هل يخوض الغرب حرب عظمى جديدة او يحاول منعها؟

 

شبكة النبأ: بعد مرور أكثر من عشر سنوات تركزت على محاربة التشدد الاسلامي عاد خبراء التخطيط العسكري الغربي مرة أخرى لتدبر أمر الحرب المحتملة بين القوى العظمى وكيفية الحيلولة دون نشوبها مصادفة عن غير قصد.

وعلى الرغم من أن المنافسة التي سادت الحرب الباردة مع موسكو لم يطوها النسيان يقول مسؤولون غربيون حاليون وسابقون إن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم دفع قوى حلف شمال الأطلسي للتخلي عن الافتراضات الاستراتيجية والتفكير في إمكانية نشوب حرب سواء تقليدية أو نووية على ما في هذا التفكير من تشاؤم.

وحتى أواخر مارس آذار كانت أغلب قوى حلف الأطلسي باستثناء أعضاء في المنطقة الشرقية مثل دول البلطيق التي تتوجس من موسكو منذ فترة طويلة تفترض أن أوروبا نفسها لا تواجه أي خطر عسكري وشيك، وما زالت قلة قليلة فحسب هي التي تعتقد أن روسيا ستهاجم أي دولة عضو في الحلف لكن المسؤولين الغربيين يقولون إنه من أجل الردع يتعين عليهم التفكير في أي حالة طارئة والتحسب لها. بحسب رويترز.

كذلك فإن التهديد التي تمثله قوة الصين على حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي ركز التفكير العسكري في كيفية احتواء المخاطر في المنطقة وضمان عدم امتداد أي صراع محلي ليصبح حربا عالمية، وفي خطاب مهم عن السياسة الخارجية ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشهر الماضي بأكاديمية وست بوينت العسكرية تحدث أكثر ما تحدث عن مكافحة الإرهاب والانسحاب من أفغانستان. لكنه أكد أن الخطر الذي تمثله دول أخرى ما زال قائما رغم أنه أقل مما كان عليه قبل سقوط حائط برلين.

وقال في كلمته لطلبة الأكاديمية "الاعتداء الاقليمي الذي يستمر دون أن يوقفه أحد سواء في جنوب أوكرانيا أو في بحر الصين الجنوبي أي في أي مكان آخر في العالم سيؤثر في نهاية الأمر على حلفائنا وقد يستدرج جيشنا"، وقد تزايدت التوترات مع موسكو وبكين بوتيرة أسرع مما توقع أي مسؤول في الحكومة الأمريكية. ومن المتوقع أن تهيمن هذه التوترات على لقاء يجمع بين أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نورماندي بمناسبة الذكرى السنوية السبعين ليوم إنزال قوات الحلفاء والتي تحل هذا الأسبوع.

ومع ذلك فقد أبرز مؤتمر حوار شانجري-لا الاستراتيجي السنوي في مطلع الأسبوع الماضي بسنغافورة الهوة المتنامية بين واشنطن وبكين في قضايا كثيرة من النزاعات البحرية الإقليمية إلى أمن الانترنت، ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إن إدارة أوباما عمدت بإصرار في الأسابيع الأخيرة إلى طمأنة الحلفاء وإرسال إشارات إلى الأعداء حيث ترى واشنطن خطوطا حمراء حقيقية، وربما لا تكون واشنطن مستعدة للتحرك عسكريا في أوكرانيا لكن أي هجوم على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي مثل دول البلطيق أو حليف اسيوي مثل اليابان أو الفلبين أو أستراليا سيدفع بها إلى الحرب لا محالة. وهذه الالتزامات ليست جديدة لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن من المهم توضيح أنها تؤخذ بجدية بالغة.

ويأمل المسؤولون تقليص خطر نشوب حرب بالصدفة تشن فيها دولة ما عملية عسكرية بطريق الخطأ مفترضة أن القوى الأخرى لن ترد، وتقول كاثلين هيكس التي كانت وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية حتى يوليو تموز الماضي وتعمل الان بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "المسألة ليست أن القيادة في روسيا أو الصين تتطلع لحرب.. والولايات المتحدة لا ترغب في هذا بالقطع، "الخطأ الحقيقي هو سوء التقدير".

يقول مسؤولون حاليون وسابقون إنه بعد مرور 100 عام على بدء الحرب العالمية الأولى أصبح للكتب التي تتناول تلك الفترة شعبية متزايدة في واشنطن وفي مقر دول حلف شمال الأطلسي وإن ذلك لا يرجع لأهميتها التاريخية وحسب، ففي يونيو حزيران عام 1914 اغتال صربي قومي أرشيدوق النمسا فرانز فرديناند ليطلق بذلك شرارة سلسلة من الأفعال والتحالفات التي أدت إلى نشوب الحرب خلال أقل من شهر.

والآن يقول خبراء إن نقاط الاشتعال قد تتراوح من اشتباك على جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي أو صراع عرقي في أحد جيران روسيا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى هجوم إلكتروني ينسب خطأ لطرف ما.

