الإعلام التعبوي وهاجس غياب الحقيقة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يجمع خبراء الإعلام وعلم النفس الاجتماعي، على التأثير الكبير الذي يمكن ان يتركه الاعلام التعبوي على النفوس والقناعات، فتجعل شريحة لا بأس بها من المجتمع تتبنى – من حيث تريد او لا تريد- توجه او موقف معين.. وهذا ملاحظ بالدرجة الاولى، خلال بعض الحروب التي شهدها العالم، سواءً عبر الحدود، أو تلك التي تحمل صفة "الحرب الأهلية". فعندما يكون اطراف الحرب –بقطع النظر عن توجهاتهم وغاياتهم- بحاجة ماسّة إلى القوة البشرية لتعزيز المواقع في الميدان، تتم إثارة مفاهيم كبيرة ومشاعر إنسانية، مثل حب الوطن والدفاع عنه، وايضاً الخشية على الحرية والكرامة وحتى العقيدة من الانتهاك في حالة الهزيمة امام الاعداء. وهذا بحد ذاته أمرٌ جيد ومطلوب من قبل الاعلام، فهو من حيث المبدأ يستجمع الطاقات والقدرات وايضاً القناعات في رافد واحد لمواجهة خطر داهم يهدد الوطن.

ان ايجابية هذا المسار الاعلامي متمخضة من المرحلة الراهنة التي يعيشها الاعلام، لاسيما المرئي منه، وتحديداً القنوات الفضائية التي تواكب الحدث بالصوت والصورة، بيد أن الآثار التي تتركها التعبئة النفسية والجماهيرية، لن تزول بزوال الحاجة اليها، فحالة الحرب والاقتتال لن تكون دائمة، إنما تنتهي – على الأغلب - إلى تسويات سياسية، فاذا كانت دوافع الحرب قومية او عرقية – مثلاً- فان شحذ النفوس وإثارة هذه المشاعر ستأخذ مدياتها الاجتماعية والاقتصادية، بما تصوغ رؤى وافكار جديدة للفرد والمجتمع، كذلك الحال اذا حملت التعبئة لواء العقيدة والطائفية، فان هذا سيواكب حياة الناس لفترة طويلة من الزمن، ليس من السهل تغييره، إن لم نقل بوجود نية وتخطيط بالاساس للإبقاء عليه، ومثالنا في ذلك مسيرة "كُرد العراق" في المطالبة بحقوقهم طيلة العقود الماضية، والقاعدة التي ينطلقون منها لبناء كيانهم القومي، رغم الخلافات على صيغة الحكم وإدارة الاقليم مع الحكومة المركزية.

ولعل التعبئة الإعلامية الكبيرة للمشروع النووي ومواجهة ايران للضغوطات والتحديات الغربية، يكون دليلاً آخراً على نجاح هذه التعبئة في ظروف المواجهة والتصعيد، حيث نجد توقف كل الخلافات في وجهات النظر عند هذه المسألة التي يراها الجميع في ايران، أنها تمثل "مصلحة الأمن القومي".

في هذه الحالة تكون مهمة الاعلام أمام تحدٍ خطير، فهو من حيث المبدأ معني بالحقيقة وأن يكون "الأمين" أو "المرآة الشفافة" بين الحدث والجماهير، فالامانة والمصداقية تكون على المحك، فمعروف أن الحالة العاطفية لا تدع مجالاً للحقيقة في الظهور، لان ببساطة، ربما تنكشف امور لا تحبذها النفوس ولا تتوقعها، فالحقائق أمور ثابتة، بينما المشاعر والعواطف متحركة، وبما ان هاتين الحالتين من أهم مكونات الافكار والقناعات، فان اي تغيير فيهما يعني تغيير في مسار الافكار ومن ثم المواقف، وهذا ربما يتعارض – في بعض الاحيان– مع السياسات العامة التي تتبعها الجهات المعنية بالتعبئة الاعلامية – الجماهيرية. لذا نلاحظ في زمن الحروب إعلان حالة "طوارئ اعلامية" غير مكتوبة وغير معلنة. لان الاجواء العامة تتجه إلى التعبئة ورصّ الصفوف لمواجهة العدو القادم.

لكن اذا كانت التعبئة الجماهيرية "حقانية"، وان المواجهة مع العدو، إنما هي مواجهة حق ضد الباطل، لن نجد أي تعارض مع مبدأ الحق والحقيقية الذي يفترض ان تحمله أي وسيلة اعلامية ملتزمة، واكثر من ذلك.. فان استحضار بعض الحقائق بهدف الإصلاح وسد الثغرات وتعزيز المواقف، من شأنها ان تعطي زخماً اضافياً إلى مشروع التعبئة الجماهيرية، ويضفي عليه مصداقية اكبر، والأهم من كل ذلك، توثيق الصلة بين الجماهير والحكم بحيث تكون تلك المواجهة – مهما كانت مكلفة وباهظة- ضمن مسؤوليات الناس وهمومهم، وليس العكس، فيكون السباق نحو التضحية، والتنافس لتقديم الاكثر والافضل، لان الناس إنما يدافعون قيم ومبادئ لا تقتصر على الحاضر الذي يعيشونه، إنما لبناء المستقبل السعيد البعيد عن المخاطر والتهديدات الخارجية وحتى الداخلية، أياً كانت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م