العالم العربي... تكبيل الفضاء الالكتروني وإعادة انتاج الاستبداد

 

شبكة النبأ: لم يعد التقييد يقتصر على المطبوعات ووسائل الأعلام المسموعة والمرئية، بعد ان نافس الفضاء الالكتروني الاعلام التقليدي، وربما فاق عليه في بعض النواحي، لما يمتاز به من سرعة نقل الخبر وسهولة نشرة بعيداً عن مقص الرقابة والموافقات الروتينية، إضافة الى تنوع الوسائل التي يتم فيها تداول الاخبار، من مواقع التواصل الاجتماعي الى المدونات والشبكات الخبرية ومواقع الفيديو...الخ.

وقد أدى هذا الامر، كما حدث في أيام ما يسمى بـ الربيع العربي، الى احداث العديد من الزلازل السياسية، لأنظمة استبدادية معمرة في العالم العربي، بعد ان استطاع الفضاء الالكتروني بمختلف اتجاهاته، وان كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي الأبرز، توحيد الشار لأسقاط بعض هذه الأنظمة الفاسدة، وقد أشار المختصين الى ما شكلته هذه المواقع من خطورة، على بقية الأنظمة الحاكمة، التي استطاعت الصمود بوجه هذه الموجة، مما استوجب محاربتها واعتبارها من الوسائل التي تحرض على الفتن والبلابل.

وقد شرعت العديد من الدول، في سبيل ذلك، عدد من القوانين والأنظمة التي تقيد الحريات الالكترونية بصورة عامة، وتهدد الناشطين على هذه المواقع بصورة خاصة، بعد ان منعت وحجبت واعتقلت العشرات وربما المئات من المواقع والنشطاء والمعارضين في سياق حملة واسعة النطاق.

ويبدو ان إعادة انتاج الاستبداد والسيطرة على المجتمعات العربية، من خلال السيطرة على الفضاء والحرية الالكترونية، التي وجد فيها المعارضين متنفساً كبيراً بعد تقييد اغلب الوسائل الإعلامية والصحافة التقليدية، اخذت طابعاً متزايداً في الآونة الأخيرة، بعد ان كرست اغلب الدول جهدها لأدراج حرية الانترنت والتعبير من خلاله، ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالسجن وربما الإعدام، في سابقة قل نضيرها في العالم، كما يرى الخبراء.    

مصر

في سياق متصل قالت صحيفة الوطن المصرية المستقلة إن وزارة الداخلية المصرية طلبت من شركات عالمية نظاما إلكترونيا لرصد "المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي" فيما قال مستخدمون للإنترنت إنه تصعيد لمراقبة أنشطة المعارضين، ونشرت الصحيفة على صفحتين ما قالت إنها كراسة الشروط والمواصفات الفنية للمشروع الذي سمته الوزارة "منظومة قياس الرأي العام".

وقالت الصحيفة إن الوزارة طرحت مناقصة للمشروع حددت يوم 19 مايو أيار الماضي لجلسة تقديم العروض الخاصة بها في مقر الوزارة بوسط القاهرة، وقال مسؤول في وزارة الداخلية إن سبع شركات أجنبية لم يسمها قدمت عروضا لتنفيذ المشروع، وأعلن عن المشروع بعد أيام من إعلان نتائج أولية لانتخابات الرئاسة أظهرت فوزا كاسحا لقائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي على منافسه السياسي اليساري حمدين صباحي، واستخدم نشطاء موقع فيسبوك في الدعوة للاحتجاجات التي تحولت إلى انتفاضة عارمة أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011.

ويقول محللون إن الحكومة الحالية المدعومة من الجيش والتي أصدرت قانونا يقيد حق التظاهر في نوفمبر تشرين الثاني تسعى فيما يبدو بهذا المشروع لإخافة المعارضين وإثنائهم عن استخدام صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في توجيه الانتقادات لها، لكن الحكومة تقول إن الصفحات تستخدم أيضا في توجيه سباب وإهانات يجرمها القانون كما تستخدم في الدعوة لمظاهرات غير مصرح بها. بحسب رويترز.

وتقول منظمات حقوقية إن الحكومة تسعى لمنع مختلف أنواع الانتقادات المعارضة، ويقول منتقدو الحكومة إن انتهاكات حقوق الإنسان زادت منذ أعلن السيسي عزل الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.

وقالت صحيفة الوطن إن كراسة الشروط والمواصفات الفنية تضمنت القول "رغم أن هذه المواقع أنشئت في الأساس للتواصل الاجتماعي بين الأفراد فإن استخدامها امتد ليشمل النشاط الجنائي والإجرامي من خلال تداول المعلومات الخاصة بإيذاء أفراد أو بتكدير الأمن العام وكذلك الدعوة إلى أعمال الإرهاب والعنف والشغب"، ويستخدم من يبدو أنهم مؤيدون للسيسي ومرسي مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لأفكارهم والدفاع عنها والدعوة للتجمعات.

وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية تعليقا على تقرير الصحيفة عن طلب النظام الإلكتروني "هذا الشيء عادي، طبيعي أن نراقب التهديد الإرهابي على الإنترنت بالاستعانة بالشركات العالمية في هذا التتبع"، وأضاف "المراقبة العادية لمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع لم تعد كافية مع الزيادة الكبيرة في استخدامها خلال السنوات الماضية"، وقال الناشط مصطفى النجار الذي انتخب عضوا في مجلس الشعب بعد الإطاحة بمبارك "انفراد جريدة الوطن حول نظام التجسس الجديد لا ينبغي استقباله بالسخرية فقط، الموضوع خطير ويحمل دلالات ترسم ملامح الفترة القادمة في مصر" مشيرا إلى ما يقول محللون إنه تضييق على المعارضة منذ عزل مرسي في يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.

لكن وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلت عن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قوله "النظام الجديد لن يؤثر من قريب أو من بعيد على حرية الرأي والتعبير وتقف حدوده عند مخالفة القانون في إطار من التوازن الدقيق بين أمن الوطن وحرية المواطنين".

السعودية

من جانبها قالت وسائل إعلام سعودية إن محكمة في المملكة قضت بالسجن عشر سنوات والجلد 1000 جلدة على رئيس تحرير منتدى على الإنترنت أسسه لمناقشة دور الدين في المملكة، وكان رائف بدوي مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية الحرة على الإنترنت قد عوقب في يوليو تموز الماضي بالسجن سبع سنوات بالإضافة إلى 600 جلدة لكن محكمة استئناف ألغت الحكم وأمرت بإعادة المحاكمة.

وإلى جانب تشديد العقوبة على بدوي أمره قاضي المحكمة الجزائية في جدة بدفع غرامه مليون ريال (266 ألف دولار)، وأغلق الموقع الإلكتروني للشبكة منذ المحاكمة الأولى، ونقل موقع سبق الإلكتروني عن محامي بدوي قولهم إن العقوبة الصادرة ضده قاسية للغاية برغم أن الادعاء كان قد طالب بتشديد العقوبة، والحكم قابل للطعن عليه.

وكان الادعاء قد طالب بمحاكمة بدوي بتهمة الردة التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، لكن القاضي في محاكمة العام الماضي أسقط تلك التهمة، واعتقل بدوي في يونيو حزيران 2012 واتهم بارتكاب جريمة إلكترونية وعصيان والده وهي جريمة في المملكة، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الموقع الإلكتروني الذي كان يديره بدوي نشرت به مقالات تنتقد شخصيات دينية كبيرة منها مفتي المملكة.

وفي حكم منفصل ذكر موقع سبق الإخباري أن المحكمة أدانت أيضا مدير موقع إلكتروني بتهم دعم منتديات على الإنترنت معادية للدولة تروج للمظاهرات، وقال الموقع إن المدان حكم عليه بالسجن ست سنوات وغرامة 50 ألف ريال، وأضاف الموقع الإخباري أن سعوديا آخر عوقب بالسجن خمس سنوات لنشره عمودا لرجل دين شيعي كبير بصفحته على موقعه الإلكتروني.

وصعدت الرياض حملتها على المعارضة الداخلية من خلال اعتقالات ومحاكمات بعدما أقلقتها انتفاضات الربيع العربي التي زعزعت استقرار دول بالشرق الأوسط في السنوات الماضية، وفي أبريل نيسان الماضي اعتقلت السلطات المحامي والنشط البارز في الدفاع عن حقوق الإنسان وليد أبو الخير واحتجزته بمعزل بعد مثوله أمام محكمة في الرياض بتهمة إثارة الفتنة وفق ما ذكرته زوجته. بحسب رويترز.

وفي أبريل نيسان أيضا عاقبت محكمة سعودية نشطا آخر لم يتم تحديد هويته بالسجن ست سنوات بتهم منها المشاركة في مظاهرات غير قانونية وتنظيم احتجاجات نسائية، وعوقب نشط آخر بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "الإفتيات على ولي الأمر وتأليب الناس عليه".

كما نقلت صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن رئيس الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع رياض نجم قوله إن السعودية بصدد إصدار أول لائحة لتنظيم عمل الشركات المحلية التي تبث برامجها على موقعي يوتيوب YouTube وجوجل Google، والمملكة العربية السعودية أكبر مستخدم في العالم لموقع يوتيوب على مستوى الأفراد، وأدى السخط تجاه البرامج التي تبثها القنوات الرسمية والقيود المجتمعية إلى إيجاد جمهور بات ملتصقا على نحو فريد بالتسلية عبر شبكة الانترنت في بلد نصف سكانه تقريبا دون سن الخامسة والعشرين.

لكن شعبية موقع يوتيوب جعلت دور الانتاج السعودية تحت رقابة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع التي تشكلت في الآونة الأخيرة، وقال رئيس الهيئة رياض نجم لصحيفة الشرق الأوسط إن الهيئة ستصدر قريبا لائحة لتنظيم عمل قنوات يوتيوب خلال الفترة المقبلة، وأضاف انها ستضم عددا من الشروط والضوابط "بما يتوافق مع طبيعة المجتمع والأنظمة والقوانين في هذا السياق"، وتابع قائلا "إننا نعمل على احتضان هذه المواهب وتطوير قدراتها الفنية والتقنية"، ومضى يقول إن الترخيص سيساعد في ضمان الأداء وجودته.

ويأتي هذا في أعقاب صدور قانون سعودي جديد يحدد جرائم الارهاب بأنها "كل فعل يقوم به الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر يقصد به الإخلال بالنظام العام أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها".

ويجسد هذا التحديد الموسع مدى القلق الذي يعتري حكام المملكة منذ الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية عام 2011، واتخذت السلطات نهجا أشد صرامة ضد الكثير من أشكال المعارضة وسجنت اصلاحيين ليبراليين وناقدين دينيين بتهم تتراوح من التحريض إلى تعريض أمن البلاد للخطر، وكان باستطاعة صناع برامج يوتيوب في السعودية العمل بدون ترخيص باعتبارهم ليسوا قنوات بث فعلية وحرصت دور الانتاج هذه على تجنب أي جدال حيث غالبا ما يكون الانتقاد المبطن هو الوسيلة المفضلة لتوجيه النقد الى السلطة.

وقرر مجلس الوزراء السعودي تنظيم "المحتوى الاخلاقي والاعلامي" في كافة "الوسائط المعلوماتية" تقليدية كانت ام الكترونية، وفقا لمصدر رسمي، واضافت وكالة الانباء السعودية ان المجلس قرر "تفويض الهيئة العامة للأعلام المرئي والمسموع مهمة تنظيم المحتوى الاخلاقي والاعلامي بجميع وسائطه المعلوماتية التقليدية والالكترونية".

واوضحت ان المهمة تتضمن اقتراح "الانظمة والتشريعات، ومواكبة المستجدات التقنية، والتثقيف والتوعية بدور تقنية الاتصالات والاعلام والتحذير من خطورة محتواها الضار على الفرد والمجتمع"، كما قرر المجلس تشكيل لجنة "لتقنين المحتوى الاخلاقي لتقنية المعلومات في الهيئة العامة للأعلام المرئي والمسموع مهمتها تنظيم المحتوى الاعلامي بشكل عام وفي الجوانب التوعوية بشكل خاص".

واوضح ان مهام اللجنة تتضمن "الاسهام في حماية المجتمع من تفشي الاباحية والعمل على تكوين وعي اجتماعي وثقافي بالمحتوى الاخلاقي لتقنية المعلومات"، وكان مسؤول اعلامي صرح ان الهيئة تتجه الى فرض رقابة على محتوى مواقع الكترونية ضمنها "يوتيوب" وإلزام من ينضم اليها بالحصول على تصاريح تحدد "الضوابط والشروط".

