شهر رمضان فرصة مثالية للجميع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: یعیش الانسان حیاته هذه باحثا عن الفرص المثالیة من أجل التفوق.. لكنه للأسف یحصر  هذه الفرص بالمجال المادی في معظم الاحيان، متناسیا أو غیر عابئ بالجانب الأعمق، ونعنی به الجانب الروحی للانسان وهو الجانب الذی یمثل عمق الانسان الحقیقی وثروته التی یتميز من خلالها، حتی لو كانت غیر مرئیة أو غیر ملموسة لأنها تنتمی الی عالم الروحانیات، ولا علاقة لها بالقشور السطحیة لشخصیة الانسان، أو ما يُطلَق علیه بالجانب الشكلی الذی لا یمكن أن نقیس الانسان فی ضوئه.

وذلك لأن العمق والتمثیل الحقیقی لجوهر الانسان، يكمن في الجانب الروحی ولیس الشكلی أو المادی الذی یقطع صلة الوصل مع الروح بصورة نهائیة، لذلك نلاحظ أن الانسان اذا خسر العمق الروحی له، فإنه سیبقی مهزوزا علی الدوام وسوف یعانی من الوهن والضعف فی جمیع المواقف التی یتعرض لها، بسبب افتقاره للعمق الروحی المؤازر للجسد، هكذا اذن یبقی الانسان بحاجة ماسة للفرصة الذهبیة التی تقوده الی قوة الذات الحقیقیة، فيتمكن حينذاك من تجاوز حالات الضعف والاهتزاز التی یعانی منها.

في هذا المسار یقدم لنا سماحة المرجع الدینی الكبیر، آیة الله العظمی، السید صادق الحسینی الشیرازی (دام ظله)، جملة من الحلول والمقترحات التی تساعد الانسان علی اغتنام الفرص الحقیقة للتحول والتخلص من سطوة النزعة المادیة والعیش فی كنف الفضاء الروحانی الجوهری العمیق.

تأتی جملة الحلول تلك فی الكتاب القیّم الموسوم (من عبق المرجعیة)، إذ یؤكد سماحة المرجع الشیرازی علی: (أنّ شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى، اختصّ به دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان، والتغيير نحو الأفضل، والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه).

وهناك أمثلة قاطعة لدینا، تؤكد أن الانسان سوف یكون قویا، لدرجة أنه یستطيع أن يكف تماما عن التفكير بارتكاب المحرمات بصورة مطلقة، ویلزم نفسه فی هذا الامر بإرادة فاعلة وقویة جدا.. لذلك یؤكد سماحة المرجع الشیرازی فی كتابه المذكور نفسه حول هذا الموضوع قائلا سماحته: (إنّ هناك فريقاً من الناس لا يتورّعون عن المعصية ويكفّون عنها وعن المحرّمات فحسب، بل يتورّعون عن التفكير فيها أيضاً، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب، كما تصوم جوارحهم عن التفكير فيها، وهذا صوم خاص الخاص، وهو أعلى مراتب الصوم وأقسامه).

الأجواء الرمضانیة فرصة أزلیة

معظم الفرص (تمر من فوق رؤوسنا كالسحاب) كما یقول سید البلغاء الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام.. لكن فرصة الاجواء الرمضانیة تتجدد فی كل سنة للمسلمین وللناس جمیعا، لكی تفتح لهم نوافذ التصحیح علی مستوی الذات، وتمنحهم فرصا متجددة لمعالجة خلل الروح، ومغادرة مسار الاخطاء القاتلة، ونعنی بها أخطاء التشبث المادی المقیت الذی یعمی بصیرة وبصر الانسان فی وقت واحد، وهو یلهث نحو اكتناز الاموال والذهب حتی لو كان مصدرها السحت، فالانسان اذا كان بعیدا عن الله وعن منظومة القیم والتعالیم التی تحصن نفسه من الزلل، فإنه لا یتورع عن اقتراف أسوأ المعاصی.

