، وتشتري تركيا 90 في المئة من النفط الخام الذي تحتاجه من الخارج ما ساهم في رفع العجز في ميزان المعاملات الجارية إلى 65 مليار دولار عام 2013، ويقدر اقتصاديون أن كل ارتفاع في أسعار النفط بمقدار عشرة دولارات يؤدي لارتفاع التضخم في تركيا بنسبة 0.5 في المئة وزيادة عجز المعاملات الجارية بمقدار أربعة مليارات دولار.

وقال بينواه آن رئيس قسم استراتيجية الأسواق الصاعدة لدى بنك سوسيتيه جنرال في مذكرة لعملائه "من الواضح أن تركيا على الخط الأمامي جغرافيا وكذلك من منظور ميزان المدفوعات"، وقال "في رأيي أصبح سعر النفط مؤشر الخطر الرئيسي للأسواق الصاعدة" مضيفا أن البنك قرر بيع الليرة التركية "للتحوط للمخاطر السياسية المتصاعدة"، وقال وزير المالية التركي محمد شيمشك إنه يتوقع أن تبلغ فاتورة استيراد الطاقة 61 مليار دولار عام 2014 بالمقارنة مع 56 مليار دولار العام الماضي. بحسب رويترز.

وسلم بأن التطورات في العراق قد تؤدي إلى إبطاء ما تحرزه تركيا من تقدم في تضييق فجوة ميزان المعاملات الجارية هذا العام، وانخفض العجز إلى 16.37 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري وأصبح يقل قليلا عن 57 مليار دولار في الاثنى عشر شهرا حتى نهاية ابريل نيسان.

كما يشكل الأثر التضخمي لأسعار النفط المتصاعدة معضلة للبنك المركزي التركي الذي يجتمع لتحديد أسعار الفائدة، وقال محافظ البنك المركزي إرديم باشجي إن البنك قد يخفض أسعار الفائدة قريبا إذا اقتنع أن توقعات التضخم تتحسن بدرجة كبيرة، غير أن الاقتصاديين تشككوا فيما إذا كان هذا هو الوضع الحالي، وبلغ معدل التضخم السنوي 9.66 في المئة في مايو أيار بينما تبلغ توقعات البنك المركزي له في نهاية العام 7.6 في المئة وبالمقارنة مع المستوى المستهدف له في الأجل المتوسط وهو خمسة في المئة، وقال البنك مرارا إنه يتوقع أن يبدأ التضخم في الانخفاض اعتبارا من يونيو حزيران.

وقال وليام جاكسون الاقتصادي لدى كابيتال ايكونوميكس في لندن "التطورات الأخيرة ستزيد من صعوبة خفض التضخم المرتفع وخفض العجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية"، وأضاف "يبدو من الصعب تبرير أي تخفيضات أخرى في أسعار الفائدة. وإذا لم يخفض البنك المركزي الفائدة فإن الليرة قد تصبح عرضة بدرجة أكبر لموجة بيع هائلة"، وتراجعت الليرة بنسبة 3.5 في المئة مؤخرا وكان أداء عملات أسواق صاعدة أخرى أفضل حالا منها وذلك بعد أن بدأ المستثمرون يشعرون بالقلق من تطورات العنف في العراق.

وتوقع جاكسون انخفاض العملة بنهاية العام إلى 2.25 ليرة مقابل الدولار من نحو 2.1 ليرة الآن، ومن المتوقع انخفاض العملة التركية قليلا إلى 2.22 ليرة مقابل الدولار خلال 12 شهرا، وخفض البنك المركزي الفائدة للمرة الأولى منذ عام رغم ارتفاع التضخم بعد نداءات من رئيس الوزراء طيب أردوغان مطالبا بمثل هذه الخطوة بهدف الحفاظ على النمو قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في أغسطس اب ويتوقع أن يرشح نفسه فيها، وأظهر اراء 20 اقتصاديا أنهم يتوقعون اعلان البنك المركزي خفضا بمقدار نصف نقطة مئوية لسعر إعادة الشراء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تموز/2014 - 4/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م