العنف في باكستان... بين فشل السياسات الحكومية وتنمر التنظيمات الإرهابية

 

شبكة النبأ: طالما كانت باكستان مسرحا للهجمات المسلحة التي تشنها تنظيمات إسلامية متطرفة مستهدفة القوات الأمنية او المؤسسات الحكومية او المكونات والطوائف والأقليات داخل باكستان، وقد ذهب الالاف من الضحايا بين المدنيين نتيجة لهجمات تنظيم القاعدة وحركة طالبان وشبكة حقاني وغيرها من التنظيمات، فيما حاولت الحكومة القضاء على حركات التمرد التي يقودها مسلحين ورجال دين بارزين، من خلال استخدام القوة المسلحة والعمليات العسكرية واسعة النطاق، من دون ان تكون هناك ثمار حقيقية لهذه العمليات، لأسباب عديدة بعضها يتعلق بطبيعة التضاريس والولاءات والنظام القبلي وغيرها، والتي صعبت من الدور الحكومي في انهاء تمرد الحركات الإسلامية المتطرفة.

كما لجئت الحكومات المتعاقبة على باكستان الى اجراء حوارات مع هذه الحركات النشطة من اجل التوصل الى حل يؤمن السلام في باكستان، الا ان جميع الحوارات انتهت بالفشل او بإلقاء الفشل على الطرف الاخر في حل الخلافات العالقة.

وكانت نتيجة العمليات المسلحة التي وقعت بين الطرفين في مختلف انحاء باكستان، نزوح وتهجير الالاف من المدنيين بحسب الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الأخرى العاملة في باكستان، والتي وصفت الموقف بانة بالغ الصعوبة، وان الالاف يعيشون أوضاع إنسانية مأساوية، كما عزز التهجير القسري (من قبل الطرفين الحكومي والمسلحين) انتشار الامراض والاوبئة بشكل كبير بين المواطنين، الامر الذي يعد ظاهرة خطيرة قد تهدد حياة الملايين.

ويعد عودة انتشار اعمال العنف في باكستان، كما يرها محللون، دليل على فشل السياسيات الحكومية في احتواء الخلافات، إضافة الى الصراع الدائم بين الجيش (الذي يوصف بانة المتحكم في العملية السياسية وانه هو من يخطط لعمليات الانقلاب وغيرها داخل الحكومة) وبين المؤسسة الحكومية التي غالبا ما تتسم بالضعف وعدم الجدية في تسيير أمور البلاد.  

السعي للإطاحة بالحكومة

في سياق متصل نفى رجل دين باكستاني بارز تعهد بالإطاحة بالحكومة تكهنات واسعة النطاق بأنه يحظى بدعم الجيش، وكان رجل الدين طاهر القادري قد سافر من مقر إقامته في كندا إلى باكستان ودعا إلى ثورة في أعقاب شهور من التوتر بين الحكومة المدنية والجيش، وبدأ الجيش الباكستاني هجوما على مقاتلي حركة طالبان بعد فشل محادثات سلام تدعمها الحكومة وهجوم الحركة على أكثر مطارات باكستان ازدحاما، وأثار وصول القادري لباكستان التوقعات في بلد شهد الكثير من الانقلابات وتنتشر فيه نظريات المؤامرة، وتكهن الكثيرون بأنه يحظى بدعم الجيش. بحسب رويترز.

وينفي القادري الذي تحول من رجل دين إلى ناشط سياسي بشدة هذا الزعم، وقال القادري "سأحارب الجيش الباكستاني إذا حاول السيطرة" لكنه لم يقدم تفاصيل عن كيفية القيام بهذا، وأضاف من منزله المحاط بحراسة مشددة "أنا ضد الحكم العسكري، هدفي هو الديمقراطية الحقيقية"، واشتبك أنصار القادري مع شرطة مكافحة الشغب أمام المطار الرئيسي بالعاصمة إسلام اباد مما أدى إلى تحويل وجهة طائرته، ورفض القادري مغادرة طائرته بعد هبوطها لعدة ساعات.