واوضح ان الهدف هو "احتواء الطاقات الشبابية التي دخلت هذا المجال، من دون أن تكون ملمة بالسقف المتاح للتحرك في فضائه"، لكنه اكد ان "مراقبة محتوى كبير بهذا الحجم ستكون بالغة الصعوبة، ومن المتوقع أن يكثر التحايل عليها"، وكانت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات اعلنت في مطلع حزيران/يونيو الماضي انها اوقفت خدمة الفايبر لان التطبيق بوضعه الحالي "لا يفي بالمتطلبات والانظمة السارية" في المملكة.

واوضحت الهيئة انها كانت ابلغت في اذار/مارس مقدمي الخدمة المرخص لهم بضرورة العمل مع الشركات المطورة لبعض تطبيقات الاتصالات لسرعة استيفاء المتطلبات التنظيمية، مشيرة الى فايبر وواتساب وسكايب خصوصا. بحسب فرانس برس.

وكان مصدر في الهيئة اكد في وقت سابق "الطلب من شركات الاتصالات المحلية الاتصال بالجهات المشغلة لهذه التطبيقات لبحث سبل مراقبتها وكيفية تطبيق الانظمة المتبعة امنيا على استخدامها"، وكانت السعودية ودول خليجية اخرى طلبت قبل اكثر من عامين من شركة "ريسيرش ان موشين" الكندية المصنعة لأجهزة البلاك بيري تشغيل الخدمة من خلال خوادم تعمل داخل دولها الامر الذي وافقت عليه الشركة بعد مفاوضات.

الأردن

الى ذلك قالت دائرة المطبوعات والنشر الاردنية انها حجبت مؤخرا 16 موقعا الكترونيا اخباريا جديدا ليبلغ عدد المواقع المحجوبة لعدم الترخيص 254 موقعا، وقال مدير عام الدائرة فايز الشوابكة، ان "16 موقعا الكترونيا حجبت بعد توخي الدقة المتناهية في موضوع الحجب لمواقع اخبارية غير مرخصة، ما ادى الى تأخير حجب بعضها حتى يتم التحقق منها"، واضاف ان "الحجب مطبق الآن على 254 موقعا، فيما بلغ عدد المواقع الالكترونية الاخبارية المرخصة 111 موقعا".

ويلزم القانون الذي اقر في ايلول/سبتمبر الماضي المواقع الالكترونية الاخبارية بالتسجيل في دائرة المطبوعات والنشر والحصول على ترخيص ويخضعها للقانون اسوة بالصحف والمطبوعات الورقية، ويشترط هذا القانون ان يرأس تحرير كل موقع اخباري عضو في نقابة الصحافيين.

ومن بين المواقع التي حجبت موقع "المنارة نيوز"، وموقع "حبر" الذي قالت رئيسة تحريره لينا عجيلات انه "مدونة ولا ينطبق عليها تعديلات القانون"، وقالت عجيلات ان "الجميع يعرف حبر كمدونة وكنا مرشحين لجائزة افضل مدونة عربية"، واضافت "بالتأكيد لسنا موقعا اخباريا لكن موقعنا اصبح اكثر تفاعلا مع الجمهور الذي يرسل لنا مقالات وريبورتاجات".

من جانبه، قال الشوابكة ان "موقع حبر مسجل في وزارة الصناعة والتجارة كموقع الكتروني اخباري، ولدى الدخول الى الموقع تجد انه موقع تفاعلي يضم اخبارا سياسية وتحليلات تعني بالشأن الاردني وبالتالي ينطبق عليه القانون"، ودعا "جميع المواقع الالكترونية الاخبارية الى تصويب اوضاعها بموجب القانون، لان استمرارها بالخروج عن القانون لن يكون في صالحها، ولن يكون هناك تراجع عن تطبيقه". بحسب فرانس برس.

واتخذت الحكومة مطلع حزيران/يونيو الماضي قرارا بحجب نحو 290 موقعا الكترونيا اخباريا "بسبب عدم حصولها على ترخيص"، واعتبرت الحركة الاسلامية ومنظمات حقوقية واعلامية اضافة الى نشطاء ان القرار ينتهك حرية التعبير في بلد يحوي 400 موقع الكتروني اخباري وقرابة 3,5 مستخدم انترنت، هم نصف سكان المملكة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/حزيران/2014 - 9/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م