بزوغ داعش وأفول القاعدة... تحولات غامضة في إدارة الإرهاب العالمي

 

شبكة النبأ: مع ظهور جيل جديد من الحركات الجهادية المتطرفة، وميلها الشديد الى العنف والقسوة المضاعفة، بات الخبراء يتسألون عن مدى فاعلية وتأثير تنظيم القاعدة الام الى جانب هذه الفصائل والحركات، سيما وان بعضها "كتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام" رفض بصورة علانية الانضمام الى التنظيم او اعلان البيعة لزعيمة الحالي "ايمن الظواهري" الذي جاء خلافاً لزعيمه السابق "أسامة بن لادن" بعد مقتله على يد قوات النخبة الامريكية عام 2011.

ويشير الخبراء والباحثين في مجال الحركات الإسلامية المتطرفة، الى حدوث شرخ كبير في التنظيم الذي ولد هذه الجماعات، وبروز نجم العديد منها، والتي باتت تستقطب المزيد من المقاتلين ومن يبحث عن الجهاد، إضافة الى اعتماد هذه الحركات بشكل متنامي على مصادر تمويل ودعم منفصلة عن تنظيم القاعدة، مما سهل انفصالها وقيامها بالعمل لوحدها زكم دون اخذ الأوامر او المشورة من التنظيم الام.

فيما أشار اخرون الى تطور الخلاف بين الأصل والفرع، خصوصا في سوريا، الى حمل السلاح بين هذه التنظيمات والذي خلف الالاف القتلى من الطرفين، بعد ان توسعت هوه الخلاف في طريقة التعامل مع الوضع السوري من جهة، وترتيب سلسلة القيادات والولاءات من جهة أخرى.

وقد أثر بروز الجيل الجديد، والذي ينهج عملا أكثر عنفا ودموية، الى خلاف كبير مع الجيل القديم، الذي يبدو انه فقد السيطرة على إدارة التنظيمات الجهادية المتطرفة في العالم، إضافة الى فقدان زعيم التنظيم الحالي "للكاريزما" التي كان يمتلكها الزعيم السابق "بن لادن"، والتي سهلت توجيه النقد المباشر للظواهري من قبل "البغدادي" زعيم "الدولة الإسلامية" بمخالفة أوامر وتوجيهات "بن لادن"، على حد قول الأخير.

وقد افاد العديد من المحللين، انه من غير المستبعد ان تنتهي القاعدة كمنظمة جهادية عالمية، لتحل محلها تنظيمات جديدة، سيما وان الترهل الكبير الحاصل بين القاعدة وفصائلها والضربات الموجعة التي تلقها التنظيم بمقتل أبرز قادته، ينبى بان الأيام القادمة ليست أيام القاعدة؟.  

تحولات في صورة القاعدة

في سياق متصل وفي العراق، تهدد جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة بغداد بعد أن سيطرت على مدن وبلدات رئيسية، في باكستان، هاجمت حركة طالبان مطارا رئيسيا مرتين في أسبوع واحد، وفي نيجيريا، تلقى باللائمة على جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة في عملية خطف جماعي، وسلسلة الهجمات التي نفذها متشددون خلال ما هي إلا تذكرة بأن خطر تنظيم القاعدة الذي كان يعمل منفردا يوما أخذ منحى مختلفا منذ مقتل زعيمه أسامة بن لادن إذ انبثقت عنه فصائل إسلامية أصغر يعمل كل منها بشكل مستقل إلى حد كبير حتى أن بعضها يطغى في بعض الحالات على الجماعة الأم.

كل فصيل مختلف وتحركه دوافع سياسية ومذهبية محلية، لكن العنف الذي ازدادت وتيرته مؤخرا يعد مقياسا لمدى مطامح هذه الجماعات والخطر الذي يحتمل أن تشكله على الغرب على المدى الطويل، وبين عامي 2010 و2013 ارتفع عدد الجماعات المنبثقة عن القاعدة والمرتبطة بها بنسبة 58 في المئة وزاد عدد "الجهاديين السلفيين" بأكثر من المثلين وفقا لتقرير أعدته مؤسسة راند للأبحاث، وقال دانييل بنجامين منسق مكافحة الإرهاب السابق بوزارة الخارجية الأمريكية إنه كان "أكثر تفاؤلا بكثير قبل 18 شهرا عنه الآن"، وما من مثال أوضح من سقوط شمال العراق الذي أثار احتمال تفكك البلاد كدولة موحدة.

