ظاهرة التحرش الجنسي في مصر..

لا رادع قانوني ولا أخلاقي

 

شبكة النبأ: جرائم التحرش الجنسي التي تزايدت بشكل خطير في الشارع المصري، لا تزال محط اهتمام شعبي ودولي مضطرد حيث تخشى الكثير من المنظمات الإنسانية والحقوقية من استفحال هذه الظاهرة، التي تفاقمت بشكل مخيف في المجتمع المصري الذي يعد من المجتمعات الاسلامية المحافظة.

ويرى بعض الخبراء ان هناك اسباب كثير ومتعددة وراء تفاقم هذه الجرائم الخطيرة منها ضعف القوانين العقابية والابتعاد عن القيم الدينية والخلقية، وغياب الدور الأسري وضعف المؤسسات التربوية وانتشار البطالة وتعاطي الشباب للمخدرات وانتشار الفضائيات والمواد التليفزيونية الإباحية واللا أخلاقية يضاف الى ذلك تفشي ظاهرة العنوسة وارتفاع تكاليفه بين الشباب والتي وصلت بحسب بعض التقارير الى اكثر من 8 مليون شاب جاوزوا سن الخامسة و الثلاثين بلا زواج.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان تفاقم ظاهرة التحرش في مصر تعود لأسباب سياسية، حيث أسهمت الخلافات السياسية والصراعات المتجددة في اضعاف سلطة القانون والقوى الأمنية والتي فقدت هيبتها بشكل كبير في ايام حكم ورئيسها المعزول محمد مرسي احد اعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والتي تسعى اليوم وبحسب البعض الى تشجيع كل ما هو مخالف للقانون بهدف اضعاف الحكومة المصرية الجديدة، التي تتهما الجماعة بتجاهل أوضاع العشرات من النساء في السجون المصرية، وخاصة المعارضات من مؤيدات الرئيس المعزول محمد مرسي، التي يتعرضن للتحرش الجنسي والتعذيب في السجون المصرية.

وبحسب بعض التقارير فأن اكثر من 64.1% من المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية، و33.9% تعرضن للتحرش أكثر من مرة في اليوم ، 10.9% يتعرضن للتحرش بصفة أسبوعية، 3.9% يتعرضن للتحرش بصفة شهرية، وان 64% من الرجال اعترفوا بارتكابهم التحرش الجنسي، 83% من النساء قلن إنهن تعرضن لهذه الممارسات 2.4% منهن قمن بالإبلاغ، 3% من الرجال يلقون باللوم على المرأة لأنها تستدعى هذا السلوك، المحجبات يمثلن 72% من المتعرضات للتحرش فى حين أن 80% من المصريات محجبات). وهناك الكثير والكثير من الحوادث التي دعمت تلك الإحصائيات مثل اغتصاب "لارا لوجان" مراسلة شبكة سي بي أس الأمريكية .. واغتصاب مراسلة قناة فرانس 24 المملوكة للحكومة الفرنسية فى ميدان التحرير، مما جعل صحيفة "واشنطن بوست" تقول أن مصر تحتل المركز الأول في التحرش الجنسي بالمرأة تليها أفغانستان.

اعتداء جنسي جماعي

وفيما يخص اخر الاخبار عن هذه الظاهرة الخطيرة فقد ألقت السلطات المصرية القبض على سبعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 16 و49 سنة، بعد واقعة اعتداء جنسي جماعي لطالبة تبلغ من العمر 19 عاما في ميدان التحرير بالقاهرة، أثناء الاحتفالات بأداء الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية.

ويظهر مقطع فيديو مجموعة من الرجال يحيطون بفتاة، نزعت عنها ملابسها وتورم جسدها، فيما كان رجال شرطة ينقلونها لسيارة إسعاف وسط حالة من الفوضى العارمة بعد الاعتداء عليها جنسيا. وحاول المعتدون افتكاك الفتاة من رجال الشرطة وهم يحاولون إنقاذها وأطلقوا عليهم ألعابا نارية. وتسمع في مقطع الفيديو أصوات رجال تطالب رجال الشرطة بإطلاق النيران لتخليص الفتاة لكن الفيديو لا يظهر أن الشرطة فعلت ذلك.

