ما حدث في العراق.. حرب شائعات؟!

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احد الاستراتيجيات الحديثة في الحروب هي المعلومة وكيفية الاستفادة منها، ولا اعني بالمعلومة جملة من المعطيات الحقيقية المجردة، بل تعني كذلك ما يتفرع عنها بعد التلاعب بها زيادة او نقصانا، تجميلا او تشويها.

تعتمد وسائل الاعلام الحديثة، ومع هذا الطوفان الواسع لها على المعلومة التي ترافقها الصور والمؤثرات الصوتية، كي تعطي ابعادا اخرى يمكن قبولها لدى المتلقي، وتمنح صاحبها القدرة على التاثير فيه.

في الحروب ايضا، وضمن الاستراتيجيات بين القوى المتحاربة، تدخل الاشاعة ايضا كسلاح من اسلحة المواجهة الرئيسية، للنيل من الروح المعنوية للعدو، كقطعات مقاتلة، وكذلك النيل من معنويات المواطنين خلف الحدود، مستغلة بعض الظروف الناشئة في الميدان، او حالة من التذمر العام، او فقدان سلعة من السلع، وغير ذلك.

اذا كانت المعلومة في معنى من معانيها هي: البيانات التي تمت معالجتها بحيث أصبحت ذات معنى وباتت مرتبطة بسياق معين، او هي الحقائق اوالبيانات التي تغير من الحالة المعرفية للشخص في موضوع معين.

واذا كانت الشائعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم بصحتها .  

فان الاستراتيجيات الحديثة في الصراعات الدولية او المحلية، وحتى في الشان اليومي للمجتمعات، قد الغت هذا الفارق بين المعلومة والشائعة، واصبحت وسائل الاعلام تعتمد بالدرجة الاساس على شائعة معينة يتم تداولها لتتحول بكثرة التداول الى معلومة تتلاعب بالعقل وقدرته على الادراك والتمييز بين الخطأ والصواب.

في دراسة احصائية، وجدت ان سبعين في المائة تسقط من تفاصيل المعلومة عند تداولها من شخص الى اخر، حتى لا يتبقى من المعلومة الاصلية شيئا يذكر عند تواتر نقلها، لتبرز معلومة جديدة تحتل مواقع الاولى، وتتغير هي بدورها وهكذا.

شهدنا الكثير من نماذج هذا التداخل وانعدام المسافات بين الاشاعة والمعلومة، وتبادل المواقع بينهما.

ولعل الحرب الامريكية على العراق في العام 2003 خير دليل على ذلك. وبعدها ما حدث في سوريا وما يحدث فيها، وما حدث ويحدث في العراق حاليا.

تكتسب الاشاعة دورا متزايدا، ولم يعد وجودها مقتصرا على الحروب او النزاعات، بل اصبح ذلك يدخل ايضا في مجالات التنافس الاقتصادية والتجارية للانتقاص من سلع معينة والترويج لاخرى، او لتشريع قوانين اقتصادية على حساب قوانين اخرى ايضا.

لم تحافظ الاشاعة على تسميتها المجردة والتي عرفت بها، واصبحت الان تختفي خلف تسمية اخرى اكثر لطافة وقبولا، وهي العلاقات العامة، التي تعتمد على الاشاعة والمعلومة في عملها، وضيق الحدود الفاصلة بينهما.

ربما لا يعرف الكثيرون اسم (ادوارد بيرنيز) الامريكي، والذي يعود له الفضل في دخول الولايات المتحدة الامريكية الحرب العالمية الاولى في العام 1917 حين اعلن الرئيس الامريكي (وودرو ولسون) ان الولايات المتحدة الامريكية ستشارك في الحرب العالمية الاولى.

وهو نفس الرئيس الذي انتخبه الامريكان مرة ثانية كمرشح للسلام بعد ان وقفوا خلفه داعية للحرب.

كان (ادوارد بيرنيز) يقف خلف الحدثين، فحين انتهت الحرب، أقر بيرنيز انه استخدم صورا متلاعبا بها، واختلق قصصا كي يولد مشاعر مؤيدة للحرب، وفي الثانية استخدم اساليب اخرى لتسويق ولسون والترويج له كقائد للسلام. وواصل بيرنيز تقديم المشورة لرؤساء عديدين، ولرجال الاعمال الاقوى في العالم.

منذ تلك اللحظة انطلقت وظيفة العلاقات العامة وتطورت الى ماهي عليه الان.

في الحدث العراقي، ساهمت الاشاعة والمعلومة المبتورة والمشوهة في رسم المعالم الرئيسية للمشهد العسكري، والتي روجت لها الكثير من الفضائيات والصحف في داخل العراق وخارجه، تبعا لتوجهاتها السياسية او المذهبية، مستبقة اخبارها وتغطياتها بعبارة من قبيل (نقلاً عن مصادر لم تسمها) او العبارة الاخرى (وأكد مصدر مطلع على اتصال بأوساط سياسية) او تلك العبارة التي تقول (مصدر امني رفض الكشف عن اسمه) وهي تستهدف من خلال هذا التخبط ارباك المتابعين للشان المحلي من العراقيين، وحتى هي نفسها تقع في خانة الارباك والتخبط حين يتناول عدد من الكتاب او المحررين فيها الشان العراقي، وترى التناقض بينهم في التسميات او التوصيف.

واحدة من تلك الارباكات والتي كنت متابعا لها عبر مواقع الانترنت، سواء الصحفية او الفضائية، ما نشر عن عديد الايرانيين التابعين لقوات الحرس الثوري الايراني، فقد بدأ العدد من الرقم (300) مقاتل وفي مكان اخر (600) مقاتل ليصل عند وسائل اخرى الى (5000) مقاتل، ورغم النفي الايراني وعدم التاكيد الامريكي، الا ان تلك الاشاعة – المعلومة اصبحت راهنا واقعا تبنى عليه المواقف وتتخذ من خلاله الاجراءات.

في المقابل، لاتعد المعلومة حتى لو كانت مجردة الغرض، فرصة ليدركها العقل ويتعامل معها، لانها تتعرض للتشويش والضجيج، لتختفي وتظهر واحدة اخرى تختلف عنها في الاسماء والصفات ويتم الترويج لها طالما تخدم اطرافا على حساب اخرين.

ما يختصر الذي حدث في الموصل على حد تعبير الكثيرين من السكان، هو "الدعاية والشائعات هي التي اسقطت الموصل".

وما يرويه شهود العيان يتلخص بالتالي: "انتشرت شائعات بين اهالي الموصل تقول سيأتي الداعشيون ويهجمون على الساحل الايسر، وأنهم طويلو القامة وأصحاب شعر كث ولحى طويلة، ويلبسون احزمة ناسفة، وعلى الجميع الهرب لأنهم لن ينهزموا، وإذا ما أحس احدهم بالانكسار فانه سيفجر نفسه". وتكمل الرواية " هذه الشائعات هي التي اثرت في معنويات القوات الامنية"، وتلفت رواية الاهالي الى ان الاكاذيب والدعاية جعلت من الداعشيين "كائنات غريبة مرعبة" في مخيلة الناس، لكنهم "في الحقيقة مجموعات من عتاة ومجرمين"، الذي اسقط الموصل هو حصان طروادة الجديد والمتمثل بالاشاعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/حزيران/2014 - 17/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م