وسيطر مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام (وهي جماعة سنية منشقة على القاعدة) على مدينة الموصل الشمالية ثم سيطروا على منطقة إلى الجنوب واستولوا على مدينة تكريت وهم يهددون الآن العاصمة بغداد، وذكرت مصادر أمنية إن بلدتي السعيدية وجلولاء سقطتا في أيدي المتشددين المسلحين بالإضافة لعدة قرى حول جبال حمرين والتي طالما كانت مخبأ للمتشددين، ويستغل المتشددون الاستياء البالغ بين الأقلية السنية بالعراق التي فقدت السلطة حين أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003، وظل إقصاء السنة عن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يهيمن عليها الشيعة وعن جيشه الذي دربته الولايات المتحدة يتزايد منذ الانسحاب الأمريكي في 2011. بحسب رويترز.

وساعد هذا على تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام بشكل مذهل، وتسعى الجماعة لإقامة خلافة إسلامية في العراق وسوريا التي أصبحت فيها الجماعة واحدة من أشد القوى المقاتلة في الحرب الأهلية الدائرة هناك، وتبرز الدولة الإسلامية في العراق والشام تعقيد المشهد الجديد الذي يضم العديد من الجماعات المتشددة، وكانت الجماعة قد انشقت هذا العام عن تنظيم القاعدة تماما بعد خلاف بين زعيمها وأيمن الظواهري الذي تزعم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن.

وحتى إن تمكن العراق من الخروج من الأزمة سالما فما من أحد يمكنه التكهن بالفترة التي ستستغرقها استعادة النظام، قال مستشار للمالكي "هذه حرب طويلة جدا ضد الإرهاب، لا نتكلم عن شهور وإنما عن سنين"، واستغرق الوصول إلى النقطة المتدنية الحالية سنوات، فبعد غزو العراق عام 2003 كان السنة المستاؤون من الأوضاع هم مصدر هجمات استهدفت الجيش الأمريكي وحكم الغالبية الشيعية المتنامي، وبدا أن الهجمات هدأت بحلول موعد مغادرة القوات الأمريكية في ديسمبر كانون الأول 2011، لكن شكاوى السنة ظلت قائمة وزادت مع ما اعتبروه حكما طائفيا على رأسه المالكي وإخفاقا في بناء حكومة وجيش يضمان كل الأطياف.

وكان المقاتلون الذين انضموا لاحقا للدولة الإسلامية في العراق والشام (والذين كانوا يسمون جماعتهم آنذاك دولة العراق الإسلامية) يقفون على أهبة الاستعداد عندما بدأت الانتفاضة في سوريا عام 2011 واقتنصوا فرصة الفوضى، وبعد نجاحهم على أرض المعركة غيروا اسم جماعتهم إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام، ومع تقدم الجماعة الخاطف في العراق في الأيام الأخيرة هجر آلاف الجنود العراقيين مواقعهم في الشمال، وفي بغداد، تتزايد المخاوف من حدوث حمام دم طائفي.

وقال بنجامين الذي يعمل الآن في جامعة دارتماوث إن جماعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام وجماعة جبهة النصرة المنافسة في سوريا لا تمثل نفس الخطر المباشر على الولايات المتحدة وحلفائها الذي كان يمثله تنظيم القاعدة تحت قيادة بن لادن، وأضاف "يجب أن نظل مدركين ذلك".

التوترات محتدمة أيضا في باكستان حيث شنت حركة طالبان الباكستانية هجوما جريئا على مطار في كراتشي هو أكبر مطار في البلاد مما أبرز عودة جماعة إسلامية ارتبطت طويلا بالقاعدة، وقتل عشرة متشددين في اشتباكات بالأسلحة النارية أودت بحياة ما لا يقل عن 34 آخرين، وتعهدت طالبان الباكستانية بحملة واسعة ضد الحكومة والمنشآت الأمنية بعد مفاوضات سلام استغرقت شهورا دون أن تكلل بالنجاح، ومن المتوقع أن يكثف الجيش الباكستاني من الضربات الجوية في المناطق القبلية المضطربة.

وجنبت حتى الآن مدن مثل إسلام اباد ولاهور نوعية العنف التي هزت أجزاء أخرى من البلاد، لكن المراقبين لا يتوقعون أن يستمر هذا، وتعمل طالبان الباكستانية عن كثب مع القاعدة التي لها قادة كبار ينشطون في المناطق القبلية، كما تعمل مع طالبان الأفغانية التي تمد رفيقتها الباكستانية بدعم مالي ولوجيستي، ويتبنى رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف منذ فترة انتهاج طريق محادثات السلام مع طالبان لكن الصورة تغيرت بقوة بعد الهجوم على المطار مع ميل الرأي العام مرة أخرى إلى القيام بعملية عسكرية شاملة ضد المتشددين.

ومما يشير إلى تصعيد محتمل قال مسؤولون إن طائرات أمريكية بلا طيار ضربت مخابئ تؤوي مقاتلين لطالبان في باكستان مما أدى إلى مقتل عشرة متشددين على الأقل وذلك ردا على هجوم المطار، وكانت هذه أول هجمات تقوم بها طائرات أمريكية بلا طيار في باكستان منذ ستة أشهر، وصرح مسؤولون بالحكومة الباكستانية بأن إسلام اباد أعطت موافقتها على هذه الضربات لتكون هذه المرة الأولى التي تقر فيها باكستان بتعاون من هذا النوع.

في نيجيريا صعدت جماعة بوكو حرام الإسلامية (وهي جماعة أخرى تستلهم نهج القاعدة) من هجماتها في الأشهر الأخيرة بعد خطف أكثر من 200 تلميذة في أبريل نيسان مما أثار موجة غضب دولية، وقال سكان ووسائل إعلام نيجيرية إنه يشتبه في أن الجماعة وراء خطف ما يصل إلى 30 امرأة من تجمعات بدوية في شمال شرق نيجيريا بالقرب من المكان الذي خطفت فيه التلميذات، وتردد أن المتشددين يطلبون الحصول على أغنام كفدية مقابل إطلاق سراح النساء.

ويرى محللون أن هذه الهجمات الوحشية تستهدف (إلى جانب الرغبة في جذب اهتمام دولي) إحراج الحكومة النيجيرية وإعطاء بوكو حرام قوة تفاوضية أكبر لتحقيق مطلبها بفرض أحكام الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا، وتسببت هجمات تفجيرية في العاصمة أبوجا في فترة الاستعداد للمنتدى الاقتصادي العالمي في مايو أيار في مقتل عشرات وأظهرت عجز قوات الأمن عن منعها، وقبل انتخابات مقررة العام المقبل يبذل الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان جهدا باديا لأن يظهر أن باستطاعة حكومته التعامل مع بوكو حرام إذ أمر بتنفيذ "عملية شاملة" ضد الجماعة وأجاز لقوات الأمن استخدام "أي وسيلة ضرورية وفقا للقانون".

لكن القول دائما أيسر من الفعل، فهناك صعوبات تواجه قوات الأمن في أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، ويقول بعض المحللين إن أساليب بوكو حرام قد تكون شبيهة بأساليب القاعدة لكن الروابط بينهما هزيلة على أفضل تقدير، وقال مارتن روبرتس وهو محلل كبير للشؤون الأفريقية بمؤسسة آي.إتش.إس للأبحاث "ليست لديهم مصلحة خاصة في مهاجمة أهداف غربية، هم يركزون على أهدافهم المتمثلة في تطبيق الشريعة والحصول على قدر من الحكم الذاتي وتقرير المصير في الشمال".

ومن الجماعات التي تضع عينها باستمرار على أهداف أمريكية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومقره اليمن والذي يعتقد أنه وراء محاولة فاشلة وقعت عام 2009 لنسف طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت باستخدام متفجرات مخبأة في ملابس داخلية، وفي رسالة وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الكونجرس كرر تحذيرات إدارته من أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو "أنشط وأخطر فرع للقاعدة اليوم"، غير أن الجماعات المتشددة المنبثقة عن القاعدة تتطور بسرعة قد لا تجعل هذه المقولة صحيحة وبخاصة مع توسع الدولة الإسلامية في العراق والشام السريع ومع العمليات ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باليمن.

نجم الارهاب الصاعد

فيما أصبح زعيم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الذي حقق مقاتلوه مكاسب عسكرية سريعة في العراق النجم الصاعد في عالم الجهاد ويقول مقاتلون اسلاميون إنه مدفوع بعزم لا يلين على مواصلة القتال وإقامة دولة اسلامية تطبق الشريعة بحذافيرها، ويسيطر أبو بكر البغدادي الان على أجزاء كبيرة من شرق سوريا وغرب العراق وهي منطقة واسعة تمثل ملاذا للمقاتلين السنة عبر الحدود في الشرق الأوسط.

ورغم ما يملكه من نفوذ وجائزة أمريكية قيمتها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه فلا يعرف سوى القليل عن هذا الرجل الذي تجنب الأضواء حفاظا على سلامته، وأشاد مقاتلون من تنظيم الدولة الاسلامية ومنافسون للتنظيم بالبغدادي كمخطط استراتيجي نجح في استغلال الاضطرابات في سوريا وضعف السلطة المركزية في العراق بعد انسحاب القوات الامريكية ليقتطع أرضا جعل منها قاعدة له.

