شبكة النبأ: لا شيء يبدو كما هو عليه،
الا اذا صدقته البي بي سي. ومنحته جواز المرور الى الحقيقة. لكن اي
حقيقة؟.
للعراق مع الاعلام العربي، او الاعلام الغربي الناطق بالعربية، قصص
متعددة وكثيرة، تتنم عن عدم فهم ما يجري فيه، او تعمد عدم الفهم، او
معرفة الحقيقة التي لا تعجب وبالتالي تحريفها، او التلاعب بها.
وكثيرة هي السقطات التي حدثت مع قنوات فضائية بحجم العربية السعودية
والجزيرة القطرية، في ليبيا او مصر او سوريا، وكشفت الكثير من الاقنعة
المزيفة التي كان يرتديها القائمون على تلك القنوات، التي تستعير
احيانا صورا من مواقع جغرافية معينة، وتحيل وقائعها الى بلد الخبر
العاجل، ومثلها فعلت البي بي سي في بعض الاحيان، الا ان انكشاف الكذب
والتزييف لا يمر عند القناة البريطانية مرور الكرام، فتقدم اعتذارها
وتقيل مراسلها.
وهي في هذا تحاول الايحاء بانها تحافظ على مصداقيتها الاعلامية، لكن
ماذا عما لا يكتشف او لا يثير ضجة في تزييفه وتحريف وقائعه؟، لا شيء
غير الصمت.
منذ تفجر الاحداث الاخيرة في العراق، وقف العالم على قدميه، واعلنت
الكثير من الدول صراحة ان داعش في العراق، وانها بصدد الانقضاض على
حدود سايكس بيكو القديمة، وترسيم حدود جديدة، ربما تحمل اسم (جولاني –
بغدادي)، لكن دولا أخرى، وفي امتداد لمواقف سابقة، تتساءل عن هؤلاء
الدواعش وهل هم حقيقة ام محض خيال صنعه النظام السوري او النظام
العراقي، والشيعي تحديدا؟، وآثرت الكثير من وسائل الاعلام المرتبطة
بتلك الدول تمويلا وتوجيها، انكار الحقائق على الارض، وكانت اذا حشرت
في زاوية ضيقة من قبل اشرطة الفيديو او البيانات التي تصدرها داعش،
اثرت الالتفاف على الحقائق، وجعلت من هؤلاء الإرهابيين قلة لا ترى
بالعين المجردة، او اعين الطائرات الصقر، واسبغت على ما يجري تسميات
ملطفة من قبيل ثوار العشائر او المنتفضين.
هذا الخطاب بتهافته انتقل الى البي بي سي منذ الساعات الاولى
للاحداث، واستعارت من تلك الوسائل الاعلامية العربية المحسوبة على دول
معينة، ولتتخلى عن مهنيتها ومصداقيتها.. في الأيام الأولى للأحداث، دار
الحديث عن 1700 عسكري تم اسرهم من قاعدة سبايكر في تكريت، ونشرت داعش
صورا لهم، ثم بعدها صورا لاعدامات جماعية بحق هؤلاء الاسرى، وقد اكدت
منظمة هيومن رايتس ووتش، تلك المجازر ونزلت بها الى الرقم 96 بصورة
مؤكدة من خلال صور لاقمار صناعية وطائرات بدون طيار، وحددت مواقع
الجريمة.
البي بي سي، تعيد الى الاذهان الصور التي نشرتها داعش حول تلك
المذبحة، وتطرح سؤالا حول مصداقيتها، وعبر تقرير صحفي تحت عنوان (ما هي
حقيقة صور المذبحة العراقية؟).
والتي حسب رأي موقع القناة الا لكتروني، احدثت حالة من الغضب
والانزعاج الشديدين حول العالم. الا أن البعض شكك في مصداقية تلك
الصور. ولا تعرفنا القناة بهذا البعض المشكك بهذه الصور.
ماهي حجج هذا البعض والتي يسوقها للتشكيك فيها؟
لم تكن أيدي الأسرى مقيدة، لكنهم كانوا محاطين بالمسلحين.
لم يتم ظهور صور فيديو لتلك المذبحة.
الفيديو يصعب تزييفه بكثير عن الصور وتأثيره أيضا اعظم.
لم نسمع أي تعليقات من أسر هؤلاء الذين يقال إنهم قتلوا.
لم تؤكد من مصدر مستقل.
الغريب في هذا الحادث هو حجمه الضخم حيث تظهر الصور أكثر من 50 شخصا
أثناء قتلهم.
تحاول البي بي سي المحاججة بهذه التشكيكات، وهي تنسى مثلا ان الكثير
من صور الاسرى في حروب ونزاعات اخرى لاتكون ايديهم مقيدة، لسبب بسيط
وهو اطمئنان الاسرين لعدم هروب هؤلاء الاسرى، لان الجميع يحيط بهم، مع
امل في فرصة اخيرة للبقاء على قيد الحياة.
في ايام الحرب العراقية الايرانية، وكنت اخدم في سلاح مقاومة
الطائرات في مدينة دوكان الكردية، تعرفت الى احد الاكراد والذي كان
ينتمي الى قوات البيشمركة الكردية، ثم انتمى الى جحافل الفرسان
المتعاونين مع النظام السابق، كان يريني الكثير من الصور التي تؤرشف
لحياته ايام البيشمركة، حيث كانوا يقومون باسر جنود عراقيين اثناء
نزولهم في اجازاتهم الدورية ويختطفوهم من الطرق بعد ايقاف السيارات
المدنية التي تقلهم، وكانت الكثير من الصور تثير التساؤلات لدي، لماذا
هؤلاء الجنود غير مقيدي الايدي الا تخشون من هروبهم؟، كان يجيبني محمود
وهو اسم هذا المقاتل المتحول من ضفة الى اخرى: وين يروحون؟، اي الى اين
يذهبون؟، فالبيشمركة من امامهم والجبل من خلفهم.
ويتحجج المتشككون على صدقية الصور بعدم ظهور فيديو لتلك المذبحة،
وكأن صور الفيديو لا يمكن التلاعب بها عبر المونتاج، والاضافات او
التقطيع، وحتى اختيار الزوايا في التصوير، وايضا امكانية دمج صور سابقة
على الصور الاصلية والتلاعب في المزيج، لخلق صورة جديدة كما يريدها
صانع الحدث.
وهي حقيقة تناولها كتاب ''الأخبار والثورة المتلفزة'' حول تغطية
الاعلام الغربي للربيع العربي، منذ بداياته، ومراحله الاولى وخاصة في
سوريا، وتصل فيه المؤلفتان الفنانة (مونيكا هوبَر) والصحافية (سوزانه
فيشر) الى نتيجة مفادها، (المشاهدون وصُناع الخبر بدؤوا يميلون بشكل
أكثر إلى عدم تصديق الصور الآتية من مناطق الصراع، خاصة وأن المشاهدين
الآن باتوا على علم بأن هذه الصور تُستَغل في صناعة القرار السياسي).
ونقطة اخرى يسجلها المشككون بهذه الصور، وهي عدم سماع تعليقات اسر
هؤلاء القتلى، وكأن كل قتيل في العراق منذ العام 2003 وحتى الان قد
سمعنا تعليقا لاسرته، او وهي تندبه او تصرخ عليه، وهل سمعنا تعليقا
لجميع اسر من قتلهم صدام حسين في مقابره الجماعية التي لم يوثقها عبر
صور الفيديو، لكن الاجساد المتحللة تقوم دليلا على الجريمة الحاصلة.
وهي تجادل (ولكن ربما تكون أسرهم غير قادرة على الكلام خوفا مما قد
يحدث لهم). ولا يحدد التقرير ممن تخاف تلك الاسر، هل تخاف من الحكومة
والقتلى هؤلاء هم من الشيعة كما تشرح الكلمات المرافقة للصور، ام تخاف
من داعش، وهي ليست في مدنهم.
في ختام تقريرها تختم البي بي سي بكلمة (واذا) وهي كما يعرف اللغوين
اداة شرط غير جازمة، وتترك الجملة مابعدها منفتحة على أكثر من افتراض. |