لبنان بلا رئيس والشعب الخاسر الأكبر

 

شبكة النبأ: أعلنها مجدداً رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" لمرة اخرى، التأجيل لجلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى ظهر الأربعاء القادم في 18 حزيران/يونيو، لنفس السبب الروتيني الذي بات يحفظه جميع المواطنين في لبنان عن ظهر قلب، "لعدم اكتمال النصاب القانوني في مجلس النواب".

الكل يعلم ان الفراغ السياسي او الرئاسي، ليس في صالح الجميع، حتى ليس في صالح المعترضين او المعرقلين، سيما وان الأوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية، وحتى المزاج العام للمجتمع اللبناني، جميعها مرتبطة بالاستقرار والتوازن السياسي، الذي سارت عليه لبنان بخطى متعثرة منذ اتفاق الطائف، الذي يصفه الكثيرون بـ"الطائفي".

وعلى الرغم من ذلك ما زالت الازمة تراوح في مكانها، وربما كانت هذه الازمة الأكثر خطورة، بعد ان أتت متزامنة مع العديد من القضايا الحساسة في المنطقة.

فالأزمة السورية التي انتقلت اصدائها الى العمق اللبناني، اثرت بشكل كبير على الامن والاقتصاد والتوافق السياسي الهش في لبنان، كما أدى الصراع الطائفي والخلافات الإقليمية بين دول كبرى في الشرق الأوسط، التي كانت سبباً رئيسياً في تغذيت هذا العنف، الى المزيد من التداعيات والمواقف المتباينة بين الأحزاب الرئيسية في لبنان.

وللوصول الى اختيار رئيس توافقي يمثل القبول لدى الأغلبية في البرلمان، يقتضي إيجاد الحلول الوسطية حول أبرز نقاط الخلاف بين الفرقاء، وهو امر مستبعد في الوقت الراهن، كما يشير بعض المحللين، نتيجة للظروف الإقليمية التي لم تتضح بعد تفاهماتها ومدى تقارب المصالح فيما بينها، سيما وان الاعتقاد السائد لدى المتابعين، ان اختيار الرئيس القادم وطريقة التوافق عليه تخضع الى اجندات تلك القوى الإقليمية.

البحث عن رئيس

في سياق متصل تولت الحكومة اللبنانية الحالية التي يرأسها تمام سلام "مجتمعة" صلاحيات رئيس الجمهورية في لبنان في ظل فراغ في سدة الحكم بسبب انتهاء عهدة ميشال سليمان الرئاسية، وعجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد بسبب عمق الانقسام السياسي والطائفي في البلاد، وغادر سليمان القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت، متوجها برفقة زوجته إلى منزله في موكب رسمي، وأقيمت له في القصر مراسم وداع، صافح خلالها مستشاريه وكبار موظفي القصر، قبل أن تؤدي له التحية ثلة من الحرس الجمهوري.

ودعي المجلس النيابي إلى انتخاب رئيس خمس مرات خلال الشهرين اللذين سبقا انتهاء الولاية، بحسب الدستور، ولم ينجح في المرة الأولى بتأمين أغلبية الثلثين المطلوبة لفوز أحد المرشحين بينما عجز في المرات اللاحقة عن الالتئام بسبب عدم اكتمال نصاب الجلسات المحدد بغالبية الثلثين كذلك (86 من أصل 128 نائبا عدد أعضاء البرلمان).

ويعود هذا العجز بشكل أساسي إلى انقسام المجلس كما البلاد، بشكل حاد بين مجموعتين سياسيتين أساسيتين هما قوى 14 آذار المناهضة لدمشق وحزب الله والمدعومة من الغرب والسعودية، وأبرز أركانها الزعيم السني سعد الحريري والزعيم المسيحي الماروني سمير جعجع المرشح إلى رئاسة الجمهورية، وقوى 8 آذار المدعومة من دمشق وطهران وأبرز أركانها حزب الله الشيعي والزعيم المسيحي الماروني ميشال عون الذي أعلن رغبته بتولي منصب الرئاسة شرط حصول توافق عليه من كل الأطراف، الأمر الذي لم يحصل. بحسب فرانس برس.

وشهد لبنان بين أيلول/سبتمبر 2007 وأيار/مايو 2008 أزمة مماثلة، إذ بقي دون رئيس إلى حين حصول تدخلات دولية وإقليمية ضاغطة وتسوية بين الأطراف اللبنانية انتهت بانتخاب سليمان الذي كان قائدا للجيش، كما حصل فراغ استمر سنتين في منصب الرئاسة خلال الحرب الأهلية (1975-1990) انتهى باتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب وأجرى تعديلات جذرية على النظام السياسي اقتطعت الكثير من صلاحيات الرئيس الذي هو من نصيب الطائفة المارونية في لبنان، بينما تعود رئاسة مجلس الوزراء إلى السنة ورئاسة المجلس النيابي إلى الشيعة.

وقال الرئيس اللبناني ميشال سليمان إن الحوار هو السبيل الوحيد للتغلب على الانقسامات العميقة في لبنان الذي يكافح للتغلب على التداعيات السياسية والأمنية الناجمة عن الحرب الأهلية في سوريا، وأدلى سليمان بهذه التصريحات خلال خطاب الوداع الذي ألقاه قبل ساعات من انتهاء فترة رئاسته التي امتدت ستة أعوام، ويسلط هذا الإخفاق الضوء على الخلافات السياسية الحادة في البلاد.

واختير سليمان وهو عماد سابق بالجيش رئيسا للبنان في عام 2008 كرئيس توافقي في اتفاق أنهي واحدة من اسوأ اشتباكات الشوارع منذ عام 1990 عندما خاض مقاتلون من حزب الله وحركة أمل اشتباكات مع أنصار 14 آذار، واختلف بعد ذلك مع جماعة حزب الله وحلفائها بعد أن انتقد دور الجماعة في سوريا وطالبها بإعادة مقاتليها إلى لبنان، ولم يحضر مراسم توديع سليمان حزب الله وحلفائه بما في ذلك حليفه المسيحي ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم حركة أمل.

ومنصب الرئاسة في لبنان هو أحد المناصب السياسية الرئيسية في البلاد إلى جانب رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وينص اتفاق تقاسم السلطة الطائفي في لبنان على أن يكون الرئيس من الطائفة المسيحية المارونية ورئيس الوزراء من السنة ورئيس مجلس النواب من الشيعة، وبموجب الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان تقلصت صلاحيات منصب الرئيس الذي كان المنصب السياسي البارز في لبنان ومنحت صلاحيات أكبر للحكومة ورئيس الوزراء.

واحتاج تمام سلام عاما كي يحصل على الدعم للحكومة التي شكلها في مارس آذار في حين تأجلت الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها الصيف الماضي حتى نوفمبر تشرين الثاني المقبل بسبب نفس الأزمة التي تعرقل انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، ويخشى بعض اللبنانيين حتى من امكانية تأجيل الانتخابات البرلمانية في ظل عدم وجود اتفاق في القريب العاجل لكن سليمان دعا البرلمان إلى إقرار قانون الانتخابات سريعا وتجنب أي تأخير في إجراء الانتخابات.

وكتبت صحيفة "السفير" القريبة من حزب الله "صار الفراغ امرا واقعا بدءا من صباح الخامس والعشرين من ايار/مايو"، مضيفة "عمليا، يمكن القول ان رئيس الجمهورية المنتهية ولايته هو الابن الشرعي للفراغ بحيث لم يجد رئيسا يستلم منه ولا وجد رئيسا يسلمه"، وتشير الصحيفة الى ازمة مماثلة شهدها لبنان بين ايلول/سبتمبر وايار/مايو 2008 اذ بقي خلالها من دون رئيس الى حين حصول تدخلات دولية واقليمية ضاغطة وتسوية بين الاطراف اللبنانيين انتهت بانتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان "رئيسا توافقيا".

وكتبت صحيفة "النهار" القريبة من 14 آذار من جهتها "يغرق القصر (مقر الرئاسة) ومعه الجمهورية في فراغ رئاسي نتيجة تعطيل الانتخابات الرئاسية على ايدي القوى التي سخرت مفهومها وممارسات للتعطيل تحت ستار حق ديموقراطي في افقاد الجلسات الانتخابية النصاب، منتهكة بذلك جوهر التزام الدستور في تداول السلطة"، واضافت ان البلاد "تنفتح على مسار ازمة سياسية ورئاسية وعلى حقبة محفوفة بالغموض والمجهول مع فجر الفراغ الذي لا يملك أحد ان يتكهن بمداه وتداعياته وانعكاساته على البلاد".

وتتهم قوى 14 آذار فريق حزب الله بالتعطيل لان نوابه وحلفاءهم امتنعوا عن حضور جلسات الانتخاب وبالتالي عن تأمين النصاب القانوني المطلوب، وقال النائب انطوان زهرا من حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه جعجع ان "الحل الامثل بالنسبة الى حزب الله يتراوح بين عدم وجود رئيس او انتخاب رئيس يستسلم لإرادة حزب الله في تنفيذ سياسته الخارجية والتدخل في سوريا من دون محاسبة واقتناء سلاح من دون رقيب والهيمنة على مؤسسات الدولة"، واضاف ان حزب الله يهدف الى "جعل لبنان جزءا من منظومة اقليمية زعيمتها ايران حجتها مقاومة اسرائيل ومشروعها تاريخي يقضي بالهيمنة على منطقة الشرق الاوسط".

التآمر على المقاومة

فيما رد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على الاتهامات الموجهة له في لبنان بمنع انتخاب رئيس للجمهورية، حيث قال إن حزبه يريد انتخاب رئيس "في أسرع وقت ممكن"، لكنه يريد رئيسا "لا يتآمر على المقاومة"، وقال نصر الله في خطاب ألقاه في الذكرى الـ 14 لانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان وفي اليوم الأول من "شغور" كرسي الرئاسة نتيجة فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، "نريد رئيس جمهورية في أسرع وقت ممكن".

وأضاف في خطابه الطويل الذي استغرق ساعة وربع ساعة ونقل مباشرة عبر تلفزيون "المنار" التابع لحزبه، "لا نريد رئيسا يحمي المقاومة، المقاومة هي التي تحمي الدولة والشعب والوطن والكيان والسيادة، نريد رئيسا لا يتآمر على المقاومة، لا يطعن المقاومة في ظهرها، رئيسا يثبت على موقفه من المقاومة".

وجدد نصر الله الذي كان يتحدث عبر شاشة عملاقة نصبت في بنت جبيل في جنوب لبنان حيث أقام حزبه احتفالا شعبيا شارك فيه الآلاف، رفضه التخلي عن السلاح، وقال "المقاومة وبالرغم من كل التطورات والأحداث التي تجري في منطقتنا وخصوصا في سوريا، تحافظ على قدرة الردع، بغض النظر عن كل النقاشات التي تتحدث عن سلاح المقاومة ومستقبل سلاح المقاومة"، وتابع أن "المقاومة تعمل في الليل والنهار على تطوير قدرة الردع هذه وهذا ما يقلق العدو".

وأوقفت القوى الأمنية اللبنانية الداعية الإسلامي المتشدد عمر بكري فستق المعروف بتأييده لتنظيم القاعدة على خلفية تورطه في أحداث أمنية بين سنة وعلويين في مدينة طرابلس في شمال لبنان وفقا لمصدر، وقال المصدر "تم توقيف عمر بكري فستق في منطقة عاليه (شرق بيروت)، خلال تواجده في شقة سكنية أقام فيها بعد هروبه من طرابلس قبل شهر بعد صدور مذكرة توقيف قضائية بحقه".

وأوضح المصدر الأمني أن فستق السوري الجنسية كان فر إلى محافظة عكار في الشمال حيث جرت مداهمة مكان إقامته قبل عشرين يوما، من دون أن يتم العثور عليه، وقد تنقل على ما يبدو بين مناطق لبنانية عدة، واستقر في الآونة الأخيرة في عاليه، وقد غادر طرابلس بعد بدء العمل بخطة أمنية في بداية نيسان/أبريل تخللها انتشار كثيف للجيش وإزالة المظاهر المسلحة ودهم مستودعات أسلحة وتوقيف مشاركين في جولات متتالية من المعارك بين سنة وعلويين على خلفية النزاع السوري، ومنذ بدء تطبيق الخطة، تنعم طرابلس بالأمن باستثناء حوادث محدودة.

وهو متهم بالتحريض على الجيش والنيل من هيبة الدولة وتشكيل مجموعة مسلحة في منطقة التبانة ذات الغالبية السنية، بحسب المصدر، وكان فستق، وهو في العقد الخامس من العمر، أوقف في 2010 في طرابلس بتهمة تشكيل عصابة مسلحة وتدريب عناصر من تنظيم القاعدة، وأفرج عنه بعد عشرين يوما بكفالة مالية، وبعد أن تولى الدفاع عنه المحامي نواف الساحلي، وهو نائب من حزب الله. بحسب فرانس برس.

وكان فستق مقيما قبل سنوات في بريطانيا التي يحمل جنسيتها فضلا عن الجنسية اللبنانية إلى طرابلس، وأقام فيها وأسس مركزا لتعليم الشريعة الإسلامية، وترك بريطانيا بعد ضغوط تعرض لها بسبب تشدده الديني وأفكاره الداعمة للقاعدة بعد حرب أفغانستان.

عجز الميزانية

الى ذلك قالت وزارة المالية اللبنانية في تقرير إن عجز الميزانية سيتسع إلى 7669 مليار ليرة (4.88 مليار دولار) في العام الحالي أو ما يعادل 10.7 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مع نمو الإنفاق وارتفاع مدفوعات الدين العام وبقاء الإيرادات مستقرة، وتوقع لبنان في التقرير نمو الاقتصاد بنسبة اثنين بالمئة في 2014، وبلغ متوسط النمو الاقتصادي في لبنان ثمانية بالمئة في الفترة من العام 2007 حتى 2010 لكنه تراجع بشدة منذ ذلك الحين وهو ما يرجع إلى حد بعيد إلى آثار الاضطرابات في سوريا والانقسامات السياسية اللبنانية.

وتوقع التقرير الذي سيعرض على الحكومة لإقراره ارتفاع المصروفات هذا العام إلى 21927 مليار ليرة لعوامل على رأسها نمو الأجور وزيادة قدرها 190 مليار ليرة في خدمة الدين إلى 5890 مليار ليرة، ومن المتوقع استقرار الايرادات دون تغير يذكر عند 14257 مليار ليرة، وقالت صحيفة السفير اللبنانية إن الدين العام بلغ 65.1 مليار دولار مقارنة مع 64.9 مليار دولار أعلنها وزير المالية علي حسن خليل في ابريل نيسان، وتوقع التقرير أن يبلغ معدل التضخم 3.6 بالمئة. بحسب رويترز.

ومن الاجراءات الضريبية الجديدة المقترحة في مشروع موازنة 2014 رفع التقديرات المباشرة للأملاك المبنية وزيادة رسوم رخص استثمار المياه الجوفية وتعبئتها، كما تقترح الموازنة رفع رسم التوكيلات وفرض رسوم على عقود الايجار التمويلي ولوحات السيارات الخصوصية المميزة واستهلاك المازوت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/حزيران/2014 - 11/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م