لماذا يحتاج المعلم الى رؤية فلسفية؟

حاتم حميد محسن

 

يرتبط حقلا التعليم والفلسفة ببعضهما بقوة، حتى انهما يتداخلان في مجالات معينة. كثيراً ما يقال ان الفلسفة والتعليم هما وجهان لعملة واحدة، وقيل ايضا ان "التعليم هو الجانب الديناميكي للفلسفة".

واذا أضفنا اكثر، نقول ان الفلسفة والتعليم هما تابعان لأصل واحد، لايمكن ابدا التفكير في احدهما على انفراد، فوجود اي منهما لا يكتمل دون الآخر.

ان فن التعليم سيبقى ناقصاً بدون الفلسفة وان الفلسفة لا تستطيع توجيه الآخرين نحو اهدافها وقيمها بدون التعليم. العلاقة بين الاثنين تفاعلية ولاجدوى من استخدام احدهما بمعزل عن الآخر.

التعليم هو عملي بطبيعته اما الفلسفة فهي نظرية. ليس من الغريب القول ان النظرية والتطبيق هما متشابهان. ان التربوي الذي يتوجب عليه التعامل مع حقائق الحياة الواقعية، ربما يبدو مختلفاً عن المنظّر الجالس على كرسيه والمنشغل بالتأمل العميق.

لكن الملاحظة الدقيقة لمختلف تفسيرات الفلسفة ستثبت لنا ان الفلسفة والتعليم ليسا الا شيئاً واحداً يُنظر اليه من زوايا مختلفة. الفلسفة هي دراسة الواقع ومتابعة الحكمة.

انها ليست مجرد تنظير وانما هي شيء ما يأتي طبيعيا لكل فرد. الشخص الذي يتعمق في طبيعة وسبب وجود الأشياء ويحاول الوصول الى مبادئ عامة محددة مع رؤية بتطبيقها في حياته اليومية، هو فيلسوف.

الفلسفة هي طريقة حياة. وبمعنى أوسع الفلسفة هي طريقة في النظر الى الحياة والطبيعة والواقع. انها تضع مُثل للفرد لينجزها اثناء حياته.

التعليم هو الجانب الديناميكي للفلسفة. هو المظهر النشط والوسيلة التطبيقية لإدراك مُثل الحياة. التعليم ضرورة مقدسة للحياة، سواء من وجهة النظر البايولوجية او السوسيولوجية.

من الواضح ان التعليم يعمل كعنصر تغيير نحو حياة افضل. فكما ان الوعاء الفخاري يتكون من الطين والمُنتج النهائي يتكون من مواد الخام، كذلك الانسان المتحضر يأتي من الطفل غير الناضج عبر عملية التعليم.

التعليم يجدد ويعيد بناء الهيكل الاجتماعي وفق نموذج من المُثل الفلسفية. الكائن الانساني، الذي يولد وينمو بميول موروثة، هو الذي يقرر تجربته الاساسية، لكن التعليم يفتح امام الانسان الطريق نحو النجاح في الحياة.

التعليم وفقا للتقاليد الهندية ليس مجرد وسيلة لإستلام اجور للعيش، ولا هو فقط حضانة للافكار او مدرسة للمواطنة. وانما هو تلقين لمبادئ الحياة وتدريب لروح الانسان في متابعة الحقيقة وممارسة الفضيلة.

العلاقة الاساسية بين الفلسفة والتعليم يمكن تحليلها كالتالي. الفلسفة هي التي تزود الغرض او الهدف اما التعليم هو الذي يجعل تلك الاهداف عملية.

الفلسفة تبيّن الطريق او الاتجاه اما التعليم يتحرك في ذلك الاتجاه. عندما نعرّف التعليم كتعديل modification او كسلوك، فان الاتجاه الذي يتم به هذا التعديل انما يتقرر بالفلسفة.

ولهذا فان الفلسفة تتعامل مع الغاية اما التعليم يتعامل مع الوسائل. في الحقيقة، نحن نستطيع ملاحظة ان الفلاسفة الكبار في جميع الاوقات هم ايضا كانوا معلمين كبار. حيث نجد ان سقراط وافلاطون كانا ايضا معلمين مشهورين.

المعلم هو ليس معلم بالمعنى الحقيقي ان لم يكن قادراً على اكتشاف العلاقة بين الفلسفة والتعليم. طبقا لثومسون Thomson، كل معلم يجب ان يدرك اهمية الفلسفة في التعليم.

ولهذا فان الفلسفة الجيدة ليست فقط تتخيل نوع المجتمع المطلوب. بل هي تعطي للمعلم احساساً بالمغامرة.

المعلم الحقيقي يجب ان يمتلك المعرفة بالموضوع الذي يدرّسه للتلاميذ وللمجتمع. ويجب ايضا ان يمتلك الحس الاخلاقي الذي يأتي من الفلسفة.

اختيار الطلاب يجب ان يتناغم مع مبادئ واهداف الفلسفة. وكذلك اختيار المنهج يحتاج الى فلاسفة وقادة فكر. ومع تغيير الزمن والظروف، سيتغير المنهج ايضا وهذا التغيير يمكن ان يتم ايضا بواسطة الفلاسفة وحدهم.

لابد من تحقق الشروط الضرورية لكي يُسمح للطفل للذهاب في جو متحرر ولديه غاية نهائية ليصبح فردا سعيدا ومتكيفا بالشكل الصحيح مع المجتمع.

ان عملية التعليم هي طريقة فعالة لعمل الاشياء، ولذا فان منهاج الطفل يجب ان يركز خصيصا على حقائق الحياة.

وبقدر ما يتعلق الامر بالتدريس، يمكن القول ان الطفل يتأثر بالطريقة التي يُدرّس بها ليعطي شكلا محددا لحياته.

فلسفة المعلم تنعكس لدى الطفل عن طريق اسلوب التدريس. لذا فان طريقة الحياة لدى الطفل تتأثر حتما بالفلسفة. وهنا تأتي منفعة الفلسفة.

ان العلاقة بين التعليم والفلسفة ربما تتضح بشكل أبعد كالتالي:

طبقا لـ الفريد ويبر "الفلسفة هي بحث عن رؤية شمولية للطبيعة ومحاولة الوصول لتفسير كوني لطبيعة الاشياء، الفرد الذي يبحث عن سبب وطبيعة الاشياء ويحاول الوصول الى مبادئ عامة وتطبيق هذه المبادئ على السلوك اليومي في الحياة، انما يتصرف كفيلسوف حقيقي. طبقا لجون ديوي، الفلسفة هي "مراجعة نقدية للاشياء المألوفة".

يرى ريمونت Raymont ان "الفلسفة هي جهد لا متناهي في اكتشاف الحقيقة العامة الكامنة خلف وقائع معينة، وايضا لإدراك ما يقع خلف المظاهر.

ما هي الحياة؟ ما هو أصل الانسان؟ ما مصير الانسان وهدفه؟ هذه بعض اسئلة التحقيق الفلسفي. مختلف الفلاسفة يحاولون الاجابة على هذه الاسئلة طبقا لتفكيرهم وتصوراتهم الناضجة. هذه الاجابات المختلفة تقود الى فلسفات مختلفة.

الفروع الرئيسية للفلسفة هي أ – الميتافيزيقا او النقاش حول طبيعة الحقيقة النهائية والكون، ب – ابستيمولوجي او نظرية المعرفة، ج – الاخلاق، او نظرية الاخلاق، د – الجماليات ونقاش الجمال، ه - المنطق او دراسة الطريقة المثالية للتفكير والتعليل. ان الفلسفة تؤثر حتى بالحياة اليومية لكل فرد.

ان التربوي لا يعتنق فقط معتقدات ومُثل معينة في الحياة، هو ايضا يحاول إقناع تلاميذه لقبول افكاره وطريقته في الحياة. الفرد المؤمن بعقيدة هامة معينة، يسعى للتأثير في الآخرين من خلال نقل عقيدته لهم عبر عملية التعليم. ولهذا فان التعليم وسيلة لقيادة الاخرين عبر تعديل وتغيير السلوك الفطري للطفل.

التعليم هو مختبر فيه تُختبر وتتماسك التأملات والنظريات الفلسفية. وهو، لهذا السبب، يمكن تسميته بـ الفلسفة التطبيقية applied philosophy.

الفلسفة هي الحكمة، اما التعليم يتولى نقل هذه الحكمة من جيل الى اخر.

الفلسفة هي، في الواقع، نظرية التعليم. وبكلمة اخرى، التعليم هو الجانب المتحرك من الفلسفة، او هو تطبيق المبادئ الاساسية للفلسفة.

الفلسفة تصوغ الطريقة، اما التعليم هو عملياتها. الفلسفة تعطي المُثل والقيم والمبادئ.

الفيلسوف يحاول ان يعيش طبقا لتلك الاهداف والقيم ويريد ايضا من الاخرين ان يتحولوا الى عقيدته وان يعيشوا طبقا لها. هو يستطيع تحقيق هذا عبر التعليم الذي هو أفضل الوسائل لنشر الفلسفة.

الدارونية الجديدة اعطت دفعا لأهمية مبادئ الصراع من اجل الوجود، وللمنافسة الذابحة والعمليات التدريجية للتكيف مع هدفية الحياة، وللفكر وايمان الانسان بالعقل.

التأكيد على المعرفة حظي بقبول عالمي. ولكن في القرن العشرين، وما شهده من حربين عالميتين وما اعقبهما من تدمير واسع ناتج عن تطبيق العلوم، كان ذلك دافعاً للتقليل من مجرد الايمان بالعقل.

الانسانية والخيرية، الايمان بالمبادئ العليا وقيم الحياة، تنمية الشخصية والتكامل العاطفي كل ذلك اكتسب زخما كبيراً.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تموز/2014 - 4/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م