باستثناء دولة القانون، تتحاشى جميع الكتل السياسية تحديد هوية
مرشحها لمنصب رئيس الوزراء فضلا عن بقية المناصب الاخرى المتعلقة ببقية
مكونات الشعب العراقي، وذلك لرصانة بناء ائتلاف دولة القانون الداخلي
المبني على وحدة موقفهم وخطابهم السياسي، فضلا عن عدم جرأة اي شخص في
دولة القانون طرح نفسه بديلا عن رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الذي
بينه وبين اقرب مرشح له في نفس الكتلة اكثر من 700 الف صوت، وله الفضل
في صعود الــ29 عضو في قائمة دولة القانون في بغداد للبرلمان الحالي،
ناهيك عن اغلب المرشحين الاخرين في بقية المحافظات الذين فازوا بسبب
انضوائهم تحت اسم وعنوان المالكي !.
وبسبب عدم تماسك بقية الكتل وامكانية تفككها وخروج اي عضو منها في
اي لحظة من جهة وعدم اتفاقهم على مرشح واحد يواجه به مرشح دولة القانون
والكاريزما التي يتمتع بها من جهة ثانية بالاضافة الى عدم امكانية
مقارنة اي مرشح منهم بالاصوات التي حصل عليها المالكي من جهة ثالثة...
بسبب كل هذا بدأت الكتل والاطراف التي تعترض على منح المالكي ولاية
ثالثة بطرح مصطلح جديد ليس له اي علاقة بالنظام الديمقراطي ولا
بمقتضيات واسس وركائز هذا النظام القائم على اسس الاختيار والتصويت
والارقام التي حصل عليها المرشح.
اذ بدأت تلك الكتل السياسية، بسبب خيباتها المتعددة احصائيا، وخيانة
لغة الارقام والرياضيات لها، بالاستعانة بمصطلح " المقبولية " من اجل
مواجهة سيل الاصوات الكبيرة التي حصل عليها رئيس ائتلاف دولة القانون،
فأمسوا يتكلمون ويتحدثون عن مرشح يمتلك المقبولية الوطنية لدى بقية
الكتل من اجل ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، فوجدنا التيار يتحدث، في
تصريح لاحد نوابه الجدد، عن شرط المقبولية من اجل الترشيح لهذا المنصب
واضعا خلف ظهره الاصوات التي حصل عليها المرشح في الانتخابات.
وفي تصريح اقرب الى اللامعقول السياسي وبعيد عن كل التصورات
القانونية والاشتراطات الدستورية المعمول بها في العالم، طرح رئيس كتلة
المواطن السيد بيان الزبيدي فكرة، ان لم نقل بدعة، جديدة في الواقع
السياسي في العراق والانظمة الديمقراطية الحديثة على حد سواء، اذ طلب
ان يقدم كل من التيار والمواطن ودولة القانون مرشحا لرئاسة الوزراء ثم
" نذهب بهم للبرلمان "على حد تعبيره لكي يختار اعضاء البرلمان من بين
مرشحي" القانون والتيار والمواطن، من سيكون رئيس للوزراء.
مصطلح المقبولية في حد ذاته لاينبغي ان ينظر له بمعزل عن لغة
الارقام، والمعايير الرياضية في الانتخابات، وكل من يتجاوز عن هذا
يرتكب تناقضا ومغالطة منطقية واضحة، فالمقبولية تعني ان يكون لهذا
الشخص قبولا لدى الشعب ! والارقام التي يحصل عليها السياسي من
الانتخابات خير تجسيد لمقبولية هذا السياسي بالنسبة لابناء شعبه، واذا
لم يكن الامر على هذا النحو من التحليل فماذا يسمي من يتذرع بمصطلح "
المقبولية" اختيار آلاف الاشخاص لسياسي ما في الانتخابات؟
الا يعني هذا الاختيار انه مقبولية من قبل ابناء الشعب؟ ام ان للكتل
السياسية رأي آخر وتعريف جديد للمقبولية فيه يتم اهمال رأي الشارع
العراقي والتغاضي عنه والالتفات والاخذ برأي آخر يعتمدونه كمعيار
للمقبولية.
نعم ان المقبولية تعني، من وجهة نظر الكتل السياسية المعارضة
للمالكي، هي رضا هذه الكتل والاحزاب والتيارات السياسية، المختلفة في
اطروحاتها السياسية اصلا مع المالكي، عن الاخير، ولايوجد اي معنى آخر
لها يمكن ان يتعكز عليه اصحاب هذا المصطلح الذي يكتنز دلالات وينفتح عن
معاني بعيد جدا عن واقعه ومعناه الحقيقي.
واذا ما اردنا ان نذهب بعيد في تحليل مصطلح " المقبولية" فسوف نجد
انها تستند الى رؤية سياسية تتبنى مبدأ تشكيل الحكومة على اساس التوافق
والمشاركة المحاصصة بين الكتل السياسية، وهو النموذج السياسي الذي جربه
العراقيون خلال عشر سنوات مضت ولم يحصدوا منه سوى الخراب والفساد
والدمار، فليس مهما، في نظر من يتذرع بهذا الرأي، راي الشعب وهو اصلا
لايكترث بخياراته السياسية التي بصمت لشخص او قائمة معينة بل المهم
لديهم ان يحصل المرشح لمنصب رئيس الوزراء على موافقة الكتل السياسية
التي تسعى بالتأكيد لفرض شروطها على اي مرشح لهذا المنصب.
ان الاتيان بمرشح خاضع لراي الكتل السياسية، التي هي اصلا غير متفقة
فيما بينها على برنامج محدد ومشروع سياسي واضح، وتختلف في بديهيات
سياسية واولويات العمل الحكومي، سوف يقود بلاشك الى تشكيل حكومة ستكون
في طبيعتها اسوأ من كل حكومات المحاصصة التي حكمت العراق بعد 2003
لانها سترتهن بإرادات كتل سياسية متنافرة التوجه ومختلفة البرامج وترجع
في اغلب قراراتها الى دولة الجوار واضعة خلف ظهرها ارادة المواطن
العراقي واستحقاقاته الانتخابية وارادته السياسية !
[email protected]
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |