شبكة النبأ: هل لها دوراً سياسياً..
أو دبلوماسياً.. أو حتى انسانياً.. في التصعيد الامني – العسكري الجديد
الذي تفجر في العراق، وهي مثل معظم الازمات، لها امتدادات دولية؟.
يقول بعض المراقبين لا نسمع عن بريطانيا أي دور في الأحداث الأخيرة،
سوى ما تبثه مؤسستين اعلاميتين: "رويترز" و "بي.بي.سي" من تقارير
واخبار عن مسرح العمليات وساحات المواجهة بين الجيش العراقي وعناصر
"داعش" في الموصل ومناطق اخرى، وقد طغى عليها الانحياز الطائفي الواضح،
بشكل يمثل سابقة اعلامية غير معهودة، علماً أن أحد طرف المواجهة، هو
تنظيم ارهابي – دموي، بإقرار المجتمع الدولي والعالم، لكن الانحياز كان
الخيار المفضل لأن الطرف المقابل هم شيعة العراق، بمن فيهم القوات
المسلحة والقوى السياسية والمرجعية الدينية.
في السابق، لمجرد أن يطرق مسامع البعض – ونقول البعض- اسم هاتين
المؤسستين العريقتين في الصحافة والاعلام، حتى يتبادر الى ذهنه ذلك
المصدر المحايد للخبر، ولقصة الخبر وتفاصيله وخلفياته. هذه الرؤية
صنعها البريطانيون منذ أكثر من (70) عاماً عندما بدأت "بي.بي.سي" ببث
برامجها باللغة العربية والفارسية خلال الحرب العالمية الثانية، لكسب
الشعوب العربية والاسلامية الى خندق الحلفاء، على انهم الأمل في
الاستقلال والحرية والتقدم.
وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء تتقدمهم
بريطانيا، كان "الحصاد"، ظهور استعماري جديد في الساحة يختلف عما كان
عليه في القرون الماضية، مع دخول تكنولوجيا المعلومات ودخول النفط
والطاقة كلاعب اساس في العلاقات الدولية وخلق موازين القوى، والأهم لدى
الغرب وبريطانيا، نمو حالة من الوعي الثقافي والفكري لدى الشعوب
الاسلامية، اقتضى ان تكون للأخيرة خطاب جديد بلغة جديدة ربما يندلع على
لسان الولايات المتحدة – وليس بالضرورة على لسان الاستعمار العجوز-
كونها القوة المتصاعدة في الابعاد كافة.
الى جانب هذا، تم الكشف عن الخارطة السياسية للشرق الاوسط بدول
حديثة النشوء في الخليج، ثم انتزاع أرض من شعب عريق، ومنحه لليهود،
والاعتراف الرسمي بالانقلابات العسكرية. كل ذلك نتاج الرؤية البريطانية
التي فرضتها على الشعوب. وإذن؛ ما الذي يمنع وسائلها الاعلامية من أن
تكون محايدة وموضوعية، عندما يكون ابطال الانقلابات العسكرية، من خريجي
الكليات العسكرية البريطانية، ولا أدلّ على ذلك الضباط العراقيين
والمصريين وغيرهم؟.
ومثالنا الأبرز؛ العراق.. فقد كان المشهد السياسي والاجتماعي
والاقتصادي مختزلاً في حكام لم يرتبطوا يوماً واحداً بالارادة الحقيقية
للشعب العراقي، لذا لم يكن الاعلام البريطاني يخشى على شيء في العراق،
كما يخشاه اليوم.
ولم يكن الاعلام البريطاني يخفي حساسيته الشديدة من ظهور أي تقدم او
تطور في الوضع الشيعي في المنطقة، لاسيما بعد التغيير الكبير في العراق
في (9-4-2003)، وربما كانت بريطانيا تتوقع من هذا التغيير التي كانت
أحد صانعيه، أن يكون الوضع الطائفي في العراق على حاله لكن من دون
صدام.
بمعنى أقلية حاكمة ومتنفذة، واكثرية تابعة، وعندما جرت الرياح بما
لا تشتهي لندن، كان الرد عدائياً بامتياز، وهو دفع الشيعة بأي شكل من
الاشكال نحو مستنقع الأزمات والحروب الداخلية، او البقاء في دوامة
اللااستقرار في المجالات كافة.
فبات واضحاً تمييز الخبر الصادر عن "بي.بي.سي" أو "رويترز"، من خلال
مفردة "ذات الاغلبية الشيعية"، أو "ذات الاقلية السنية". خلال الحديث
عن اعمال العنف الطائفي والجرائم الارهابية التي ترتكبها الجماعات
التكفيرية.
خلال السنوات الماضية كان هذا الاعلام يوحي للمخاطب عبر العالم،
بان موضوعيته التي تدفعه لهذا التصنيف، انطلاقاً من الواقع والحقائق
على الارض، فهي ليست صاحبة رأي في القضية.. وهذا ينسحب ايضاً على قضايا
الشيعة في السعودية والبحرين ولبنان وحتى سوريا، فيما يتعلق بالعلويين،
بيد ان المخاطب الشرق اوسطي المشحون بالثارات التاريخية والمحكوم
بسياسات التمييز والاقصاء وايضاً القمع الدموي، يفهم من "الاغلبية"
و"الاقلية" وجود صراع محتدم لا محالة بين ابناء الدين الواحد. وأن من
المستحيل العيش بسلام ضمن وطن واحد ومصالح مشتركة.
مثال ذلك؛ التقارير الواردة من الخليج، فالتوجيه الى الشيعة، بانهم
مضطهدون من قبل السلطة، وهناك اقلية حاكمة، وظلم وتجاوز وغير ذلك.. وما
المطالبات الموجودة إلا نتاج طبيعي لسياسات الحكام. بالمقابل يكون
الخطاب للأخر، الى وجود أناس متوترين بسبب سياسات القمع والتمييز،
وبإمكانهم فعل كل شيء لاستعادة حقوقهم، بما في ذلك استخدام السلاح!.
لكن رب من يسأل عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الحرص على التحشيد
الطائفي وتوظيف طاقات وامكانات مؤسستين عالميتين لخدمة طائفة مسلمة دون
غيرها؟.
ربما هنالك مصالح ورؤى لدى اهل الحل والعقد في لندن، ومن يصنع
السياسات الخارجية البريطانية ويجري عليها التعديلات والتجديدات بين
فترة واخرى. بيد ان الاعتقاد السائد يشير الى الحرص البريطاني على
التاج السعودي من الاهتزاز، واكبر ما يخاف منه هو السلاح العقائدي الذي
يكشف زيف القوة لدى النظام الحاكم في الرياض، وان لا حق لها في
الاستئثار بالسلطة دون الآخرين، وظلمها للاقلية الشيعية. لاسيما اذا
عرفنا ان دول المنطقة وشعوبها عرفت بفضل الجهود الثقافية والفكرية
المكثفة لمؤسسات شيعية عالمية، أن التشيع بالاساس، هو مذهب الاعتدال
والتعايش والسلم، ولا يمكن ان يأتي منه الارهاب والتطرف والحالة
العدوانية. بينما نلاحظ انكشاف أمر الجماعات التكفيرية المعبئة فكرياً
من الوهابية – السلفية والمدربة ارهابياً في افغانستان، والممولة من
مؤسسات مالية وأثرياء.. كل ذلك يتجمع في خيط واحد يتمركز في احدى اقسام
المخابرات السعودية. فاذا ارادت السعودية ان تكرس وجودها السياسي
والاجتماعي في الداخل والخارج، لابد ان تزيح الطابع الايجابي عن الشيعة
– على الاقل- بعد ان عجزت عن تجميل صورة الجماعات الارهابية القبيحة،
بعدما أوغلت في الدماء وافتضح أمرها في مشاهد مريعة صدمت العالم.
وهذا بحاجة الى اعلام ممنهج ومحترف لا تقدر عليه سوى محطة اذاعية
وقناة قضائية مثل "بي.بي.سي" ووكالة انباء ضخمة مثل "رويترز"، وكلاهما
من ذوي الخبرة على مدى اكثر من قرن من الزمن.
ولا يستبعد المراقبون والمتابعون للحراك الاعلامي في الاحداث
الجارية في العراق، ان تكون هنالك هدايا خاصة مرصودة من السعودية
لمحرري التقارير والاخبار، بل وايضاً للمراسلين الذي يغطون احداث
العمليات العسكرية التي تقوم بها جماعة "داعش" في العراق، ورسم صورة
اعلامية على انها "ثورة جماهيرية سنية"، وقد ذهبت وكالة "رويترز"
للانباء الى ابعد من ذلك عندما شككت بالصور التي نشرتها وسائل الاعلام
العالمية عن عمليات قتل جماعي ينفذها عناصر "داعش" ضد عسكريين ومدنيين
في الموصل.. وهذا ليس بالامر الهيّن ان تنخفض مؤسسة اعلامية مثل
"رويترز" الى هذا المستوى وتضحي بمصداقيتها امام العالم، من اجل عناصر
"داعش"! ،ما لم يكون هنالك امر مهم ومصيري يربط بريطانيا ببلد كان
الوحيد الذي كان يبتسم بوجهها في وقت كان الآخرون يفكرون في الثورة
والمطالبة بالاستقلال والحرية والكرامة. |