هل ستصبح أسبانيا جمهورية؟

 

شبكة النبأ: بعد ما يقارب الأربعة عقود تنحى خوان كارلوس عن منصبه ملكا لإسبانيا ليتسنمه الأمير فيليب ابن الملك السابق، ويعز الكثير من المحللين في الشؤون الاسبانية أن خوان كارلوس أجبر على التنحي عن العرش إسبانيا بعد ازدياد الضغوط والانتقادات الداخلية نتيجة ملفات الفساد المختلفة التي طالت أعضاء الأسرة المالكة، في وقت تعاني فيه إسبانيا من أزمة اقتصادية طاحنة، هذا التنازل لا يزال محط اهتمام الكثير من الأوساط الرسمية والإعلامية في مختلف دول العالم وخصوصا اسبانيا.

ويرى بعض المراقبين ان فيليب الملك الجديد سيواجه الكثير من التحديات والأزمات الاقتصادية والسياسية داخلياً أو خارجياً، التي ستحتم على الملك إجراء إصلاحات جديدة ومهمة قد يصعب تحقيقها في ظل وجود بعض الأطراف المعارضة والتي أعلنت فور إذاعة نبأ توريث الملك الجديد، أنها ستنظم تظاهرات للتنديد، وأنها ترغب في عمل استفتاء من أجل تغيير النظام الحاكم ليصبح نظاماً جمهورياً، في ظل فشل النظام الملكي في تحسين الأوضاع على مدار نصف قرن، لا سيما أنه وطبقاً لصحيفة "البايس"، فإن الأحزاب الجمهورية تعد الآن في أوج شعبيتها، وعلى الملك الجديد استعادة ثقة الشعب في الملكية مرة أخرى، وإلا فسيتم خلعه.

يضاف الى ذلك الحركة الانفصالية التي تدعوا الى استقلال كتالونيا، أكثر المناطق المتطورة اقتصادياً في إسبانيا وإحدى أهم المناطق الصناعية، فهي تقدّم نحو ثلث الإنتاج الصناعي الإسباني وتعدّ مدينة برشلونة أحد أهم الموانئ الإسبانية على البحر المتوسط، وعليه فأن رؤية المستقبلية لهذه المملكة الأوربية تحت حكم الملك الجديد اضعف مما تبدو، كون قيادة أسبانيا   مثقلة بالأزمات وعلى أكثر من صعيد ناهيك عن نقص الخبرة السياسية وادراة البلاد للحاكم الجديد، وهو ما قد يضع اسبانيا قاب قوسين أو ادنى من التحول السياسي الى جمهورية.

تنازل خوان كارلوس عن العرش

وفي هذا الشأن وافقت الحكومة الاسبانية غداة الاعلان عن تنازل الملك خوان كارلوس عن العرش، على القانون الذي يجيز بدء عملية الخلافة واعتلاء الملك الجديد فيليبي السادس العرش. وبعد التصويت على هذا القانون في الاسابيع المقبلة بموجب اجراء معجل من قبل مجلسي البرلمان حيث تشكل الاحزاب المؤيدة للملكية الغالبية العظمى، سيصبح التخلي عن العرش فعليا. وسيتمكن الملك الجديد من اداء القسم امام البرلمان الاسباني.

ويلحظ النص التي تمت الموافقة عليه "تنازل الملك خوان كارلوس دو بوربون عن العرش". ويرفق باعلان دعم الملكية والملك مع التذكير بانه لولا "الزخم" الذي اعطاه لما كان الانتقال الديمقراطي الذي اعقب دكتاتورية فرانكو "امرا ممكنا". وقد اعلن الملك خوان كارلوس (76 عاما) الذي انهكته المتاعب الصحية ونالت الفضائح من شعبيته، قراره التخلي عن العرش مما كان له وقع المفاجأة في البلاد.

واعتلى خوان كارلوس العرش الاسباني في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1975 بينما كان في السابعة والثلاثين، بعد يومين من وفاة فرنشيسكو فرانكو الذي اختاره خلفه المحتمل، وجسد الملك خوان كارلوس الانتقال الديمقراطي لاسبانيا الذي طوى صفحة اربعين سنة من الحرب والدكتاتورية. وقال ملك إسبانيا خوان كارلوس إنه تنازل عن العرش لصالح ولي عهده الأمير فيليبي بهدف إعادة إحياء الملكية التي شابتها فضائح في وقت تواجه فيه البلاد مصاعب اقتصادية واستياء متزايدا من النخبة السياسية الأوسع.

وقال خوان كارلوس (76 عاما) في خطاب تلفزيوني "هناك جيل جديد يطالب عن حق بتولي القيادة." وساعد الملك خوان كارلوس (76 عاما) على انتقال ديمقراطي سلس لإسبانيا في السبعينات بعد فترة الحكم الدكتاتوري لفرانسيسكو فرانكو. لكنه بدا بعيدا عن نبض الشارع في السنوات الأخيرة.

وقال خوان ان الازمة الاقتصادية "تركت جروحا عميقة في النسيج الاجتماعي لكنها تظهر لنا الطريق نحو مستقبل مفعم بالامل". واضاف "كل ذلك ايقظ فينا زخما للحداثة وتعاليا عن الذات وتصحيحا للاخطاء" بدون ان يلمح مباشرة الى الفضيحة القضائية التي طالت ابنته كريستينا ثاني اولاده وصهره ايناكي اوردنغارين. وسافر خوان كارلوس في رحلة فاخرة للصيد في بوتسوانا سرا بينما كان هناك عاطل عن العمل بين كل أربعة عمال إسبان وكانت الحكومة تقف على حافة العجز عن الوفاء بديونها.

وساهمت فضيحة فساد في عائلته وعجزه الواضح نتيجة العمليات الجراحية المتكررة التي خضع لها في السنوات الأخيرة في تراجع التأييد الشعبي له. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن فيليبي (46 عاما)الذي لم تتلطخ سمعته بالفساد يتمتع بشعبية أكبر. وتخضع ابنته الأميرة كريستينا وزوجها إيناكي أوردانجارين للتحقيق ومن المقرر أن يصدر قاضي قرارا في وقت قريب بشأن ما إذا كانا سيمثلان للمحاكمة بتهم اختلاس ستة ملايين يورو من أموال الدولة عبر مؤسسته الخيرية. وينفي هو وكريستينا التهم. ويقال إن الملك يتنازل عن العرش لأسباب شخصية. لكن مصدرا في القصر الملكي قال إن عوامل سياسية كانت السبب في قراره.

وقال محللون سياسيون إن الحزب الشعبي الحاكم المحافظ يتوق إلى جعل الأمير فيليبي الأكثر شعبية يعتلي العرش ليسعى إلى مكافحة المشاعر المتزايدة المعادية للملكية. وكانت احزاب صغيرة يسارية وأخرى معادية للنظام القائم حققت نتائج جيدة على نحو مدهش في الانتخابات. وتظاهر الآلاف في المدن الكبرى في اسبانيا للمطالبة بإجراء استفتاء.

وقال هكتور موموز الطالب البالغ من العمر 25 عاما في ميدان بويترا ديل سول في مدريد "جئت إلى هنا لأني أؤمن انه يجب علينا أن نصوت في استفتاء. وثلاثة من كل اربعة اسبان لم يقرروا قبول هذا النظام (السياسي) ولذا اعتقد انه من الإنصاف إجراء الاستفتاء." ولا يوجد في إسبانيا قانون ينظم بدقة التخلي عن العرش والخلافة.

ودعت الاحزاب اليسارية وهي بوديموس ويونايتد ليفت وايكو (الخضر) التي فازت مجتمعة بـ20% من الاصوات في الانتخابات التشريعية الى اجراء استفتاء حول الملكية. كما دعا ناشطون مؤيديون للجمهورية الى تجمعات في المدن. وقال المؤرخ الملكي سيزار ديل الاما "سيكون هناك توتر واوقات صعبة لكن الامير عليه ان يثبت جدارته لانه يتحلى بها فعلا. مسيرته جيدة وهو شخص جدي ويعمل بجهد وعادل. لا يمكننا طلب اكثر من ذلك". وتابع المؤرخ "انه لا يعاني مثل الملك الحالي من مشكلة ان صهره متورط بقضايا فساد كما انه لن يرتكب خطا مثل رحلة بوتسوانا".

وفيليبي هو حاكم منطقة كاتالونيا الثرية في شمال شرق البلاد والتي تسعى الى تنظيم استفتاء حول الاستقلال وهو ما تعارضه الحكومة المركزية بشدة. وكان خوان كارلوس اشار الى فيليبي على انه "الاكثر استعدادا" في تاريخ المملكة الاسبانية. وتلقى فيليبي تدريبا عسكريا الى جانب دراسته في الخارج وذلك ضمن استعداداته لتولي العرش في المستقبل. بحسب فرانس برس.

