التجسس الأمريكي... بين الأنشطة المشبوهة ومحاولة ترميم الفضيحة

 

شبكة النبأ: تداعيات التجسس الأمريكي التي عصفت اصدائها في اغلب ارجاء العالم، ولم تستثني الأصدقاء من الأعداء، كما لم تستثني الشعب الأمريكي، ما زالت تمارس ضغوطها على صناع القرار داخل الولايات المتحدة الامريكية، إضافة الى وكالات الامن القومي والوكالات الاستخبارية الأخرى، والتي استوجبت إعادة هيكلة طرق العمل، وسن العديد من القوانين الجديدة التي حاولت تخفيف الضغط الذي مورس ضد فضائح التجسس التي طافت ارجاء العالم.

وقد اتهمت بعض الأطراف الحقوقية والقانونية، الجهات الرسمية داخل الولايات المتحدة، بتجاهل الحقوق والحريات العامة للمواطنين الأمريكيين، إضافة الى الحقوق والحريات العامة من خلال ممارسة أنشطة التجسس على البيانات والسجلات الخاصة للأفراد في مختلف دول العالم، "والتي وصل بعضها الى التجسس على رؤساء ووزراء دول كبرى كما حدث في قضية التجسس على المستشارة الألمانية ميركل"، من دون مراعاة لحرمة هذه البيانات الشخصية، كما اكدت ان القوانين الجديدة التي شرعت مؤخراً، لم تمنع بصورة جادة مزاولة هذه الأنشطة، وان القيود التي فرضت يمكن تجاوزها بسهولة من قبل وكالة الاستخبارات الامريكية، سيما وان امر تنفيذها ومراقبتها ما زال يراوح مكانه داخل أروقة الإدارة الامريكية ومؤسساتها الأخرى.

في سياق متصل صرح المدعي العام الألماني هارالد رانج للصحفيين خلال جلسة لجنة نيابية أن القضاء الألماني سيحقق في قضية تنصت الاستخبارات الأمريكية على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حسب ما سرب إدوارد سنودن، وأوضح القاضي في النيابة الفدرالية بكارلسروه (غرب) أن التحقيق مفتوح "ضد مجهول" وسيتناول وقائع تجسس ونشاطات جهاز استخبارات أجنبي لكنه أعلن أنه لن يفتح تحقيقا حول التنصت على ملايين الألمان كما تبين أيضا من الوثائق السرية التي سربها سنودن.

ويذكر أن ألمانيا صدمت في صيف 2013 مما كشفه المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن عن نظام واسع لمراقبة المكالمات الهاتفية والاتصالات الألمانية على الانترنت وصل إلى حد التجسس على هاتف المستشارة النقال خلال عدة سنوات، وقد كانت لتلك الفضيحة انعكاسات سلبية على العلاقات مع الولايات المتحدة التي هي في العادة وثيقة جدا، وتشكلت لجنة تحقيق في مطلع نيسان/أبريل في ألمانيا لتحديد مدى استهداف وكالة الأمن القومي الأمريكية المواطنين والمسؤولين السياسيين الألمان وما كانت تعرفه أجهزة الاستخبارات الألمانية، وتنوي اللجنة الاستماع خصوصا إلى سنودن سواء بالتوجه إلى موسكو حيث يقيم أو عبر الفيديو.

وانتقد الاشتراكيون الديمقراطيون (شركاء ميركل في الائتلاف الحكومي) وكذلك المعارضة (الخضر واليسار الراديكالي دي لينكه) قرار التحقيق فقط حول التنصت على المستشارة، وقال النائب هانس كريستيان شتروبل ممثل الخضر في اللجنة البرلمانية التي استمعت لرانج إن "الجريمة الأساسية التي كانت موضوع نقاشاتنا هي التجسس على عدد كبير من الناس"، بينما اعتبر رالف شتاينر مساعد مسؤول نواب الأس بي دي في البوندزتاغ، مجلس النواب الألماني على موقع صحيفة هاندلسبالت على الإنترنت أن "سياسة قضائية تعمل بالشعار (المقتبس من "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل) القائل بأن "كل الحيوانات سواسية، لكن بعضهم متساوون أكثر من الآخرين" ليست مقبولة عندما يتعلق الأمر بانتهاك واسع لحقوق المواطنين".