وأكد مسؤول أمني صحة مقطع الفيديو موضحا أن الشرطة ألقت القبض على سبعة أشخاص على صلة بالاعتداء جنسيا على الفتاة التي قال إنها طالبة تبلغ من العمر 19 عاما وأنه جرى نقلها للمستشفى. ولكن وزارة الداخلية قالت إنه جرى إلقاء القبض على "سبعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 16 و49 سنة متهمين "بالتحرش بعدد من الفتيات خلال الاحتفالات بمنطقة ميدان التحرير".

وقالت المصادر القضائية إن اثنين من المقبوض عليهم اعترفا بضرب امرأة بينما أنكر الباقون ارتكاب أي مخالفة وقالوا إن المرأة أثارتهم بتصرفاتها. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن النائب العام يستمع إلى روايات الضحايا والمشتبه بهم وانه أمر بعرض الفتيات على الطب الشرعي. وقالت الوكالة إن التحقيقات المبدئية للنيابة العامة كشفت ان "بعض العناصر الإجرامية استغلت زحام المواطنين ووجودهم للاحتفال بتنصيب الرئيس... وقامت بالتحرش ببعض الفتيات بالميدان... لإفساد مظاهر الاحتفال."

وكتب مستخدم غربي لفيسبوك في صفحته يقول واصفا لقطات الفيديو التي ظهرت فيها المرأة العارية "مروع فوق الوصف" وأضاف "الجنون الذي في المشهد مرعب حقا. وضع النساء في هذا البلد مروع منذ وقت طويل ولا بد أن يتغير." وقال تقرير للأمم المتحدة العام الماضي إن 99.3 في المئة من النساء والفتيات في مصر تعرضن للتحرش ويقول بعض المحللين إن هذا مواكب لتصاعد عام في العنف في المجتمع المصري في السنوات الخمس الماضية.

الى جانب ذلك طلبت مصر من موقع يوتيوب حذف فيديو لضحية تحرش تظهر في اللقطات عارية وبها إصابات ويقتادها عدد من الأشخاص في محيط ميدان التحرير بالقاهرة بعد الاعتداء عليها جنسيا خلال احتفال بتنصيب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي. وقال المتحدث الرئاسي إيهاب بدوي في بيان "تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي فإن السفارة المصرية في واشنطن وعددا من الجهات المصرية قد طالبت إدارة الموقع الالكتروني يوتيوب برفع مقطع الفيديو الخاص بضحية واقعة التحرش التي حدثت في ميدان التحرير مؤخرا."

وأضاف أن القاهرة أقدمت على ذلك "استجابة لرغبة الضحية والتي كانت قد عبرت عنها أثناء زيارة الرئيس لها... للاطمئنان على حالتها الصحية والنفسية." وزار السيسي الضحية التي لم يعلن اسمها كاملا في مستشفى عسكري تعالج فيه ونقلت قنوات تلفزيون محلية حديثا دار بينهما لكن وجه الضحية كان مظللا خلال الحديث الذي استغرق دقائق. بحسب رويترز.

ويقول كثيرون إن المجتمع المصري ككل بحاجة للتعامل مع ظاهرة التحرش الجنسي بجدية أكبر. وضحكت مذيعة في قناة فضائية خاصة عندما أخبرتها زميلة لها بواقعة التحرش في التحرير. وقالت "مبسوطين بقى!". وأظهر مسح العام الماضي أن حالات التحرش الجنسي وختان الإناث وتزايد العنف عقب انتفاضات الربيع العربي جعلت مصر أسوأ بلد عربي للمرأة.

عقوبات مشددة

من جانب اخر قررت الحكومة المصرية تطبيق عقوبات مشددة بحق المدانين بالتحرش الجنسي، وذلك في محاولة منها للحد من هذه الظاهرة المستشرية في الشارع المصري. فقد اصدر الرئيس المصري المؤقت المنصرف عدلي منصور مرسوما رئاسيا يعتبر التحرش جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة خمس سنوات. ويذكر ان مصر كانت تفتقر الى قانون يعرف طبيعة التحرش الجنسي.