وهكذا لابد أن یتنبه الناس الی هذا الجانب الحساس، فلیس الاموال هی عمود الذات إلا إذا كان مصدرها حلال، ومع ذلك ینبغی أن یتحلی الانسان بالورع، ویطور قدراته علی وأد المحرمات وهی فی مهدها، ویمكن أن یتحقق هذا عندما یمتنع الانسان عن ارتكاب الزلل من خلال تركیزه علی الجانب المادی، وإهماله للجانب الروحی.

یقول سماحة المرجع الشیرازی حول هذا الموضوع، فی الكتاب المذكور نفسه: (مهما كان الإنسان بعيداً عن الخير والصلاح والتقوى، يمكنه أن يستفيد من أجواء شهر رمضان المبارك لتغيير نفسه، فإن الله تعالى أودع هذه القدرة في الإنسان، وشهر رمضان فرصة مناسبة جدّاً لهذا الأمر).

ولیس مطلوبا من الانسان أن یتغیر رأسا علی عقب، ولیس مطلوبا منه أن یتغیر فجأة، بل مسموح له أن یتدرج فی عملیة التغییر، لكي یقطف ثمار الفرص الرمضانیة التی تتیح له متسعا كبیرا من التغییر نحو فضاءات الروح الواسعة والممتلئة بالایمان وآفاق النجاح، وهكذا یكون شهر رمضان المبارك هو الفرصة المناسبة تماما لمثل هذا التغییر.

لذا یؤكد سماحة المرجع الشیرازی قائلا فی هذا المجال: (من الممكن أن يغيّر الإنسان نفسه ولو خطوة خطوة، وشهر رمضان مناسبة جدّاً للتغيير).

شهر البناء الذاتي

قد ینخدع الانسان بنفسه، وربما تدركه الظنون المزیفة أو الخاطئة، عندما یصر ویتصور بأنه مزكی، ولا یمكن أن تصل إلیه الخطایا بأنواعها، لكن حتی أهل العلم مطالبون باستثمار شهر رمضان الكریم، وأجوائه لمتابعة أنفسهم، واحتمالیة ارتكابهم للزلل فی هذا المجال او ذاك، لذا فالناس بمختلف مشاربهم وآرائهم وقدراتهم وتوجهاتهم، علیهم أن یدركوا بأن شهر رمضان المبارك فرصة للجمیع فقط عندما يكون الانسان مستعدا نفسيا للتغيير الحقيقي، وهذا الشهر المبارك، فرصة لعامة الناس، مثلما هو فرصة لأهل العلم ايضا، لذلك لا یصح أن یقول احد من الناس انه لا یحتاج التصحیح، لأننا معرضون دائما لصولات الشیطان ومكره الذی لا یتوقف عند حد معین، لكن هذا الامر یحتاج الی إرادة إیمانية حدیدیة، تقلل من خطر فذلكات الشیطان مهما سعى لتغریر النفوس.

من هنا مطلوب من الجمیع أن یتفهموا بأنهم مطالبون باستثمار فرصة رمضان الكريم، لتعمیق الجانب الروحانی فی ذواتهم، وهذا لا یعنی انهم یجب أن یتجاهلوا الجانب المادی بصورة كلیة، بل ینبغی أن تكون هناك سیطرة للانسان علی نفسه وأهوائها، حتی لا تستطیع أن تقوده فی مسالك ومسارات الانحراف!.

لهذا یری سماحة المرجع الشیرازی بأن: (شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقي أيضاً).

من هنا علی الانسان ان یسعی دائما فی طریق التغییر الأفضل، وهذا یستدعی الاستفادة الصحیحة من الفرص المتاحة له، ولا یخفی بأن شهر رمضان المبارك هو فرصة الجمیع بلا استثناء، كي یتغیروا ویحققوا حالة الانتقال من سجون الظلام الی فرادیس النور، لأن فرصة التغییر موجودة یمنحها شهر رمضان المبارك للجميع فی كل عام.

لذا یؤكد سماحة المرجع الشیرازی الكبیر قائلا فی هذا المجال: (على الإنسان أن يحاول في شهر رمضان المبارك، أن يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً، وأنه أصبح أحسن وأفضل من السابق).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تموز/2014 - 4/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م