برجدال والثمن الباهظ الذي دفعه اوباما

 

شبكة النبأ: بدأت عمليات البحث المحمومة عن بو برجدال في اللحظة التي اكتشف فيها رفاقه أنه ليس موجودا في موقعه غير الحصين بواد مليء بالحجارة في ركن من أقسى وأصعب المناطق في أفغانستان، وأصبح سبب ترك برجدال موقعه موضع تحقيق مكثف. لكن روايات مصدرين في حركة طالبان وعدد من المسؤولين الأمريكيين وزملائه من الجنود تثير الشك في تقارير إعلامية ذكرت أنه سعى للانضمام إلى طالبان وفي مزاعم أن مقتل ستة جنود من كتيبته في ذلك العام له صلة بالبحث عنه.

وأثار الإفراج عنه في 31 مايو أيار بعد أن قضى خمس سنوات في الأسر مقابل خمسة من قادة طالبان جدلا على مستوى البلاد في الولايات المتحدة حول ما إذا كان الرئيس باراك أوباما دفع ثمنا غاليا لاطلاق سراحه. بحسب رويترز.

وغذى هذا الجدل مزاعم من جانب بعض أفراد كتيبته أنه كان يميل للهرب من الخدمة وأن جنودا ماتوا في سبيل البحث عنه بعد اختفائه في الساعات الأولى من 30 يونيو 2009، ورغم أن أسئلة كثيرة ما زالت دون إجابة فقد أعادت رويترز تمثيل الظروف التي أحاطت باختفائه. وأوضحت التحريات أن زملاءه الستة في الكتيبة الأولى بالوحد 501 مشاة مظلات قتلوا في أغسطس آب وسبتمبر أيلول عام 2009 في مهام أخرى مثل تأمين الانتخابات الأفغانية. وقال مسؤول عسكري أمريكي إن فترة البحث البري المكثف عنه كانت قد انتهت.

لكن عددا من الجنود في وحدته يقولون إن البحث عنه لم ينته قط وإنه كان عنصرا في مهمة قاموا بها ما دفع البعض لتحميله مسؤولية سقوط القتلى.

وامتنع الجيش الأمريكي عن ذكر تفاصيل ما حدث في تلك الأسابيع المشحونة وقال إن تحقيقا جديدا سيجرى عندما يستطيع برجدال الذي يعالج الآن في مستشفى عسكري أمريكي في ألمانيا المشاركة في هذا التحقيق، وأشار تحقيق أولي إلى أن برجدال تسلل من قاعدته في الماضي. فذات مرة ترك موقعه خلال تدريبات في كاليفورنيا ثم عاد بعد قليل وذلك وفقا لأشخاص اطلعوا على تحقيقات سرية.

وجاء اختفاؤه في يونيو حزيران عام 2009 في وقت زادت فيه الهجمات على القوات الأمريكية من جانب طالبان. ولقي نحو 200 جندي أمريكي حتفهم في أفغانستان في الشهور التي أعقبت اختفاءه حتى نهاية عام 2009، وكان برجدال يقوم بنوبة حراسة في واحدة من العربات المدرعة الرابضة في دائرة على قاع نهر جاف لتشكل موقعا متقدما في منطقة من أقسى مناطق أفغانستان بإقليم باكتيكا على امتداد الحدود مع باكستان وذلك حسبما قال عدد من زملائه الجنود، ووصف الزملاء برجدال بأنه انعزالي يحب القراءة وكان يفضل تعلم لغة البشتو على شرب البيرة. وقالوا إنه لم يكن له سوى قلة قليلة من الأصدقاء المقربين في الوحدة، وقال السارجنت السابق مات فيركانت الذي كان قائدا بفصيلة برجدال "من المؤكد أنه كان متحفظا وانطوائيا"، وعند المناداة على الجنود لمعرفة الحاضر والغائب في الصباح اتضح أنه غير موجود رغم أن بندقيته وذخيرته وعتاده الشخصي كانت موجودة.

بعد البحث في كل العربات والمراحيض والخنادق أبلغت الفصيلة باللاسلكي عن اختفاء جندي وبدأت على الفور البحث عنه. وخلال ساعتين ونصف ساعة كانت وحدات مشاة قد انتشرت لاقامة حواجز طرق وتفتيش القرى القريبة.

وكان التوتر يسود المنطقة. فقبل ثلاثة أيام شنت طائرات حربية باكستانية هجوما جديدا على طالبان عبر الحدود في منطقة وزيرستان الجنوبية ما أدى لقتل نحو 12 مقاتلا من طالبان في منطقة وعرة يسكنها رجال قبائل عرف عنهم أنهم مدججون بالسلاح بالاضافة إلى وجود معسكرات تضم قادة لتنظيم القاعدة وطالبان.

وأثناء البحث قابل فيركانت زميل برجدال صبيين في إحدى القرى قالا إنهما شاهدا جنديا أمريكيا يرتدي ملابس عسكرية وهو يزحف وسط الأعشاب، والتقط موقع تنصت أمريكي حديثا باللاسلكي أشار إلى وجود جندي أمريكي معه كاميرا يبحث عن شخص يمكنه التحدث بالانجليزية حسبما أوضحت سجلات عسكرية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس. وبعد ثلاث ساعات التقطت وحدة التنصت إشارة إلى أنه تم أسر جندي أمريكي.

وتقول مصادر في طالبان أنه تم العثور على برجدال وهو يسير بمفرده بعد تلقي بلاغ من قرويين محليين، وقال قائد في طالبان يقيم في مدينة كيتا الباكستانية لرويترز مشترطا عدم ذكر اسمه "رجالنا لم يفهموا ما كان يقوله في البداية لأنهم لا يتحدثون الانجليزية. لكن عندما نقلوه إلى مكان آمن أدركوا أنه لم يكن راضيا عن قومه ولهذا السبب تركهم."

وذكرت تقارير عسكرية أن الشرطة الوطنية الأفغانية في الموقع الذي اختفى منه برجدال تلقت في الليلة التالية نداء باللاسلكي من طالبان يقولون إنهم يريدون مبادلة 15 أسيرا بالجندي الأمريكي، وبعد أربعة أيام تلقى الجيش معلومات ذكرت أن برجدال شوهد في سيارة تويوتا كورولا يحيط به رجال على دراجات نارية. وكان يرتدي ملابس بلون كاكي داكن وعلى رأسه حقيبة، وكانت هذه أوضح معلومة تلقاها الجيش في السنوات الخمس التالية.

وقال قائد في طالبان في إقليم هلمند لرويترز إن مقاتلي طالبان نقلوا برجدال إلى بلدة أنجور أدا الحدودية بين وزيرستان الجنوبية في باكستان وإقليم بكتيكا الأفغاني. ثم نقل إلى وزيرستان الجنوبية ومنه إلى وادى شاوال وهي منطقة جبلية تكسوها الغابات بين وزيرستان الشمالية والجنوبية، وقال القائد إن برجدال لم يبد اهتماما باعتناق الإسلام أو الانضمام لطالبان خلال الأسابيع الأولى من أسره، وأضاف "لم نثق به لأنه كان من الممكن أن يكون جاسوسا. وكانت هناك ضربات جوية متكررة بالطائرات دون طيار في المناطق القبلية ولهذا كنا نخاف منه"، وقال برجدال للسلطات الأمريكية إنه كان رهن الاحتجاز الفردي لفترات طويلة. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه أبلغ مسؤولين طبيين في ألمانيا إنه احتجز في قفص معدني وسط الظلام لأسابيع بعد أن حاول الهرب.

وعلى مدى عدة أسابيع بحثت وحدة برجدال عنه بوتيرة محمومة. ففي السابق كان الجنود يحظون بفرصة الراحة عدة أيام لاستعادة النشاط فيما بين المهام. أما الآن أصبحوا لا يعودون إلى القاعدة إلا لفترة أربع أو ست ساعات وهي فترة تكفي بالكاد لجمع المعدات والاستحمام. ثم كانوا ينطلقون إلى الصحراء في مهمة أخرى.

وقال فيركانت "عندما رحل تغير كل شيء في إقليم بكتيكا كله. كانت المهمة الموكلة لنا ولكل واحد هي العثور على برجدال بأسرع ما يمكن"، واضطر الجنود للتأقلم مع درجات حرارة تتجاوز 38 درجة مئوية بصفة منتظمة والرمال الناعمة التي تسللت إلى عيونهم وآذانهم ورئاتهم وسببت مشاكل تنفسية لهم.

وقال بيلي رنتيرز الذي شارك في البحث "بدا الأمر وكأني كنت أسير في كيس كبير به مسحوق بودرة أطفال"، وقال عدد من الجنود شاركوا في البحث إن زيادة عدد المهام الموكلة لهم في ذلك الوقت عرض الجنود لهجمات أكثر واضطر الجنود للابتعاد عن أمان مواقعهم والخوض في أرض معادية، وقالوا إن الكمائن أصبحت فيما يبدو أكثر عددا وأكثر تطورا في تلك الفترة، وقال مسؤول عسكري أمريكي مشترطا عدم نشر اسمه إنه في منتصف يوليو تموز ألغى مسؤولون عسكريون البحث البري المكثف وكلفوا الجنود بمهام أولية أخرى بعد التأكد من نقل برجدال إلى باكستان، وقال المسؤول إن بعض عمليات المراقبة المتصلة بالبحث عن برجدال استمرت نحو شهر آخر كما كانت الأوامر للجنود تقضي بالسؤال عن برجدال أثناء أداء المهام الأخرى.

في منتصف أغسطس آب بدأت الخسائر البشرية بالكتيبة التي كانت لا تزال ترابط في إقليم بكيتكا. ففي 18 أغسطس انفجرت قنبلة مزروعة على الطريق ما أدى إلى مقتل كليتون بوين (29 عاما) وموريس ووكر (23 عاما).

وقالت ريسا دوبلر والدة بوين إن زملاء ابنها السابقين أبلغوها أنه كان في مهمة لتأمين الانتخابات وأكدت مصادر أخرى ذلك بما في ذلك مسؤول عسكري أمريكي. ولم تستطع رويترز الاتصال بأسرة ووكر.

وقال جاك كيسنا العضو السابق في سرية برجدال الذي عمل مع جنود آخرين للتحقق من أسباب الوفيات إن السارجنت مايكل ميرفري (25 عاما) قتل في السادس من سبتمبر أيلول أثناء اقامة معسكر أمني بعد يوم قضاه في توزيع مساعدات انسانية، وقالت كريسا شقيقة ميرفري إنها لم تتلق معلومات رسمية عن مهمة شقيقها واضطرت للاعتماد على ما قاله زملاؤه، وقالت لرويترز "البعض يقولون إنه لم يكن في مهمة إنقاذ وأنه كان في مهمة إنسانية. وآخرون يقولون انها لم تكن مهمة إنقاذ لكن برجدال كان على الدوام يمثل المهمة الثانوية"، وقتل السارجنت كيرت كيرتس (27 عاما) بالرصاص يوم 26 أغسطس بينما كانت وحدته تدعم قوى الأمن الأفغانية خلال هجوم معاد. ولم تتمكن رويترز من الاتصال بأسرته.

وفي الرابع من سبتمبر قتل دارين اندروز (34 عاما) عندما هاجمت قوى معادية عربته بقنبلة على جانب الطريق وبقذيفة صاروخية. وتوفي ماثيو مارتينيك (20 عاما) بعد أسبوع من جراء الاصابات التي لحقت به في الهجوم نفسه.

وقال والدا كل من اندروز ومارتينيك لرويترز الاسبوع الماضي إنهما يعتقدان أن الاثنين كانا يبحثان عن برجدال وإن جنودا آخرين في الفصيلة أبلغوهما بذلك.

وأصيب هوسيه باجيت الذي كان يجلس في العادة بجوار اندروز في كل المهام كسائق ويتولى استخدام الهاتف اللاسلكي عندما انفجرت قنبلة على الطريق في مركبته خلال مهمة سابقة فحل مارتينيك محلة، وقال باجيت "أتذكر أنني ساعدته في حزم معداته للقيام بهذه المهمة. أسوأ يوم في حياتي حتى الآن".

ويقول باجيت إنه لا يعتقد أن وفاة الجنديين أو أي فرد آخر يمكن ربطها ربطا مباشرا بعملية البحث. حتى إذا لم يتسلل برجدال من موقعه كان من الممكن أن تحدث للكتيبة إصابات بشرية خلال الاثني عشر شهرا التي قضتها في أفغانستان، وقال مسؤول عسكري أمريكي إن لم يشتركا في البحث عن برجدال لكنهما في مهمة لوجستية، لكن فيركانت يعتقد اعتقادا مغايرا، ويقول "في كل مهمة وكل يوم كان الامر اعثروا على برجدال".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/حزيران/2014 - 12/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م