ان قبول السيد المالكي اليوم الانسحاب من سباق الترشح لرئاسة مجلس
الوزراء سيفتح الباب على مصراعيه لتحقيق مبدأ تداول السلطة في إطار
(التحالف الوطني) كونه الكتلة النيابية الاكثر عددا، كما انه سيجنب
العراق الكثير من المخاطر المحدقة به، خاصة في ظل الانفلات الأمني
المهول الذي تشهده مناطق واسعة من العراق.
انه قرار صائب يأتي في ظرف عصيب يمر على العراق بعد ان تكالبت عليه
قوى الشر من كل ناحية، خاصة نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة
العربية وقطر، متواطئة معها جماعات العنف والإرهاب المتحالفة مع ايتام
النظام البائد والطاغية الذليل صدام حسين.
ان تنازله عن فكرة التجديد له لولاية ثالثة، هو مطلب وطني قبل ان
يكون إقليميا او دوليا، او بسبب ضغط الجماعات الإرهابية التي تمكنت في
الآونة الاخيرة من احراز بعض التقدم في عدد من مناطق العراق، كما يحاول
البعض الإيهام بذلك، لتضليل الرأي العام، ابدا، بل انه مطلب وطني بحت
يعود تاريخه الى ما قبل اكثر من ثلاث سنوات، ولقد أكدت عليه كل القوى
الوطنية العراقية وعلى رأسها وفي مقدمتها المرجعية الدينية العليا التي
اعتبرت ان التغيير يساهم في إصلاح الامور بالاستفادة من اخطاء الماضي،
ويحمي العراق من مخاطر جمة على رأسها الحرب الأهلية والتقسيم والنعرات
الطائفية وتوالي الأزمات، من دون ان يعني ذلك بانه السبب الوحيد لكل
المشاكل التي مر ويمر بها العراق خاصة خلال الدورة الثانية من رئاسته
لمجلس الوزراء، الا اننا جميعا متفقون على ان التغيير سنّة الحياة التي
لولاها لما شهدنا اي تبدل في الأحوال نحو الأحسن، ولعل في تجارب الدول
المتحضرة خير دليل على ذلك.
انه قرار ينسجم مع توجهاته قبل اكثر من سنتين، عندما تحدث عن ضرورة
تحديد عدد دورات رئاسة مجلس الوزراء بدورتين فقط، ليصدر، فيما بعد،
تشريع مجلس النواب ليؤكد هذا التوجه الوطني، دستوريا وقانونيا.
وهو قرار لا يتعارض لا مع الدستور ولا مع مبادئ الديمقراطية، عندما
فسّرت المحكمة الاتحادية نص المادة (٧٦) من الدستور كون (الكتلة
النيابية الاكثر عددا) هي التي تتشكل تحت قبة البرلمان وليست تلك التي
يفرزها صندوق الاقتراع.
ان المطلوب الان من الكتلة النيابية الأكبر (التحالف الوطني) ان
تتفق، وبأسرع وقت ممكن، على مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء لتغلق الطريق
امام المتربصين بالعراق الدوائر، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي
ربطت بين المسارين السياسي والأمني عندما اشترطت تحقيق التوافق الوطني
في تشكيل مؤسسات الدولة، الرئاسات الثلاث، قبل البدء بتقديم المساعدات
الجدية للقوات العراقية في عملية التصدي للإرهاب.
أنهما مساران متلازمان بلا شك، خاصة ونحن امام استحقاقات وتوقيتات
دستورية بناء على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، ولكن:
لا ينبغي لنا المراهنة على مسار واحد فقط، كما لا ينبغي الانتظار
طويلا لحين تزامن المسارين، فذلك يشكل خطرا كبيرا على العراق والعملية
السياسية والديمقراطية بشكل عام.
ان الوقت ليس لصالح العراق ابدا، فالارهاب ومن يدعمه يضغطون لتخريب
العملية السياسية برمتها والعودة بالعراق الى سابق عهده تحكمه الأقلية
في إطار سياسات التمييز الطائفي والاثني، لتعود المقابر الجماعية
والحروب العبثية والانفال تلف العراق وشعبه من جديد.
ليكن هذا الظرف القاسي الذي يمر بالعراق درسا للجميع يتعلمون منه
ما يُصلح حال البلاد والعباد بعيدا عن سياسة صناعة الأزمات.
[email protected]
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |