ما يريده الإمام المنتظر (عج) وما نحن اليه ذاهبون

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: في مسيرة النمو والارتقاء في الحياة، تواكب الإنسان حالتان: الأولى: نفسية داخلية، تتمثل في الرغبة والحب للأشياء، والثانية: تتعلق بالواقع الخارجي، تتمثل في جملة من الاستحقاقات والواجبات المترتبة على ما يريده الانسان ويطمح اليه. وهذا تبدو مسألة طبيعية، فهنالك الكثير ممن يحملون الطموح والتطلّع لتطوير الحاضر والمستقبل. فيرغبون في زيادة الثراء والتملّك وتحصيل الوجاهة الاجتماعية وحتى المكانة السياسية.. هذه الرغبة والنزعة النفسية تتقدم – ربما من حيث لا يشعرون- على المقدمات والشروط اللازمة لتحقيق هذه الرغبات والطموحات. لذا نلاحظ النجاح يكون حليف أولئك الذين وفروا القدر الأكبر من تلكم الشروط اللازمة.

وهذا ينطبق تماماً على علاقتنا بالامام الحجة المنتظر – عجل الله فرجه- حيث يعمّ الشعور بالأمل بتحقق اليوم الموعود والإيذان بالفرج الظهور العظيم، بل في الوقت الحاضر، وفي عصر الغيبة، كل واحد يُمنّي نفسه بلقاء الإمام – عجل الله فرجه-، لقضاء حوائج عديدة مستعصية، ربما تكون في أحكام الدين، او قضايا تتعلق بمصير الأمة، مثل الازمات الامنية والسياسية وغيرها، وحتى لحاجة شخصية، مثل طلب الشفاء من مرض عضال، او غير ذلك.. لكن هل يتحقق هذا بالمجان ودون شروط ومقدمات مسبقة؟.

سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – دام ظله- يذكرنا بالاستحقاقات إزاء الامام الحجة – عجل الله فرجه- لتحقيق الهدف المنشود بلقائه وتكحيل الناضر بمرآه.. ففي فصل خاص بالإمام الحجة، من كتابه "نفحات الهداية" يؤكد سماحته على ما يتوجب علينا فعله قبل التفكير بتلك اللحظة التاريخية، فان "الامل بزيارة حضرته في عصر الغيبة، لهو مطلب مهم، لكنه رغبة عظيمة، فمن وفق لها فقد نال مقاماً شامخاً وشرفاً رفيعاً، ولكنها تبقى دون الوظيفة..". وفي مكان آخر يتسائل سماحته: "هل هذا ما يريده الإمام منّا"؟.

مسؤولية طلب العلم

يتصور البعض أن مسيرة طلب العلم، أي علم.. لا تقبل سوى شريحة معينة من المجتمع، او من لهم مواصفات معينة، ربما تكون منها الامكانية المادية، او الظروف الاجتماعية والمحيط الأسري المساعد، او عوامل وظروف اخرى، وهناك من يتذرغ بعدم توفر هكذا شروط، فانه معذور من مواصلة الدراسة وتحصيل العلم.. نعم؛ ربما يكتفي ببعض المراحل الأولية التي يتقن فيها القراءة والكتابة، ربما لتسهيل أمر معيشته وأن لا يقع فريسة النصب والاحتيال خلال ممارسته الاعمال الحرة وكسب لقمة العيش.. فما الذي يدفعه لأن يكون طبيباً او مهندساً او محامياً – مثلاً- أو عالم دين او حتى مثقفاً وواعياً بأمور السياسة والفكر والقضايا الكبرى في المجتمع والأمة، ما دام قادراً على كسب مردود مالي جيد يقضي به ايام حياته ويسد به حاجته وحاجة أسرته؟.

ويصرح سماحته بوضوح الى أن "الطموح للقائه – عجل الله فرجه- ليس هو الواجب، لأن الواجب مقدم على الرغبة، والواجب هو معرفة الواجبات الشرعية والعمل بها وتحديد المحرمات والاجتناب عنها، تجاه النفس والآخرين. وتعليم الجاهلين كل حسب قدرته ومعرفته. والسعي لكسب المزيد من المعرفة على هذا الطريق".

نحن نتكلم عن الازمات والفتن المحيطة بنا، والتي تحرك فينا دائماً مشاعر الشوق للقاء الإمام الحجة- عجل الله فرجه- والاقتراب منه والاستضاءة بنوره والاهتداء بارشاداته التي نعتقد انها طوق النجاة الوحيدة، لكن ربما تغيب عنّا اسباب ومناشئ هذه الازمات.. انها من الجهل حيناً، ومن غياب الحقائق حيناً آخر، وايضاً من المحاولات والمساعي المحمومة للتضليل والتغرير التي نشهدها في الساحة بما تذكي نار الفتن السياسية والطائفية، بحيث تجعل البعض من الناس يهرولون نحو الموت راغبين طائعين!.