قانون جديد

فيما أعرب بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي عن مخاوفهم حيال افتقار القانون الجديد للقدر المطلوب من الحسم، وصدق مجلس النواب الأمريكي على أول تشريع يوقف نشاط وكالة الأمن القومي الأمريكية فيما يتعلق بجمع أعداد كبيرة من المكالمات الهاتفية المسجلة، ويعني قانون الحرية الجديد أن البيانات من هذا النوع سوف تظل في حوزة شركات الاتصالات عموما.

ورغم بعض المخاوف التي تشير إلى أن مشروع القانون هذا، والذي يدعمه البيت الأبيض، تعرض لمحاولات تستهدف إضعافه، مرر مجلس الشيوخ النواب ذلك القانون بموافقة 303 عضو مقابل رفض 120 آخرين، وهو الآن في طريقه إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه، ويُذكر أن الإدارة الأمريكية كانت قد عبرت عن غضبها الشديد بعدما كشف محلل التكنولوجيا بوكالة الأمن القومي الأمريكية، إدوارد سنودن، ممارسات الوكالة، بذلك ينهي التشريع الجديد نشاط جمع تسجيلات المكالمات الصادرة والواردة التي يجريها المواطنون عبر كل خطوط الهاتف الأرضية بالولايات المتحدة تقريبًا، وهي العملية التي استهدفت جمع البيانات ذات الصلة باتصالات تخدم مخططات الإرهاب بالخارج.

ولن يُطلب من شركات الاتصالات بعد الآن الإبقاء على سجلات المكالمات لفترات أطول مما كان الأمر عليه، وهو ما يتفاوت من شركة إلى أخرى، هذا وينص القانون على أنه إذا احتاجت وكالة الأمن القومي لتسجيلات ترى أنها تسلط الضوء على مؤامرات إرهابية، يمكن للوكالة طلب الحصول على أمر قضائي أولاً.

وكان الكثير من أعضاء مجلس النواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين صوتوا لصالح هذا الإجراء قد أعربوا عن رغبتهم في أن تكون هناك شروط أكثر صرامة، وكان تسريبات محلل التكنولوجيا، إدوارد سنودن، هي المحرك الرئيس لسعي إدارة أوباما لاستصدار هذا القانون، كما كان هناك استياء من جانب أعضاء المجلس حيال إسقاط القانون الجديد بندا كان ينص على ضرورة إصدار إذن من مدعى عام مستقل في محكمة المخابرات السرية، والتي تشرف على وكالة الأمن العام، عند الحاجة إلى الحصول على تسجيل.

ومن الشروط التي أرادها النواب وغابت عن ذلك التشريع أيضًا ضرورة تقديم تقرير سنوي حول عدد الأفراد المستهدفين بالتسجيلات، علاوةً على تقرير يُقدم كل سنتين يتضمن عدد الأوامر القضائية التي تطلبها وكالة الأمن القومي، وقال العضو الديمقراطي بمجلس النواب، جان شاكووسكي، إن القانون تعرض لـ "إضعاف" وأصبح أقل قوة، ولكن وفقاٍ لشاكووسكي "الحصول على شيء جيد أفضل من الحصول على لا شيء بسبب الرغبة في بلوغ الكمال".

وبينما يرى مؤيدو القانون الجديد أنه يحمي الوظيفة التي من أجلها وُضع برنامج تسجيل المكالمات في حيز التنفيذ، وهو ما أنقذ حياة الكثيرين، هناك على الجانب الآخر معارضو القانون، أغلبهم من نشطاء الخصوصية والحريات المدنية، والذين أدانوا القانون مشددين على أنه تعرض لممارسات أضعفته بسبب محاولة الوصول إلى اتفاق عليه، وتقول الرئيسة التنفيذية بمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، نولا أوكونر، إن "التشريع وُضع من أجل منع الجمع المكثف لتسجيل المكالمات، إلا أنه صيغ بطريقة جعلته ضعيفًا بحيث لا يستطيع حماية المواطنين من عمليات الجمع المكثف للمعلومات الخاصة بهم"، وانضمت إلى معارضة هذا التشريع شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها غوغل وفيسبوك، إذ رأت كل منهما أن لغة صياغة القانون قد تسمح بجمع البيانات عبر الإنترنت.

ولن يعود بإمكان وكالة الامن القومي ان ترغم مزودي خدمات الهاتف والانترنت في الولايات المتحدة على تسليمها بشكل متواصل بيانات الاتصالات على شبكاتها وهي تشمل التوقيت والمدة والرقم المطلوب، وبموجب الاصلاح، فان على مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الامن القومي الحصول على مذكرة مسبقة من المحكمة السرية المكلفة التنصت وذلك بالاستناد الى شك "معقول"، قبل ان يحق لهما الحصول على بيانات رقم معين، وستفرض قيود ايضا على الحصول على بيانات اخرى غير الهاتف لكن بشكل اقل تشددا.

لكن وبعد محادثات سرية بين مسؤولين من الحكومة ومن مجلس النواب، تم تعديل بعض الجوانب التقنية بالمقارنة مع النسخة التي تم تبينها بالأجماع في الثامن من ايار/مايو، واعلن البيت الابيض انه يدعم هذه النسخة بشكل تام، والامر يتعلق بتعريف كلمة "اختيار" اي الكلمة التي تصف الهدف الذي ستتم مراقبته، في النسخة الاصلية، هذه الكلمة يمكن ان تشير تحديدا الى "شخص او حساب مصرفي او كيان".

لكن في النسخة الجديدة لم يعد التعريف شاملا بل بالإمكان نظريا بحسب المنظمات غير الحكومية ان يشير الى رمز بريد كامل او مجموعة مشتركين يستخدمون مسير الشبكة نفسه، واوضح هارلي غيغر خبير مركز الديموقراطية والتكنولوجيا "لا شيء في هذا القانون يمكن الدولة من ان تعلن انها تريد الحصول على المعلومات المتعلقة بكل الرسائل الالكترونية لجميع سكان سالت ليك سيتي"، واضاف غيغر "لقد اثبتت الدولة انها لا تعدم وسيلة لاستغلال جوانب غامضة او ملتبسة من القانون ومع الاسف فان هذه الصيغة الجديدة تغلق التباسا في مكان حساس". بحسب فرانس برس.

وأعلن التحالف الاصلاحي الذي يضم عمالقة الانترنت "ايه او ال" و"ابل" و"دروب بوكس" و"فيسبوك" و"غوغل" و"لينكد ان" و"مايكروسوفت" و"تويتر" و"ياهو!" انه يعارض الصيغة الحالية للنص، وصرح التحالف في بيان نشرته "ناشيونال جورنال" ان "النسخة الاخيرة تخلق فراغا قانونيا غير مقبول يمكن ان يسمح بجمع بيانات مستخدمين للأنترنت بشكل مكثف".

استغلال مشبوه

بدوره تعهد البيت الأبيض الأمريكي بألا تستخدم وكالة المخابرات المركزية برامج التطعيم للتستر على عملياتها في أعقاب شكوى من أن الوكالة استخدمت مثل هذه الحملات خلال بحثها عن زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وتقدم 12 عميدا لكليات الصحة العامة بشكوى من برنامج تطعيم قام به طبيب باكستاني استخدم مسحا للتطعيم من التهاب الكبد في المدينة الباكستانية التي قتل فيها بن لادن في مهمة تخابر أمريكية، وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن وكالة المخابرات المركزية استغلت المسح في محاولة للحصول على سائل يحتوي الحمض النووي لأقارب يعيشون قرب بن لادن، وقالت الصحيفة ان هذه المحاولة فشلت وحكم بالسجن على الطبيب الباكستاني شاكيل أفريدي. بحسب رويترز.

وقالت كيتلين هايدن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إن ليزا موناكو مستشارة الرئيس باراك أوباما للأمن القومي أكدت للعمداء في رسالة أن سياسة وكالة المخابرات المركزية اعتبارا من أغسطس آب 2013 تقر بوضوح "ان وكالة المخابرات المركزية لا تستخدم برامج التطعيم"، وأضافت "بالمثل لن تسعى الوكالة للحصول على الحمض النووي أو استخدامه أو أي مواد وراثية أخرى تم الحصول عليها من خلال هذه البرامج، وتنطبق هذه السياسة في جميع أنحاء العالم وعلى الأمريكيين وغير الأمريكيين على حد سواء".

