انتخابات أفغانستان... والمصير العراقي

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعد الانتخابات الرئاسية في أفغانستان بمثابة تذكير بما وصل إليه ألأفغان من تحول سياسي منذ سقوط نظام طالبان في عام 2001، واليوم يقف هذا البلد الآسيوي على أعتاب مرحلة فاصلة ستحدد مستقبله السياسي، لكن ماضي هذا البلد المليئة بالحروب لا يزال باقيا لا يراوح مكانه بشكل عنيد، ناهيك التهديدات الإرهابية وإعمال العنف المستمرة الى جنب الاقتصاد المترهل والبنية التحتية الشبه معدومة جميع هذه العوامل آنفة الذكر تشي بمستقبل مجهول سيما وان الانتخابات الحالية انتقادها البعض بأن شابه التزوير فضلا عن احتمال تسلم الرئاسة بقبضة أمراء الحرب الأقوياء أو قيادة قد تزيد من المحسوبية والفساد.

وبينما يأمل الأفغان انتخاب من سيخلف الرئيس حامد كرزاي بشكل سلس ليعتبروه انتصارا لبلدهم الذي مزقته الحرب ولم يعرف يوما انتقالا ديمقراطيا للسلطة.

لكن يرى بعض المراقبين للشأن الأفغاني انه على الرغم من هذا الحدث المهم فإن هناك شعورا مسيطرا بالقلق من أنما حدث في العراق مؤخرا قد يتحول إلى نذير شؤم لأفغانستان بعد أن ألقى جنود عراقيون سلاحهم أمام الهجمات الضارية للمقاتلين داعش الارهابية.

ويرى هؤلاء المراقبين انه مثلما العراق تعاني أفغانستان من تناحرات عرقية متجذرة. كما أن معدلات الهروب من الخدمة بين أفراد الأمن الأفغان مرتفعة بشكل يبعث على القلق. ويقول المفتش العام لشؤون إعادة إعمار أفغانستان إن معدلات ترك الخدمة بين الجنود الأفغان تتراوح بين 30 و50 في المئة.

لذا يتوقع الكثير من المحللين أن تتجه أفغانستان على المدى القريب صوب انهيار كالذي يشهده العراق حيث تمكن الارهابيون العازمون على إقامة دولة لهم من تشتيت قوات الحكومة في مناطق بشمال البلاد وغربها.

لكن كثيرين يخشون من أن المواجهة الأخيرة في سباق الرئاسة بين عبد الله المنتمي للطاجيك ومنافسه البشتوني أشرف عبد الغني قد تفجر صراعا عرقيا لا سيما ان اعتبر أن الانتخابات جرى الفوز بها من خلال التزوير، وفوق كل ذلك هناك الاقتصاد الذي يرزح تحت عبء ثقيل والمساعدات الأجنبية التي قاربت على النفاد بالإضافة للشكوك في قدرة القوات الأفغانية الوليدة على التكيف بمفردها على المدى البعيد، وعليه بات شبح تفكك العراق يلقي بظلاله على أفغانستان مع انتخاب رئيس جديد.

من جانبها ترى حركة طالبان انعدام الاستقرار الذي قد تتمخض عنه الانتخابات فرصة لاكتساب الزخم، وحققت طالبان مكاسب خلال العام المنصرم وكبدت قوات الأمن الأفغانية خسائر فادحة في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأفغانية لانسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل بحلول عام 2016. لكن القوات الأفغانية صمدت إلى حد بعيد ضد ارتفاع وتيرة الهجمات على مدى الأشهر الثمانية عشرة الماضية.

ورغم ذلك فان فوز أي المرشحين بفارق ضئيل في ظل مزاعم بحدوث تزوير على نطاق واسع قد يدفع كليهما لإعلان الفوز في مخاطرة كبيرة قد تؤجج التوتر العرقي وتلقي بأفغانسان في دوامة من الشكاوى الانتخابية دون وجود رئيس.

وإذا طعن في نتيجة الانتخابات فقد يؤدي ذلك لتأجيل توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية التي كان من المفترض أن توقعها كابول وواشنطن منذ فترة طويلة، وبموجب الاتفاقية ستبقى فرقة صغيرة من الجنود الأمريكيين في أفغانستان لما بعد 2014 لتدريب قوات الأمن المؤلفة من 350 ألف جندي والقيام بعمليات محدودة لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتشددة.

ومنذ العام الماضي يحول كرزاي دون توقيع الاتفاق. لكن عبد الله وعبد الغني قالا إنهما سيوقعانها إذا انتخب أي منهما. لكن الاتفاق قد يتأجل مجددا إذا دب نزاع بشأن نتيجة الانتخابات يعقبه فراغ سياسي.

وعليه ربما ستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ أفغانستان التي يُجرى فيها تداول سلمي للسلطة، ويسلم فيها الرئيس مقاليد الحكم إلى آخر منتخب، الا ان تركة الحروب الطويلة التي مر بها على مدار عقود والسياسات الفاشلة في بعض مفاصل الحكومة السابقة، تشير الى أن المرحلة جارية والقادمة ستكون الأصعب سياسيا وأمنيا، وهو ما قد يجعلها ترواح مكانها في المستقبل القريب.

التصويت لمستقبل أفضل

في إطار الموضوع قال ضابط شرطة مبتسما وهو يحاول تذكيري عند اقترابنا من مركز القيادة الرئيسي لوزارة الداخلية شديد التحصين في العاصمة كابول "لقد التقينا منذ ما يقرب من 30 عاما، خلال فترة الرئيس نجيب الله"، ويشغل العميد نعمة الله حيدري حاليا رئاسة العمليات المنوط بها الإشراف على مركز الاتصالات الذي أعيد إنشاؤه في الآونة الأخيرة لمتابعة عمليات التأمين الضخمة للجولة الثانية من التصويت في الانتخابات الرئاسية. بحسب البي بي سي.

وكانت الحملات الانتخابية القوية التي استمرت لأشهر والإقبال المثير للإعجاب في الجولة الأولى من عملية الاقتراع بمثابة دليل على عزم أفغانستان على المضي قدما في مواجهة تهديدات طالبان وعمليات العنف الدائرة.

يتخوف منتقدو عبد الله من أن رئاسته ستعزز قبضة أمراء الحرب وتزيد من مستوى الفساد

لكن الرجلين المتنافسين في جولة الإعادة، والتي تعد الجولة الحاسمة، مازالا يحملان الأعباء الماضية من حياتهما. إنها التهديدات وعمليات العنف.

ويرى بعض الأفغان أن وزير الخارجية السابق، الدكتور عبد الله عبد الله، يعد مرشح التحالف الشمالي، وهو الجبهة العسكرية التي جرى تشكيلها لمواجهة حركة طالبان في منتصف التسعينيات وتتألف إلى حد كبير من قادة الطاجيك الذين قاتلوا ضد الاحتلال السوفيتي. ويتخوف منتقدو عبد الله من أن رئاسته ستعزز قبضة أمراء الحرب الأقوياء وتزيد من المحسوبية والفساد.

يعرب منتقدو غاني عن قلقهم بشأن ما يعتبرونه غطرسة فكرية يتميز بها المرشح الرئاسي القوي

ويقول آخرون إن المرشح الثاني، وهو الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي ووزير المالية السابق، أشرف غاني أحمد زاي، أمضى عقود الحرب - التي كانت تتطلب جهدا كبيرا - مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعرب منتقدوه عن قلقهم بشأن ما يعتبر غطرسة فكرية لدى غاني فضلا عن سرعة غضبه المشهور بها.

ومع ذلك، فإن الرجلين أحدثا تحولات مبهرة في ذروة هذا السباق الحاسم، واستطاع الدكتور عبد الله، الذي ينتمي إلى عرقية مختلطة من الطاجيك والبشتون، التوصل إلى تشكيل تحالفات مع أفغان تميزهم انقسامات عميقة. ففي الجولة الأولى من التصويت، حقق عبد الله تقدما كبيرا وحصل على 45 في المئة في بلد كان ينحدر ملوكه ورؤساؤه عادة من عرقية البشتون التي تشكل الأغلبية في البلاد.

أما أشرف غاني، فقد طاف أنحاء البلاد وهو يرتدي ملابس تقليدية قبلية، وتمكن من التواصل مع كل الأفغان على اختلاف مشاربهم، واستمع إلى مخاوفهم. وتعلم غاني أيضا الدرس من ترشحه للانتخابات الرئاسية الأولى له في عام 2009، والتي حصل فيها على نسبة ضئيلة للغاية بلغت 2.9 في المئة من الأصوات.

وعقد الرجلان صفقات مع الزعماء ذوي النفوذ في الأقاليم الأفغانية، والذين يسيطرون على كتل تصويتية متجذرة في الولاءات العرقية أو غيرها من الولاءات العديدة في البلاد.

وعلى الرغم من مخاوف الأفغان الشديدة إزاء مستقبل بلادهم فور رحيل القوات الأجنبية وانخفاض مستويات المعونة التي كان يقدمها المجتمع الدولي، يركز الأفغان الآن على هذه الفرصة في محاولة لتأمين انتقال سلس للسلطة.

يتميز مركز القيادة الذي يشرف عليه العميد نعمة الله حيدري بوسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث أجهزة الكمبيوتر ووصلات الفيديو التي تربط رجال الشرطة المدربين في كابول بالقواعد المركزية في جميع أنحاء أفغانستان، في حين تراقب مجموعة من الخبراء العسكريين من الولايات المتحدة الأمريكية المركز من إحدى زوايا المكتب، لكنه يظل يُدار بالكوادر الأفغانية.

وخلال زيارتنا لغرفة العمليات، سمعنا نداءات لإرسال طائرات هليكوبتر إلى منطقة يخشى رجال الشرطة من أن يتم نصب كمائن لسيارات نقل بطاقات الاقتراع فيها. ويظهر ضابط شرطة آخر في المقاطعة الجنوبية على إحدى شاشات العرض يذكر أن الاشتباكات مع طالبان تمنع وصول المعدات الانتخابية لبعض مراكز الاقتراع.

وفي الجانب الآخر من مجمع وزارة الداخلية مترامي الأطراف، قامت السلطات الأفغانية بتجديد مركز الاتصال الخاص بالطوارئ منذ انتخابات عام 2009 عندما زرنا إحدى الغرف المليئة بالطاولات والهواتف التي لم تكف عن الرنين.

ويجلس موظفو المركز الآن في أكشاك معدة خصيصا لهذا الغرض لتلقي المكالمات الهاتفية من الجماهير، بالإضافة إلى صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وأخبرنا العقيد هومايون عيني وهو مبتهج "تلقينا 3 آلاف و600 مكالمة في يوم التصويت بالجولة الأولى من الانتخابات".

وعلى الرغم من خيبات الأمل والانتكاسات التي حدثت منذ عام 2001، فإن أفغانستان الآن بلد جديد، وعندما يخرج الشعب الأفغاني إلى مراكز الاقتراع للتصويت في هذه الجولة الثانية والحاسمة، سيكون الأمر بمثابة اختبار لقوات الأمن وكذلك المؤسسات الانتخابية التي أصبح الأفغان المسؤولون عنها الآن.

كما أنها تعتبر تحديا للرؤساء الطامحين وفرقهم، للعب وفقا لقواعد اللعبة السياسية الجديدة.

وأكد مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان، يان كوبيس، خلال مؤتمره الصحفي الأخير، ضرورة التحلي بالمسؤولية "في عدم القفز إلى الاستنتاجات" خلال يوم الاقتراع، وخلال الجولة الأولى من الانتخابات، سارع كل من الدكتور عبدالله وأشرف غاني إلى إعلان الفوز، فيما حذر أنصارهما مما سموه "العواقب" في حالة حدوث أي تلاعب أو تزوير يمنع مرشحيهما من الوصول إلى الرئاسة.

ويعرب الكثيرون عن قلقهم من أنه في حالة كان هامش الفوز في اللجولة ضئيلا، فإن فرص تبادل الاتهامات - إن لم يكن الاضطرابات - ستكون كبيرة"، وقال أحد المحللين الأفغان لنا "أدليت بصوتي لصالح الديمقراطية في الجولة الأولى.. أما في هذه الجولة الثانية فلست متأكدا لمن سأصوت".

بالنسبة للعديد من الأفغان، فإن الجولة الثانية بمثابة التصويت من أجل مستقبل أفضل.

فمنذ ستة أشهر، كانت هناك توقعات بعدم إجراء هذه الانتخابات، وذلك لأن الرئيس كرزاي سيجد الحجج للبقاء في السلطة، في حين ستجبر طالبان الأفغان على الابتعاد عن صناديق الاقتراع.

احتمال تكرار سيناريو العراق

في كابول هذا الأسبوع اتخذ حوار بين مجموعة من المسؤولين الأفغان طابعا متجهما بعد أن تحول مسار الحديث من جولة الإعادة في انتخابات أفغانستان إلى تقدم المتشددين المسلحين السنة المذهل نحو العاصمة العراقية بغداد.

بل إن عبد الله عبد الله المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة قال إنه يرى أوجه تشابه بين الوضع في بلاده والعراق بشكل يظهر ضرورة انتهاج استراتيجبة "مسؤولة" للخروج العسكري الأمريكي، وقال عبد الله خلال مؤتمر صحفي عقد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع مركز بحثي في واشنطن "إذا كان هناك درس مستفاد مما حدث في العراق فهو أن السياسات الطائفية لن تجدي في أي مكان. لذلك فإن بناء الثقة بين الناس سيكون مهما".

وقال جرايم سميث من المجموعة الدولية لإدارة الأزمات "العراق بات نموذجا صارخا لما يمكن أن يحدث إذا فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في التخفيف من تداعيات أي تدخل عسكري وسيطغى هذا على النقاشات في أفغانستان فيما يستعد قادة حلف شمال الأطلسي لقمة ستعقد في ويلز خلال شهر سبتمبر".

وأضاف "يميل صناع السياسة في الغرب بقوة في كثير من الأحيان إلى عدم الإكتراث والقول إن القوات الأفغانية ستدبر أمرها بطريقة ما لكن كما شهدنا في العراق فإن التحديات الأمنية تظهر أحيانا بقوة في السنوات التي تعقب وجود قوات دولية".

وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان "إذا تدهور الوضع السياسي بسبب هذه الانتخابات المزيفة فستكون لدينا القدرة على فرض القانون والنظام كما سبق وأثبتت حكومتنا... لن نسمح للبلاد بالانزلاق للفوضى مثل العراق". بحسب رويترز.

ورغم أن التحالفات العرقية ستلعب دورا محوريا في كيفية تصويت الأفغان فانها ليست بذات الأهمية في مناطق الحضر. وسعى المرشحان لنيل دعم التجمعات العرقية والطوائف المسلمة، وقال سميث إن هناك خطر أن تشهد الجولة الثانية انقساما أكبر مقارنة بالجولة الأولى فيما يحتشد البشتون والاوزبك خلف عبد الغني ويدعم الطاجيك والهزارة عبد الله، وأضاف "لكن هذه الانقسامات ليست بالقدر الكافي من الوضوح فبعض كبار زعماء البشتون في الجنوب سيدعمون عبد الله على سبيل المثال ومن ثم فلا يوجد خطر فوري بوقوع حرب صريحة بين المجموعات كما نشهد في العراق". بحسب رويترز.

وقال مولانا عبد الرحمن كبيري حاكم إقليم بنجشير "إذا حدث تزوير وتلوثت أصوات الشعب الأفغاني النظيفة فلن يقبل الناس ذلك"، وفاز عبد الله بنحو 90 في المئة من الأصوات في إقليم بنجشير خلال الجولة الأولى، وأضاف "نأمل أن يحتج الناس بشكل مشروع وألا تتحول أفغانستان إلى ساحة قتال"، وليس من السهل التكهن بفرص المرشحين لأن استطلاعات الرأي التي أجريت محدودة كما أنها تعرض نتائج متباينة بشكل كبير.

وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري من بين الذين حاولوا الضغط على كرزاي لتوقيع الاتفاق بعد أن لمح في ديمسبر كانون الأول إلى أن العنف الطائفي تفشى في العراق بعد فشله في التوصل لاتفاق أمني مع واشنطن قبل انسحاب القوات الأمريكية في 2011.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/حزيران/2014 - 17/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م