أمر لا يتخيله العقل ولايدخل في حسابات المنطق.. ثاني أكبر مدن
العراق تسقط في ظرف سويعات بيد العصابات الإرهابية.. جانبيها الأيمن
والأيسر.. مطاراتها ومعسكراتها ومخازن عتاد الجيش فيها ومطاراتها
ومصارفها وكل أسواقها وأحياءها والمرافق الإدارية وسجونها التي تحتوي
على فوج كامل من النزلاء يقدر عددهم بثلاثة آلاف سجين بتهم مختلفة منها
بتهم إرهاب.. يهرب الكل منها.. قادتها العظام وشرطتها وجيشها وكل
وحداتها الأمنية.. مدينة تترك هكذا أمام مجموعة إرهابية لا تقدر بفوج
واحد تتمكن من أن تقهر ثلاث فرق أثنان من الجيش وواحد للشرطة مع مكافحة
الإرهاب وعمليات المدينة وأهلها وعشائرها رجالها ونسائها وتترك بلا
ضمير.
انها محنة كبيرة.. إنسحاب الجيش المخز منها بلا قتال مؤشر ينم عن
خطورة بالغة ومؤشرات أخرى على القيادة العسكرية تداركها قبل فوات
الآوان وإنهيار الوطن.
منذ فترة طويلة كانت بعض الصحف المحلية تنشر على صفحاتها إعلانات عن
مئات الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية وأخرها كانت جريدة الزمان
التي نشرت على صفحاتها إعلانات المحكمة العسكرية في البصرة للمئات من
المراتب وفقاً للمادة 33 أولاً من قانون المحاكمات الجزائية العسكري
رقم 30 لسنة 2007.. والتي تنص على "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد (3) ثلاث
سنوات كل من غاب دون عذر مشروع من وحدته أو محل القيام بواجباته أو
تجاوز مدة إجازته في وقت السلم مدة تزيد على (15) خمسة عشر يوما
للمراتب و(10) عشرة أيام للضباط " وهي ليست المرة الأولى التي تنشر بها
تلك الإعلانات بل منذ فترة طويلة قارب الأكثر من عام.. حيث كتبنا مقال
في حينها بتأريخ 9/11/2013 أعطيتها عنوان " المادة / 33 " على امل أن
يقرأها أحد من قادتنا العظام ممن سلموا أمانتهم العظيمة بيد العصابات
وفروا هاربين لايلوون على شيء..
كنا نأمل أن يقرأها أحد مثلما كتب الآخرون عنها ليضعوا تقديراتها
لأسباب هروب جندي عراقي في زمن من البحبوحة في كل شيء.. الملابس،
السلاح والعتاد، المأكل والمشرب، السكن تحت التبريد.. الرواتب
المجزية.. إلا شيء واحداً لم نمنحه له أو لأبناء شعبنا.. وطن يموتون من
أجله! وهذا هو مرضنا اليوم الذي تسبب في ضياع مدينة كاملة بإنهيار غريب
أسقط كل الحصون العسكرية هناك وضعضع الدفاعات العسكرية في كل أرض
الوطن..
يستمر مسلسل الإنهيارات العسكرية التي تطبل لها القنوات الفضائية
المختلفة فلا إعلام واضح عن مايجري.. والقنوات الحكومية تلتزم الصمت
تجاه أهم الأحداث ووضع تفسيرات ستراتيجية لها تضمن ماتبقى صامداً من
قواتنا في المدن المحيطة والقريبة.
العدو يديم زخمه من خلال سيطرته على أكداس عتاد الجيش وتجهيزاته
وفتحه السجون وإطلاق سراح المحكومين ممن ليس لديهم شيئاً ليخسروه.. وكل
يوم يمر تصبح المعركة أقوى وأشرس أو تصبح بالنسبة لهم أسهل لكون
الإنهيار الذي تدعمه الإشعاعات القوية يتسلل بسرعة الى نفوس ابناء
قواتنا المسلحة بعد إنسحاب فرق كاملة من مواقعها وإهانتها للشرف
العسكري الذي كان من المفترض أن يمنحهم الشهادة المباركة وأن يكونوا
ابطالاً في عيون شعبهم ووطنهم.
تباً لكل من ترك موقعه وخان أمانته.. تباً لكل من فضل الحياة
ونعيمها وبذخها بلا شرف على الموت بشرف وعزة ورفعة في سوح القتال
تتذكره الأجيال حتى قيام الساعة. تباً لكل باع وطنه وأرضه وعرضه لقاء
حياة فانية. على الحكومة أن تعقد محاكمها لكل أولئك الذين رضوا بالذلة
وتركوا آلاف العوائل العراقية الشريفة بنسائها وأطفالها تجوب الشوارع
وتعاني الجوع والعطش بحثاً عن ملاذ آمن.. وسوف لن يغفر التأريخ لهم ولن
يغفر لهم شعب المظلومين.
انه وقت الإشاعات ونتائج الفساد القاتلة!
آلاف الأخبار تتناقلها عشرات الفضائيات على مدار الساعة.. منها
الحكومية التي يشوبها الكثير من الغموض ومنها الموجهة بشكل مركز
للتأثير المباشر على معنويات المقاتلين في خط المواجهة والتأثير النفسي
والمعنوي على أبناء شعبنا ولانستبعد مطلقاً أن تكون الإشاعات ومقدماتها
هي من تسببت في خسارتنا لثاني أكبر مدينة في العراق على الرغم من أن
المدينة وحسب تصريحات القادة العسكريون لعمليات نينوى، اللذين لاذوا
بالفرار، كانت ترسل إشارات طمئنة بصورة مستمرة عن وضع المدينة على
الرغم من أن الأخبار، الإشاعات، أن الموصل كانت في الليل تحت سيطرة
الإرهابيين وفي النهار تحت سيطرة الجيش حيث كانت هناك تحذيرات بريطانية
قبل فترة قريبة أطلقها أحد المحللين الستراتيجيين من أن الموصل ممن
الممكن أن تسقط بسهولة وهذا ما حصل فعلاً وسقطت المدينة بأسرع ما توقع
حتى الخبراء وقادتها.. سقوطاً أذهل الجميع.. مع الكم الهائل من
التصريحات من عمليات نينوى.. مثلها حين صرح قائدها، مبتسماً، بأنه يرحب
بالعصابات الإرهابية القادمة للموصل.. حين انقلب ترحيبه الى وبال على
المدينة عندما قبل الإرهابيون بالترحيب فاحتلوا المدينة !
انفتحت المعركة الآن بأكثر ما نتصورها جميعاً.. معادلات ستراتيجية
كبيرة تشير الى وجود مؤامرة كبرى على الوطن، خيانة، جبن، تخاذل.. كل
تلك العبارات يتداولها الشارع العراقي اليوم حينما تناهبته الإشاعات
وقاربت أن تصل بحركة العصابات الى أسوار بغداد.. وبما إننا شعب مأزوم
خائف.. فنحن نتقبل كل الدعايات والإشاعات ونتداولها بسرعة فائقة مع
توفر الإتصالات السريعة لتترك أثر ملموس في نفوسنا.
انه تخاذل خطر في صون الأمانة قد يكون من أهم أسبابه الفساد الذي
استشرى ودمر الوطنية في نفوس أبناءنا من القوات المسلحة والشعب..
فالجندي يتسأل إذا كان يجدي أن يفقد روحه من اجل قائده أو من أجل
العملية السياسية ككل أو من أجل الوطن الذي بنظره لم يمنحه شيئاً يموت
من أجله وهذا حال الكثير من أبناء شعبنا حينما لم نتمكن خلال العقد
الماضي كاملاً من تقديم الخدمات اللازمة له لتجعله يضبط مقياس وطنيته
على حب العراق والدفاع عنه كأهم مقدساته بعد الله.
لقد أخطئنا.. ولكي لا نصل لخط اللاعودة ونظل ندور في دوامة الخطأ
الكبير علينا أن نعيد تنظيم أنفسنا فليس من المعقول أن تسيطر مجموعة من
الأفراد على مدينة كبيرة من 14.411 ألف كم2 لو تم توزيعهم على المدينة
لضاعوا بين شوارعها مقابل قوة عسكرية من المفترض أن تكون على قدر عالي
من التدريب والحرفية والتجهيزات العسكرية الحديثة المختلفة وفوق كل ذلك
المبدأ المفترض الذي يقاتلون من اجله.
لازال هناك وقت كبير لإعادة الهيكلة الكاملة لقواتنا المسلحة وأن
نراهن على المتبقي من الوطنيين والشرفاء وأن نحث الخطى على وقف التدهور
الذي يتسلل بسرعة الى المدن المحيطة بالموصل وأن ننهي من أجنداتنا
نظريات المؤامرة التي طالما تشبثنا بها ومنعتنا من الإستفادة من جهود
الجميع في الوطن الواحد.. فقوات البيشمركة لم تكن وليدة اليوم أو أمس
وحتى الأخوة الكرد لم يأتوا من خارج العراق بل كانوا معنا في الوطن منذ
الخليقة وكنتم معاً تناضلون لزوال النظام السابق؛ لما لانمنحهم الفرصة
ليساهموا، ولو بشكل محدود، في حفظ أمن الوطن الذي يعاني ما يعانيه
اليوم وهو بحاجة الى جهود الجميع مهما كان نوع المساعدة إنها محنة وطن
وعلى الجميع أن يبذل جهده في إيقاف مسلسل الإنهيار الذي قد يتجاوز حتى
الوطن، لاسمح الله،.
وطننا يصل مفترق الطرق.. علينا أن نحسن توجيه المعركة مع الإرهاب
ونتقن إدارتها وننهي الخلافات والنزاعات على كراسي السلطة البغيضة التي
ما جلبت لنا إلا العار الذي نراه اليوم موسوم به جبيننا ونحن نرى
الموصل وهي تسقط ويشّرد أهلها في القفار وأن تتوقف الوسائل الإعلامية
كالصحف والقنوات الفضائية عن كل ما يثير الخلافات ويدفع بالتهم على بعض
أنه زمن لا تصلح معه إلا الوحدة الوطنية الكاملة وغير المشروطة.. حفظاً
للعراق.. حفظ الله العراق وشعبه.
zzubaidi@gmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |