الصين في جنوب السودان..  الدبلوماسية من اجل النفط

 

شبكة للنبأ: تخلت الصين عن تحفظها الدبلوماسي وبدأت تلعب دورا مباشرا للمساهمة في حل تمرد بدأ قبل أكثر من خمسة أشهر في جنوب السودان وأصبح يهدد استثماراتها النفطية، ولوحظ هذا التحول البارع في محادثات السلام المتعثرة على مدى أشهر في العاصمة الاثيوبية حيث أجرى مسؤولون صينيون اتصالات منتظمة بدبلوماسيين غربيين لمساعدة الوسطاء الأفارقة الاقليميين على السعي لوقف القتال.

ويقول دبلوماسيون إن النهج الصيني الاستباقي الجديد يتضح من خلال الوجود الصيني الدائم في محادثات أديس أبابا وحوارات الصينيين المتكررة في بهو الفندق أو مشاوراتهم في غرف مغلقة مع دبلوماسيين من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وهي الدول الغربية الرئيسية الداعمة لجنوب السودان الذي حصل على استقلاله حديثا. بحسب رويترز.

وعندما تم التوصل إلى اتفاق أول لوقف اطلاق النار في 23 يناير كانون الثاني بعد شهر من تفجر القتال قال دبلوماسي غربي رفيع إن السفير الصيني لدى اثيوبيا شيه شياو يان فعل ما فعله سفراء آخرون وألقى خطابا عند التوقيع حدد فيه أسس الدور الصيني، وقال الدبلوماسي "المذهل أنه... لم يختلف شيء فيما قاله عما كان الجميع يقوله وهو في الأساس (ابلاغ الفصائل في جنوب السودان) أن يتماسكوا وينظموا أنفسهم".

والنهج الجديد لا يعني أن الصين تنوي التخلي عن سياستها المعلنة بعدم التدخل في المشاكل السياسية الداخلية في أفريقيا لكنه مؤشر على تحول تدريجي مع تنامي مصالحها وتزايد استثماراتها، ولأن الصين الان أكبر شريك تجاري لافريقيا فمن المحتمل أن تواجه ضغوطا لتوسيع نطاق هذا النهج الجديد ليشمل مناطق أخرى في افريقيا لها فيها مصالح اقتصادية متنامية، وقالت كلير الينسون محللة الشؤون الافريقية لدى مجموعة يوراسيا للاستشارات "عندهم مصالح في غاية الأهمية في هذه الدول وعليهم حمايتها"، وأضافت "وهم يودون لو استطاعوا الحفاظ على موقف عدم التدخل لكن الامور لا تسير بهذه الطريقة".

وفي الوقت الحالي يوفر جنوب السودان ظروفا استثنائية لحفز الدبلوماسية الصينية على المشاركة الفعالة إذ أن خمسة في المئة من واردات بكين من النفط مصدرها جنوب السودان عندما كان الانتاج يسير بأقصى طاقة. كما أن مؤسسة البترول الوطنية الصينية لها حصة 40 في المئة في مشروع مشترك لتطوير حقول النفط.

ويمثل النفط 98 في المئة من ايرادات جنوب السودان في حين أن الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج أكبر المانحين للدولة الناشئة وليس لهم حصص في انتاج النفط الخام بجنوب السودان، لكن واشنطن يقلقها الضرر الذي قد يلحق بصورتها السياسية بسبب القتال بعد أن هللت لانفصال الجنوب عن السودان عام 2011 باعتباره قصة نجاح لسياستها الخارجية، وفرضت واشنطن عقوبات على القادة العسكريين من الجانبين للضغط عليهم من أجل التوصل لاتفاق سلام، ولشركة توتال الفرنسية امتيازات للتنقيب في جنوب السودان لكن المصالح التجارية للصين أكبر بكثير من مصالح الدول الغربية.

دفع ذلك الصين للضغط على الفصائل المتنافسة الموالية للرئيس سلفا كير وزعيم المتمردين ريك مشار للدخول في حوار. كما دفع بكين إلى وقف المفاوضات حول صفقة أسلحة مع الحكومة، وقال السفير الصيني لدى جنوب السودان ما تشيانغ لجيمس هوث ماي الذي كان في ذلك الوقت قائدا لجيش تحرير الشعب السوداني التابع للحكومة إن صفقة الاسلحة توقفت عقب بدء الصراع في 15 ديسمبر كانون الأول.

وقال القائد السابق ماي الذي تم تغييره في مايو ايار في مقابلة مع رويترز في بيته بالعاصمة جوبا إن السفير "قال ’لا نستطيع أن نفعل شيئا الان بعد أن بدأ الناس يقتلون بعضهم بعضا. فلا نريد أن نسهم في هذا القتل"، واضاف "الصين قالت ’لا نريد تصعيد الصراع"، وقال دبلوماسيون غربيون كبار يشاركون في مساعي الوساطة إنهم لا يعلمون شيئا عن قرار صيني بوقف بيع أسلحة لكن ليس لديهم أدنى شك في حدوث تحول.

وقال دبلوماسي "من الواضح أن دبلوماسية بكين ازدادت نشاطا وأصبحت استباقية أكثر من كونها دبلوماسية رد الفعل"، وأضاف أن المؤشر الاول على حدوث تحول هو الأزمة بين جنوب السودان والسودان عام 2012 بعد عام واحد من انفصال الجنوب.