ورغم تطمينات واشنطن لحلفائها فقد أكدت موسكو وبكين قوتهما في مواجهة أوكرانيا وفيتنام اللتين تفتقران إلى مثل هذه التحالفات الرسمية. ويقول الخبراء إن الخطر يكمن في مبالغة موسكو وبكين في الثقة بنفسهما والوقوع في خطأ الحسابات، وقال نيكولاس جفوسديف أستاذ دراسات الأمن القومي بكلية الحرب البحرية الأمريكية "من الممكن بكل تأكيد المبالغة في التأكيد على أوجه الشبه مع عام 1914"، وأضاف "لكنها توضح لنا أن الحرب يمكن أن تبدأ من خلال نتائج غير مقصودة وألا يمنع العالم القائم على تبادل المنافع اقتصاديا حدوثها"، وكما كان الحال عام 1914 فلا أحد يدري حقا ما ستكون عليه الحرب العظمى الحديثة.

ويقول المسؤولون الحاليون والسابقون إنه على الرغم من أن التفكير العسكري يفترض في معظمه أن يظل الصراع تقليديا تعكف القوى النووية على تحديث تخطيطها للحرب الذرية أولا بأول وتحتفظ بقوائم لأهداف معينة تبغي دمارها في حالة الحرب.

ويرى بعض الخبراء إن الهجمات الإلكترونية قد لا تقل ضراوة وكذلك الآثار على التجارة العالمية في عالم باتت تعاملاته متداخلة بشكل لم يكن قائما من قبل، من ناحية أخرى فإن بعض الأنظمة المفترض أن تمنع نشوب صراع ربما تكون قد بدأت في الضعف.

شرع مسؤولون أمريكيون في حملة لإقامة قنوات اتصالات رسمية وغير رسمية مع بكين في خط مواز للخطوط الساخنة والإجراءات المقامة مع روسيا، واستخدمت موسكو وواشنطن تلك الأنظمة في الشهور الأخيرة كي تتبادلا المعلومات حول اختبارات الصواريخ والطلعات الاستكشافية فوقهما، إلا أن الاتصالات مع روسيا انحسرت هذا العام إذ ألغت دول حلف شمال الأطلسي مؤتمرات وتبادلات عسكرية مع موسكو احتجاجا على ضمها القرم.

كما تدهورت الاتصالات مع الصين الشهر الماضي وبخاصة منذ اتهمت واشنطن خمسة مسؤولين صينيين بالتجسس الإلكتروني وهو اتهام تنفي بكين صحته، ويحذر خبراء من أحداث تنذر بالخطر منها التصادم الذي كاد أن يقع بين سفينة حربية أمريكية وأخرى صينية في يناير كانون الثاني والقيام بمحاكاة لشن هجوم روسي على مدمرة أمريكية في البحر الأسود في أبريل نيسان والمواجهات التي تقع من آن لآخر بين قاذفات بعيدة المدى وقطع جوية أخرى، وفي الأسبوع الماضي اتهمت اليابان والصين كلا منهما الأخرى بالقيام بأفعال "خطيرة..تتجاوز الحد" بعد أن اقتربت طائرات حربية يابانية وصينية من بعضها البعض بحيث لم يفصل بينها سوى بضع عشرات من الأمتار.

ويقول بعض المحللين إن من التحديات الأخرى بالنسبة للغرب أن روسيا والصين تعلمان أن واشنطن ستجاهد بشدة حتى يمكنها التعامل مع المواجهات المتزامنة، فالقوات الأمريكية منتشرة في أنحاء متفرقة من العالم في حين أن القوات الروسية والصينية -وإن كانت أصغر حجما- فتركز على المناطق المجاورة للبلدين. ومنذ عام 2008 زادت الدولتان من الإنفاق العسكري بنسبة 30 و40 في المئة على الترتيب وفقا لمعهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية، و"محور الارتكاز" الآسيوي الذي دفع البحرية الأمريكية على وجه خاص للتحرك لزيادة وجودها بالمحيط الهادي في عام 2012 كان يهدف لجعل التعامل مع الأزمات أيسر.

وفي أوروبا -وعلى النقيض من ذلك- لم يطور تقريبا حلف شمال الأطلسي فكره لما وراء تلك الاستراتيجية التي وضعها بعد أن ضمت روسيا القرم والتي تمثلت في وضع أعداد صغيرة من القوات والطائرات الأمريكية على الحدود في دول الحلف الشرقية التي يخشى أن تستهدفها موسكو في المرة القادمة.

وقبل واقعة أوكرانيا كانت الدول الأوروبية تعتبر أن تركيزها العسكري الأساسي يجب أن ينصب على حالات التدخل التي يمكن أن تحدث من آن لآخر وعلى عمليات حفظ السلام والتصدي لأي تمرد في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقال مسؤول غربي كبير طلب عدم نشر اسمه "نحن في منطقة لم تكتشف من قبل." أضاف "هذا يعني ... إعادة تشكيل المهارات القتالية المتطورة والفكر المناسب من خلال مبادئ للردع التقليدي والنووي كليهما".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م