وأثبتت الأحداث شدته في القضاء على خصومه ولم يبد أي تردد في الانقلاب على حلفاء سابقين لتعزيز طموحه من أجل اقامة الدولة الإسلامية، وخاض معارك مع أعدائه وهزمهم حتى الذين ينتمون لجماعات متشددة منافسة ويشاطرون تنظيم الدولة الاسلامية نهجه العقائدي، أما من يسقط أسيرا من مقاتلي المعارضة أو غير المقاتلين فعادة ما يقتل رميا بالرصاص أو بقطع الرأس، وتسجل مشاهد القتل في لقطات فيديو مروعة تبث الخوف والاشمئزاز في نفوس الخصوم، وقال مقاتل غير سوري من مقاتلي التنظيم متحدثا من داخل سوريا "باختصار بالنسبة للشيخ البغدادي كل دين له دولته ما عدا الإسلام، ويجب أن تكون له دولة ويجب فرضه، الأمر في غاية السهولة".

ووفقا للإعلان الأمريكي الذي يرصد مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه ويحمل صورة رجل أعور بوجه مستدير ولحية مشذبة وشعر قصير ولد البغدادي في مدينة سامراء العراقية عام 1971، وتقول مواقع جهادية إنه حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بجامعة بغداد وبعد أعوام من القتال مع الجماعات التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة أصبح زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق عام 2010.

وبعد ذلك بعام (منتهزا فرصة اندلاع الانتفاضة ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد) وأرسل البغدادي أحد مساعديه إلى سوريا حتى يكون للقاعدة موطئ قدم هناك، وشكل مساعده أبو محمد الجولاني جبهة النصرة التي تستلهم نهج القاعدة والتي أعلنت عن نفسها سريعا بسلسلة من تفجيرات السيارات الملغومة، وأصبحت تعرف أيضا بالأكثر تأثيرا بين مختلف القوى التي تقاتل الأسد.

ولكن مع تزايد نفوذ الجولاني في سوريا ورفضه فتوى بدمج قواته تحت قيادة البغدادي شن البغدادي حربا على جبهة النصرة ما أدى إلى انفصاله عن تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، وبالنسبة لكثيرين من أنصار البغدادي فان هذا الانقسام لم يكن مفاجئا، وقال المقاتل غير السوري من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إنه عندما قتل أسامة بن لادن مؤسس القاعدة على يد قوات أمريكية في باكستان قبل ثلاثة أعوام كان البغدادي "الشخص الوحيد الذي لم يبايع الظواهري"، وأضاف "كلفه الشيخ أسامة بتأسيس الدولة، كانت هذه خطته قبل أن يقتل (بن لادن)".

وعلى الرغم من أن أنصار البغدادي يعتقدون أن الدولة الإسلامية ستعيد أمجاد الاسلام أيام النبي محمد إلا أنهم يعتقدون أن الظواهري يخشى من أن تجمع الجهاديين في مكان واحد سيجعل هزيمتهم على يد الغرب أسهل، ويقول مقاتلوه إن البغدادي لديه العديد من المفاجآت لأعدائه، وقال مؤيد آخر لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "لديه امكانيات يخفيها حتى يحين الوقت المناسب". بحسب رويترز.

وتجاهل البغدادي نداءات الظواهري لترك سوريا لجبهة النصرة ووسع عملياته في شمال وشرق سوريا عامي 2012 و2013 وفي بعض الأحيان اشتبكت جماعته مع قوات الأسد لكنها في معظم الأوقات كانت تركز على طرد جماعات المعارضة الأخرى، ونتيجة لتعامل تنظيم الدولة الإسلامية القاسي مع المواطنين السوريين أصبح له الكثير من الأعداء وبحلول نهاية العام الماضي شكلت جبهة النصرة تحالفا مع كتائب إسلامية أخرى للرد على الدولة الإسلامية ونجح هذا التحالف في إجبارها على التقهقر الى معقلها على نهر الفرات في المنطقة المنتجة للنفط بشرق سوريا.

لكن تنظيم الدولة الإسلامية ازداد قوة ولم يضعف، ويسيطر مقاتلو البغدادي على مدينة الرقة وهي العاصمة الإقليمية السورية الوحيدة التي لا يسيطر الاسد على أي أجزاء منها ويطبقون الشريعة الإسلامية، وفي محافظة دير الزور المجاورة شن تنظيم الدولة الاسلامية حملة على مدى ستة أسابيع ضد معارضين منافسين لقي خلالها 600 مقاتل حتفهم واستولى على حقول نفط وبلدات على الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات على بعد 100 كيلومتر من الحدود العراقية، ويقول مقاتلون معارضون إن مبيعات النفط في السوق السوداء تدر عائدات بملايين الدولارات، وفي ظل وجود المقاتلين العراقيين والعتاد العسكري الذي تم الاستيلاء عليه بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية فإن البغدادي يملك الآن مجموعة كبيرة من الموارد، ويقول مؤيدوه إن هذا أمر أساسي لتحقيق هدفه بالاكتفاء الذاتي العسكري وضمان تدفق الأموال والمقاتلين والأسلحة وإمدادات الطاقة.

وتتناقض قوة البغدادي الحقيقية الواضحة للعيان تناقضا صارخا مع الظواهري المختبئ منذ أكثر من عقد والذي يحاول أن يؤثر على الحركة الجهادية الدولية التي تنشط في معظمها بعيدا عن مخبئه، بل ان خصوم البغدادي يقولون إن نجمه في صعود وان نفوذه يتجاوز سوريا والعراق، وقال أحد مقاتلي جبهة النصرة في مدينة حلب السورية "انه يتمتع بشعبية بالغة بين الجهاديين، ويرون فيه شخصا يخوض حرب الإسلام" مضيفا بمرارة أن أنصاره "لا يرون مدى الضرر الذي يسببه"، وتابع "تلقى (البغدادي) كذلك رسائل مبايعة من أفغانستان وباكستان، والشيخ الظواهري يحاول لكن أعتقد أن الآوان فات"، وأضاف أن جبهة النصرة ترى أن الإسلاميين في سوريا "دخلوا في حلقة من الدم لن يخرج منها أحد".

ويمثل البغدادي لأتباعه جيلا جديدا من المقاتلين الذين يعملون على تنفيذ المرحلة المقبلة من حلم ابن لادن وهو الانتقال من القاعدة إلى إقامة الدولة المتشددة، وقال مقاتل سوري من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "الشيخ البغدادي والشيخ أسامة يشبهان بعضهما، كلاهما يتطلع للأمام، كلاهما يريد دولة إسلامية"، ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك إذ يقولون أن تشكيل البغدادي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يجعل دور الظواهري في عملية القاعدة غير ذي قيمة.

وقال المقاتل الأجنبي للجماعة "تنظيم القاعدة لم يعد موجودا، تم تشكيله كقاعدة للدولة الإسلامية والآن أصبح لدينا ذلك. ينبغي على الظواهري أن يبايع الشيخ البغدادي"، وذكر جهادي آخر قال انه مقرب من البغدادي إن الظواهري يتابع بلا حيلة ليرى إن كان البغدادي سيقترف خطأ، وقال "إنه ينتظر ليرى إن كان البغدادي سينتصر أم سيسقط لكن في جميع الأحوال هو لم يعد قائدا"، ومن بين الاستراتيجيات التي ينتهجها البغدادي فتح الباب للمقاتلين الأجانب ولا سيما الأوروبيين والأمريكيين حيث يوفر لهم التدريب والشعور بأن لهم هدفا.

وبينما يكون هؤلاء مفيدين في ساحة القتال السورية فانهم قد يعودون لبلادهم في يوم من الأيام وقد اكتسبوا خبرة القتال ليجندوا آخرين لتنفيذ هجمات لحساب البغدادي خارج الشرق الأوسط، ويتدرب هؤلاء بحيث لا يعرفون الخوف ولا الرحمة، ويقول نشطاء في عدد من المناطق داخل سوريا إن رجال البغدادي يتجولون وهم يرتدون أحزمة ناسفة، وفي علامة على وحشيتهم أظهر مقطع فيديو نشر على الانترنت مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام بعضهم لا يتحدثون العربية فيما يبدو وهم يعدمون عددا من الرجال، وكان رجلان يتلوان الشهادة أثناء إعدامهما.

ويقول بعض رجال الدين ان قتل أي شخص أثناء تلاوته الشهادة من المحرمات لكن رجال البغدادي يتعاملون بقاعدة بسيطة وهي أن من يقف في طريقهم يجب أن يباد بغض النظر عن دينه أو طائفته، وعندما سئل عن مدى جدية البغدادي أجاب أحد أنصاره "عندما يكون لديك جيشه وعزيمته وإيمانه فينبغي على العالم أن يخشاك"، وأضاف "إذا لم يخشى العالم البغدادي فهم حمقى، ولا يدرون ماذا سيحل بهم في المستقبل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/حزيران/2014 - 23/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م