وكان فيليبي الى جانب والده في 23 شباط/فبراير 1981 عندما امر الملك الشاب وهو يرتدي زيا عسكريا، في رسالة متلفزة بقية محفورة في الذاكرة، الضباط الانقلابيين في الحرس المدني الذين كانوا يحتلون انذاك البرلمان بالعودة الى ثكنهم. وباحباطه تلك المحاولة الانقلابية التي قام بها اللفتنانت كولونيل انطونيو تيخيرو فرض الذي اختاره الدكتاتور فرنشيسكو فرانكو منذ 1969 خلفه المحتمل، نفسه في ذلك اليوم بقوة كبطل الانتقال الديموقراطي. وقال فرمين اوربيولا وهو صحافي الف عدة كتب حول الملك "انه وقت صعب لكن الامير تلقى افضل تدريب منذ ولادته وحتى هذه اللحظة".

ملك جديد

من جانب اخر وعد ملك إسبانيا المقبل فيليبي، بأنه سيضع كل قواه في خدمة إسبانيا موحدة ومتنوعة، إذا صادق البرلمان على اعتلائه العرش بعد تنازل والده خوان كارلوس عنه. وقال ملك اسبانيا المقبل، الامير فيليبي (46 عامًا)، وهو واقف إلى جانب زوجته في اول خطاب يلقيه منذ اعلان تنازل والده: "اسمحوا لي باحترام العملية البرلمانية الجارية، والاكتفاء بالتعبير مجددًا عن رغبتي وقناعتي بتكريس كل قواي، مفعمًا بالامل، للمهمة بالغة الاهمية المتمثلة في خدمة الاسبان".

والقى الامير فيليبي، وقد بدا التأثر على صوته الذي كان متقطعًا في بعض الاحيان، هذا الخطاب بمناسبة حفل تسليم جائزة ثقافية في دير سان سلفادور دي ليري في نافارا، شمال البلاد.

وأضاف فيليبي: "واضح أن اليوم يكتسي معنى خاصًا، بعد أن اعلن جلالة الملك قراره التنازل عن العرش، ووضع حدا لعهده". وتابع الامير قائلًا إنه يريد أن يخدم اسبانيا كأمة واحدة بمكوناتها السياسية والاجتماعية الموغلة جذورها في التاريخ الممتد لنحو ألف عام، علمًا أنه يرث بلدًا متأزمًا يعاني ضغط الانفصاليين في كاتالونيا والباسك، وسيواجه تحدي إعادة الشرعية إلى النظام الملكي.

وقال الامير: "في الفترات العصيبة كالتي نمر بها، تلقننا تجارب الماضي الضاربة جذورها في التاريخ أنه فقط بتوحيد جهودنا وتقديم الخير العام على المصالح الخاصة، ودعم المبادرة، والبحث والابتكار لدى كل فرد، سنتمكن من المضي قدمًا نحو مستقبل أفضل". واضاف انه يريد خدمة اسبانيا "الامة والمجتمع الاجتماعي والسياسي الموحد والمتنوع الضارب بجذوره في التاريخ".

ويمثل الامير فيليبي، وريث العرش الإسباني، أمل النظام الملكي. ويحظى هذا الامير بدعم وتقدير من ثلثي الاسبان. وبعد الملك خوان كارلوس سيكون على الامير فيليبي ضمان الاستمرارية واستعادة هيبة العرش. ويقول خوسيه ميغيل الياس، مدير معهد استطلاعات الرأي سيغما دوس: "لقد أثبت الأمير فيليبي أنه مهني للغاية، وقدم دائمًا صورة جيدة مهما كانت الظروف، ولذا ينظر إليه على أنه شخص مستعد جيدًا ومحبوب". وفيليبي طويل القامة، رياضي، أسمر بعيون زرقاء، ورجل هادئ، أكثر تحفظًا من والده، رزين، لكنه مبتسم الوجه دائمًا. وهو متزوج منذ عشرة أعوام من ليتيسيا أورتيز، وهي مقدمة سابقة لنشرة الاخبار ولهما ابنتان، ليونور وصوفيا. بحسب فرانس برس.

ويقول سيزار دي لا لاما، مؤلف كتاب سيرة حياة الملك خوان كارلوس: "يتمتع فيليبي بحضور قوي، فهو لم يتورط في أي فضيحة، وعندما كان يدرس في الجامعة، كان جديًا دائمًا". في السنوات الأخيرة، أدى الامير فيليبي دورًا بروتوكوليًا متزايدًا، فهو من ذهب إلى منطقة سان جاك دي كومبوستيلا في صيف العام 2013 لمساندة الناس بعد كارثة القطار التي راح ضحيتها 79 شخصًا، وحضر القداس على أرواح الضحايا. كما تضاعفت رحلات الأمير الرسمية إلى الخارج. ويتقن الامير اللغة الإنكليزية، والكاتالونية، وهي ميزة مهمة في ظل طموحات كاتالونيا الانفصالية.

فساد المملكة

في السياق ذاته نفت كريستينا ابنة ملك اسبانيا خوان كارلوس اي علاقة لها بعمليات الاختلاس المنسوبة الى زوجها، واكدت امام القاضي في جزر الباليار الذي اتهمها بالتهرب الضريبي انها "كانت تثق به". ووصلت كريستينا بالسيارة الى مقر المحكمة في بالما دي مايوركا وبدت مبتسمة وقد ارتدت سترة سوداء وقميصا ابيض اللون واكتفت بالقول امام كاميرات تلفزيون من جميع انحاء العالم "صباح الخير" قبل ان تدخل الى المبنى.

وجلست كريستينا (48 عاما) على اريكة حمراء مخملية قبالة الصورة الرسمية لوالدها خوان كارلوس، لترد على اسئلة القاضي خوسيه كاسترو. ويشتبه القاضي بان الابنة الصغرى للملك قد تعاونت بالفعل مع زوجها بطل الالعاب الاولمبية السابق في كرة اليد اينياكي اوردانغارين الذي وجه اليه الاتهام رسميا في 29 كانون الاول/ديسمبر 2011 باختلاس 6,1 ملايين يورو من الاموال العامة مع شريك له.

وقال مانويل دلغادو محامي الجمعية اليسارية "فرنتي سيفيسو" التي تمثل احد المدعين بالحق المدني على كريستينا "ان 95 % من اجوبتها كانت مراوغة. كانت هادئة ومرتاحة ومستعدة تماما". واضاف هذا المحامي "انها تحاول التهرب من الوقائع التي يمكن ان تدينها. وتستخدم حقها في عدم تقديم اجوبة تدينها" مضيفا انها اوضحت انها كانت "تثق بشكل كامل في زوجها" الذي تتقاسم معه ملكية شركة ايزون التي يشتبه بانها استخدمت كشركة واجهة لاجراء عمليات الاختلاس.

وامام مبنى المحكمة الذي طوقته قوات الشرطة تظاهر عشرات الاشخاص وهم يطلقون هتافات تطالب ب"اقرار العدالة". وقال سائق الباص اندرس رودريغيز البالغ الخامس والثلاثين من العمر "ان القاضي كاسترو هو احد كبار رجالات اسبانيا بالنسبة الينا. لقت تجرأ على الوقوف في وجه كبار". وقرار اتهام كريستينا الواقع في 227 صفحة والذي وقعه القاضي بعد اشهر من العمل الشاق، كان له وقع القنبلة اذ اكتشفت العائلة المالكة التي واجهت فضائح عديدة وكانت تتمتع بحماية هائلة لفترة طويلة، انها لم تعد محصنة.

ويأمل القصر الملكي الانتهاء بسرعة مما يصفه رئيس الديوان الملكي رافايل سبوتورنو علنا بانه "عذاب". وكان اتهام اول لكاترينا باستغلال النفوذ في ربيع 2013 الغي بطلب من النيابة. وتوجه القاضي بعد ذلك الى شكوك بالاحتيال الضريبي وتبييض رؤوس اموال عن طريق شركة آيزون التي تملك كل من كريستينا وزوجها 50 % منها يبدو انها مولت بحوالى مليون يورو من اموال عامة اختلسها. بحسب فرانس برس.

وتكشف حسابات آيزون اعتبارا من 2004 نفقات مخصصة لتجديد فيلا العائلة في برشلونة بقيمة 436 الفا و703,87 يورو او نفقات خاصة تبلغ 262 الفا و120,87 يورو. ودقق القاضي خوسيه كاسترو بكل هذه النفقات وعرضها في قرار متخم بالاشارات الى فواتير مشبوهة وبتعليقات ساخرة، مثل "الدروس في رقصتي السالسا والميرينغي التي تؤمن في المنزل العائلي" والتي يبدو "من الصعب جدا اثبات" علاقتها بنشاطات آيزون. ويرى القاضي ان "الجنح المالية التي يتهم بها اينياكي اوردانغارين كان من الصعب ان تحدث لو لم تكن زوجته على علم بها على الاقل او موافقة عليها". اما النيابة فترى العكس وتقدر ان "حجم التهرب لا يتجاوز 120 الف يورو" سنويا، وهي العتبة لتصبح جنحة في اسبانيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م