واعتبر دور الصين حاسما في انهاء النزاع الذي استمر 15 شهرا وأوقف انتاج جنوب السودان من النفط ودفع البلدين إلى حافة الحرب، وقال الدبلوماسي "يمكنك أن ترى تطورا واضحا خلال العامين الاخيرين"، وأصبح انتاج جنوب السودان من النفط الان يسير بمعدل ثلث ما كان عليه في ديسمبر كانون الاول قبل تفجر الصراع الأخير وأصبح الان يتأرجح حول 165 ألف برميل يوميا. وتم اجلاء العمال الصينيين من بعض الحقول.

وحفز ذلك الصين على الاستمرار. ومنذ الأيام الأولى للصراع قالت الصين إنها ستلعب دورا نشطا رغم أنها لم توضح كيف ستتغير أفعالها.

وقال تشونغ جيان هوا المبعوث الصيني الخاص لأفريقيا "هذا تحد جديد لنا. وحيث أنه جديد علينا فنحن... نتحرك دائما بحذر شديد هكذا. لسنا مجرد مشارك بل نتعلم أيضا"، وفي خطوة غير عادية لبكين قال ايرفيه لادسو قائد قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة إن الصين تعتزم ارسال كتيبة للانضمام إلى بعثة حفظ السلام في السودان.

وقال مسؤولون في الامم المتحدة إن هذه ستكون المرة الأولى التي أسهمت فيها الصين بكتيبة مشاة كاملة قوامها 850 جنديا في بعثة لحفظ السلام تابعة للامم المتحدة. وفي العام الماضي أرسلت الصين وحدة حماية أصغر للمشاركة في بعثة الامم المتحدة في مالي، وقالت كيسي كوبلاند من مجموعة الأزمات الدولية "دعم الصين للامم المتحدة في هذا المنعطف دليل حقيقي على الالتزام بالعمل من خلال مؤسسة متعددة الاطراف ليست دائما مرتبطة بالصين".

كما قدمت الصين أكثر من مليون دولار لآلية مقترحة للمراقبة وتسجيل الانتهاكات لاتفاق ثان لوقف اطلاق النار تم التوصل إليه في مايو ايار بعد انهيار اتفاق يناير كانون الثاني، وقال السفير ما في مقابلة بالسفارة في جوبا صاحبها عرض على الكمبيوتر لدور الصين "لدينا مصالح كبيرة في جنوب السودان ولذلك فإن علينا أن نبذل جهدا أكبر لاقناع الجانبين بوقف القتال والاتفاق على وقف اطلاق النار"، وفي تدخل مباشر من جانب السفير الصيني في جوبا أقنع ما الحكومة بالسماح للامم المتحدة بنقل مخيم في جوبا يضم 15 ألفا من النازحين من قبيلة النوير بعد أن أصبح مهددا بمياه الفيضانات مع بدء موسم الامطار.

وكانت الحكومة اعترضت على نقل المخيم وأبدت رغبتها في تفكيكه. ثم غيرت موقفها بعد محادثات مع السفير وعندما وعدت شركة النفط الصينية بتخصيص مليوني دولار لبناء المخيم الجديد، وقالت هيلدا جونسون رئيسة بعثة الامم المتحدة في جنوب السودان "كان ذلك مفيدا للغاية"، وقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص وشرد أكثر من 1.3 مليون منذ بدأ القتال الذي وقفت فيه قبائل الدنكا في مواجهة قبائل النوير.

وترددت أصداء العنف في المنطقة المنكوبة أصلا بصراعات أخرى مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وشرق جمهورية الكونجو الديمقراطية، ورحبت دول افريقية أخرى في المنطقة بالدور الصيني الجديد إذ تخشى من الانزلاق مرة أخرى إلى حالة الفوضى التي يمكن أن تزيد من تدفق اللاجئين وتؤثر سلبا على النمو الاقتصادي القوي في عدد من الدول.

وقال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في مؤتمر صحفي خلال زيارة لنيروبي قام بها رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في مايو ايار إن الصين "تمتلك أرصدة سياسية ودبلوماسية ومالية إذا استخدمت بالكامل فستغير اللعبة في سلام المنطقة وأمنها"، وكرر لي خلال جولته الافريقية القول إن الصين لن تتدخل في الشؤون الداخلية لافريقيا لكنه تعهد في الوقت نفسه بمزيد من المساعدات وتوقيع سلسلة من العقود الجديدة، وسيلقى الدور الصيني الأنشط دبلوماسيا ترحيبا إذ أنه قد يمثل ثقلا سياسيا موازيا للبعض في القارة التي كان الغرب مدعوا فيها في كثير من الاحيان للقيام بدور حفظ السلام.

وقال مسؤول في أوغندا التي انتقدها بعض الدبلوماسيين الغربيين لارسالها قوات إلى جنوب السودان في تأييد صريح لقوات كير "الصين الان تتدخل وهذا يعني أن الغرب لا يمكنه استخدام مساعدته لاحتجازنا رهائن بعد الان"، وسلم وزير خارجية جنوب السودان بارنابا ماريال بنجامين بأن الصين تكتسب قوة دفع في القارة مستشهدا بالتأييد الذي تقدمه لافريقيا في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وقال "هذا منحهم الاحترام في افريقيا. ولذلك فعندما يأتون لنا ينصت لهم الناس فعلا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/حزيران/2014 - 10/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م