وقال القادري إنه كان يخشى على سلامته الشخصية بعد مقتل تسعة أشخاص في مواجهة بين أنصاره والشرطة، وجدد رجل الدين البارز دعوات أطلقها لقيام ثورة سلمية في باكستان لكنه تحفظ في الحديث عن الاستراتيجيات والتوقيت والأهداف النهائية لها، وقال "سأحقق هدفي من خلال كفاح الحشود، سيخرجون في الطرقات وسيجبرون الحكام على الاستقالة".

وهبطت طائرته في مدينة لاهور الباكستانية بعد تحويل مسارها من العاصمة الباكستانية التي شهدت اشتباكات بين انصاره والشرطة، وحلقت الطائرة التي تقل القادري فوق مطار بينظير بوتو الدولي لمدة ساعة ونصف الساعة قبل تحويل مسارها لمطار لاهور في الشرق.

وقال القادري من على متن الطائرة "لا نريد فسادا ولا نريد ارهابا في بلدنا، نريد شفافية كاملة في المؤسسات"، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واشتبكت مع نحو ألفين من أنصار القادري تجمعوا خارج المطار الدولي للترحيب به في مشاهد فوضوية نادرا ما تشهدها العاصمة الباكستانية، وأثارت شهرة القادري المفاجئة تكهنات بأن الجيش الذي حكم باكستان لعقود قد يستخدمه كأداة في اطار جهوده لتهميش الحكومة المدنية، وتأتي عودته في وقت صعب لرئيس الوزراء نواز شريف الذي اخفقت حكومته المدنية في الدخول في محادثات سلام مع متشددي طالبان مما دفع الجيش لشن هجوم شامل ضد المتشددين.

وحتى بعد هبوط الطائرة في لاهور رفض القادري وانصاره مغادرة الطائرة وطالبوا إما بعودتها إلى اسلام اباد أو ان يوفد الجيش مندوبا لحمايته، وقال شاهد المرسلين المتحدث باسم رجل الدين إن القادري يريد اشعال انتفاضة على غرار انتفاضات الربيع العربي تأتي بحكومة تنفذ اصلاحات وتكافح الارهاب وتعزز المحاسبة، وأضاف "يريد ان يطلق ثورة ديمقراطية سلمية، يسعى للإطاحة بالنظام كله"، وخارج مطار لاهور نظم نحو 700 من انصار القادري مظاهرة سليمة وهتفوا "يعيش القادري".

ويصعب تقدير حجم شعبية القادري في بلد تندر فيه استطلاعات الرأي التي يعول عليها ولكن قربه من الجيش قد يدفع به الى قلب حركة الاحتجاج، وتتفاقم حالة الاستياء من الحكومة بسبب انقطاع الكهرباء الذي يعيق الاقتصاد فضلا عن تمرد طالبان التي تشن هجمات في انحاء البلاد، وفي مؤشر على قلق الحكومة طوقت الشرطة الطرق الرئيسية المؤدية للمطار الدولي بحاويات بضائع ومنعت خدمات الهاتف المحمول لمنع الاتصالات بين المحتجين، وقتل ثمانية أشخاص على الأقل من بينهم رجل شرطة في لاهور في اشتباكات بين المحتجين والشرطة بسبب القادري، وهتف أنصاره "يعيش الجيش" و"الثورة آتية" وتجمعوا خارج المطار في مدينة روالبندي قرب إسلام أباد، وقال شاب في العشرينات من عمره "نود فقط ان نرحب بزعيمنا سلميا ولكن أمطرونا بالغاز المسيل للدموع.

جماعة إرهابية بواجهة خيرية

من جانبها اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية جماعة باكستانية تزعم أنها جماعة خيرية "منظمة إرهابية أجنبية" وهو تصنيف يؤدي إلى تجميد أي أصول مملوكة للجماعة قد تكون تحت سلطة الولايات المتحدة، وتصف جماعة الدعوة نفسها بأنها جماعة خيرية تعمل في مجال المساعدات الإنسانية لكن ينظر إليها على نطاق واسع كواجهة لجماعة عسكر طيبة -وهي جماعة مقرها باكستان متهمة بتدبير هجمات في الهند من بينها هجوم مومباي في عام 2008 الذي أودى بحياة 166 شخصا.