وعلى الصعيد الاجتماعي، نلاحظ تداعيات خطيرة للجهل بالاحكام والتعاليم، وتشوه للقيم والمفاهيم، فهنالك القراءات والافهام المتعددة، وكلٌ له رؤيته الخاصة ليس فقط بالنسبة للنصوص الدينية، بل حتى في المفاهيم الاخلاقية والانسانية، فهو يفهم التعاون والتكاتف وتقارب وجهات النظر بما يحقق مصالحه الخاصة لفترة معينة ولظروف خاصة، ولا علاقة لها بالبناء الاجتماعي ومستقبل المجتمع والأمة. لذا نجد سماحة المرجع الشيرازي يؤكد في سياق حديثه عن علاقتنا بالإمام الحجة –عجل الله فرجه- على ضرورة تحصيل العلم والمعرفة وتعليمه الناس، ليس لفئة معينة او لمحيط معين، إنما يشمل كل افراد المجتمع وفي جميع شؤون الحياة، فهي "مسؤولية تقع على عاتق الرجل والمرأة والزوج والزوجة، والأولاد والآباء والأمهات، والاساتذة والتلاميذ، والباعة والمشترين، والمؤجرين والمستأجرين، والجيران والأرحام، وفي كل الظروف والاحوال".

إن معرفة الانسان الواجب تجاه نفسه والآخرين، تمثل خطوة الاساس لتكريس القيم والمفاهيم التي من أجلها ينهض الامام الحجة –عجل الله فرجه- وإلا كيف يمكن ان يكون شخصاً ما سبباً في غياب الاخلاق والانسانية – بشكل او بآخر- ثم يتوقع أن يظهر له الامام الحجة المنتظر؟!.

هذه المعرفة هي التي تمهد الطريق لمعرفة الإمام الحجة المنتظر –عجل الله فرجه- وما يريده منا حقاً.. وهو معرفة الإسلام، تلك المعرفة الحقيقية الشاملة، وأن يكون هذا الدين، ليس فقط شعارات او كلمات او طقوس ومفاهيم قشرية، إنما منظومة متكاملة للحياة، يسعد بها الانسان في شتى الظروف والاحوال. هذه المعرفة – بدورها- ستقلل من نسبة الانحراف والخطأ في تعاملاتنا اليومية، سواء على صعيد الأسرة والعلاقات الاجتماعية، او على صعيد المعاملات التجارية او حتى الحياة السياسية وغيرها.

مسؤولية التغيير

ربما لا يختلف معي الكثير، في وجود ظاهرة التواكل في أمر التغيير الاجتماعي والسياسي، رغم وجود الازمات الخانقة، فكل من تراه يعد نفسه دون المستوى المؤثر في الاحداث والواقع، فهو ليس سوى مواطن بسيط وفرد عادي في المجتمع، إنما المسؤولية تقع على المسؤول في الدولة، أو عالم الدين او الشخصيات المتنفذة في المجتمع والدولة. ومرد هذا الى القبول بالمستوى الثقافي والعلمي المتواضع لدى شريحة واسعة من المجتمع. من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي – دام ظله- في أمر التغيير الشامل، مسؤولية جماعية، وليست فردية فقط. وينقل رأياً من الفقهاء "بأن على كل شخص ان يسعى للحصول على ملكة العدالة في نفسه". بمعنى ان يكون لدى كل فرد في المجتمع طموحاً علمياً ومعرفياً عالياً تمكنه من تحصين نفسه من الانزلاقات، سواءً في الاحكام الدينية او القيم الاخلاقية والانسانية.

وهنا يبين سماحة المرجع الشيرازي القيمة الحقيقية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف يكون واجباً كفائياً، عندما ينسبه الى العلم بدرجة "الوجوب المطلق وليس المشروط، ولكنه واجب كفائي، فاذا لم يكن من فيه الكفاية صار واجباً عينياً عليه ايضاً، أي ان على كل شخص مكلّف ان يتعلم الواجبات والمحرمات التي عليه وعلى الآخرين العمل بها وتعليمها والأمر بها للوصول الى حد الكفاية".

هنا نفهم؛ أن المجتمع الذي يسوده طلب العلم والتعليم ثم التغيير، لن يجتاحه المنكر والانحراف وأي نوع من انواع الفتن والمحن، فالواجب الكفائي الذي يتحدث عنه سماحته، يكون في إطاره الصحيح، عندما يكون الجميع – او لنقل غالبية المجتمع- على مقدرة تامة لصد وتغيير ذلك المنكر والأمر والدعوة الى المعروف والإحسان وكل المفردات الاخلاقية والانسانية، والنتيجة تكون تراجع المنكر والانحراف لصالح المعروف والخير والصلاح، وهذا تحديداً ما يريده منّا الامام الحجة المنتظر – عجل الله فرجه-.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/حزيران/2014 - 13/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م