بدأتها بقوّة حركة حماس في القطاع، وأنهتها بقوّةٍ أكبر حركة فتح في
رام الله، تلك المفاوضات التي أسفرت عن تشكيل حكومة التوافق، التي
يؤتمل من خلالها العودة إلى اللحمة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام
الحادة التي نشأت نتيجة قيام حركة حماس بالسيطرة على القطاع منذ منتصف
يوليو/تموز 2007.
على الرغم من إبدائها ليونة لا سابق لها من قبل باتجاه المصالحة،
كانت حكومة حماس قد أرجأت زيارة مسؤول ملف المصالحة عن حركة فتح "عزام
الأحمد" إلى القطاع عدة مرات متتالية، بسبب أنها تريد قبل المثول لديها،
معرفة و(بدقّة) نوايا حركة فتح في شأن المصالحة أولاً، وفي شأن علاقتها
بالحركة ثانياً، لاسيما في أعقاب التطورات الجارية ضد الإخوان المسلمين
في عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، وفيما إذا كانت مُرضية لها
ومنسجمة مع رغباتها. ومن ناحية أخرى أعلنت بأنها ترفض أيّة إملاءات
تصدر من رام الله، وكان ذلك التمنّع عن استساغة أية قرارات خارجية، هو
بمثابة قوة لها وهي داخل مربعها ووسط مناصريها. لكن "الأحمد" برع في
جلب الملل إلى حماس، جعلها تصمت في أحيان متعدد أمام أفكاره، التي تمت
ترجمتها بذهاب القيادة في رام الله إلى إخراج الحكومة متخلية عن
تفاهمات ومتغافلة عن عديد من القضايا التي تهتم بها حركة حماس.
وبدت على عنادٍ أكبر حين أعلنت وعلى الرغم من اعتراض حماس على عدد
من القضايا (قضية وزارة الأسرى)، بأنها ماضية في إخراج الحكومة بمن حضر،
الأمر الذي اضطرها (عن ضعف) إلى الموافقة على تأجيل النظر حول المسألة
إلى إشعار آخر، وتم تجميد (مرسوم هيئة الأسرى) لفترة من الزمن لحين
التوافق والتشاور عليه، ولولا ضغط عدد من الفصائل الوطنية والإسلامية
الفلسطينية التي انتقدت إلغاء وزارة الأسرى واعتبرت خطوة إلغائها غير
مناسبة في هذا التوقيت على الأقل وأوصت بضرورة الحفاظ عليها، لما
استطاعت حماس أن تُثني الرئاسة عن قرارها أو أن تفعل شيئاً ضد تشكيل
الحكومة. ومن المفيد أن نُذكّر بأن حماس تخلّت في كل المحطات عن بعض
طموحاتها وقبِلت بما لا تطيق.
حكومة "إسماعيل هنية" استقالت، وحكومة التوافق أدّت اليمين
القانونية، وعلى الرغم من ادعاء أو مُكابرة حماس إن اضطررنا إلى القول،
بأن حكومة "الحمد الله" الآن تمثل الكل الفلسطيني، إلاّ أنه وبعد ترك
وزرائها في القطاع دون الالتفات إلى أحدهم، نستطيع القول بأن الحكومة
لا زالت حكومة فتح (مُحسّنة) أو موالين لها ويحتكمون بأمرها، لأنه
ببساطة يغلب عليها الطابع الفتحاوي واليسار، حيث شملت الدكتور "رامي
الحمد الله" ليتولى رئاستها، إلى جانب تمكينه من حقيبتي الداخلية
والأسرى، ثم وزير الخارجية "رياض المالكي"، الذي جرى تمكينه بالوزارة
أيضاً، كُرها عن حماس، باعتباره لديها أكثر فتحاوياً من الفتحاويين
أنفسهم، والتي لم تقبل به حتى الآن إلاّ على مضض بحجة أن أمره لا
يستوجب تعطيل المصالحة.
كما أن نائب رئيس مجلس الوزراء "محمد مصطفى" و" زياد أبو عمرو" هما
قريبين جداً من حركة فتح ومن الرئيس "أبومازن" تحديداً، وزيادة على ذلك
فقد رأينا أن الحقائب السيادية تمر من أمامها وتتسلل إلى الأحضان غير
المواتية بالنسبة لها وغير المنسجمة معها، حيث لم تظفر بصوة واضحة سوى
بوزارة الأوقاف بعد إبعاد "محمود الهباش" عن إمكانية تملّكها، وقد كانت
سعت جهدها وعاركت بقوة باتجاه حيازتها لتلك الحقائب خلال تشكيل الحكومة
الفلسطينية الحادية عشرة في أعقاب اتفاق مكة في فبراير/شباط العام
2007.
تلك الحكومة وإن كانت مهمتها إدارة الشؤون الفلسطينية، سواء من حيث
إنهاء الانقسام أو التمهيد للانتقال إلى الانتخابات الرئاسية
والتشريعية المقترحة -أمام حماس على الأقل-، إلاّ أنها ستبدأ عملها
بالاعتراف بإسرائيل كما هو معلوم ومن غير اضطرار شعبي فلسطيني، وإلى
مواصلة المفاوضات معها والتنسيق الأمني أيضاً، بسبب أن الأجهزة الأمنية
لن تأخذ على عاتقها تلك المسؤوليات، ولن تعمل بمعزل عنها بشكلٍ مطلق.
ربما الأشياء التي ظلّت على قيود حماس والتي لا زالت تتخذها قوة
لها، ومن منطلق ترحيبها بالوحدة الوطنية بالتحالف بين جميع الفلسطينيين
ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تشعر بدوام قوّتها الذاتية كونها
(مركّبة) ليس من السهل إضعافها أو تفكيكها، علاوة على تمكّنها من
الافتاء بتحريم الولوج إلى مناقشة مسألة سلاح المقاومة(عتاد وبشر)،
بسبب أنها غير قابلة للنقاش، بل هناك ضرورة بأن تعترف بها ليس الحكومة
الجديدة، وإنما مطلوب من الحكومات القادمة أن يتم ذلك من تلقاء نفسها،
ومن جانبٍ آخر، فإن هناك قطاعات واسعة هنا وفي الضفة أيضاً هي تابعة أو
متعاطفة معها في هذا الجانب، وفي حال حصول انتخابات رئاسية وتشريعية،
سنفهم أنها ستجلب قوة جماهيرية مُضافة، قد تمكنها من بلوغ أملها في
النجاح بالوصول إلى رئاسة إحدى المؤسسات الوطنية الكبرى (منظمة
التحرير، منصب الرئاسة، رئاسة المجلس التشريعي).
على أية حال، فإن خروج الحكومة إلى النور هو أمر جيّد، على الأقل
ستحدد نهاية لحالة تقسيم الشعب الفلسطيني، والتي تسببت في أضرار كارثية
على قضاياه الوطنية والمصيرية، ولكن اللافت هو أن الحكومة وقد ولِدت
على – شوقٍ وعطش- جماهيري، إلاّ أنها لم تبدو كذلك إلى الآن لدى عامة
الجمهور الفلسطيني، إذ لم نرَ طقوساً تجري أو أيّة احتفالات يمكن
ذكرها، ابتهاجاً كما في كل حالة فرح قائمة أو آتية، بالنظر إلى ترديدنا
دوماً مقولة (الضغط الشعبي). ربما ليس مهماً الآن بدء الاحتفال، وأن
الانتظار أفضل كما ستفعل الولايات المتحدة وإسرائيل، ومهما يكن من أمر،
فإن ما هو مطلوب من الحكومة التوافقية، بغض النظر عن (غالبة أو
مغلوبة)، هو المحافظة على الثوابت الوطنية، ومعالجة أدواء المجتمع
الفلسطيني، والأهم، الإدارة (بعدل)، حتى لا يراها الفلسطينيون وخاصة
قاطني القطاع مجرّد حكومة ثالثة.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |