اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يصادف الثاني عشر من حزيران
من كل عام.. يدق ناقوس الخطر في عقولنا التي لم تتمكن حتى اللحظة من
وضع القياسات الحقيقية التي يجب عندها إيقاف كل أشكال العنف تجاه
الأطفال ومنها مكافحة عملهم بل وكل أنواع العنف ضدهم، فكم هي مؤسفة تلك
الحالة التي كشفتها مديرات إحدى المدارس الإبتدائية والتي تمثلت بحضور
أحد طلبتها الى المدرسة في الدوام الصباحي ليسقط مغشياً عليه بفعل
العنف البالغ الخطورة الذي تعرض له الطفل من أبيه في المنزل ومنذ
الصباح الباكر.. يا لقلبه كيف تحمل كل هذا بركان القسوة الهائلة من
والده ومع الصباح، ففي الوقت الذي ينعم أطفال العالم في الدول المتحضر
بكامل حقوقهم الإجتماعية والإقتصادية ويصرف عليهم ما يصرف لتأهيلهم
لقيادة مستقبل بلادهم ؛ هناك مئات الآلاف من أطفالنا يجوبون الشوارع
بحثاً عن قوت يومهم وبأعمال تشق على الكبار فكيف بأجسادهم الغضة..
إنترنت وألعاب وسفرات سياحية وتأهيل فني وترويحي وتغذية سليمة وغطاء
صحي كامل مدفوع الأجر يقدم لأطفال العالم ممن ثرواتهم وهي أقل من ثروات
العراق الذي يحكم قبضته على 11% من نفط العالم وغيرها من الثروات التي
لو أحسن إستثمارها لأغرقتنا بالخير ولعاش أطفالنا أبهى عصورهم.
منذ الفجر يخرج الكثير من الأطفال الأيتام وأولئك الأيتام حتى مع
وجود أبويهم للبحث في مناطق تجمع النفايات، ما أكثرها، من العلب
المعدنية والقطع البلاستيكية وما يفيدهم ليبيعوه للحصول على إيراد
محدود يغطي بعض الإحتياج اليومي لأسرهم.. وتوارث الكثير منهم تلك
المهنة من آبائهم.. ومنهم أولئك الذين يعملون في ورش صيانة السيارات
ممن تراها وقد أسودت وجوههم بفعل الزيوت السامة ينظرون الى ملابسك
النظيفة ويرقبون من بعيد بعض طلاب المدارس وهم يحملون كتبهم بملابسهم
النظيفة تملؤهم الرغبة في أن يكونوا مثلهم.. ومثلهم مئات الآلاف من
الأطفال ممن ضاقت بهم سبل الحياة ودفعتهم الحاجة الكبيرة الى النزول
الى سوح العمل التي تتقلب أمزجتها مع تقلب أمزجة أصحابها وعنفهم
وطريقتهم في تقبل عمل الأطفال لرخصهم واستجابتهم السريعة للأوامر وعدم
معصيتها فهو لايمتلكون أساليب الرد على التعنيف.
أطفالنا يتعرضون لعنف مفرط ومنهم من يعيش في كنف آباء متعلمين إلا
إن سطوة الآباء لدينا كبيرة مع عدم إكتراث شديد لدى الأخرون.. وقلة من
الآباء ممن يحاولون أن يصلوا بأبنائهم الى شاطئ المستقبل بأمان عن طريق
المتابعة والعناية الفائقة والحرص الشديد إلا إن الظروف الإقتصادية
والإجتماعية والأمنية في البلد تدفع بالكثير من الآباء الى محاولة
الحفاظ على حياة أبناءهم فقط من هول العمليات الإرهابية التي لم تستثن
أحد حتى أصحاب الأجساد الغضة.
اننا بتضييعنا لحقوق أطفالنا في الحياة الحركة الكريمة إنما نحدث
ثلمة كبيرة ومؤلمة في المستقبل للوطن ككل.. اننا نعرض أطفالنا للكثير
من التهديدات والتخلف العلمي والاعتداءات الجنسية ونترك في نفوسهم الماً
كبيراً من خلال ملاحظتهم للفارق بينهم وبين أقرانهم من طلاب المدارس.
لتكون تلك الفجوة النفسية مثار حقد على المجتمع منذ الصغر لا مناص من
أنها قد تكبر يوماً لتحول أولئك الأطفال الى أقسى الخارجين على القانون
حيث ستبذل الحكومات الأموال الطائلة في مجال مكافحة الجريمة التي نؤسس
لها اليوم بغفلتنا الواضحة عن عمالة الأطفال وإنخراطهم في مجتمع الكبار
الذي تشوبه الكثير من الشوائب.
في السويد حيث انتقلت الكثير من العوائل العراقية بأبنائها لأسباب
عدة.. حمل الآباء معهم جبروتهم وقسوتهم في حقائب السفر فبعظهم لا زال
يعامل أبناءه الصغار بأسلوب همجي أهوج يطبع الأب أصابع همجيته على خدود
أبناءهم الغضة.. وعندما يذهبوا الى المدارس يتعرض الآباء للمساءلة وقد
تصل العقوبة أحياناً الى أخذ أطفاله منه وإيداعهم لدى عائلة أخرى
لتربيهم وتحسن العناية بهم. ونحن هنا أثرت علينا الظروف الأمنية
القاسية حتى أطارت صواب الآباء على أبنائهم وكأنهم يصبون جام غضبهم على
تلك الأجساد الغضة بعدما عجزوا عن مواجهة الحياة وشارعها المرعب..
كالقصة التي ذكرناها في بداية المقال وغيرها من القصص التي تغص بها
حناجرنا بالعبرة على مصير الكثير من الأطفال بالأخص البنات ممن ينمن
على وسادة ألم وحسرة وحلم بالخلاص.
أمامنا مسؤولية كبيرة قد تجنبنا مصائب كبيرة في المستقبل إذا أحسنا
اليوم التعامل معها بالعقل والمنطق وأجدنا حساباتها.. أنهم أكبر أمانة
في رقبة الحكومة بكافة مؤسساتها أن نحافظ على أطفالنا بعمل جاد بعيداً
عن الندوات والإجتماعات واللجان.. نحن بحاجة الى قانون خاص يحمي
الأطفال ويكفل حياتهم أو ماتبقى منها ويؤسس لمستقبل جديد بعيد عن
التعسف والقمع فلو قُدر أن يُمنح للطفل العراقي جزء من جزء من ما يمنح
لأبناء المسؤولين لكان أطفالنا في عيد دائم.. حفظ الله العراق.
zzubaidi@gmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |