الفتوى والفتنة..

حذاري من حرب طائفية مدمرة

علي ال غراش

 

من حق أي إنسان أن يدافع عن نفسه وعن عرضه ووطنه، مبدأ الدفاع عن النفس حق محترم في كل الشرائع والقوانين، وهو نابع من الصيانة والمحافظة على الروح لأنها الأغلى، الأرواح البشرية غالية والأديان السماوية ومنها الاسلام جاءت لصون وحماية النفس والأعراض من الاعتداء، والأعمار للأرض.

ولهذا على أي إنسان حر شريف أن يكون مع حماية الأرواح والسلام والامان والعدل والحرية والتعددية، وضد كل من يعتدي على الأرواح والأعراض والقتل والاعتداء على الممتلكات، والترهيب والتدمير والفوضى، وكذلك ضد الفساد والإستغلال من أي جهة كانت.

في البداية ينبغي تسمية الأشياء بأسمائها، وان ما يحدث في العراق حاليا إرهاب أعمى وأحمق وجريمة ضد الإنسانية وأمر خطير على العراق وشعبه من كافة الأديان والمذاهب والقوميات وكذلك على دول الجوار، حيث إن نار داعش الإرهابية المشتعلة لا تفرق بين أحد فهي جاهزة لحرق الجميع!.

صدور فتوى بالجهاد والتعبئة العسكرية من قبل المرجعية الدينية للدفاع وحماية الأرواح والبلاد عبر الالتحاق بالمؤسسة العسكرية الحكومية فقط، يعبر عن حالة الشعور بالخطر الشديد مما يحدث في الساحة على كافة الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وحتما تختلف القراءات حول هذه الفتوى في ظل الظروف والمخاطر والتحديات والتشنج الطائفي، فالبعض يرى أنها صحيحة وقد تأخرت كثيرا حيث إن التفجيرات والعمليات الإنتحارية تستهدف المواطنين وبالخصوص في المناطق الشيعية بشكل يومي طوال السنوات العشر الماضية، والبعض يرى أنها ستساهم في زيادة الإحتقان الطائفي.

صوت العقل وحماية الأرواح

محبو الإنسانية والعدالة والحرية والامن والسلام والتعايش السلمي بين الشعوب يأملون أن يغلب صوت العقل والحكمة والمحبة والتسامح والدعوة للخير والعدل وان تسود العدالة الاجتماعية والأحترام والمحافظة على الأرواح والأعمار للأرض، ودعم الدولة والقانون والحرية والمساواة والقضاء على القتلى والمعتدين، على لغة الحرب والشحن الطائفي البغيض والعصبية والكراهية..، فالخطاب العدائي المتشنج خطر على الجميع.

كما على دول الجوار ان لا تتدخل لتصفية حساباتها مع الحكومة العراقية ولتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها على حساب الشعب العراقي ووحدته من خلال استخدام اللغة الطائفية البغيضة في وسائل إعلامها كاعتبار فتوى الدفاع عن النفس وتأييد محاربة الجيش للإرهابيين المجرمين استهداف لفئة ما، فذلك التصرف من تلك الدول أدخال المنطقة في نفق مظلم.. لن تسلم تلك الدول من عواقبه.

تدمير للدين والتاريخ

إن قيام جماعة "داعش الإرهابية " وهي مدججة بالأسلحة والعتاد والاف المقاتلين من دول عديدة وباستخدام القوة المفرطة من السيطرة على بعض المدن العراقية واجبار الناس على تبني فكرهم المتشدد التكفيري، واستهداف المخالفين لها في الآراء والدين والمذهب بالتصفية الجسدية بطريقة وحشية بالذبح بالسكاكين والسواطير وبأطلاق النار وتفجير النساء بوضع الأحزمة الناسفة، وتحطيم المعالم والمواقع التاريخية والتراثية والجمالية، وتدمير الأماكن الدينية الكنائس والمساجد وهم ينادون الله أكبر!.

ولم تسلم القبور والمقامات من التدمير، والقيام بنشر صور وأفلام الفيديو للتباهى بتلك العمليات البشعة، والتهديد – من قبل جماعة "داعش" - بالتوجه إلى بقية المدن لاستهداف أفراد طائفة معينة " كالشيعة " وتدمير مقدساتهم...، تصرفات مجنونة لا يقبلها عاقل يحمل ضميرا محبا للإنسانية!!.

تبرير لفتن أعظم

والأكثر غرابة وجنونا أن يقوم أشخاص وبعض رجال الدين وساسة في بعض الدول بتأييد تلك الجماعات الإرهابية وغض الطرف عن المجازر الدموية والأعمال الوحشية التي تقوم بها تلك الجماعات، وإنما الانشغال بإيجاد المبررات لتلك الجماعات الإرهابية اي محاولة لزرع فتن أكبر وأعظم!.

لا مبرر لقتل الإنسان وإرتكاب المجازر الوحشية وتهديد المختلفين في الدين والمذهب مهما كانت الأسباب، وعلى من يؤيد أي قاتل متوحش لسفك الدماء فليراجع نفسه وفكره، إذ من يدعم هذه الجماعات الارهابية الدموية ستنقلب عليه وستسفك دمه.

الموقف من الجرائم الفظيعة

ما هو موقفك أيها الأنسان من الجماعات القادمة من خارج حدود وطنك، والتي تشوه سمعة الدين الإسلامي، وترتكب الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية ؟.

وماذا تتوقع من ردة فعل المستهدفين في بلادهم ومدنهم وقراهم وهم يشاهدون ما تقوم به تلك الجماعات الارهابية من مجازر في المدن التي سيطروا عليها، هل يجلسون في منازلهم مستسلمون ينتظرون دورهم في الذبح، اما يتحركون للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وبلادهم والأعلان عن التعبئة الوطنية والجهاد والعمل ضمن القوات المسلحة للدولة فقط يد واحدة؟.

ضع نفسك أيها الانسان في هذا الموقف !!.

عجب لمن يتباكى أو يساوي بين القاتل المجرم المتوحش الملطخة يديه بالدماء والضحية، أو يساوي بين من يعتدي على الأخرين ومن يدافع عن نفسه ويتعامل بردة فعل!!.

ما يحدث في العراق هو مسلسل طويل من الجرائم الفظيعة الدموية، يقتل فيها الانسان البسيط من الرجال والنساء والاطفال..، على أيدي مجرمين لا رحمة في قلوبهم.

.. ونريد التأكيد على رفض العنف والقتل فالارواح غالية، ومن حق الانسان أن ينعم بحياة كريمة أمنة مهما كان معتقده وعرقه، وضحايا الجرائم هم اهلنا رجال واطفال ونساء.

لا لقطع الرؤوس نعم للحياة والعدالة

الشعب العراقي من جميع القوميات - مسيحيين ومسلمين وصائبة، سنة وشيعة – وكذلك الشعب العربي مطالب بتغليب الحس الإنساني والروح الوطنية وتوحيد رايتهم ضد الجماعات الإرهابية والفساد والمفسدين، والبعد عن النفس الطائفي البغيض، والعمل على تشييد عراق لكافة العراقيين بحيث الكل ينعم فيه بالعدالة الاجتماعية والحرية.

كما نأمل من العراقيين والمتابعين للشأن العراقي ودول المنطقة الشرفاء عدم نقل وإعادة نشر الصور البشعة للشهداء المقتولين بيد الإرهابيين أو القتلى المجرمين بيد الجيش أو نشر مقاطع القتل البشع والتدمير، وعدم اللجوء إلى نشر الصور المسيئة للشخصيات والرموز ولو كانت لمن تختلف معهم أو اعداءك لأنهم سيستخدمون نفس الأسلوب ولو هم بدأوا بذلك فاذا كان هم أسلوبهم سيئ غير أخلاقي وعنيف ودموي فلا ينبغي إرتكاب نفس الأساليب والأخطاء.

كل إنسان يعمل بأصله وحسب المدرسة التي ينتمي إليها، فالذي ينتمي لمدرسة نبي الرحمة الرسول الأعظم محمد (ص)، ولصوت العدالة الإنسانية الامام علي (ع) ولأخلاق أهل البيت (ع) يعمل بأخلاق سامية، فالأمام علي (ع) سيف ذو الفقار، البطل الشجاع الكرار في المعارك والحروب يحارب المعتدين الذي بدأوا بالقتال، ويتعامل معهم بإداب الحروب وبإنسانية فلا يمنعهم من شرب الماء والتعبير عن الرأي.

إذن من ينتسب لهذه المدرسة الرسالة المحمدية الأصيلة بالايمان الحقيقي عليه ان يتعامل ببطولة وشجاعة وحزم،... وبالرحمة والرأفة وأخلاق وآداب.. فلا يمثل بالقتلى حيث جاء عن الامام علي (ع): "سمعت رسول الله (ص) يقول: (إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور)، وفي ذلك احترام للانسان مهما كان موقفه ولو كان ميتاً.

لا للعنف والقتل ومشاهدة مناظر الموت وقطع الرؤوس والتمثيل بجثث القتلى، نريد الحياة والخير والسعادة لكل البشر.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/حزيران/2014 - 25/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م