وكانت دراسة اعدتها الامم المتحدة عام 2013 قد خلصت الى ان تسع من كل عشر نسوة مصريات قد تعرضن لشكل من اشكال الاعتداءات الجنسية، من التحرش البسيط الى الاغتصاب. ووصف مناصرو حقوق الانسان مدى انتشار ظاهرة التحرش في مصر بأنه "مخيف." وقد زادت المشكلة خطورة وانتشارا في السنوات الثلاث التي اعقبت الاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.

ولكن بموجب القانون الجديد، سيواجه مرتكبو التحرش احكاما بالسجن تتراوح بين ستة اشهر وخمس سنوات. وسيحكم بالمدة الاطول اولئك الذين يرتكبون جرائمهم من موقع قوة سواء وظيفيا او فعليا (كأن يكونوا مسلحين)، إذ ينص على انه اذا كان مرتكب جريمة التحرش "له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا" فان العقوبة تزيد لتصل الى "الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه". بحسب بي بي سي.

وقال ايهاب بدوي الناطق باسم الرئاسة المصرية إن المرسوم الذي اصدره الرئيس منصور ينص على انه اذا ارتكبت الجرائم السابقة "بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، فان هذه الجريمة تعد تحرشا جنسيا ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".

اجراءات السيسي

على صعيد متصل قال متحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أمر وزير الداخلية بالتصدي بقوة لظاهرة التحرش الجنسي. وقال المتحدث باسم الرئاسة في بيان إن السيسي وجه وزير الداخلية "بضرورة إنفاذ القانون بكل حزم واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتصدي لظاهرة التحرش الدخيلة على المجتمع المصري." وأضاف أن "الرئيس يهيب بالمواطنين القيام بدورهم المنوط بهم لإعادة إحياء الروح الحقيقية القيمية والأخلاقية في الشارع المصري... وذلك إلى جانب جهود الدولة في إنفاذ القانون."

 وقد اعتذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسيدة التي تعرضت لتحرش جنسي بميدان التحرير أثناء الاحتفالات بمناسبة تنصيبه رئيسا للجمهورية. وعرض التلفزيون الحكومي لقطات للسيسي وهو يقدم باقة ورود للسيدة التي ترقد في أحد مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة. وقال السيسي للسيدة: "أعتذر وأعدك بأننا كدولة لن نقبل مثل هذه الحوادث في المستقبل". وأضاف: "سوف نتخذ إجراءات صارمة وسنقف بقوة في وجه أي متحرش".

ورافق السيسي في الزيارة الفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة. وأعرب السيسي عن أسفه للسيدة ولكل سيدات مصر. وطالب الإعلام ورجال الشرطة بمقاومة هذه الظاهرة. وقال "أقول للقضاء إن عرضنا ينتهك في الشوارع، وهذا لا يجوز وغير مقبول حتى لو كان حالة واحدة". يأتي ذلك بعد يوم واحد من مطالبة السيسي بشن حملة ضد التحرش، الذي وصفه بأنه "ظاهرة غريبة" على المجتمع المصري، داعيا إلى "إعادة ترسيخ القيم الأخلاقية في المجتمع".

وقالت امرأة للنيابة العامة "بعد الاحتفال بتنصيب السيسى أخذت طفلتي 7 و9 سنوات تمهيدا للعودة إلى منزلنا وفوجئت بعدد من الشباب يدفعوننا إلى شارع جانبي بالقرب من ميدان التحرير وأخرج أحدهم مطواة وهددني بالضرب بها إذا لم أتحرك معهم." وأضافت "توسلت لهم أن يتركوا طفلتي ويأخذونني أنا في محاولة مني لاستعاطفهم إلا أنهم فعلوا ذلك بالفعل وألقوا بطفلتي في الأرض واصطحبوني بالقوة إلى حارة جانبية وجذبني أحدهم من ملابسي ومزقها وآخر مزق بنطلوني بمطواة وحاولوا الاعتداء علي."

وقالت امرأة أخرى إن خمسة رجال سحبوها من وسط الحشود ونزعوا عنها بنطالها. وبعد التعاطف العام مع الضحايا اللائي شوهدن في الفيديو تقدمت سبع نساء أخريات بشكاوى تفيد بأنهن تعرضن للتحرش خلال الاحتفالات بتنصيب السيسي. وفي واشنطن قالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تحث الحكومة المصرية "على الوفاء بوعدها بعمل كل ما هو ممكن لمكافحة التحرش الجنسي وتفعيل قانون جديد يعاقب المتحرشين المدانين".

