جمهورية (الدواعش) وسُلّم الصعود الى الهاوية

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 

قبل أن نتطرّق الى مايمكن أن يعكس آرائنا عند الإجابة على السؤال الأهم في هذه المرحلة وهو ..(ما هي داعش؟) بما ينطوي عليه السؤال من إجابات ضمنية نسعى من خلالها الى تبديد علامات الاستفهام الأخرى المتعلقة بمن يقف خلف داعش أو الأكثر إستفادة أو تضررا من إحتمالية أن يتحقق (لا سامح الله) شعارهم الشهير (باقية وتتمدد)؟.

قبل الخوض فيما سبق، تجدر الاشارة الى روح المسؤولية العالية التي رافقت التعاطي مع الحدث، والتي أكدتها النظرة الأبوية للمرجعية العليا، والاجراءات الحكومية التي اتسمت بالسرعة والشجاعة وحُسن إختيار الوسائل اللازمة في مجابهة المشكلة والبراعة في إمتصاص آثار الصدمة التي أسفر عنها سقوط الموصل بيد الإرهابيين، وما أسفر عنه الحدث من سقوط لأوراق التوت عما يمكن أن يُطلق عليها بالدواعش السياسيين الذين أخذوا على عاتقهم تنفيذ الشق المعنوي من المعركة والتفنن في الحرب النفسية الموجهة ضد دولة العراق التاريخية.

نعم، أن الصرامة المتسمة بالإنضباط العالي للنفس والجرأة المقترنة بالهدوء والتناغم الجديد لقوى التحالف الوطني والتناظر الدقيق والتنظيم الأكثر خفاءً لكل ما يُمكن أن يثير الفُرقة بين أبناء المجتمع العراقي، كانت العناوين البارزة، والأهم من هذا وذاك هو أن المنهج والمنظور السياسي الذي يحدد طرق التعاطي مع المستجدّات لم يعد جزئيا أو إنتقائيا أو سلوكاَ فرديّا أو فئويّاً، فقد أسهم دخول المرجعية العليا على خط الأزمة وممارسة الدور الأبوي الذي استدعته جسامة التحدي الى إرساء أسس جديدة تحدد ملامح إنطلاقة وطنية تضع التضحيات المبذولة في إطارها الصحيح بعد أن أصبحت سلاحا بيد الجناة لتمزيق المجتمع العراقي وتعبئة بعضه ضد البعض الآخر، وتوجيه الدماء النازفة لأكثر من عقد من الزمن بإتجاه تُصان بها وحدة العراق أرضاً وشعبا وثروات وتحفظ ببذلها القيم العليا والمقدّسات التي شاء الله لهذا الجيل العراقي أن يكون مؤتمناً عليها، والتي تواجه اليوم تهديدا خطيرا يمس جوهر الكينونة والوجود العراقي، بما ينطوي عليه من إرث تاريخي وأجيال معاصرة و مستقبل منشود.

لم يعد مصدر الخطر مبهما بعد أن أعلن العدو عن نفسه وبعد أن توّهم بأن الحواضن السياسية قد أنجزت مهامها بالشكل الذي يمّكنه من إنتزاع القلادة التي تزّين جيد التاريخ، ونثر ما رُصّعت به من مجوهرات وأحجار كريمة في جيوب الزُناة، أي تمزيق العراق وتحويل رجال العراق من العرب والكرد والتركمان والشبك والكلدوآشوريين ومن مسلمين سُنّة وشيعة وصابئة ومسيحيين، الى موالي وغلمان ورعايا للتاج الإمبراطوي وتحويل حرائره الى جواري في قصور السلاطين.

نعم أن جميع المؤشرات ومعطيات الواقع تشير الى أن داعش تحمل مشروعا يتمحور بالدرجة الأساس حول ذبح العراق وشعب العراق من الوريد الى الوريد، فهو (مشروع سياسي يستمد أسباب وجوده بشكل أساسي من التحالف بين الدين والقبيلة سعى ومن خلال أطراف نافذة الى تكريس الشعور بالمظلومية لدى أبناء السُنة من القيادات السياسية في كل من العراق والشام بوصفها (قيادات شيعية)، وللمشروع أهداف متعددة تصبّ بالنتيجة في مصلحة الطرف أو الأطراف الداعمة، ويتماهى بشكل كبير مع بدايات إنشاء مملكة آل سعود في توظيف العصبية القبلية لتغذية التطرف الديني الهادف الى إنشاء كيان سياسي ينطبق عليه وصف الدولة) .

وبالنظر الى إتجاهات زحف هذا التنظيم وإنتشاره الحالي الذي تعكسه الخريطة والمنشورة على صفحات وسائل الاعلام العالمية وعدد مراكز البحوث المتخصصة يرى بأن مناطق تواجده تعكس بُعداً (إقتصاديا) هائلا يجعل منها دولة ذو اقتصاد متين يتمثل في سيطرتها على مناطق غنية بالنفط وسيطرتها على ممرات تصدير النفط الى منافذ التصدير، فضلا عن موقعها ذو الأهمية الإستراتيجية في وضع يدها على ممرات المياه المتجهة الى (المناطق الشيعية).. ويتضح من الخريطة أيضا أهميتها الإجتماعية والدينية ذو المآرب السياسية من حيث الفصل التام بين أكراد العراق وأكراد سوريا وجعل أكراد سوريا في معقلا كبيرا يحيطه الأتراك والدواعش لا إطلالة لهم على منفذ بري أو بحري أو جوي دون إذن مسبق، وهو ما ينطبق على أكراد العراق الذين سوف تتقلص مساحة الجغرافيا الحالية في المحافظات العراقية الثلاث بعد إلحاق المناطق التي تمثّل مناطق تواجد وإختباء ونقاط انطلاق الحزب العمال الكردستاني في النضال المرير لإنتزاع حرية الكرد والإنسان الكردي في تركيا.

ذلك وغيره ما يمكن إستنتاجه عند النظر الى الخطوط البيضاء المرسومة على خريطتي كل من سوريا والعراق والتي تشير الى مناطق انتشار هذه المنظمة الارهابية المسمّاة داعش.

ان هذا المشروع الخطير يثير العديد من الأسئلة المتعلّقة بهوية الداعمين له، والمشرفين عليه خاصة وأن الخبراء الأمنيين يتفقون على أن طبيعة التخطيط الإستراتيجي لهذه المنظمة وطرق التنسيق بين فصائلها المترامية الأطراف وسيل المعلومات المخابراتية المتوفرة التي تحتاجها قيادات التنظيم في رسم الخطط التكتيكية في المواجهة مع الجيوش النظامية والقدرة على الإحتفاظ بالأرض، ذلك وغيره يؤكد بما لايقبل الشك بوجود داعم أساسي لا يقل عن أن يكون دولة وليس من المبالغة بشيء القول بأكثر من دولة، فضلاً عن الحواضن السياسية والأمنية والإجتماعية ذات الجهد المحلي.

المهمّة من الصعوبة بالنسبة لداعش، ما تنطبق عليها الإستحالة لولا نجاح الداعم الرئيسي لهذه المنظمة في توظيف نظرية الضد النوعي للإنتماءات (الوطنية) أو (القومية) وكذلك (المذهبية) ، وعلى سبيل المثال أن معظم إصدارات هذا التنظيم الموجهة للتعبئة وتأكيد قُبح العدو ورفع معنويات أفراد التنظيم تعتمد بالدرجة الأساس على المادة الاعلامية التي تنتجها القنوات الإعلامية (الشيعية) المعارضة للحكومة العراقية، والخطاب المعارض غير المدروس الذي نتمنى أن نسمع ما يسهم بتفويت الفرصة لإثبات حُسن النوايا، ولقناة البغدادية حصة الأسد في تلك الإصدارات الاعلامية التعبوية وتحديداً (برنامج الساعة الفاشلة).

بعد سيطرة منظمة داعش الارهابية على المناطق الحيوية الواقعة ضمن حدود الدولة المرسومة سلفاً، أصبح إسقاط الحكومة السورية ليس من أولوياتها بل من مصلحتها إستمرار الصراع وإستنزاف قدرات الأطراف الأخرى، ويعني فيما يعنيه، بأن مقاتلة داعش لن يتسبب بالضرر المباشر إلا للرعاة الحقيقيين لهذه الدواب اللاهثة خلف السراب.

ان المرحلة من الخطر ما يدعو الجميع الى الالتفات والإسهام كل من موقعه في صد الهجمة والخطر المحدق بالعراق، فان ذلك واجب الجميع، الا أن البعض وممن تسبب في تكريس الواقع السلبي الذي أعان الداعشيين على إختراق الواقع العراقي والتمدد في مسامات نسيج المجتمع العراقي ، فإن كان ما فعله عن غير قصد، فالإلتحام بالإرادة الشعبية هو خير دليل على حٌسن النوايا ، وأما الحياد فلربما له ما يبرر صمته.. ولكن الإصرار على عرقلة الأداء الحكومي والمساومة على وحدة العراق يُعد سبب أكثر من كاف للحد من تحركاته المغرضة وإيقاف سيل الإشاعات والتحريض المبرمج المدفوع الثمن، وإلا هل هناك من تفسير لما ورد في بيان أسامة النجيفي من عبارات وتهديدات يضع نفسه قيّما على مصير العراق؟.. وليهدد الحكومة بالقول.. " اننا اذ نخوض معركتنا المصيرية وربما الأخيرة من اجل وحدة العراق".. فهل يصُح لمسؤول عراقي ورئيس إحدى السلطات في البلد تخيير الحكومة ما بين إفساح المجال لداعش إكمال ما تبقى من مراحل خطتها وبين المساومة على وحدة العراق!!، وفي حقيقة الأمر لن يقتنع النجيفي ولا سلاطين الدولة العثمانية ولا قرود داعش بأحد الخيارين، بل كليهما معاً، لأن لا قيام لجمهورية الدواعش الا على أنقاض العراق.. ولا قيام لجمهورية العراق بوجود (أئمة) الضلال من الدواعش.. فلا بديل ولا مناص، من أن نجعل من صعودهم على أكتاف أم الربيعين لإجتثاث هويتها، صعودا الى الهاوية.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/حزيران/2014 - 18/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م