ويأتي تصنيف جماعة الدعوة كمنظمة إرهابية بينما يجري سحب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان والتنافس فيما بين باكستان والهند على النفوذ في كابول، ويخشى البعض أن يتحول التنافس إلى صراع مفتوح بين الخصمين الإقليميين النوويين اللذين شهدا ثلاثة حروب بينهما منذ استقلالهما، واستخدمت باكستان تاريخيا جماعات متشددة مثل عسكر طيبة لشن هجمات سرية على الأراضي الهندية وهو أمر وعدت الحكومة الباكستانية الحالية بعدم حدوثه مرة أخرى، وسيمنع إدراج جماعة الدعوة في قائمة المنظمات الإرهابية على الكيانات أو المواطنين الأمريكيين من التعامل مع المنظمة لكن يكون لتلك الخطوة تأثير كبير على عمليات الجماعة أو جمع التبرعات. بحسب رويترز.

وقالت الأمم المتحدة في عام 2008 إن جماعة الدعوة واجهة لجماعة عسكر طيبة وتعهدت السلطات الباكستانية باتخاذ إجراءات صارمة ضد جماعة الدعوة، لكن الجماعة استمرت في العمل علانية في باكستان، وتقول إنها تعمل في الوقت الحالي في منطقة وزيرستان الشمالية الحدودية النائية لمساعدة السكان النازحين بسبب العمليات العسكرية، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان "أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية جماعة عسكر طيبة منظمة إرهابية أجنبية في ديسمبر 2001، ومنذ ذلك التصنيف الأصلي غيرت جماعة عسكر طيبة اسمها مرارا في محاولة للإفلات من العقوبات"، وأضافت "تحديدا أنشأت عسكر طيبة جماعة الدعوة كواجهة زاعمه أن الجماعة منظمة للدعوة للإسلام والسياسة والعمل الاجتماعي"، ورفض المتحدث باسم جماعة الدعوة يحيى مجاهد هذه الاتهامات.

وقال "نحن منظمة للرعاية تعمل من أجل الشعب الباكستاني ولا شأن لنا بعسكر ولا بالإرهاب"، ومضى يقول "برأت المحكمة العليا في لاهور والمحكمة العليا في باكستان ساحتنا ومن ثم لا يعنينا القرار الأمريكي"، وكان مجاهد يشير إلى محاولات الحكومة الباكستانية محاكمة عدد من قيادات جماعة الدعوة وحظر المنظمة بعد هجمات مومباي في عام 2008، ورفضت المحاكم الباكستانية تلك المحاولات.

نزوح الآلاف وانتشار الامراض

فيما أبلغ الجيش الباكستاني أهالي وزيرستان الشمالية لمغادرة المنطقة الجبلية النائية قبيل هجوم بري شامل متوقع على نطاق واسع يشنه الجيش على متشددين إسلاميين، وفر 430 ألف شخص على الأقل من المنطقة إلى المناطق المجاورة في باكستان وأفغانستان المجاورة في أكبر نزوح للاجئين في باكستان منذ أعوام، وأرسل الجيش طائراته المقاتلة لإخراج متشددي طالبان في بداية عملية شاملة بعد هجوم جريء على مطار كراتشي وهو أكبر مطار في باكستان، لكن الهجوم البري لم يبدأ بعد.

