شبكة النبأ: فيما كان محمد خميس
ابوريشه في جولة تفقدية على عناصر "الصحوة" في الانبار، جاءه احد
الاشخاص مسرعاً للترحيب به ومعانقته على أنه أحد افراده من "مجالس
الصحوة"، لكنه كان أحد رُسل الموت بحزام ناسف فجر نفسه لتتحول الاجساد
الى أشلاء متناثرة، ويتم تنفيذ قرار عقوبة قاتلة على اجتياز خطوط حمراء
خارج اطار المصالح الطائفية لجهات داخلية وخارجية.
ربما يأتي الاغتيال في سياق التصفيات المعهودة في الوسط السنّي منذ
سنوات، شملت أئمة مساجد واكاديميين وشيوخ عشائر وحتى مواطنين عاديين،
ممن قرروا التخلّي عن التطرف والتخندق الطائفي. بيد أن وقوع الحادث في
هذه الفترة بالذات، حيث يعيش الجميع في العراق على صفيح ساخن انتظاراً
لتشكيل الحكومة الجديدة. يعطي انطباعاً عن وصول حالة التخندق الطائفي
الى مرحلة خطيرة، في وقت يشهد العراق العد العكسي لانتهاء عمر البرلمان
الحالي، ودخول العراق في الاستحقاق الحكومي، وإلا تتحول الحكومة
الحالية الى "حكومة تصريف أعمال".
يرى بعض المحللين أن إصرار رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي على
صناعة "الأغلبية السياسية" في البرلمان تمكنه من تشكيل حكومة دون
الحاجة الى إرضاء الكتل السياسية الأخرى، دفع الجميع لأن يدبروا أمرهم
ويتحركوا دون ضياع الاصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات، فاذا كان
همّ المالكي الحصول على (175) مقعداً في البرلمان لتحقيق ارادته وتشكيل
الحكومة للمرة الثالثة، فهذا يعني اختراق المكونات الاجتماعية في
العراق، وهي السنّة والشيعة والكُرد، وهو ما بلغ وسائل الاعلام في
الآونة الاخيرة من اخبار عن انضمام نواب كُرد وسُنة وايضاً شيعة، الى
ائتلاف دولة القانون الذي حصل على (95) مقعداً، بمعنى أنه يحتاج الى
(80) مقعداً لنواب لن يفكروا إلا بتشكيل الحكومة وفق اجتهاد المالكي
بأن تكون الحكومة مدعومة من أغلبية في البرلمان وليس من كيانات سياسية
واحزاب كما هو المعروف في الانظمة الديمقراطية، حتى مع وجود احزاب
المعارضة. فمعظم الاحزاب والكيانات السياسية في العراق، أعلنت رفضها
فكرة الولاية الثالثة للمالكي، وتبحث عن بديل يقدم جديداً او يصلح ما
أفسدته السنوات الثمان الماضية.
لكن هل تلتقي النوايا والمساعي لتشكيل الحكومة على المصلحة الوطنية
للبلد؟
هذا هو السؤال الذي يثيره المراقبون والمتابعون للمخاض السياسي
الصعب.. فقد تحركت جهوداً عشائرية وسياسية ودينية في الوسط السنّي
للحؤول دون تشظي "البيت السنّي" - إن صحّ التعبير- والتقريب بين وجهات
النظر بين الكيانات المشاركة في الانتخابات الاخيرة، والتي حصلت كلٌ
منها على عدد من المقاعد. فهنالك من يرى المشاركة في حكومة قوية برئيس
قوي مثل المالكي، أفضلية على خسارة المنصب والحصة من "الكعكة"، وهو ما
يذهب اليه "صالح المطلك" زعيم كتلة "العربية"، وقبل هذا كان قد انضم
الى حكومة المالكي، مستشاراً لشؤون الإعمار، وأن "لابد من إعطاء
الحكومة فرصة أخرى!.