وفي إشارة إلى الفيديو قالت ساكي "شاهدنا الفيديو المروع الذي أصابنا بالصدمة والفزع بقدر ما أصاب المصريين. انتشار الاعتداءات الجنسية على المصريات هو مبعث قلق شديد ليس فقط للشعب المصري وإنما أيضا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي." وتحدث السيسي كثيرا عن المرأة بشكل إيجابي وعن أهميتها للمجتمع.

وأمر بتكريم ضابط شرطة تمكن من إنقاذ ضحية حادث التحرش من وسط المعتدين عليها. لكن بعض الليبراليين كانوا يشعرون أصلا بالقلق من السيسي خصوصا بعد تصريحات دافع فيها عن إجراء "كشوف العذرية" على محتجات شكين من إخضاعهن لتلك الكشوف. ونفت محكمة عسكرية لاحقا إجراء هذه الكشوف.

الخطباء والجمعيات

في السياق ذاته أدان خطباء صلاة الجمعة في مصر اليوم ظاهرة التحرش الجنسي وسط تصاعد الغضب الشعبي إزاء عمليات العنف الجنسي التي وقعت في ميدان التحرير مؤخرا. وخصصت وزارة الأوقاف المصرية الجزء الثاني من خطبة الجمعة لتناول ظاهرة التحرش الجنسي في أعقاب الواقعة التي نشرت بالفيديو على بعض مواقع الإنترنت، والتي تعرضت فيها امرأة مصرية لتجريدها من ملابسها ولاعتداء جنسي وبدني عنيف في ميدان التحرير.

يأتي ذلك في إطار جهود الدولة لمكافحة تلك الظاهرة الاجتماعية التي أصبحت من اخطر المسائل تهديدا للنساء والفتيات، بحسب بعض المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة. وتطالب بعض الشخصيات العامة وجمعيات حقوق المرأة بتغليظ العقوبة ضد المتحرشين لتصل إلى الإعدام.

وأوصت وزارة الأوقاف في بيان لها الأئمة والخطباء بتناول الموضوع في خطبهم. ونقلت القنوات الحكومية المحلية شعائر صلاة الجمعة من أحد المساجد في محافظة المنوفية شمال القاهرة وألقى الخطبة الشيخ عبد الحكم صالح سلامة، الأستاذ بجامعة الأزهر. وقال سلامة في خطبته: "إن وطننا منذ فجر التاريخ مصدر إشعاع للقيم الخلقية. ومن قديم الأزل، ومصر يعد الرجال فيها حصونا ودروعا للنساء. ولم تعرف إطلاقا تلك الحيوانية أو البهيمية... أو الجوع الشهواني بصورة خارج إطار ما أنزل الله." ودعا سلامة إلى الالتزام بالتعاليم الإسلامية والأخلاقية مستشهدا بآيات من القرآن تحث الرجال والنساء على غض البصر.

الى جانب ذلك أصدر عشرات من المجموعات الحقوقية بيانا تتهم فيه الحكومة بالتقصير في معالجة المشكلة. تشكو جمعيات نسائية من أن القوانين الجديدة الصارمة في هذا الشأن لم تكن رادعة بما فيه الكفاية. وقال البيان إنه جرى توثيق أكثر من 250 حادث اعتداء جنسي من نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وحتى يناير/ كانون الثاني 2014. ودعا إلى "استراتيجية وطنية شاملة" لوقف العنف.

وتعاني مصر من التحرش الجنسى منذ فترة طويلة، غير أن الظاهرة تفاقمت بشكل كبير على مدى الثلاث سنوات الماضية منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 2011. ويعد ميدان التحرير، الذي شهد اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، هو أكثر الأماكن التي تشهد مثل هذه الحالات وسط تجمع الحشود الكبيرة. وكانت دراسة أعدتها الأمم المتحدة عام 2013 قد خلصت إلى أن تسعا من بين كل عشر سيدات مصريات تعرضن لشكل من أشكال الاعتداءات الجنسية، من التحرش البسيط وحتى الاغتصاب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م