وقال مسؤول عسكري من ميرانشاه عاصمة وزيرستان الشمالية" يغادر فيه الناس المنطقة القبلية، حظر التجول سيفرض وستجرى الاستعدادات للهجوم البري"، وقال كثير ممن تخلفوا عن الخروج (وأعدادهم غير معروفة) إنهم لا يملكون القدرة على دفع تكاليف السيارات التي تأخذهم لأماكن أكثر أمنا مثل بانو الواقعة على أطراف المنطقة حيث استقر المقام بكثير من اللاجئين، وقال ذاكر الله خان بعدما وصل إلى بانو "من يملكون القدرة المالية غادروا المنطقة القبلية ولكن البعض ما زال هناك وقد يموت في القتال لأنهم لا يملكون وسيلة للخروج من وزيرستان".

وأضاف أن الأموال التي يتقاضاها السائقون ارتفعت إلى مستوى يفوق قدرة من يريدون المغادرة، واشتكى سكان آخرون من أن الحكومة لا تقدم ما يكفي لتساعدهم، ولجأ الكثيرون للإقامة مع أقاربهم عوضا عن الإقامة في معسكرات أقامتها الحكومة، ويتحصن بعض من أكثر المتشددين المرتبطين بالقاعدة مهابة في جبال وزيرستان الشمالية مستخدمين المنطقة للانطلاق في هجمات داخل باكستان ولشن هجمات في مواجهة قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان المجاورة، وتمارس الولايات المتحدة منذ أعوام ضغوطا على باكستان كي تبذل مزيدا من الجهد للقضاء على هذه المعاقل. بحسب رويترز.

ولكن حكومة رئيس الوزراء نواز شريف أصرت بدلا من ذلك على محاولة إشراك المتشددين في مفاوضات سلام، وانهارت مبادرة السلام التي تقدم بها شريف بعد هجوم مطار كراتشي الذي شكل نقطة فاصلة أقنعت الحكومة بالتخلي عن محادثات السلام والإعلان عن عمل عسكري.

بدورها قالت وكالات تابعة للأمم المتحدة إن نحو 50 ألف باكستاني عبروا إلى شرق أفغانستان هربا من ضربات جوية على مدى العشرة أيام الماضية وإن 435 ألفا نزحوا داخل باكستان وهو ما قد يساعد في انتشار مرض شلل الأطفال مع عدم تلقي الكثير من الأطفال التطعيم اللازم، وأعطى الجيش الباكستاني سكان اقليم وزيرستان الشمالية مهلة انتهت لمغادرة المنطقة الجبلية النائية قبل هجوم بري شامل من المتوقع ان يشنه على متشددين إسلاميين، وتقول منظمة الصحة العالمية إن القيادة الدينية المحلية في وزيرستان الشمالية حظرت التطعيم ضد شلل الأطفال في العامين الماضيين مطالبة بوقف غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار.

وقال دان مكنورتون من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في افادة صحفية إن عدد الباكستانيين الذين هربوا إلى أفغانستان منذ بدء العمليات العسكرية في 15 يونيو حزيران قفز من سبعة الاف إلى ما يقدر بنحو 50 ألفا، ومعظمهم في اقليمي خوست وبكتيكا، وقال مكنورتون "كان هناك وقف مؤقت للعمليات العسكرية والضربات الجوية، لذلك شهدنا زيادة سريعة في الارقام بشكل مؤخرا"، وأضاف أن معظم المشردين داخل باكستان والبالغ عددهم 435 ألفا نزحوا الي مناطق بانو ولاكي مروت وديره اسماعيل خان وتانك في اقليم خيبر بختون خوا لكن البعض وصل إلى البنجاب وبلوخستان.

وقالت سونا باري المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن حظر التطعيم في وزيرستان الشمالية أدى إلى "بؤرة ضخمة لشلل الأطفال" اذ يوجد بها 53 من 82 حالة سجلت في البلاد منذ بداية العام، وفي العام الماضي سجلت 93 حالة اصابة بشلل الأطفال في باكستان وهو مرض يصيب الجهاز العصبي ويمكن ان يتسبب في غضون ساعات في شلل لا يمكن الشفاء منه، ولا يوجد علاج ناجع للمرض لكن يمكن الوقاية منه عن طريق التطعيم، والاطفال هم الاكثر عرضة للإصابة بالمرض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تموز/2014 - 2/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م