كما قال البيت الأبيض ووكالات المخابرات الأمريكية إن وكالة الأمن القومي أو أي جزء أخر من الحكومة لم يكونوا على دراية قبل هذا الشهر بوجود ثغرة "هارتبيلد Heartbleed" ونفيا تقريرا يقول إن وكالة التجسس استغلت الخلل في استخدام تقنية تشفير على الانترنت تستخدم على نطاق واسع لجمع معلومات مخابرات، وأصدر البيت الأبيض ووكالة الأمن القومي ومكتب مدير المخابرات القومية بيانات بعدما قالت بلومبرج في تقرير إن وكالة المخابرات القومية على دراية بالثغرة منذ عامين على الأقل واستغلتها للحصول على كلمات سر ومعلومات رئيسية أخرى استخدمت في عمليات تسلل، واستشهد تقرير بلومبرج بمصدرين لم يذكر اسميهما قال إنهما مطلعان على الموضوع.

وتعد ثغرة هارتبيلد واحدة من أخطر العيوب في أمن الانترنت التي تكتشف في السنوات الأخيرة، وقالت كيتلين هايدن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في بيان إن "التقارير التي تقول إن وكالة الأمن القومي أو أي جزء آخر من الحكومة كان على دراية بما يسمى بضعف هارتبليد قبل أبريل 2014 خاطئة"، وأضافت هايدن "تأخذ هذه الإدارة بجدية مسؤوليتها للمساعدة في الحفاظ على انترنت مفتوح وقابل للتبادل واستخدام المعلومات وآمن وجدير بالثقة".

ولم يمكن التوصل إلى بلومبرج على الفور للحصول على تعليق، وحث اكتشاف باحثون يعملون في شركة جوجل وشركة أمن صغيرة هي كودنوميكون لهارتبيلد وزارة الأمن الداخلي الأمريكية على تحذير الشركات لمراجعة خوادمهم لرؤية إذا ما كانوا يستخدمون نسخا ضعيفة من البرنامج المستخدم على نطاق واسع والمعروف باسم (اوبن إس.إس.إل OpenSSL) ويستخدم (اوبن إس.إس.إل) لتشفير البريد الإلكتروني واتصالات أخرى ولحماية مواقع الانترنت الخاصة بشركات الانترنت الكبرى بما في ذلك فيسبوك وجوجل وياهو، وسمحت الثغرة التي اكتشفت للمتسللين بسرقة بيانات بدون اقتفاء أثر.

وتسارع شركات التكنولوجيا الآن لتحديد الأجزاء المعرضة للخطر من شفرة (أوبن.إس.إس.ال.) في قطاعات أخرى من بينها خوادم البريد الالكتروني وأجهزة الكمبيوتر الشخصية العادية والهواتف، وسارعت شركات مثل سيسكو سيستمز وانتل لإجراء عمليات تحديث للحماية من التهديد محذرة الزبائن من أنهم قد يكونون معرضين للخطر.

فيما قضى قاض بمحكمة اتحادية بأن شركات الإنترنت ينبغي عليها أن تسلم عناوين البريد الإلكتروني للعملاء والمحتويات الرقمية الأخرى التي تطلبها أوامر البحث الصادرة عن الحكومة الأمريكية حتى وإن كانت هذه المعلومات مخزنة في الخارج، وقال قاضي التحقيق الأمريكي جيمس فرانسيس في نيويورك فيما يبدو أنه أول قرار محكمة يعالج القضية إن شركات الإنترنت مثل مايكروسوفت وجوجل لا يمكنها رفض تسليم معلومات عميل أو عناوين بريده الإلكتروني المخزنة في دول أخرى إذا ما صدر أمر بحث من وكالات إنفاذ القانون الأمريكية.

وقال فرانسيس إنه إذا ما طلب من الوكالات الأمريكية تنسيق الجهود مع الحكومات الأجنبية لتأمين مثل هذه المعلومات "فإن العبء الذي ستتحمله الحكومة سيكون كبيرا وسيتم اعاقة جهود إنفاذ القانون على نحو خطير"، ويؤكد الحكم الجدل الدائر حول الخصوصية والتكنولوجيا الذي ازدادت حدته منذ كشف إدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية عن سر جهود الحكومة الأمريكية لجمع كميات ضخمة من بيانات العملاء في جميع أنحاء العالم، ويتناول القرار أمر بحث صدر بحق أحد عملاء مايكروسوفت وتخزن عناوين البريد الإلكتروني الخاصة به على خادم في دبلن بايرلندا، وقالت مايكروسوفت في بيان إنها تحدت الأمر لأن الحكومة الأمريكية لا يجب أن تكون قادرة على البحث في محتوى بريد الكتروني موجود في الخارج، وتعتزم الشركة أن تطلب من قاضي مقاطعة اتحادية مراجعة قرار فرانسيس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/حزيران/2014 - 15/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م