بيد أن أطراف محلية مدعومة من السعودية وتركيا، تحثّ على الاحتكام
الى الخيمة الطائفية قبل التفكير في المشاركة بالحكم، وهناك معلومات
تفيد بانعقاد اجتماعات مستمرة تجمع اسامة النجيفي واياد علاوي وصالح
المطلك وجمال الكربولي للتوصل إلى تفاهمات غايتها ترتيب تشكيل تحالف
قوي جامع بين هذه الكتل الاربعة، وحسب المصادر فانه من المتوقع ان يكون
يوم 15 حزيران الحالي، تاريخ الإعلان عن تشكيل تحالف او جبهة سياسية
جديدة بغطاء طائفي واضح.
وقد ربط البعض زيارة رئيس اسامة النجيفي، رئيس كتلة متحدون، واياد
السامرائي رئيس الحزب الاسلامي، إلى تركيا مؤخراً، بالمساعي الرامية
الى التخندق الطائفي، وعدّه الوسيلة الوحيدة للمشاركة الفاعلة والمفيدة
لسنة العراق في العملية السياسية والحكومة القادمة.
هذه المساعي الداخلية والخارجية في الوسط السنّي، جاءت متوازية مع
المساعي المماثلة في الوسط الشيعي، حيث بات واضحاً الرعاية الايرانية
لأمر تشكيل الحكومة من خلال الزيارات المكوكية لشخصيات سياسية عراقية
الى طهران، في طليعتهم نفس رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي، وترشح
أنباء عن توجيه توصيات مباشرة من شخص الزعيم الايراني وصاحب الكلمة
الاولى في ايران، السيد علي خامنئي، بأن يتم تشكيل الحكومة تحت خيمة
التحالف الوطني، المتشكل من الكيانات الشيعية الثلاث المعروفة، وهي
اشارة واضحة الى التحذير من مغبة الذهاب بعيداً في التحالفات من منطلق
المصلحة السياسية الخاصة، التي يلاحظ المراقبون انها خرجت حتى من إطار
الكيان السياسي، بعد ما رشحت انباء عن بروز خلافات عميقة بين المالكي
وقيادات حزبية في "دولة القانون"، مما اضطر الاخير الاعتماد على افراد
من عائلته والمقربين منه مناطقياً وعشائرياً.
ولم يعد خافياً الدور الايراني البارز في المشهد السياسي العراقي،
ضمن الدائرة الاوسع للنفوذ الايراني في المنطقة، ومساعي ايران الحثيثة
لتعزيز قواها وقدراتها السياسية والعسكرية لمواجهة التحديات الامريكية
والغربية، فاذا كانت ايران تغامر بمصلحة شعبها واقتصادها بسبب تحملها
وطأة العقوبات الاقتصادية وانعكاساتها على الوضع الداخلي، وتتحمل كل
ذلك، فيما تلاحظ شخص واحد في بغداد يحاول الاستفادة من الجميع وهو جالس
في مكتبه دون أن يمسه سوء، فهذا ما لا يرتضيه المعنيون في طهران
بالمرة، وأي خبر ينشر عن وصول رسائل لوم وتقريع وتحذير وغيرها من طهران
الى بغداد، رغم فبركتها وتوجيهها الاعلامي، إلا انها لن تخلو من شيء من
الصحة من ناحية المضمون. بل ان هناك اعتقاد سائد بان ايران عملت
المستحيل على تحييد السعودية وابعاد يدها عن الملف العراقي، ولعل
التقارب الاخير بين البلدين يكون من ثمار اتفاق غير مكتوب على إنهاء
الدعم والمساندة للجماعات السنية في العراق، الامر الذي دفع بها للتوجه
الى تركيا البديل الجديد.
من هنا؛ يتضح أن الدور الاقليمي (ايران – تركيا) لا ترى بداً من
الاصطفاف الطائفي في العملية السياسية، في ظل غياب واضح للاصطفاف
الوطني والنوايا المخلصة لخدمة الشعب وطموحاته واهدافه. وحسب الرؤية
الموجودة في العاصمتين، فان التكتل الطائفي، هو الذي يحقق المصالح على
المدى القريب والبعيد، اكثر من فكرة "الرجل القوي".
أما المحصلة، فهي المزيد من الاحتقان الطائفي والسياسي وما يتمخض
عنه من استمرار مسلسل العنف بالتفجيرات والاغتيالات اليومية في جميع
انحاء العراق، وسقوط المزيد من الضحايا، كما يرى ذلك مراقبون. |